الشيخ محمد محمود الطبلاوى.. آخر حبة فى مسبحة القراء العمالقة


المصدر بوابة الوفد - كتب: صابر رمضان


قرأ القرآن الكريم بسجيته دون أن يدرس علم المقامات الموسيقية، حتى صار علماً متفرداً بصوته فى دولة التلاوة، بدأت رحلته فى الستينيات، واستطاع بموهبته أن يبسط شخصيته على الساحة القرآنية وجابت شهرته الآفاق، حتى أن تسجيلاته عبر الكاسيت ملأت أنحاء البلاد شرقاً وغرباً وجنوباً وشمالاً، تسمع صوته فى السيارات الخاصة، والتاكسى، والميكروباص، فى الأسواق، فى المحلات فى كل مكان، غير أنه برغم هذه الشهرة كان يتألم ضيقاً بسبب رفضه من لجنة الاختبار بإذاعة القرآن الكريم 9 مرات متتالية خلال عشر سنوات «1960 - 1970» حتى تم اعتماده فى المرة العاشرة، وبعد أن كان حلمه القراءة أصبح بين عشية وضحاها أحد النجوم والعمالقة الكبار فى دولة التلاوة، ليسجل اسمه فى دولة التلاوة من نور، واستطاع أن يجلس على دكة الجامع الأزهر ليقرأ فيه بعد رحيل قارئ الملوك الشيخ مصطفى إسماعيل رحمه الله، وصار «الطبلاوى» مدرسة يحتذى به، بل إن الكثيرين ممن يعشقون صوته صاروا يقلدونه، حتى صارت هناك مدارس باسم الشيخ «الطبلاوى» فى عالم التلاوة داخل مصر وخارجها، مشوار طويل من الأشواك سار فيه صاحب الحنجرة الذهبية فضيلة الشيخ محمد محمود الطبلاوى حفظه الله سافر إلى أنحاء العالم قارئاً للقرآن ومعلماً ومحكماً فى العديد من المسابقات الدولية والعالمية، حتى صار اسمه أبرز القراء فى دولة التلاوة ليقف جنباً إلى جنب مع قراء أصحاب أسماء مرموقة فى عالم القراء مثل الشيخ عبدالعزيز حربى وإبراهيم المنصورى ومحمد البحيرى وعلى حجاج السويسى، وغيرهم الكثيرين، عدَّه الكاتب الكبير محمود السعدنى رحمه الله آخر حبة فى سبحة القراء من الرعيل الأول، بسبب تفرده فى الأداء وأنه لم يكن يقلد أحداً، بل إنه هو الذى صار يقلدونه لحلاوة صوته التى ميزته عن غيره من القراء وأصبحت له طريقة منفردة، حيث أبدع أسلوباً خاصاً فى دنيا التلاوة والتجويد والترتيل حتى صار اسم «الطبلاوى» علماً من أعلام مصر والعالم الإسلامى.ولد فضيلة الشيخ محمد محمود الطبلاوى فى 14 نوفمبر عام 1934 فى قرية ميت عقبة بمركز إمبابة بالجيزة، إلا أن أسرته تنتمى فى الأصل إلى قرية «صفت جدام» بالمنوفية، ولأنه كان الابن الوحيد فقد عامله والده بالشدة منذ نومة أظافره حتى حفظ القرآن الكريم كاملاً بكتَّاب القرية وجوَّده أيضاً على يد الشيخ غنيم الزاوى فى الكتَّاب نفسه، وفى الثانية عشرة من عمره دعى لإحياء ذكرى رحيل والدة عمدة القرية وبالفعل قرأ «الطبلاوى» حتى انبهر به الجمهور وبصوته الرخيم، ونصحه شيخه بأن يلتحق بمعهد القراءات بالأزهر الشريف وبالفعل التحق به وأنهى دراسته بعد «6» سنوات، ووقتها كان يحيى الليالى والمناسبات الدينية مقابل أجر «50» قرشاً فى الليلة، قبل أن يعين بشركة «ماتوسيان» للدخان ليرفع الأذان ويقرأ القرآن بمسجد الشركة.وفى ليلة استمع له الشيخ إبراهيم المنصورى واقتنع بإمكاناته الصوتية ثم اصطحبه للشيخ محمود الحصرى الذى استمع له وأعجب بإمكاناته الصوتية ثم وجهه الوجهة الصحيحة فى التجويد وفقاً لأحكام التلاوة، وبعد اعتماده بالإذاعة عام 1970 انطلق صوته عبر الأثير بسرعة البرق ليصل إلى ربوع العالم الإسلامى، لكن بعد محاولات مضنية كما قال فضيلته: «تقدمت تسع مرات للإذاعة منذ عام 1960 وحتى عام 1968 وكان سبب تأخرى فى الالتحاق بها هو المقامات الموسيقية والتى لم أكن ملماً بها ولا أعترف بها حتى الآن لأنها هبة من الله، حتى تمت إجازتى، وقد كان لجنة الاختبار تتكون من الشيخ الغزالى رحمه الله والشيخ عبدالفتاح القاضى، ولولا فضل الله لرفضتنى الإذاعة، أحب الشيخ الطبلاوى سماع بعض المشايخ مثل الشيخ هاشم هيبة والشيخ عبداللطيف كامل وكانا من قراء الإذاعة فى مصر.الشيخ الطبلاوى يعتبر أسعد لحظات حياته حينما قرأ القرآن فى جوف الكعبة، وكما يقول: «كنت مشاركاً فى لجنة تحكيم لمسابقة القرآن الكريم فى مكة، وبعد انتهاء هذه المسابقة فوجئت بأحد أفراد آل شيبة يقترب منى وهو يحمل مفتاح الكعبة، ليطلب منى قراءة القرآن فى جوف الكعبة المشرفة فقرأت آية «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات لأهلها» حتى أهدونى قطعة من كسوة الكعبة».شارك الشيخ «الطبلاوى» فى العديد من المسابقات الدولية التى تقام بين حفظة القرآن الكريم باعتباره محكماً، وقرأ فى مآتم المشاهير والساسة ونجوم المجتمع، وقد عينه الدكتور زكريا البرى وزير الأوقاف الأسبق قارئاً للسورة فى الجامع الأزهر الشريف عقب رحيل الشيخ مصطفى إسماعيل عام 1978، ثم عينه شيخاً لعموم المقارئ لشئون القراء خلفاً للشيخ عبدالفتاح القاضى عام 1982 وعينه أيضاً عضواً بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية.سجل الشيخ «الطبلاوى»  «المصحف المرتل» والمصحف المجود أيضاً للعديد من الإذاعات العربية، سافر فضيلة الشيخ إلى جميع البلاد داخل مصر وخارجها، وطاف جميع دول العالم حتى ذهب إلى القارة الأسترالية، ولا توجد دولة أوروبية أو عربية أو أفريقية إلا وقرأ فيها القرآن، وقد أحيا عزاء الشيخ زايد آل نهيان حاكم الإمارات رحمه الله، والشيخ خليفة بن حمد والملك عبدالله والملك حسين الذى دعاه لإحياء مأتم والدته الملكة «زين الشريف»، وأقام وقتها فى قصر «رغدان» بعجمان لمدة أسبوع يقرأ فيها القرآن لمدة ساعتين يومياً، وكان أول من قرأ القرآن أمام جموع المسلمين فى اليونان بدعوة من مستر «جون لاتسيس»، وكان أول من قرأ القرآن فى روما أمام الجاليات العربية والإسلامية هناك بدعوة من المسئولين بإيطاليا، وحصل الشيخ «الطبلاوى» على وسام الأرز من لبنان أثناء إحيائه ليلة القدر فى شهر رمضان، وقرأ القرآن فى الكويت فى جامع الشيخة «بدرية».سيظل الشيخ الطبلاوى علماً من أعلام دولة التلاوة فى مصر والعالم الإسلامى، وقد أنجب فضيلته «13» ابناً وبنتاً، لم يستكمل منهم مشواره إلا ابنه القارئ الشاب محمد محمد محمود الطبلاوى، الذى استطاع أن يكتسب نبرة صوت أبيه ليحيى من جديد صوت «الطبلاوى الأب» فى شبابه والذى أبهر به العالم شرقاً وغرباً، سيبقى اسم الشيخ «الطبلاوى» رناناً فى آذان مستمعيه ومريديه وعشاقه، أطال الله فى عمره ومتعه بالصحة والعافية.


تعليقات

المشاركات الشائعة