أمريكا اللاتينية على صفيح التحولات

المصدر الأهرام . تحقيقات و تقارير خارجية . ahram.org.eg
وسط أجواء سياسية ساخنة على المستوى الدولى ،عقدت قمة الأمريكيتين الثامنة أخيرا فى ليما عاصمة بيرو، حيث كشفت عن الكثير من المتغيرات والتحولات التى بصددها القارة الجنوبية خاصة فيما يتعلق بعلاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية .كما تكتسب القمة التى اتخذت هذا العام شعار «الحكم الديمقراطى الرشيد ضد الفساد» أهمية خاصة فيما يتعلق بحلم تحقيق الديمقراطية مع إجراء انتخابات رئاسية فى عدد من دول القارة من بينها البرازيل وفنزويلا والمكسيك وباراجواى مما يعتبره المراقبون مؤشرًا على أن القارة بصدد صفحة جديدة من تاريخها ربما تشهد خلالها تحولا جذريًا فى تطورها السياسى والاقتصادى أيضا.
وعادة ما تحظى قمة الأمريكتين التى تعد تجمعا لرؤساء دول وحكومات أمريكا الشمالية والجنوبية وتعقد كل ثلاث سنوات فى واحدة من الدول الأعضاء، اهتماما كبيرا كونها مناسبة مهمة لمناقشة القضايا السياسية المشتركة، بل إنها المناسبة الوحيدة التى تجمع رؤساء الدول اللاتينية بالرئيس الأمريكى، وهدفها الأساسى منذ انشائها عام 1994 هو أن يتصل قادة المنطقة بشكل مباشر بالرئيس الأمريكى للتعارف ومناقشة القضايا التى تهم الأمريكتين. وكان من أشهرها القمة السابعة التى عقدت عام 2015، وتم خلالها دعوة كوبا، حيث التقى الرئيس الكوبى راؤول كاسترو مع الرئيس الأمريكى السابق أوباما وهو ما اعتبر مؤشرًا على المصالحة بعد نصف قرن من التوتر.
ولعل هذا هو السبب فى اعتبار كثير من المراقبين أن هذه القمة فقدت بريقها بغياب الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى اعتذر قبل انعقادها بفترة وجيزة، معللا ذلك بانشغاله بالأزمة السورية وأرسل بدلا منه نائبه مايك بنس، فى سابقة لم تحدث منذ بدء اجتماعات القمة منذ 24 عاما، الأمر الذى تسبب فى حالة من الاستياء، بل واعتبره البعض نوعًا من الإهانة للدول المشاركة، حيث عول البعض على هذه الزيارة بأنها ستسهم فى تعزيز العلاقة بين الطرفين، خاصة أن مواقف ترامب المعلنة فى قضايا الهجرة وإصراره على الجدار الحدودى مع المكسيك، إلى جانب عدائه السافر لرئيس فنزويلا نيكولاس مادورو، وتراجع الإدارة الحالية عن محاولات التقارب مع كوبا التى سبق وقادها أوباما، تسببت فى توتر الأجواء مع دول القارة التى تحفظت على الطريقة التى يتناول بها ترامب مثل هذه القضايا الشائكة وخلقت حالة من النفور بين الطرفين. ثم جاء الاعتذار ليؤكد وجهة نظر هؤلاء بأن أمريكا اللاتينية لا تحتل موقعًا متقدمًا على أجندة الإدارة الأمريكية، وأن هذه الإدارة لا تملك كذلك أى رؤية أو إستراتيجية واضحة للتعامل مع فنائها الخلفى.
ومع ذلك فقد رصد المراقبون أكثر من متغير خلال القمة، أولها أنه حتى وقت قريب لم يكن قادة أمريكا اللاتينية يفوتون أى فرصه للتنديد بالسلوك الاستعمارى والاستعلائى للشمال، ولكن خلال الفترة الأخيرة أصبحت القارة أكثر تحفظًا وأكثر اهتمامًا بالأزمة فى فنزويلا. والدليل على ذلك أن الرسالتين اللتين حملهما مايك بنس نائب الرئيس الأمريكى، وهى الدعوة لتأييد الضربة العسكرية على سوريا وفرض نوع من العزلة على الرئيس نيكولاس مادورو وجدت قدرًا من التأييد، حيث انقسم الحاضرون حول هاتين القضيتين. وهو انقسام بدأ مبكرًا وانعكس قبل انعقاد القمة فى توجيه الدعوة لمادورو ثم سحبها بسبب السجال الدائر فى بلده.
أما الأمر اللافت الذى توقف عنده المحللون كثيرًا هو أن الصين اعتبرت الغائب الحاضر فى هذه القمة، والسبب يعود لكونها شريكًا اقتصاديًا مهمًا لعدد من بلدان القارة باستثمارات مباشرة فى مجالات الطاقة والتكنولوجيا والنقل وصلت لحوالى 110 مليارات دولار فى الفترة من 2003 إلى 2016، فى البرازيل والأرجنتين والمكسيك، الأمر الذى جعلها موضوعا للمناقشة فى الاجتماعات الثنائية للرؤساء والوفود، بعد أن أصبح العملاق الآسيوى شريكًا تجاريًا رائدًا وهو ما سينعكس سلبًا على الشركات الأمريكية.

تعليقات

المشاركات الشائعة