مبارك الفرعون الأخير .. الحلقة الأولى:كيف تصرف مبارك فى اليوم التالى للتنحى؟..طلب الاتصال بالنائب والمشير.. وانقبض من مشهد الأفراح فى الشوارع.. وتذكر شاوشيسكو وصدام وقال بلدنا مش كده الأحد، 22 يونيو 2014 - 08:00
صباح السبت 12 فبراير 2011، استيقظ محمد حسنى مبارك فى الخامسة صباحا، كما اعتاد طوال أكثر من خمسين عاما، فى شرم الشيخ حيث اعتاد قضاء الإجازات، وهو يشعر بمشاعر متضاربة، ولمح حالة من الترقب والقلق بين أفراد أسرته، الذين ظلوا طوال الليل يطمئنون عليه، خوفا من أن يكون أصيب بأزمة، من جراء صدمة التنحى، وقبل أن ينتبه طلب أن يجرى اتصالات بنائبه عمر سليمان، والمجلس العسكرى، ليطمئن على سير الأمور فى البلد التى كان يحكمها طوال 30 عاما، وحتى أمس كان صاحب القرار الأول والوحيد، كان يتعامل كرئيس سابق ماتزال معه حراسته وسكرتاريته، وإن كان شعر ببعض الغصة، من الأفراح التى شهدها فى الشوارع وأن المتظاهرين سهروا يرقصون فى التحرير والشوارع حتى الصباح، هو اليوم الأول خارج السلطة، وإن كان لم يشعر بأن السلطة غادرته، وشعر ببعض الراحة عندما علم أن المتظاهرين بدأوا فى الانصراف لمنازلهم بعد 15 يوما قضوها فى الميادين يرفضون الانصراف قبل أن يترك الحكم، وانتبه إلى أنه لم يعد رئيسا، ولم تعد لديه سلطات، وعليه أن ينتظر الاتصالات، ولا يطلبها، ثلاثون عاما، وهذا هو اليوم الأول خارج الرئاسة، وبعيدا عن أى مؤثرات فى القرار، ربما تذكر وهو يستعرض وجوه من حوله، تلك النظرات فى عيون جيهان السادات، وأبناء الرئيس الراحل، قبل ثلاثين عاما، عندما وجد نفسه فجأة أمام شخصية أخرى غير تلك التى كانت زوجة الرئيس، واكتشف مبارك أن للسلطة بريقها، الذى لا يخفى على أحد، حتى مع وجود السكرتارية وكونه ما يزال موجودا إلا أن شيئا ما فى الهواء تغير.
بدا حسنى مبارك مندهشا من حجم الفرح برحيله عن الحكم، وهو الذى كان طوال الوقت يقول لمن حوله إنه يريد «أن يرتاح»، وكان من حوله يرفضون، ويعربون عن أن البلد سوف تتوتر، مافيش حد ينفع البلد مشاكلها كتير، لم يجر مبارك أى اتصالات، وقضى يومه الأول خارج السلطة، يسترجع التواريخ والمشاهد، التى تمر أمام عينيه، كأنها حدثت بالأمس، ويصبر نفسه: تلاتين سنة كفاية، كان ينظر حوله لجمال وعلاء والأطباء ويسرح فى عالم آخر، ويطمئن الأطباء: أنا كويس.
شعر بصدمة من فرحة المصريين، لتنحيه، بعد كل هذه السنوات التى خدم فيها وطنه، ويبدو قلقا من أن المستقبل للبلد الذى ساهم فى بنائه، يبدو غامضا، هو يرى أن جماعة الإخوان كانت تستعد للقفز على السلطة فى البلد، وقال ذلك بوضوح للرئيس الأمريكى أوباما، وحذره من أن البديل لنظامه، هو حكم الجماعات المتطرفة، التى لا يهمها الفوضى.
كان يعرف أن الإخوان على اتصال دائم بالأمريكان، وأنهم لم يتوقفوا عن إرسال رسائل الطمأنة للأمريكان بأنهم سوف يقيمون حكما ديمقراطيا، وأنهم لن يستأثروا بالحكم، كانت التقارير التى تلقاها طوال الأيام الأخيرة، تكشف عن أن جماعة الإخوان تستعد للقفز على المظاهرات، وأن كثيرين من المتظاهرين لا يعرفون الحقيقة، وبدا مندهشا، من تطور الأحداث فى اليوم التالى لخطابه الذى ألقاه أول فبراير، وتحدث فيه بشكل عاطفى، وأبدى استعدادا للتفهم، وتعهد بألا يترشح هو أو أى من عائلته، ولا يعرف من أين أتى البلطجية والقتلة للميدان وأشعلوا الموضوع، عض مبارك على شفته وهو يتذكر، وينفخ، الإخوان مش هيسيبوا البلد، وعيونهم على السلطة، وهيضحكوا على الكل، لقد استمع من نائبه عمر سليمان لتفاصيل اللقاءات التى أجراها مع القوى السياسية والشباب، وفهم أن الإخوان لن يتركوها هذه المرة.
صباح الثلاثاء 12 أبريل 2011 كان محمد حسنى مبارك فى الثالثة والثمانين من عمره ينتظر فى غرفته بفندق هلنان مارينا شرم الشيخ، ويحاول إخفاء شعوره بالغضب والقلق.. صحا فى الخامسة صباحا، كما اعتاد طوال سنوات حكمه، يوم 12 أبريل وتبادل أحاديث مختلفة مع ابنيه علاء وجمال وزوجته التى كانت السيدة الأولى، كان الوجوم والقلق باديا على وجوه الحضور، لأنهم ينتظرون بعد ساعات قدوم المحقق من النيابة العامة، للتحقيق مع حسنى مبارك وولديه، فى اتهامات بقتل المتظاهرين واتهامات أخرى بالاعتداء على المال العام.
كان مبارك تناول إفطاره قبلها، وجلس ينتظر المحقق، وهو يشعر ببعض القلق، لكنه رمى من وراء ظهره، وابتسم وهو يسترجع تفاصيل السنوات البعيدة التى استمر فيها يعمل بلا توقف، ولم يجد لديه من الوقت أو الفراغ ما يجعله يتذكر كل هذه التفاصيل، نظر إلى ابنيه علاء وجمال مبتسما، سألاه عن صحته فقال بصوت واهن «كويس الحمد لله»، كانت الأنباء كثيرة عن سوء صحة مبارك الرئيس السابق، الذى كان حتى ثلاثة شهور قد تنحى مجبرا عن السلطة، بعد 18 يوما راوغ فيها وحاول الاستمرار فى الرئاسة وراهن فى البداية كما راهن دائما على أنها «أزمة وتعدى»، وقد اعتاد أن يواجه الأزمات الكبرى بثبات ومن دون أن تهتز أعصابه، أو يشعر بالقلق، يشعر قليلا بالفخر لكونه كان طيارا وكان يتعرض للكثير من المواقف التى تستدعى التدخل وكان عليه أن يظل ممسكا بزمام الأمور، لكنه هذه المرة لم يستطع الإبقاء على وضع الطيران، وأفلتت الأمور من يده، وشعر أن عليه أن يتخذ قراره بالهبوط الاضطرارى.
بالطبع هو اليوم أفضل كثيرا من الأيام التالية للتنحى، فقد كان يحلم أنه تم القبض عليه من جماهير اقتحمت عليه غرفته، وانتزعته هو وأبناؤه وتم إعدامه من دون محاكمة، لكنه راهن دائما على أنه طالما الأمور فى يد الجيش وأن القوات تسيطر، فإن غضب الشارع سوف يهدأ وتعود الأمور إلى نصابها.
ابتسم وهو يشعر براحة ما أنه على قيد الحياة، وأنه لم يتعرض للبهدلة، مثلما جرى مع غيره من الزعماء والرؤساء الذين عاصر نهاياتهم، الموضوع فى مصر مختلف، مبارك بعد 37 عاما فى قمة السلطة، منها 30 عاما يحكم منفردا، ما زال يرى أنه يفهم الشعب المصرى، ويعرف حدوده، بل إنه خلال اشتعال المظاهرات، قال للرئيس الأمريكى باراك أوباما فى اتصالهما الأخير عندما طالبه بترتيب الخروج من السلطة ونقلها بشكل سلمى قبل أن تتفاقم الأمور، قال لأوباما «أنت لا تعرف شعبى أنت لا تعرف المصريين.. أنا أعرفهم» وكرر مبارك ذلك كثيرا، وقال دعنى أتعامل وأحل المشكلة كما اعتدت دائما، وبعدها سترى، فهل كان مبارك يعرف فعلا الشعب المصرى، ويعرف مفاتيحه، وهل بالفعل كان يفهم طبيعته وما يريده، وهل كان الشعب المصرى يعرف مبارك ويفهم كيف يدير البلاد؟.
لقد مرت 60 يوما بالضبط على خروجه من القصر الرئاسى، الذى قضى فيه ثلاثين عاما إلا قليلا، وبعد أن أفاق من صدمة الإطاحة، وتكيف مع كونه لم يعد رئيسا، ولم يعد يملك سلطة على أى قرار، وربما حتى على القصر الذى يقيم فيه، وجد الوقت لكى يسترجع الكثير من تفاصيل حياته، وأن ينظر خلفه ليعرف ما إذا كان يمكنه تغيير المسارات، وهل كان يمكن لمبارك أن يغير مصيره أو يتخذ قرارا ييسر به مصيره ويخرج من دون أن يتعرض للتحقيقات أو يتهم اتهامات يراها ظالمة بقتل المواطنين أثناء المظاهرات ضده أو سرقة المال العام، هو يعرف منذ بداياته، أن الصحافة والإعلام تبالغ فى الأرقام والاتهامات، وهناك الكثير من الشائعات عن أمواله المهربة، وملياراته التى هربها إلى بنوك سويسرا وأوروبا، وهو كان يعرف أنه سوف يبقى ويعيش ويموت فى مصر، وما الداعى لتهريب أموال بينما هو سيبقى فى مصر؟.
مبارك قال لسوزان ثابت زوجته إنه كان محقا عندما رفض كل العروض ليغادر البلاد، وقد تلقى بالفعل عروضا من السعودية ودول خليجية لينتقل وعائلته هناك، مثل سابقه زين العابدين بن على الرئيس التونسى الذى هرب من تونس إلى السعودية فى أعقاب المظاهرات والثورة عليه، قال مبارك مبتسما «مش ممكن أهرب وأسيب مصر»، مهما كان، الواحد يعيش مطارد، أنا ما اتعودتش أهرب أبدا من أى معركة، هاجى بعد العمر دا وأهرب وأسيب بلدى وأعيش لاجئ.
بالطبع جاء على ذهن مبارك مصائر رؤساء تم قتلهم أو إعدامهم من قبل شعوبهم، وما زال يتذكر نيقولاى شاوشيسكو الذى أعدمه الجيش أمام التليفزيون هو وزوجته بعد محاكمة استمرت نصف ساعة، فى ديسمبر 1989، وصدام حسين الذى عرض مشهد إعدامه بالمشنقة فى 30 ديسمبر 2006 صباح عيد الأضحى، ويومها أبلغ مبارك الأمريكان غضبه وغضب العرب والمسلمين، لكنهم لم يسمعوا، لقد شعر مبارك ببعض القشعريرة وهو يتذكر مشهد إعدام صدام، ويتذكر مشهد المشير محمد حسين طنطاوى الذى فوضه هو والمجلس العسكرى لإدارة شؤون البلاد، ومازال مبارك يرى أن المصريين مختلفون، وإن كان هناك بالفعل من يطالب بإعدامه.
فكر محمد حسنى مبارك فى كل هذا وهو ينتظر حضور المحقق من النيابة، فى التاسعة والنصف، بقرار من النائب العام عبدالمجيد محمود بالتحقيق مع مبارك وولديه جمال وعلاء، نظر إلى علاء وقال له إنت اتاخدت فى الرجلين يا علاء، ابتسم علاء: كلنا فداك يا ريس، ولم ينس أن ينظر لجمال ابنه الأكبر ويبتسم: عامل إيه يا جمال؟، يبتسم جمال: الحمد لله يا ريس، كان جمال يشعر ببعض الحرج منذ الأيام الأخيرة للأب فى الحكم، يشعر ببعض الذنب لكونه المسؤول عما جرى، وقد واجهه علاء قبل ساعات من إعلان تنحيه وقال له: إنت السبب فى كل البهدلة دى.
كانت سوزان ثابت تنظر لهم وتحاول أن تبدو متماسكة، بينما الشحوب باد على وجهها، وهو شحوب لم يغادرها منذ الساعات الأولى للسبت التالى لجمعة الغضب، حيث كانت تشعر أنها الأيام أو الساعات الأخيرة فى القصر، بعد سنوات كانت فيها فاعلا وآمرة، لكنها اليوم تنتظر مصيرها من آخرين، كان بعضهم لا يحلم بلقائها.
مبارك وهو فى الثالثة والثمانين، من عمره، ما يزال حريصا على أن يبدو متماسكا وقويا فى مواجهة ما سيأتى وقد تم إبلاغه من قبل ضابط حراسة كبير بأن هناك محققا من النيابة سوف يأتى لأخذ أقواله فى قتل المتظاهرين، وإنه لم يعد هناك مجال للتأجيل، وكان محاميه فريد الديب قد أعلن أن مبارك مريض بالسرطان وأن صحته فى خطر ويحملهم المسؤولية عن حياته، وأى خطر يهددها، لكن الأطباء بعد الكشف عليه، قالوا إن صحته جيدة، باستثناء بعض المشكلات فى القلب، وكان هذا قبل يومين، وبعد أيام كان من حوله مترددون فى إبلاغه بالأمر، وعندما أبلغه الضابط رد: خليهم يعملوا شغلهم، «القضاء هو اللى هيبين الحقيقة وأنا مستعد لأى محاكمة».
كان المحقق المنتدب من النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود للتحقيق مع مبارك وولديه فى البلاغات المقدمة ضدهم، برقم 1 لسنة 2011، سبقها طلب النيابة من رئيس الطب الشرعى لتحديد ما إذا كانت الحالة الصحية لمبارك تسمح بحضوره إلى مقر نيابة الطور، وبعدها انتظر المحقق المستشار مصطفى 6 ساعات، وافتتح محضرًا آخر أثبت فيه تقرير الطب الشرعى من الدكتور السباعى أحمد السباعى رئيس قطاع الطب الشرعى وكبير الأطباء الشرعيين الذى ترأس لجنة انتقلت إلى مقر سكن الرئيس السابق، وتبين لها وجود الرئيس فى فراشه ووجود ابنيه وزوجته وطبيبين لمبارك، قالا إن مبارك يتناول الأسبرين واللازكس فقط كعلاج، وأنه مصاب بارتجاف أذينى بعضلة القلب، استلزم إعطاءه علاجا أدى لهبوط فى الضغط.
كما أثبت الطبيب الشرعى وجود أثر التئام بأعلى منتصف جدار البطن، وآخر أسفلها مائل الوضع طول كل منهما حوالى 25 سم، وهما من آثار العملية التى أجريت له عام 2008، وأعلنت الرئاسة أنها لغزالة المرارة، لكن تسرب بعد ذلك أن العملية كانت عاجلة لإزالة ورم بالجهاز الهضمى، وتم التكتم عليها، وهى الفترة التى شهدت أنباء عن أن مبارك سوف يجرى تغييرات فى النظام بعد عودته، وتردد أنه سوف يعين نائبا له قيل إنه اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات، كما صاحبت هذه الأنباء أخرى عن تغييرات حكومية يتم بمقتضاها تعيين الفريق أحمد شفيق وزير الطيران المدنى رئيسا للوزراء، لكن بعد عودة مبارك لم يحدث أى قرار، وبعد خروجه من الحكم تم إعادة هذا الأمر مصحوبا بأن سوزان ثابت زوجة مبارك هى التى رفضت القرار، ومعها بالطبع كان جمال مبارك، الذى كان وقتها فى صدارة المشهد وبانتظار اللحظة المناسبة ليتولى الحكم وسط صمت ورفض مكتوم ورغبة من أجهزة الدولة فى استمرار مبارك إلى النفس الأخير ويومها يمكن أن تتشكل الأحوال كما ينبغى.
لقد كان أثر العملية الجراحية على بطن مبارك، بهذا الحجم أحد الأدلة على طريقة الحكم طوال 30 عاما، كان مبارك يميل للكتمان، وهى طبيعة لازمته طوال حياته، وفترة حكمه، فى نظام استمر مبارك على رأسه ثلاثين عاما، والأهم أنه كان يستعد بعد ذلك للإجابة على أسئلة المحقق، مستسلما ومراوغا، فى إحدى حالات مراوغاته التى تعلمها خلال توليه الرئاسة، وهى مراوغات لم يكن يقبلها من أى ممن عملوا معه، سواء فى مسيرته المهنية فى الجيش، أو فى الرئاسة عندما كان صاحب القرار الأول والنهائى.
بالطبع وجد مبارك لديه من الوقت قليلا ليستعيد حياته، ويتذكر المواقف التى لا تنسى، ومبارك بالرغم من أنه قال فى خطابه قبل الأخير «سيحكم التاريخ على وعلى غيرى بما لى وما على» فإن محمد حسنى مبارك، لم يكن قارئا للتاريخ، ولم يحبه، ولم يكن من الحكام الذين يسعون لاحتلال مساحات من التاريخ، وبالطبع فلم يكن يعرف أنه لا هو ولا غيره يستفيدون من دروس التاريخ، لأن الدروس عادة تأتى بعد فوات الأوان، وبعد انتهاء الفرص الممنوحة.
هناك لحظات لابد وأن مبارك استعادها، فى أوقات انتظاره الطويلة، ما بعد الخروج من القصر، منها لحظة وقوفه يوم 14 أكتوبر 1981، أمام مجلس الشعب قبل ثلاثين عاما، ليقسم «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه».. بعد 8 أيام فقط على اغتيال الرئيس السادات، وخلالها تولى صوفى أبوطالب رئاسة الجمهورية بوصفه رئيس مجلس الشعب، طبقا لدستور 1971، ثم يتذكر بيان التنحى الذى ألقاه نائبه عمر سليمان بدون قسم، أعلن الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصبه، وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد.
بالطبع فقد استعاد مبارك يوم 15 أبريل 1975، عندما استدعاه الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، ليبلغه أنه اختاره نائبا له، ويبدو أن شهر أبريل كان شهرا ذا تواريخ مع مبارك، فقد رفع علم مصر على سيناء المحررة فى 25 أبريل 1982، وهو اليوم الذى لم يشهده الرئيس السادات، وكان ينتظره ليعيد علاقاته مع الداخل والخارج، لكن كل هذه التواريخ التى استعادها مبارك محتها لحظات صعبة مرت كالدهور، أهمها على الإطلاق يوم 6 أبريل 2008، عندما حطم متظاهرو المحلة الكبرى صورته وداسوها بالأقدام بعد أن أسقطوها، ضمن أولى إشارات لم ينتبه لها، وأبدى غضبه لوزير الداخلية حبيب العادلى من أن يتم السماح بتحطيم صورته وضربها وإهانتها، وفى اليوم التالى اتجهت المئات من سيارات الأمن المركزى للسيطرة على المحلة الغاضبة، بالمظاهرات، على غير توقع، حيث كانت وزارة الداخلية وحبيب العادلة تستعد لمواجهة مظاهرات 6 أبريل فى القاهرة، وخلت تقارير الأمن من أى احتمالات للمظاهرات فى المحلة الكبرى، التى فاجأت العادلى ومبارك، لكنها لم تعنى لديهم جرس إنذار واضح بأن النظام أكله النمل، بعد أربع سنوات من تشكل حركة كفاية التى أعلنت رفضها التمديد لمبارك، أو توريث الحكم لجمال.
مبارك لم يربط بين أحداث تصادف أن جمعها شهر أبريل، وهو نفسه يخضع لأول تحقيق فى اتهامه بقتل المتظاهرين أمام النيابة، ناهيك عن اتهامات بالفساد ونهب المال العام، وهو الاتهام الذى يبدو أنه أثار غضب مبارك أكثر من اتهامه بقتل المتظاهرين، ودفعه لأن يستبق الأمور، ويسجل صوتيا، ثم يرسله لقناة العربية التى أذاعته يوم 10 أبريل 2011، بعد 60 يوما على التنحى.
ويبدو أن حسنى مبارك لم يتوقع أن يخضع لتحقيقات ولهذا طلب بعد التنحى الانتقال إلى شرم الشيخ ليعيش هناك ربما تصور أن تنحيه سيكون كافيا لامتصاص الغضب الشعبى، لكن الشارع لم يهدأ ونظم المتظاهرون مظاهرات يطالبون فيها بمحاكمته، وانتشرت فى الصحف والإعلام تقارير عن مصادر أجنبية ومحلية، تعلن عن امتلاك مبارك لثروة تم تهريبها للخارج ووضع بعضها فى بنوك سويسرا أو لندن، التقديرات بين 40 و 70 مليار دولار، وهى أرقام نشرتها تقارير بصحف كبرى كانت أبرزها الجارديان البريطانية، وسارت وراءها الصحافة والإعلام فى مصر، وتصور من نشروا أن صحيفة كبرى لا يمكن أن تنشر بلا توثيق، لكن أمور الثروة والقتل أصبحت ضمن التحقيقات، خاصة أن كاتبا كبيرا مثل الاستاذ محمد حسنين هيكل نشر الرقم وتم استدعاؤه لتقديم ما لديه فى النيابة، وكل هذا جعل قضية الثروة مطروحة، وتزامن ذلك مع تقارير وأخبار عن قصور فى شرم الشيخ، وصفقات أبرمها علاء وجمال مبارك.
كان مبارك يصر على أنه لم يصدر أمرا ولو شفهيا أو كتابيا بإطلاق الرصاص على المتظاهرين، وأعلن استعداده للخضوع لأى تحقيق، لكنه غضب بشدة عندما أبلغه محاموه وأبناؤه بأن التحقيقات تشمل اتهامات تتعلق بالمال العام، وحسابات سرية وتهريب أموال وغياب بعض المنح التى قدمتها دول خليجية مثل السعودية والإمارات لمصر، وغضب مبارك أكثر من الاتهامات بالفساد اكثر من الاتهامات بقتل المتظاهرين، بتسجيل كلمة صوتية أرسلها إلى قناة العربية لتذاع عليها يوم 10 أبريل، وجهها إلى الشعب المصرى، أعرب فيها عن تألمه هو وأسرته من حملات وصفها بالباطلة وتستهدف الإساءة لسمعته والطعن فى نزاهته وتاريخه العسكرى، والسياسى الذى قال إنه اجتهد فيه من، ونفى أن تكون لديه أية حسابات خاصة خارج البلاد، وأعلن: «بناء على ما تقدمت به من إقرار لذمتى المالية النهائى والبيان الذى أصدرته مؤكدا فيه عدم امتلاكى أنا وزوجتى وأبنائى علاء وجمال، لأى حسابات أو أرصدة أو عقارات خارج مصر، أو أى عقارات أو أى أصول عقارية بشكل مباشر أو غير مباشر سواء كانت تجارية أو شخصية منذ اشتغاله بالعمل العام عسكريا وسياسيا وحتى تاريخه حتى يتسنى للجميع التأكد من كذب كل الادعاءات التى تناولتها وسائل الإعلام والصحف المحلية والأجنبية حول أصول عقارية ضخمة ومزعومة فى الخارج أمتلكها أنا وأسرتى. نافيا تورطه فى الفساد المالى أو استغلال النفوذ».
ويبدو أن مبارك سجل البيان بناء على اقتراحات من أولاده ومحاميه، وأطراف أخرى، لكن الرأى العام انشغل عنه، وجاءت ردود الأفعال عليه غاضبة باعتباره متهما يسمح له بالحديث للإعلام الخارجى، ليصدر قرار النائب العام بحبس مبارك، ليكون أول حاكم فى تاريخ مصر الحديث يقف أمام محكمة ليحاكم.
المصدر اليوم السابع
تعليقات
إرسال تعليق