المفكر العالمى سمير أمين لـ "الأهرام" : ثورة يونيو تنهى رأسمالية "المحاسيب" السيسى كان نابها عندما ارتبط بإرادة المصريين
وسط عالم تتخاطفه الأحداث من كل جانب جاءت الحوارات , محاولة لترتيب أفكارنا والدوران فى فلك وعى جديد ,لعلنا نصل الى القدرة على اعادة التفكير فى الاسئلة المطروحة على الساحة العالمية .
فالحوارات التى نقدمها حول المستقبل بمثابة حفر معرفى فى أذهان النخبة العالمية الذين قبلوا بشجاعة تحدى الاجابة عن أسئلة محورية وشاملة حول الموضوعات الاكثر أهمية وحيوية على الساحة العالمية المعاصرة وارتداداتها على المحيط المصرى والعربى , ونتوقف عمدا عند محطات فكرية ذات دلالة فى السياق التاريخى والحضارى منها التجربة الديمقراطية... ونتاجات الحداثة... وحوار الحضارات والتعددية الثقافية فى مواجهة العولمة... ولا يمكننا أن نغفل هذه الثلاثية التى تثير جدلا صعودا وهبوطا ,كرا وفرا ,وهى الدين بالمعنى العام ,والعلمانية ,والاسلام السياسى بوجه خاص . فجاءت حوارات المستقبل محاولة لقراءة هذا الوضع المتفجر بالاسئلة المتشابكة.باختصار هى قراءات متأنية فى زمن متعجل .
عندما نتحدث عن التبعية وعلاقة المركز بالأطراف أو تلك المسميات عالمية الطابعالمثيرة للجدل والنقاش علي مستويات عالمية وإقليمية ومحلية فإننا نشير بمعني ودلالةإلي هذا الاسم: سمير أمين المصري مولدا وروحا والعالمي فكرا وحضورا مؤثرا... فيبورسعيد التي لم تكن مدينة منغلقة بل كانت مدينة عصرية وعالمية بكل ما في الكلمةمن معنى، كانت طفولة سمير أمين وصباه حتي حصوله علي الثانوية العامة ليغادرإلى باريس، ثم عائدا بالدكتوراه في الاقتصاد من جامعةا لسربون وكشأن معظم أبناءعصره من المثقفين بدأ شيوعيا لكن الماركسية السوفيتية آنذاك لم تلق إعجابا لديهوربما منذ هذه اللحظة بدأ تكوينه الفكري مؤسسا علي وجهة نظر نقدية تتطلع إليعالم أرحب وأشمل من مجرد عقيدة يؤمن بها فجاءت قراءاته المختلفة والمحددة للماديةالتاريخية وأنماط الإنتاج بمثابة قوة دافعة لتيار من الأفكار والنقاشات والتعليقات المثمرةفي أنحاء مختلفة من المعالم وتخصيصا في العالم الثالث وبلدانه النامية التي تحاولشق طريقها إلي التقدم دون الوقوع في فخ التبعية أو التهميش الاقتصادي، من هذهالزاوية يمكن فهم نقد سمير أمين للماركسية وتحليلاتها السائدة وتحليلاته العميقة للنظامالرأسمالي والاقتصاد العالمي التي استفاد منها باحثون أنارت لهم أفكار سمير أميندربهم المعرفي في ظل اقتصاد عالمي يكتنفه الغموض وتحاصره المركزية وتديرهأهداف غامضة وعقول مغرضة.
سمير أمين مفكر متفرد أدار عقارب الساعة الماركسية إلي الأمام حيث الاتساعوالشمول ..حكي لي أحد الباحثين في مؤتمر حضره في باريس عن عبارة قالها باحثفرنسي مازالت تتردد علي أسماعي دائما عن سمير أمين إنه ماركس الحالم بعالم جديد وقال لى المؤرخ الأمريكى بيتر جران ان سمير أمين مفكر استثنائى , ونادرا ما تقرأكتابا في اقتصاديات التنمية والتبعية ونظرية ـ المركز والأطراف دون أن يحل هذاالاسم: سمير أمين ضيفا مهما في ثنايا الكتاب... تاريخ مجيد من الإبداع والتألقيصاحب هذه القيمة التي ما عادت رغم روحها المصرية الخالصة ملكا لنا بل لكلبلدان العالم النامي التي تتطلع إلي شمس الحياة الكريمة... قد يخجلك تواضعه وأدبهالجم لكنك؛ تخجل بحق عندما تدرك أنه بالرغم من عالميته مازالت جماهير غفيرة لاتعرفه في مصر لا تدري أنه في صفهم وينحاز علي الدوام لاحتياجاتهم وتطلعاتهم إليوضع اقتصادي محترم أو يبدو سمير أمين دائما كأوركسترا فكري يعزف مقطوعاتالإبداعية دون توقف وعلي نحو مبهر ومتألق دائما.
وها هو سمير أمين رئيس منتدى العالم الثالث ورئيس المنتدى العالمى للبدائل والأفكاريخص جريدة الأهرام ليس بمجرد حوار عابر، بل يطرح من خلال هذا المنبر الإعلاميوالثقافي العريق ملامح أساسية لتصوراته الجديدة التي تعد تأسيسا لنظرية جديدةتنضاف إلي هذا الكم من الكتابات والإبداعات الفكرية لسمير أمين، وندعو القارئالكريم عبر هذا الحوار العميق إلي قراءة واعية بملامح هذا الجديد الذي تنشره الأهراملمفكر مصري وعالمي جدير بفخرنا وبقراءتنا الواعية لأفكاره واسهاماته.حيث يرسم لنا طريق الحرير الجديد , ويخبرنا عن مستقبل العالم .
وسط هذا الكم من الأحداث والتحديات .. أي نوع من التحدي يواجه مصر في اللحظةالراهنة؟
يمكن أن نسمي هذا النوع من التحدي... تحدي الصعود تحربة محمد علي، تجربةعبدالناصر، نموذجا وتاريخ مصر الحديثة عبر فتراته هو تاريخ لمحاولات وموجاتمن الصعود وفي المقابل تعثر ناتج في أساسه لعداء القوي الامبريالية لمصرولصعودها وفي يناير 2011 دخلت مصر مرحلة جديدة من تاريخها، وتحليلي ينصبعلي جانبين الأول: تلك الحركة الديمقراطية الوطنية الشعبية الثاني: استراتيجيات العدومن الداخل، أي العدو الرجعي المحلي وحلفائه بالخارج، لكن قد يكون الحل الغرق فيمركب من التنمية الرثة، والخضوع لسيطرة النظام الإمبريالي العالمي.. لكن سيتواصلالنضال الذي سيسمح بمخارج من هذا الطريق المسدود.
وقد رسخت مصر فى عهد عبد الناصرنظاما اقتصاديا واجتماعيا, كيلت له الانتقادات, لكنه كان نظاما وطنيا متسقا , فقد راهن على التصنيع الذى قلب دور مصر البلد المصدر للقطن رأسا على عقب , كما أنه نظام اهتم بالأساس بتوزيع الدخل لصالحالطبقات المتوسطة , والطبقات الشعبية ,غير أن الامور فى عهد السادات ومن بعده مبارك ومرسى سمحت لمشروع العولمة الليبرالية الفجة ان تفكك المنظومة الانتاجية فى مصر . وقد بنيت هذه المنظومة على ربحية شركات هى مجرد مقاولين من الباطن للاحتكارات الامبريالية . كما ان معدلات النمو الاقتصادى المرتفعة التى امتدحت من قبل البنك الدولى على مدى 30 عاما لم يكن لها معنى على الاطلاق , لانه كان نموا هشا معرضا للتراجع الى اقصى حد . كما صاحب هذا النمو ازدياد فى مستوى البطالة, وسقوط المساواة من الحسبان , ومن ثم أصبح الموقف قابلا للانفجار , وبالفعل انفجر لاحقا . عندما اصبح الفقر والبطالة على نطاق واسع نتيجة محتمة للسياسيات الليبرالية الجديدة (النيوليبرالية) وجدت الشروط الموضوعية للتمرد والثورة . وبالموازاة توقفتمصر عن فاعليتها السياسية والاقليمية والعالمية . وأصبح المعلم السائد هو الغاء الممارسة الديمقراطية ..
وقد حدث جراء عملية نزع السياسة في المجتمعات الإسلامية هو أن صار هناكخطابان وحيدان مسموح بهما: الأول خطاب المسجد «الدينى» الثاني خطاب السلطة،وقد ازدادت كثافة هذين الخطابان في عهدي السادات ومبارك ومرسى، ومن خلالالخطابين تم إيقاف أي محاولة للصعود الطموح اشتراكيا، وسمح فقط بالخطاب الدينيأن ينتشر مقترنا بتدهور الظروف المعيشية ولذلك فإن الإسلام السياسي لا ينتمي إليكتلة المعارضة ـ كما يزعم الإخوان المسلمون، إنما هو جزء عضوي من بنية السلطة.
يستدعي هذا طرح سؤال عن كيفية نجاح الإسلام السياسي في ظروف معينة بعد ينايرتحديدا؟
هذا الأمر يحتاج إلي توضيح للعلاقة بين نجاح العولمة الإمبريالية من ناحية وصعودشعارات الإخوان من ناحية أخري.. إذ أن الإخوان لديهم قدرة علي ممارسة أنشطةالقطاع غير المنظم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وهذه الأنشطة تعد المصدرالرئيسي لدخل أغلبية السكان في مصر، وقد نجح الإخوان في هذه المجالات التيتمارس ثقافة تضفي «المشروعية» علي مبدأ الملكية الخاصة وعلاقات السوق «الحرة»من إنها أنشطة بدائية أو ما يسمي بـ«البازار» والتي لا تدفع الاقتصاد القومي إليالأمام وتحقيق التنمية، وقد أسهمت الوفرة المالية في بلدان الخليج بطفرة كبيرة في تلكالأنشطة، حيث تضخ تلك الدول الأموال المطلوبة لهذه الأنشطة من خلال القروضوالمنح الصغيرة، فضلا عن العمل الخيري «مستوصفات طبية ..إلخ» إنها ليستمساهمة في تنمية القدرة الإنتاجية للاقتصاد المصري »كبناء مصانع مثلا إنما ترميفقط إلي تنمية هذا الشكل من «التنمية الرثة».
كيف يمكن الخروج من هذه «االتنمية الرثة»...لقد طرحتم برنامجا للخروج من الازمة المجتمعية .. كيف يمكن وضعه فى نقاط محددة ؟
اري ان المصدر الرئيسي للكارثة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية مصدرهاالخضوع لأوامر امريكا وحلفاؤها والانفتاح بلا قيود للأمولة في الاقتصاد وهذا النمط منالعولمة. من سمات الرأسمالية في مصر، انها رأسمالية المحاسيب »الكومبدادورية»وبالتالي الحل أو البديل يتطلب الخروج من هذا النمط، لدي برنامج وطني شعبيديمقراطي اجتماعي، يهدف إلي تطوير الخدمات صحة، تعليم، قانون يحمي الطبقاتالعاملة، وصغار الفلاحين لدينا مقترح يؤدي إلي الاستقلال الوطني خاصة فيالاقتصاد، وبالتالي امكانية انجاز خطوات اجتماعية سليمة، بالإضافة للاستقلال فيمجال العلاقات الدولية وهذا هو الأمل.. يجب ان يتم استكماله واذكر ان احمد السيد النجار الخبير الاقتصادى البارز هو من تحمل استكمال هذا الطرح وعليه هو واخرون ان يطرحوه على المسئولين واتمنى على الدولة ان تأخذه مأخذ الجد نتمني ان يطبقهذا البرنامج الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسى ونختصر الطرح هنا فى عدة نقاط.
وجود سياسة ثابتة للدولة مستندة إلي كتلة اجتماعية تمنح المشروعية والقدرة علي بناءمشروع متماسك يتطلع إلي توجيه منظومة الإنتاج الوطني نحو الداخل، بمعنياخضاع العلاقات مع المنظومة الرأسمالية العالمية لمنطق واحتياجات التقدم الداخلي،كما يجب أن يضمن هذا المشروع مشاركة الغالبية العظمي من الطبقات والفئاتالاجتماعية في الحصول علي جميع جوانب الحياة الاقتصادية.. إنه ليس مشروعااقتصاديا فقط إنما هو مشروع سياسي يتوجه إلي الحد من وسائل السيطرة ودوامها منقبل الرأسمالية بهيمنتها علي الموارد الطبيعية ومجالات التطور التكنولوجي، وتوزيعالمعلومات ولا ينتمي هذا المشروع الوطني للتنمية إلي الرأسمالية أو الاشتراكية لكنيعني بالأساس سيطرة الدولة علي قراراتها الاقتصادية والسياسية، ولعل الصين تعدنموذجا ضمن هذا الإطار.
واعتقد ان مواجهة التدهور السياسى والاقتصادى على وجه فورى واعادة الامور الى نصابها فى مصر يستدعى الآتى : اعادة النظرفى صفقات بيع ممتلكات الدولة, بتحديد القيمة الحقيقية لتلك الاصول, ولان المشترين لم يدفعوا الثمن المناسب لتلك الاصول ,فلابد من تحويل تلك الممتلكات الى ملكيات لكيان او شركة (جديدة).
وان يكون للمشترى حصته بينما يكون الباقى للدولة . وان يكون من حق الدولة عرض حصتها للبيع بالثمن الحقيقى وان ينطبق هذا على كل الجنسيات بما فيها المصرية . أن يتم تحديد حد أدنى للاجور بحيث يكون قابلا للتعديل فى مواجهة زيادة الاسعار ,وان تشارك النقابات جهاز الدولة المسئولية فى تنفيذه عبر قطاعات النشاط الحكومى والخاص .
ان تفتح مفاوضات بين النقابات وأصحاب الأعمال والدولة للوصول الى مشروع يتعلق بحقوق العمال وأن يلحق هذا باقتراح يمنح «معونة البقاء على قيد الحياة» وان تتحددشروط المنح باتفاقات بين الدولة والنقابات.
الغاء الدعم الممنوح للاحتكارات الخاصة مادامت هذه الاحتكارات تعمل فى حرية بالنسبة لتحديد الاسعار.
اصلاح النظام الضرائبى بالنسبة لارباح المؤسسات الانتاجية والغاء الاعفاءات التىمنحتها الدولة لصالح الاحتكارات العربية والاجنبية .
تحقيق توازن فى الموازنة العامة من اجل تحقيق فائض ملحوظ يتم تخصيصه للانفاق على التعليم والصحة ودعم الاسكان الشعبى .
العودة الى نظام الائتمان تحت رقابة البنك المركزى ,اى عدم المغالاة فى تقديم القروض المساعدة للاحتكارات .
النظر فى مطالب صغار الفلاحين الذين يعانون من صعوبات ومشاكل فى دفع ايجار الاراضى .
تفضى هذه الاقتراحات الى توجه قوى وتصحيح هذا التوجه التنموى الوطنى يجذب روؤس الأموال والاستثمارات (كما حدث فى الصين).
بعد 25 يناير ومجيء الاخوان الذين سارعوا بتنفيذ برنامج البنك الدولى يمثل تمسكا بالمباديء الليبرالية المتطرفة , ولهذا فان هذه الرؤية وهذا البرنامج يفضى الى مشروع وطنى ديمقراطى يحقق العدالة الاجتماعية والاستقلال الوطنى .
في الوقت الذي توقع فيه كثيرون عودة الاشتراكية إذ بالليبرالية الجديدة أو النظامالنيوليبرالي يأخذ في السيطرة، هذا ما تم تسجيله ورصده في كتابكم «اشتراكية القرن».. فهل ثمة جديد؟
يطرح سؤال الامس نفسه اليوم : هل تسمح الرأسمالية لشركاء فاعلين دون الخضوع للتكيف أحادى السيطرة الامبريالية , ومن هنا فان ما يحدث فى الجنوب أو البلدان الصاعدة عامل مؤثر على مستقبل العالم , لكن التساؤل المهم : من الذى سيخرج شعوب الجنوب واممه من مأزق التكيف أحادى السيطرة مع الامبريالية؟ بالطبع الطبقات الحاكمة فى البلدان الصاعدة يتبنى مشروعات التجديد القائم على منطق التراكم الرأسمالى تحت شعار «معاد للهيمنة» لكن الفرص المتاحة لهذه المشروعات تحمل تناقضا يشير الى ما تحمله من الاوهام.
وتبدأ المسيرة الطويلة من اجل تحقق ديمقراطية سليمة غير مقيدة , وحقيقية بالاعتراف بحقوق الطبقات الشعبية التى تم استغلالها واضطهادها من أجل تنظيم نفسها من خلالها للدفاع عن مصالحها وتحقيق قدر من العدالة الاجتماعية التى لا تمنح من سلطة عليا بقدر ما تكتسب من نضال تلك الطبقات الشعبية لنيل حقوقها.. والعمل من أجل انجاز تلك الحقوق يقوم على توافر معايير موضوعية.
وأعود فاقول انه منذ عام 1991 تنبأت بنهاية نظام العولمة النيوليبرالية في ظلخضوعه التام لسيطرة رأس المال.. وإذا لم تسقط الشعوب والطبقات العاملة هذا النظام،فإنه سيسقط من تلقاء نفسه، إنه نظام قائم علي مفارقة هي خصخصة الأرباح، وتأميمالخسائر (أي تحميلها للجميع)..إننا في ظل هذا النظام ندخل في مرحلة من الفوضيالسياسية، مرحلة ستشتد فيها الصراعات الاجتماعية والسياسية علي المستويات القوميةوالدولية.
وفي المقابل قد يكون الجديد إلقاء الضوء علي صناديق الاستثمار السيادية، خاصةتجربة الصين، فاستراتيجية الصين بالنسبة لصناديقها مختلفة عن بقية الدول العربيةمثلا، فهي تريد الاستفادة من مشاركتها في النظام الاقتصاي العالمي، لا لمجرد أنتزيد من القدرة التنافسية لصادراتها، وإنما أن تشارك رأس المال الدولي الكبير بأنتشتري بعض الشركات لحساب الدولة لا رأس المال القومي الخاص، وكذلك فعلتروسيا تحت قيادة بوتين، فقد استعادت روسيا سلطة الدولة، كما أنها تملك وسائل قويةللرد، وهي مازالت قوة عسكرية لا يستهان بها.
وفي كتابى «إمبراطورية الفوضي» في أوائل التسعينيات بعد حرب الخليج الأولي، قلتإننا ندخل مرحلة الحروب، حيث إن منطق النظام (النيوليبرالي) يفرض ضرورة السيطرةعلي العالم باستخدام القوة، وهذا صحيح، حيث إن تخلي السياسات النيوليبرالية عننظام التوافق الوطني بشأن التوزيع الثابت للدخل، كان يعني ضرورة اللجوء للقهرالمتزايد أو الحروب.
يستدعي الحديث عن الاشتراكية في مقابل الليبرالية أو ما تم تسميته بالنيوليبراليةالحديثة عن التجربة الصينية.. ويكون السؤال: هل تمثل تجربة الصين ارتدادا إليالرأسمالية أم بداية مشوار طويل لنمط اشتراكي مختلف؟
تعنى الاشتراكية تحرير الانسانية , أى بناء تنظيم للمجتمع يعد متحررا من الخضوع للتراكم الرأسمالى , وهذا هو الرابط بين الاشتراكية والديمقراطية . إن الاشتراكية ليستشكلا محددا من التنظيم المؤسساتى بقدر ما هى مبادئ خلاقة للشعوب تمكنها من ممارسة ديمقراطية عميقة . ومن هنا يمكن الاشارة الى كون المرء ماركسيا لا يعنى التوقف عند ماركس وانما يمكن البدء به, من هنا يمكن قراءة اشتراكية السوق كمرحلةأولى , لكن لكى تتحقق لابد من شروط واجبة يمكن تقديم مقترح بها . الأول : وجود أشكال من الملكية الجماعية والعمل على دعمها على امتداد عملية التطور الاجتماعى مع الايمان بتعددية تلك الاشكال , مع ارتباطها بالدولة أو المواطنين , مع ادراك عدم الخلط بين التخطيط المركزى وفقا للنموذج السوفيتى السابق وبين الاشتراكية . وأيضاالوعى بأن الملكية الجماعية لا تستبعد امكانية وجود مكان للملكية الخاصة بكل أشكالها «أى الملكية الصغيرة» وكذلك الشركات الكبرى , او حتى رأس المال المتعدى الجنسية مع الاخذ فى الاعتبار وجود اطار معين لعملها ,. الثانى : من الضرورى أن يتم تقنين اسلوب عمل المالك (دولة , خاص ) بحيث يجمع هذا التقنيين بين عاملينمتنازعين . هى متطلبات التراكم الرأسمالى , والتفعيل المتتالى لقيم الاشتراكية . وياتىالمقترح الثالث وهو المتعلق بالديمقراطية , التى لا لا يمكن فصلها عن التحرر , ومن هنا فإن التعبير الافضل هو تعبير التحول الديمقراطى الذى يعمل على دعم قيم الاشتراكية فى ظل اجراءات محددة تمثل سيادة القانون. وعندما نتحدث عن الصين فإن ما يحدث فيها لايجعلنا نتحدث عن سيرها فى الطريق الرأسمالى فحسب , لأن الاعتراف بالمساواة وتطبيقها عمليا يعنى أن الوقت الاشتراكى لم يفت بالنسبة للصين ,فما زالت الصين تنحو منحى اشتراكيا طالما انها تعترف بالمساواة وتطبيقها عمليا.
ـ لقد طرحت سؤال اختيار الصين لنوع من اقتصاد السوق أوصلها لما هي عليه الآن..لقد اختارت الطبقة الحاكمة الصينية طريقا جد مختلف، وتعرف الطبقة الحاكمةالصينية كذلك علي الأرجح أن الشعب الصيني متمسك بقيم الاشتراكية ومكتسباتها،ولذا عليها أن تتقدم إلي الرأسمالي بتأن محسوب، ثمة تحالفات بين سلطات الدولة،والطبقة الجديدة من كبار الرأسماليين من القطاع الخاص، وتتوقف الإمكاناتالاقتصادية للطريق الرأسمالي في الصين، ومجموعة أشكال الإدارة السياسية المرتبطةبها ـ جزئيا علي الأقل ـ ومدي الظروف الملائمة لإندماج هذه الرأسمالية في النظامالرأسمالي العالمي.
هل توافق فوكوياما أن النقطة التى وصلتها الرأسمالية الغربية كانت نقطة انتصار نهائية للفلسفات الرأسمالية؟
لم يعمل النظام الرأسمالى بقدر من الكفاءة إلا حين يفرض عليه خصومه ذلك . وقد فرض النضال الاجتماعى على رأس المال الكثير من التنازلات . وعندما ينمو رأس المال , خاصة فى البورصة , بشكل دائم , تنخفض أجور العاملين بشكل مستمر , لأنثمة فائضا من الارباح لا يمكن استثمارها لعدم وجود طلب أو استهلاك كاف , لأن هناك نقصا فى القدرة الشرائية ومن ثم تهرب الأرباح الى قيمة السهم وتتجه ناحية الانخفاض كأمر محتم . ووفقا لهذا الأمر , فإن البنوك المركزية لن تسمح بإفلاسالبنوك الكبرى , بل ستتجه الى انقاذها على حساب المواطنين بشكل مباشر أو غير مباشر . وسيطرح المبرر هو منع حالة الذعر بين المودعين من الافراد والشركات الذين سوف يخسرون , ما لم يتم معالجة الامر على هذا النحو . ويعنى هذا أننا سوفندخل مرحلة من الفوضى السياسية و تلك المرحلة التى تشتد فيها الصراعات الاجتماعية والسياسية على مستويات مختلفة . نحن فى مرحلة خريف الرأسمالة ولكن أيضا ليس ربيع الاشتراكية إذا كان لابد من الاعتراف.
ما بين خريف رأسمالي، لكنه ليس ربيعا اشتراكيا كما ترون ما رؤيتكم لما هو قادم ؟
ـ إذا كان لابد من الاعتراف بخطأ «لينين» في تقديره لواقع التحديات ومدي نضجالشروط الثورية، فإنه لابد من طرح مبدع وصريح للاستراتيجيات البديلة عن ذلكالخريف الذي طال مداه، وأن ندع الفرصة لربيع متجدد أن يتحقق. كيف؟ البحث عناستراتيجيات تجعلنا نواجه الانتقال الطويل من الرأسمالية العالمية إلي الاشتراكيةالعالمية، وأن يحدث تمازج بين إعادة إنتاج المجتمع الرأسمالي وعناصر أخري تسمحبانطلاق وتطور علاقات اجتماعية اشتراكية، مزيج من التنازع والتناقض الدائم، وأنتكون الاستراتيجيات من القوة والواقعية لمواجهة التناقضات بين المركز والأطراف، وأنتكون هناك قوي اجتماعية وأيدولوجية تعبر عن المصالح الشعبية، وأن تجيد الاشتراكيةالتعامل مع الفرصة التاريخية السانحة من خلال ضحايا التوسع الرأسمالي الليبرالي فيكل أنحاء العالم.. إن الليبرالية أو الرأسمالية ليس نهاية التاريخ. وإن أى كلام عن نهاية التارخ لامعنى له لأن التاريخ مستمر طالما هناك حياة وبشر، الانسانية لها تاريخمستمر، ونهاية التاريخ هى نهاية الانسانية نفسها الذى حصل هو أن مرحلة طويلة انتهت ولم ندخل مرحلة جديدة بعد، نحن مابين مرحلتين، لذلك الأوضاع تبدو فوضي، حيث اتجاهات التطور غير واضحة والمرحلة السابقة مابين 1945 حيث الحرب العالمية الثانية و1990 حيث سقوط الاتحاد السوفيتى هذه المرحلة تواجدت فيها ثلاثةأنظمة، نظام رأسمالى استعمارى (أمريكا ـ أوروبا ـ اليابان) وكان سماته رأسمالية الرفاهية، ثم نظام شيوعى (روسيا ـ الصين أوروبا الشرقية) ثم نظام ثالث «الاشتراكية»به سمات رأسمالية وطنية شعبية عادة كانت غير ديمقراطية مثل الناصرية فى مصر وأمريكا اللاتينية وافريقيا (مالى وغينيا وتنزانيا).
كانت العمولة موجودة منذ زمن ولكن سمات المرحلة السابقة كانت التعايش السلمى رغم بعض التوترات أحيانا بين الغرب والشرق، ومراكز الاستعمار الغربى مع وروسيامع النظم الوطنية الشعبية مثل الناصرية.
لكن السمة الرئيسية أن عائلات النظم الأوروبية مختلفة )أمريكا ـ اليابان ـ أوروبا)،(روسيا الصين أوروبا الشرقية) وفى الجنوب مختلف من بلد لآخر، وهذه النظم أنجزت تغيرات جوهرية فى المجتمعات وليس فقط فى تغيير موازيين القوى وليس فقط حرب باردة لكن بين الشمال والجنوب لدرجة أن مرحلة عدم الانحياز (باندونج) اضطر الاستعمار السماع للجنوب.
هذه النظم انجزت ولكن بعد وفاة عبد الناصر وبومدين وحتى الأن تدهورت النظم الشعبية وتفككت 3 أنظمة، حيث تفكك الاتحاد السوفيتى 1990 وضعفت الصين 1987 وكذلك انهارت الاشتراكية الديمقراطية فى الغرب وهنا انهارت النظم الوطنية فى الجنوب والاشتراكية الديمقراطية فى الشمال.
ما الظروف التى دفعت الرأسمالية الى أن تعاود الهجوم على المكتسبات الاشتراكية؟
يواجه العالم اليوم موجة ثالثة من التوسع الاستعمارى , بدأت مع انهيار النظم السوفيتية والوطنية الشعبية فى العالم الثالث , ويبدو أن هدف رأس المال المهيمن منقبل الشركات العملاقة متعددة الجنسيات هى السيطرة على الأسواق . ويبدو أنالخطاب الذى يمثل غطاء للمشروع يدعو الى نشر الديمقراطية واحترام حقوق الانسان ليتيح الفرصة للغرب فى التدخل باسم المبادئ الانسانية . لكن سياسات الكيل بمكيالين تجهز على مصداقية هذا الغطاء . وربما يكون السؤال .. ما هى ظروف وتطورات الظرف الراهن ؟ لا يمكن ان يتم النظر الى الرأسمالية كنظام تنموى مثلما هو الحال مع الاشتراكية فالرأسمالية هدفها التوسع اما التنمية فى حد ذاتها فإنها تقتضى وجود مشروع مجتمعى يمكن قياس الانجازات من خلالها . وبينما يتجه رأس المال الى الاحتكار فإن السوق تتجه الى المنافسة وبين المنافسة والاحتكار تناقض واضح . إن الهجوم على الاشتراكية من قبل العولمة الجديدة يؤدى الى فقدان قدرة الدولة الوطنية على ادارة الاقتصاد الوطنى مع بقاء الدولة . ومن هنا يحدث التناقض القائم فى أنه يوجد فصل بين الاقتصاد والسياسة فى النظام الرأسمالى , اى أن وجود الدولة يعنى الامر الاقتصادى والسياسى معا , لكن شل قدرة الدولة فى ادارة الشأن الاقتصادى الوطنى ,ومن ثم تقيد العولمة الاقتصادية وظائف الدولة الوطنية , وهذا ما يتم اعلانه فى الهجوم على الدولة كفاعل اقتصادى ومن ثم سياسى . المرحلة الجديدة بدأت 1990 وحتى اليوم وسماتها أولا: ليبرالية اقتصادية دون قيود. ثانيا: أمولة الادارج، ثالثا عولمةجديدة بمعنى هيمنة الغرب الاستعماري) أمريكا ـ أوروبا ـ اليابان) على المنظومة العالمية. وهذا النظام غير قابل للاستمرار لأنه قائم على تناقضات صاعدة أدى إلى الانفجار ونحن فى مرحلة سقوط وتفكك هذا النظام وليس نجاحا نهائيا للفلسفات الرأسمالية.
ما قراءتكم لـ30 يونيو ودور الشعب المصرى و تصورك لمهمة رئيس مصر «السيسي»؟
الثورة لم تغير النظام بقدر ما غيرت الشعب.. الشعب الذى قبل 40 عاما من التدهور المستمر من السادات وحتى مرسى لن يقبل ذلك بعد اليوم. الشعب المصرى هو الذى اسقط نظامين وأثبت أنه قادر على الحركة والفعل ولكن كان ينقص الحركات الثورية والقوى السياسية أن يكون لها مشروع مشترك، وأهداف واضحة ومحددة ومتفق عليها وغياب هذه الرؤية وبالتالى غياب السياسة أعطى للجيش الذى حمى الشعب فى ثورتين أن يرث هذا الانتصار الشعبي، وكان السيسى نابها، عندما انحاز للشعب المصرى وارتبط بارادة المصريين، والشعب الذى أدرك ان الاخوان أسوأ من أى نظام حكم.المطلوب الآن أكثر من مجرد الاخوان بل أيضا الخروج من الليبرالية الغير مقيدةومن أسر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها واذا فعل السيسى هذا سيكون نجح، وأكرر أرجو تنفيذ البرنامج الذى طرحناه.
هل تتوقع أن تنجح مصر كقوة إقليمية فى فرض استقرارها وسيادتها؟
إن الظروف المحلية والاقليمية والدولية ومهيأة الآن لأن أمريكا والغرب فى مرحلة أفول فأمريكا قوة عسكرية قوية ولكن لاتستطيع أن تحارب العالم كله، وهناك فى الداخل انتفاضات ضد سياسات التقشف وزيادة معدلات البطالة وتدهور المعيشة الى حد كبير.
وأرى أنه يمكن للسيسى أن يستخدم هذا الهامش لتحقيق تطلعات الشعب نحو الاستقلال الوطنى والاكتفاء الذاتي، وعمل مشروعات تنموية عملاقة وتحقيق مطالب العمال والفلاحين واعادة الطبقة الوسطى للقيام بدورها بالاضافة للشق الخدمى وزيادة معدلات النمو وأضيف أن التاريخ لايمكن أن يكرر نفسه لابد أن تكون التجربة الجديدة، فى إعادة بناء منظومة انتاجية مستقلة ووطنية وشعبية فى إطار ديمقراطي.
كيف يمكن الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية؟
لم ننتقل بعد من الرأسمالية الى الاشتراكية أو جنة الشعوب، الانتقال عملية تاريخية، يمكن ان تأخذ قرنا من الزمن أو أكثر، فالقرن العشرون يمكن ان نقرأه كأنه موجه لبناء بديل للرأسمالية، كما كانت قائمة، لن ننتقل من الرأسمالية المتدهورة والتفكك فى ظرف سنوات، لابد أن ننظر الى عمليات التحول على المدى الطويل ومراحل متتالية، وربما تكون المرحلة الأولى رأسمالية دولة أى تقوم الدولة بدور إيجابى فى توجيه الاقتصاد، وهذه الرأسمالية يمكن ان تتطور بالتدريج الى اشتراكية الدولة أى تأخذ الدولة فى الاعتبار مصالح الطبقات الكادحة والطبقات الوسطي، ثم وفق بناء تدريجى نصل للاشتراكية كبديل.
الاشتراكية لم تفشل ليس فقط لان الاتحاد السوفيتى لم يكن اشتراكيا وانما لان الرأسمالية مرحلة عابرة فى التاريخ، والقرن العشرين هو قرن الموجة الاولى وليست الوحيدة ,ونحن فى مرحلة الشيخوخة الرأسمالية وتنفيذ مشروع السيطرة الامريكية كوكب الارض .
لقد تحولت الرأسمالية الى البربرية وتندفع نحو الابادة الجماعية واصبح من الضرورى ان يحل محلها منطق مختلف طالما ترغب فى بناء عالم مؤسس على التضامن بين البشر . إن الاختيار اليوم اصبح بين الاشتراكية والبربرية وليس بين الاشتراكيةوالرأسمالية.
إن مرحلة الانتقال الطويل من الرأسمالية نحو الاشتراكية هى الاخرى لايمكن الا ان تكون عمليه طويلة من متطلبات اختراق مرحلة جديدة من الحضارة تغلق المرحلة العابرة للرأسمالية التى دخلت مرحلة افول نهائية
ما تقييمك لتجارب الاشتراكية الديمقراطية فى مناطق مختلفة فى العالم؟
انجازات الاشتراكية الديمقراطية فى السويد وانجلترا تتآكل أمام الهجوم الرأسمالى الشرس والنظام الرأسمالى فى انجلترا سيئ للغاية.
أما فى أمريكا اللاتينية فالحال أفضل خاصة فى البرازيل والاكوادور وبوليفيا وفنزويلا مثلا، فهناك رأسمالية دولة وفق نظام وطنى شعبى ديمقراطى وليس اشتراكيا، فهى نظم تميل لرأسمالية الدولة بمكونات تتجاوز حدود الرأسمالية وتميل الى خدمة الطبقاتالشعبية.
ما الدروس المستفادة من التجارب الماركسية وتطبيقاتها .. بوصفكم ماركس القرن الحادى والعشرين كما يروج لذلك مفكرو الغرب ؟
أنا أعتبر ماركس نقطة الانطلاق فقط فى فهم الرأسمالية ونقدها ومعنى ذلك لابد فى كل مرحلة ان نعايش الجديد، فأنا لست ماركس )الدوجما) فانا لا أعتبر أن كتابات ماركس تمثل مثلا نهاية التاريخ، والتحليل هوفقط نقطة الانطلاق، فقط علينا أن نطور هذا الفهم بعد معاينة الجديد على أسس متماشية مع تطور الظروف العامة، فأنا انتمى للماركسية المفتوحة نحو الجديد فى الرأسمالية ذاتها، وبالتالى المطلوب فى التحدى الرأسمالى والجديد فى الحركة الشعبية نفسها.
مصر قبل حلف السيسى لليمين الدستورية، كانت فى مرحلة) رأسمالية المحاسيب(سيئة للغاية أتمنى وأطلب من النظام الجديد ان يخرج من قبول الخضوع لليبرالية المعولمة والموئمولة وبناء سياسة خارجية بعيدة عن أوامر أمريكا والغرب ومن يواليهم.
هل ثمة فارق بين الاقتصادى والسياسى بالنسبة لليبرالية؟
الليبرالية الاقتصادية الجديدة تعنى انفتاح شامل والخضوع لسيطرة الشركات الكبرى عابرة القارات، كما تعنى الاحتكارات الرأسمالية الموئمولة.
ولكن الليبرالية السياسية تعنى فى أمريكا الديمقراطية، ولكن الليبرالية هى شكل من أشكال الديمقراطية البرجوازية، وهى الأن فى مرحلة الأفول.. ويتجلى ذلك فى الانتخابات الأوروبية الأخيرة وصعود اليمين المتطرف .
لقد تم وضع بنية الوحدة الاوروبية من اجل استدامة وفاعلية الليبرالية الاقتصادية غير المقيدة . وهذا ما عبر عنه جيسكار ديستان بعد التوقيع على معاهدة ماسترخت 1992 بمقولة الاشتراكية الآن غير مشروعة وتتميز هذه المقولة بمنافاتها للمبدأ الديمقراطى .ومع ظهور الاحتكارات وفقا للتمويل العولمى فإن الوحدة الاوروبية اصبحت اداة السلطة المحتكرة للامر الاقتصادى والسياسى . لكن هذا النوع من الليبرالية المتطرفة لايمكن تطبيقه , حيث يمثل دافعه الوحيد الى احتكاره الثروة والسلطةنهايته . وفى المقابل يستمر فرض اسلوب التقشف الدائم على الاغلبية , ومعه تنهار الخدمات العامة , ويتزايد العجز المالى , واخيرا الركود . وقد عكست الانتخابات الاوروبية الاخيرة رفض الاغلبية فى اوروبا لهذا الامر , مع ملاحظة ان نسبة التصويت لاحزاب اليمين المتطرف وصلت 20٪ مما يمكنهم من القاء كل المصائب على الضعفاء , اى المهاجرين . اننا امام عودة الى اوروبا الثلاثينيات من القرن العشرين .
أي مرحلة نعيشها الآن ..العالم الى اين ؟
نحن نعيش مرحلة انفجار وتفكك المرحلة الثانية، وهي الليبرالية المؤمولة والمعولمة،وهذا الانفجار يتخذ اشكالا مختلفة.
اولا: (صعود الدول البازغة (الصين نموذجا
وبالتالي صعود النزاعات القائمة من الدول البازغة من جانب والثالوث الاستعماريالتاريخي(
يتخذ ايضا بداية انهيار وتفكك المنظومة الأوروبية ..روسيا في مرحلة الانتقال منتدهور الاتحاد السوفيتي وفشل الليبرالية الاقتصادية وامكانية اعاد بزوغ بديل آخروطني، شعبي، ديمقراطي. ..امريكا ستظل كما هي مثل أوروبا واليابان يمكنهم تجملتدهور طويل لأن لديهم موروثا من الماضي تجعل التدهور يأخذ وقتا طويلا. باقى العالم يأخذ شكل انتفاضات شعبية لأن الثورة يكون لها قيادة واستراتيجية بينماالانتفاضة تلقائية.
إلي أين سيؤدي هذا التفكك؟
هذا التفكك للرأسمالية الليبرالية سيؤدى إلي انعاش موجة جديدة من الاتجاهاتالاشتراكية أو الوطنية الشعبية أو مزيد من الفوضي.
لماذا لم يتبلور بعد مشروع بديل آخر سواء علي الصعيد العالمي أو الاقليمي أوالوطني؟
هذا البديل لم يتبلور بعد لا في الغرب ولا في الشرق لا في الشمال ولا في الجنوب،نحن في مرحلة ضبابية.
لدينا في مصر والعالم العربي بعد سقوط النظم الوطنية الشعبية والتي لم تكن ديمقراطيةبالمعني الحقيقي للكلمة والتي انجزت الكثير للطبقات العاملة والطبقة الوسطي.
الطبقات الحاكمة بعد الثمانينيات وسقوط روسيا وسياسة التكيف الهيكلي، هي نفسهاقبلت بالليبرالية الجديدة للاستمرار في الحكم وهذا هو ما حدث بعد ـ ناصر ـ حيث قبلالسادات بمبادئ الليبرالية المؤمولة والمعولمة والسيادة الأمريكية والخليج وإسرائيل،والانفتاح دون قيود وهذا استمر من السادات إلي مبارك إلي مرسي ولكن نتمني انتشهد الفترة القادمة انقلابا علي هذا الأرث. وكذلك في الجزائر بعد بومدين وكذلكحافظ الأسد نفسه انتقل من النظام الشعبي الوطني غير الديمقراطي ليقبل بالليبرالية.
كيف ترى مستقبل اليسار ؟
اليسار الآن في العالم العربي ضعيف ولكنه في الصين وروسيا وربما امريكا اللاتينيةقوي، ليس هناك حركات تتجاوز حدود الانتفاضة إلا أن هناك عنصرا يساريا قوياداخل الحركة، في الانتخابات السابقة في الدورة الأولي استطاع حمدين صباحي جمعأكثر من 5 ملايين وهذه اقلية استطاعت ان تجر الأغلبية، ولكن مرسي في المرحلةالثانية جمع الأغلبية ولكنها الأغلبية غير القادرة علي انجاز أي شيء وتكون في تراجعمستمر. اذن الحركة الشعبية تحتاج عنصر يساريا، واليسار يريد أن ننظر اليه فيالمستقبل، يسار متعدد الاوجه وليس حزب واحد كالنمط السوفيتي القديم. اليسارسيكون له مستقبل، ومستقبل الانسانية منوط بمستقبل اليسار.
أي موقف ترونه بالنسبة لمفهوم التعددية الثقافية فى مواجهة العولمة ؟
عولمة الثقافة صيغة سائدة لا اعتقد ان هناك عولمة ثقافية ولكن عولمة المطبخ، لأنالسوق العالمية هي التي تؤثر وتنتج انماط الاستهلاك. التعددية الثقافية متماشية معالديمقراطية ولكن لابد من توافر دولة مركزية قوية تحتوي التعدديات في اطارديمقراطي والدولة القوية هي الدولة الديمقراطية.
هل يجود زماننا بأيديولوجية بديلة؟
الايدولوجيا هي تاريخ الحركة، والظروف الموضوعية الايدولوجيا هي ناتج الصراعوالنضال، اعتقد اننا نحتاج إلى ايدولوجيا اشتراكية، بعيدا عن الديكتاتورية والحزبالواحد، أي تعددية المكونات لعناصر مختلفة.
سمير أمين فى سطور
سمير أمين مفكر واقتصادى مصري. وهو من أهم أعلام مناهضة العولمة والتبعية والرأسمالية المتوحشة.
ولد فى مصر لأب مصرى وأم فرنسية فى (3 سبتمبر 1931)، وكان كلاهما طبيبا، قضى أمين طفولته فى بور سعيد وحصل على شهادة الثانوية عام 1947 من مدرسة فرنسية، وبعدها غادر إلى باريس ليدرس فيها من 1947 إلى 1957 حيث حصل فى عام 1952 على دبلوم فى العلوم السياسية قبل أن يأخذ شهادة التخرج فى الإحصاء 1956 والاقتصاد 1957 ويعود إلى مصر حاملا شهادة الدكتوارة فى الاقتصاد من السوربون.
خلال عام 1951 انتسب أمين إلى الحزب الشيوعى الفرنسي، إلا أن الماركسيةالسوفيتية لم تثر اعجابه وكان أمين مقربا إلى الحلقات الماوية فى الحركة الشيوعية. عمل أمين مستشارا اقتصاديا فى مالى وجمهورية الكونغو ومدغشقر وغيرها من الدول الافريقية، كما عمل مديرا لمعهد الأمم المتحدة للتخطيط الاقتصادى IDEP بداكار لعشر سنوات طوال السبعينات، حيث تصدى لمقولات عديدة سائدة عن التنمية والتحديث وخطط المؤسسات المالية الدولية، وشارك فى أثناء عمله هذا فى تأسيسمنظمات بحثية وعلمية أفريقية مثل المجلس الافريقى لتنمية البحوث الاجتماعيةوالاقتصادية (كوديسريا) ومنتدى العالم الثالث والذى يترأسه حاليا. قدم أمين مجموعة من القراءات لعدد من القضايا الأساسية، مثل العلاقة بين المركز والاطراف، التبيعة والعوالم الاربعة، ومحاولة لتجديد قراءة المادية التاريخية وأنماط الإنتاج وخاصة فى محاولته شرح نمط الإنتاج فى التحليلات الماركسية السائدة عن نمطى الإنتاج العبودى والاقطاعى.
مؤلفات سمير أمين بالعربية والتى ترجمت الى عدة لغات
دراسة فى التيارات النقدية والمالية فى مصر، معهد البحوث والدراسات العربية.
التراكم على الصعيد العالمي. ترجمة دار ابن خلدون-بيروت
التبادل غير المتكافئ وقانون القيمة. ترجمة عادل عبد المهدي-دار الحقيقة-بيروت.
التطور اللامتكافئ. (ترجمة برهان غليون-دار الطليعة-بيروت
الأمة العربية «القومية وصراع الطبقات». ترجمة كميل قيصر داغر-دار ابن رشد-بيروت
الطبقة والأمة فى التاريخ وفى المرحلة الامبريالية. ترجمة هنريت عبودي-دار الطليعة-بيروت
قانون القيمة والمادية التاريخية. ترجمة صلاح داغر-دار الحداثة-بيروت
المغرب العربى المعاصر. ترجمة كميل قيصر داغر-دار الحداثة -بيروت - الاقتصاد العربى المعاصر. ترجمة ناديا الحاج- دار الرواد- بيروت )- دار الحقائق
أزمة الامبريالية أزمة بنيوية. دار الحداثة -بيروت
الماوية والتحريفية. دار الحداثة- بيروت
أزمة المجتمع العربي. دار المستقبل العربي- القاهرة
ما بعد الرأسمالية- مركز دراسات الوحدة العربية- بيروت
البحر المتوسط فى العالم المعاصر (بالاشتراك مع فيصل ياشير. مركز دراسات الوحدة العربية -بيروت
نحو نظرية للثقافة- معهد الإنماء العربى (بيروت)، سلسلة صاد (الجزائر)
بعض قضايا للمستقبل- الفارابي، بيروت، مدبولى القاهرة،.
من نقد الدولة السوفيتية إلى نقد الدولة الوطنية؛ مركز البحوث العربية، القاهرة.
سيرة ذاتية فكرية- دار الآداب، بيروت.
حوار الدولة والدين (بالاشتراك مع برهان غليون) المركز الثقافى العربي،.
فى مواجهة أزمة عصرنا، دار سينا، القاهرة
نقد روح العصر، الفارابي، بيروت.
مناخ العصر، رؤية نقدية، دار سينا، القاهرة .
فى نقد الخطاب العربى الراهن, دار العين للنشر ,القاهرة .
ثورة مصر بعد 30 يونيو ، دار العين
القضايا الشيوعية المصرية، دار العين
اشتراكية القرن ، دار الثقافة الجديدة
المصدر الاهرام
========
تعليقات
إرسال تعليق