مروة محمود إلياس تكتب: "أهواك".. فيلم للضحك فقط
المصدر اليوم السابع
أعشق السينما، سحرها آخاذ، كانت ولم تزل الترجمة الحقيقية لمتغيرات مجتمعها السلبية والإيجابية، أشعر بها كمرآة تفشى العيوب، وتكشف الخبايا بخبث والتواء ودلع وذكاء، دون كذب أو تضليل، ولا أؤمن بنظافتها، ولا أعى مسمى "السينما النظيفة"، ولا أؤمن به، فهل حياتنا نظيفة، كى تنقلها السينما ناصعة البياض؟!. لطالما كرهت التنظير، وأرى أن "التفلسف" الزائد بغيض فى غير مواضعه، فالحياة بين هذا وذاك، وكذا نحن، "حبة فوق وحبة تحت"، بعض الفرح وكثير من الحزن، اليوم تحب وغدا تكره، أكره التنظير الزائد، أكره أقنعة الشرف، وأكره الشعور بالملائكية والعصمة الدائمة، فهذه الأوهام كائنة فى عقول البعض لا فى واقع كل إنسان و الملوث فى خفاء. أكره أن تعطى الأمور أكبر من حجمها، وألا يعطى كل زى حجم مقداره، فلم أستوعب هجوم الكثيرين على فيلم أهواك لتامر حسنى، ليس لنقدهم الفنى والتحليلى لأركان الفيلم، فهذا حق أصيل، ولكن لأسباب أخرى. هل كان يوما تامر حسنى قديسا؟، هل بدأ التمثيل بتجسيد شخصية النبى يوسف عليه السلام ؟، هل كانت أفلام تامر القديمة تناقش الأزمة السورية، أو تطرق الرجل يوما لمناقشة موقفه من القضية الفلسطينية ؟ فلماذا هذا الهجوم والاستهجان لفيلم بسيط لطيف، ومضحك، ولا يصح تصنيفه سوى فى خانة اللايت كوميدى . بعد يوم طويل وشاق ذهبت إلى السينما لمشاهدة الفيلم، وبين قائمة الأفلام المتنوعة اخترت فيلم أهواك، لا لكونى محبة لهذه النوعيات من الأفلام، ولكنى كنت قد قررت يومها أن "أضحك" و "أفصل " من ضغوط الحياة الروتينية اليومية، وكان قرارا فى محله. لم يخيب تامر وباق فريق العمل ظنى، ضحكت من كل قلبى قرابة الساعتين، ضحك "إيفيهاتى" يشتهر به تامر حسنى، اتفقت أم اختلفت معه، إلا أنه لا يمكنك أن تنكر أنه يجيد أداء هذه الجزئية ببراعة شديدة. كنت أطلب الضحك فقط، ففاجئنى محمود حميدة (برنس) السينما، الذى قدم -فى رأيى- فى هذا الفيلم أول أدواره الكوميدية الصريحة، وهى المنطقة التى لم أره قد وطئها بكل قوة فى الماضى، حتى فى دوره المميز فى فيلم "أسف على الإزعاج" لأحمد حلمى، فاجئنى حميدة بقدرته على إضحاكى بكل هذه القوة، رغم عدم تصنيفى له ممثلا كوميديا على مر تاريخه العامر، لقد أحببته، بالفعل أحببت تنوع هذا الفنان الأسطورى. غادة عادل، أعجبنى تعاونها مع تامر حسنى، لم أتخيل يوما أن يمثلا سويا، ولكن قد حدث، فقد كانت "الكيمياء" ظاهرة فى مشاهدهما سويا، فضلا عن أننى وعلى الدوام أرى غادة ممثلة كوميدية من الطراز الأول، بل وكوميدية فقط، مهما أكدت المؤشرات ونسب المشاهدة على نجاح أدوارها الشريرة، أو العميقة، أو الجادة، لطالما برعت فى اللون الكوميدى فقط، فهل يمكن أن ننسى دورها الرائع فى "ابن القنصل" بجانب المرحوم خالد صالح وأحمد السقا. الفيلم قدم بعض الوجوه الشابة الرائعة دون تخصيص، إلا أننى لا أملك سوى أن أشيد بدور الممثل الشاب أحمد مالك، هذا الموهوب الفذ، الملئ بالطاقة التمثيلية، يبرع فى جعلك مندمجا معه، ويجعلك تقر بأنه "مابيمثلش"، فمنذ دوره فى مسلسل "مع سبق الإصرار" مع غادة عبد الرازق وأنا أتابع أداءه الطبيعى، إلا أنه برع بالفعل فى دوره الكوميدى فى الفيلم، ليؤكد لنا على تنوع مواهبه التمثيلية. أما تامر حسنى بطل الفيلم، الذى كان من المفترض أن آراه مسيطرا على أغلب مشاهد الفيلم كأى بطل سينمائى من بتوع اليومين دول، كنت أتوجس خيفة أن يكون داء الغرور قد أصابه بعد هذه القاعدة الثابتة والقوية التى بنى عليها جماهيريته الكبيرة، فتوقعت قبل هذا الفيلم أن يكون أقل حرصا على ما سوف يقدمه لجمهوره الذى ضمن حبه وتأييده مهما قدم، فيستهين بالمنتج الذى يقدمه له، ويستهين بمشاهده، إلا أنه -والحمدلله- من الظاهر أن هذا الداء لم يزحف إليه بعد، فلم أجده "ناطط" فى كل مشاهد الفيلم، بل كان ظهوره له داع، واختفاؤه أيضا. فى رأيى قدم تامر لجمهوره فى هذا الفيلم ما يريد، ضحكات جميلة، ألوان بديعة، فقد نقلنا المخرج محمد سامى من زحام القاهرة وبهتان ألوانها المحايدة فى غمضة عين، إلى الجونة التى تم تصوير أغلب مشاهد الفيلم على شاطئها الساحر، فتشعر بأنك تشاهد عرضا راقصا مليئا بالألوان المبهجة والضحكات المتتالية، فيلم للضحك فقط. وهل الضحك عيب؟ فما أعظمها مهنة تلك التى يمتهنها شخص كى يرسم البسمة على وجوه غيره، فأنا أجد المهرج، والأراجوز أفضل من السياسى الكاذب، أو المفكر المغرور، أو العالم المتعجرف، فالضحك مهنة العظماء والموهوبين بالفطرة، من يرسم البسمة عظيم، من يمكنه فى وسط هذا الكم من البؤس والحزن والإحباط الذى نعيشه أن يجعلنى أضحك، فهو لدى عزيز وعظيم. وفى النهاية وإن حق لى أن أصف الفيلم بأنه بطولة جماعية مشتركة بين محمود حميدة وتامر وغادة والجميلة انتصار والشباب الواعد، فقد أخذت عليه بالفعل بعض الألفاظ التى تظهر فجة للبعض، فأنا وبصراحة تامة، أجدها سقطته الوحيدة، فمثل هذه الألفاظ تتردد على مسامعنا يوميا، ولم يخترعها كاتب الفيلم أو تامر، وإنما هى وليدة منبت الفيلم، المجتمع بأشخاصه وفلسفته، وكما أكدت أن السينما انعكاس للتدنى أو الرقى المجتمعى النابعة منه، ترصد وتنقل بطريقتها، وتترك لك الحكم. أما عن مآخذ بعض النقاد الخاصة بتقديم الفيلم لنماذج من علية القوم "هاى كلاس" أو "ولاد الناس"، وإظهار جوانب الترف فى العيش على أبطال الفيلم، وأن الفيلم لم يعبر عن نماذج مصرية عادية من الطبقة المتوسطة، فردى عليهم بسيط للغاية: من أوحى لكم بأن الفقراء يذهبون إلى السينمات لمشاهدة فقراء مثلهم؟ من أوهمكم خطئا أن الطبقة المتوسطة والفقيرة لا ترغب فى رؤية الألوان المبهجة وملابس الممثلين الثمينة، وأماكن خروجهم ومستوى وتفاصيل حياتهم المرفهة؟ من أقر منهم لكم بذلك! أنتم مخطئون، الفقير يهرب لمدة ساعتين من فقره، ينساه مؤقتا ليشاهد ما قد ينعش خياله وأحلامه، كيف تحصرون متعة الفقير فى أفلام تنقل واقعه المرير الذى يستيقظ وينام على حقائقه المؤلمة؟ من أذن لكم أن تحصروا ذوق الفقير فى أفلام بعينها، وتقررون عنه ما يحب وما يكره؟ إليكم المفاجأة، الفقراء هم مفتاح السعادة والبهجة، ويقدرون الضحكة، ويعشقون كل ما هو مشرق وباسم، يفتشون عن الفرحة، وهم متمكنون من هذه المهمة، وأغلب الفقراء وكلنا كذلك، لا يفكرون بهذه الطبقية المقيتة، ولا يبالون بهذه التصنيفات الجديدة التى يريد البعض إجبارنا على تقبلها، وتقسيم المجتمع للمصرى من خلالها، اتركوا البسطاء لأنفسهم فهم أعلم منكم بها . إلا أننى وما زلت عند رأيى ونصيحتى لكل محبى الضحك وراغبى "الفصلان"، بالذهاب إلى السينما واصطحاب من تحب، لتشاهد فيلما يجعلك تضحك.. فقط أن أردت الضحك، أما إذا كنت تنأى بنفسك عن هذا اللون، فما عليك سوى أن تبحث عن فيلم "السقوط
اقرأ أيضا :
=====
تعليقات
إرسال تعليق