الكلية الحربية مصنع الرجال



المصدر الاهرام



تأسس الجيش المصرى الحديث فى عهد محمد على باشا الذى يعتبر مؤسس مصر الحديثة، وقد اعتمد هذا الجيش على المصريين لأول مرة بعد عقود طويلة ظل خلالها قاصرا على غيرهم وخاصة المماليك.بدأ محمد على ببناء أول مدرسة حربية بالقاهرة عام 1811 لتقوم بإعداد الجنود والضباط على الطراز الحديث ثم انتقلت عام 1820 إلى مدينة أسوان. وقام بإنشاء العديد من الترسانات لتمويل الجيش بأحدث المعدات كالبنادق والمدافع والبارود، واستعان بالقائد الفرنسى الشهير سليمان باشا الفرنساوى الذى أقام فى مصر لتأسيس هذا الجيش الذى صار من أقوى الجيوش خلال فترة وجيزة.




ويقول المؤرخ عبدالرحمن الرافعى فى كتابه «عصر محمد على» إن الجيش هو الدعامة الأولى التى شيد به محمد على كيان مصر المستقلة ولولاه لما تكونت الدولة المصرية ولاتحقق استقلالها، فالجيش كفل هذا الاستقلال وصانه نيفا وستين سنة. فلا غرو أن منحه محمد على اهتماما كبيرا ناهيك عن الوقت والجهد لتأسيسه.



وليس فى منشآت محمد على ما نال عنايته مثل الجيش الذى كان يراه «أصل الدولة»، وخير دليل على ذلك هو قراره بإنشاء مدرسة الطب لتخريج الأطباء الذين يحتاج إليهم الجيش. كما اهتم محمد على باشا بدور الصناعة وإنشاء مصانع الغزل والنسيج لتوفير حاجات الجيش والجنود من السلاح والذخيرة والكساء، واقتضى ذلك إعداد الأماكن اللازمة لاقامة الجنود وبناء الثكنات والمعسكرات والمستشفيات. واستلزم تخريج الضباط إنشاء المدارس الحربية على مختلف أنواعها وكذلك المدارس الملكية بغرض تثقيف التلاميذ لإعدادهم لأن يكونوا ضباطا ومهندسين.



كما أولى محمد على باشا أهمية خاصة لإرسال البعثات إلى أوروبا لتوفير العدد الكافى من الضباط والأساتذة والعلماء والمهندسين ممن يتصلون عن بعد أو قرب بالمؤسسة العسكرية. صحيح أن هذه المنشآت وغيرها كان لها أغراض عمرانية أخرى، لكن خدمة الجيش كانت أول ما فكر فيه محمد علي.
وإيمانا منه بأهمية الجيش، أنشأ محمد على أول مدرسة عسكرية عام 1811 فى مصر لتخريج ضباط الجيش مقرها القاهرة، وفى 1820 تم نقلها إلى أسوان وعهد بإدارتها الى سليمان باشا الفرنساوى لتخريج الضباط الجدد الذين يعتمد عليهم فى بناء الجيش الحديث الذى يشبع رغباته وطموحاته. ثم انتقلت المدرسة بعد ذلك إلى عدد من مدن صعيد مصر مثل إسنا فى قنا وأخميم فى سوهاج والنخيلة فى أسيوط ثم الخانكة بالقرب من القاهرة. لتستقر المدرسة فى منطقتى العباسية وحدائق القبة، وفى عام 1908 نقلت المدرسة إلى كوبرى القبة حيث سميت المدرسة الثانوية الحربية حتى عام 1954 لتنتقل إلى مقرها الحالى بمصر الجديدة تحت مسمى الكلية الحربية.





يعتبرالجيش المصرى أقدم جيش فى التاريخ البشرى، حيث تأسس بعد توحيد الملك مينا لمصر عام 3200ق. م. وكان لكل إقليم جيش خاص به يقوم على حمايته، بعدها أصبح لمصر جيش واحد وبسببه امتدت الدولة المصرية شمالا وجنوبا من تركيا شمالاً إلى الصومال جنوبا ومن العراق شرقاً إلى ليبيا غرباً.
وظل المصريون هم العنصر الأساسى لهذا الجيش والذى كان يقوم على القوات البرية من المشاة والعربات التى تجرها الخيول والرماه والأسطول الذى كان يحمى سواحل مصر.





وقد قدمت العسكرية المصرية القديمة العديد من القادة العظام وياتى على رأسهم تحتمس الثالث وفى رصيده العديد من المعارك والحروب أشهرها «معركة مجدو». غير أن الوضع تغير تماما بعد إحتلال الفرس لمصر وإبعاد الجندى المصرى خشية تمرده والثورة على المحتلين.


ولكن يكتب للجيش المصرى أنه الذى حرر مدينة القدس من أيدى الصليبيين فى «معركة حطين»، ثم إلحاق الهزيمة بالمغول فى «عين جالوت».
خلال الاحتلال الانجليزى لمصر، تعرض الجيش للإهمال من قبل الاحتلال الذى حرمه من نظم التسليح الجديدة واكتفى بتصعيد القيادات التى تدين فقط بالولاء للملك والقصر. الأمر الذى أشعل الثورة فى نفوس أبنائه حتى جاءت حرب فلسطين لتكون كاشفة لما يتعرض له الجيش من مؤامرات وخيانات. وعندما انتصرت ثورة 23 يوليو، كان أحد أهم اهدافها الستة إنشاء جيش وطنى قوى، لتتولى قيادته عناصر وطنية، وتم التعاقد على أسلحة كان اشهرها صفقة الأسلحة التشيكية فى 1955 .





وفى يونيو 1967، تعرض الجيش لنكسة كبيرة لم يكن لمقاتليه يد فيها، فلم تسنح للجيش الفرصة للقتال ولكنه سرعان ما استرد وعيه ليوجه للعدو صفعات قوية وخاض أعظم المعارك فى حرب الإستنزاف جعلت العدو المتغطرس يفقد توازنه. ثم يخوض الجيش حرب أكتوبر 1973 فى ملحمة العبور التى إنهار فيها جيش العدو، وهى الملحمة التى أذهلت المدارس العسكرية فى العالم. ولم يسترخ الجيش، بل واصل تدريبه الشاق مؤمنا بأن التدريب الجاد والواقعى يمنع مغامرات العدو. وتحتل القوات المسلحة المصرية مكانة بارزة فى تصنيف الجيوش العالمية تجعل أغلب هذه الجيوش ترغب فى مشاركتها فى فعاليات تدريبية مشتركة.




«الأهرام» تعرض فى هذا الملف تاريخ صرح عظيم من العسكرية المصرية قدم أجيالا من الضباط استطاعوا ترك بصماتهم فى تاريخها الوطنى, سواء من استمر منهم فى السلك العسكرى, أو من انخرط فى العمل المدنى.. إنها الكلية الحربية التى تأسست فى 1811، أى قبل قرنين من الزمان فى الوقت الذى كانت فيه بعض الدول لم تولد بعد، واستطاع المستعمر استحداثها على خرائط الدنيا.




تظل العسكرية المصرية بروافدها المختلفة سواء أبناء هذا الوطن من المجندين وأيضا أبناؤه من خريجى المعاهد والكليات العسكرية هم الدعامة الأساسية للقوات المسلحة المصرية لتكون قوية وقادرة تعتمد على أبناء طين وتراب هذا الوطن وقديما قالوا «ليست النائحة كالثكلى.. فالأوطان يحميها أبناؤها وليس المرتزقة».

تعليقات

المشاركات الشائعة