كيف فكر عبد الناصر فى «حل جذرى» لإصلاح الجهاز الحكومى؟


المصدر الاهرام
سامى شرف يتذكر(1)

إصلاح الجهاز الحكومى وكيفيته وفلسفته، هى تساؤلات مطروحة دائما على مائدة البحث فى مصر عبر العصور، فى الماضى والحاضر لأجل المستقبل، وفى هذه السطور التى نقدمها من واقع محضر اجتماع جلسة مجلس الوزراء يوم 29 أكتوبر عام 1961، تحدث الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر باستفاضة عن رؤيته للمسألة بالكامل،
قائلا إننا إذا عملنا - فى مسألة الإصلاح- على تعديل ما هو موجود، والبناء على أنقاضه، فكأننا لم نفعل شيئا، لكن لا بد من تغيير جذرى فى الجهاز الحكومى؛ تغيير يرتبط بالمفاهيم، وعلى رأسها مفهوم الدولة ذاتها، ودورها الذى يجب أن تقوم به، لا ما كانت تقوم به منذ القدم فى مصر.
............................................................

فى البداية قال جمال عبد الناصر: إننا لكى «نهز» جهاز الدولة لابد من أمرين. أولا : بحث مفهوم الدولة، وإلغاء كل ما كان فى الماضى فى هذا الشأن، وعمل شىء جديد يحقق الهدف الذى نعمل من أجله. وثانيا: بالنسبة للفرد لا بد أن نعطيه الفرصة الكاملة ليكون على قدم المساواة مع الباقين، فالفرد هو الموجود فى المجتمع، لن نستطيع أن نستورد أفرادا من الخارج للتطعيم، لأن هذا مجتمعنا ولا يصح أن نيأس منه ، لكن نحاول تطويره وهذه مسئوليتنا الأساسية باعتبارنا قيادة لهذا المجتمع.

وأوضح قائلا: لن يمكن تطوير هذا المجتمع إلا إذا آمنا بالفرد.. «أبو مخ قافل» رأيته فى الجيش، بعد ستين يوما من دخوله كان مثل «اللهلوبة». هذا الفرد كان يحضر من القرية إلى الوحدة «متلبش» لا يعرف كيف يسير، وبعد ثلاثة أشهر أصبح مثل «الجن» ونبيه. هذا الفرد كان لا يعرف القراءة والكتابة ولكنه يعمل فى أى سلاح.. «الفرد ده مش عبيط زى ما بيقولوا»، لكنه خبيث وعنده ملكة قوية، «طول النهار فى الغيط»، لم يجد الفرصة وعلينا أن نوجد له الفرصة.. هذا الفرد كان فى الجيش يحفظ كتاب ضرب النار وكان غيره من المتعلمين والمثقفين لا يستطيع ذلك.. «هو ده الفلاح والمواطن المصرى»! الذى لم نكتشفه حتى الآن.. لماذا؟! لسبب بسيط هو الدولة.

وتساءل الزعيم قائلا: ما هى الدولة؟.. الدولة هى عبارة عن سلطة أقامتها الفئة المتحكمة لتحمى مصالحها.. الدولة هى السبب فى أن المواطن «متلبش».. الدولة منذ القدم تعمل لصالح فئة قليلة، وتعامل هؤلاء الناس على أنهم عبيد!. وأضاف: عندما نقول إننا نحتاج لحل جذرى فى هذه العملية.. «حقيقى يجب هز الجهاز الحكومى هزا».. ما هو معنى الهز؟.. ليست لوائح أو قوانين أو علاوات للموظفين.. لكن الدولة منذ القدم كيف كانت تسير؟.. فى عهد المماليك كانت تخدم من يجمع الضرائب للسلطان.. إذن الدولة من الخديوى حتى الجندى وجدت لتحمى ملكية أصحاب الأملاك، وتحمى ثروات أصحاب الثروات، ومصالح أصحاب المصالح.. تحمى الفئة القليلة التى ملكت هذا البلد. لكن عندما نقول إننا نهز هذا الجهاز هزا يجب تغيير المفاهيم كلية.. اليوم البوليس يحمى أصحاب البيوت والأراضى.. «شيل» البوليس وقل: لن أحمى هؤلاء.. سوف تنقض فئة على المنازل وسيقوم الفلاح وأولاده ويستولون على قطعة أرض بالقوة ويقيم العدالة التى يراها. وقال إن الدولة منذ القدم تحمى الملاك من الذين لا يملكون، وتحمى أصحاب المصانع من العمال، وتحمى أصحاب الأرض من الفلاحين، ومازلنا نطبق مفهوم الدولة الذى ورثناه مهما غيرنا اللوائح والقوانين.. لا فائدة.. فمثلا الشخص الذى ارتكب جريمة قتل تكون عنده الفرصة للبراءة إذا كان يستطيع أن يدفع المال للمحامى، فيمكن أن يدافع عنه أحسن المحامين، لكن الشخص الذى لا نقود عنده وارتكب جريمة قتل ضاع فى هذا البلد.. لأن الدولة خلقت لتحمى أصحاب الأموال.

وأكد قائلا: لأجل أن نعيد بناء هذا المجتمع، يجب أن نبدأ بالدولة.. لمن تعمل الدولة؟.. هل تعمل على سيادة طبقة لطبقة؟.. أم لإقامة العدالة والمساواة؟.. الدولة حتى الآن تعمل لصالح طبقة.. نحن حتى الآن نعمل بقوانين إسماعيل صدقى وتوفيق نسيم وغيرهما.. هذه القوانين وضعت لصالح الطبقات التى كانت سائدة.. وإذا قلنا إننا نريد هز جهاز الدولة هزا، فإنه ليس بتغيير اللوائح والقوانين، بل بتحديد ما هو مفهوم الدولة.

وبكلمات حاسمة فى اجتماع الحكومة، قال جمال عبدالناصر: يلزم إلغاء الماضى، وأن نعمل شيئا جديدا لنحقق الهدف الذى نعمل من أجله، وأن يأخذ كل فرد فرصة كاملة ليكون على قدم المساواة مع الباقين.. ويعطى الفرصة المعنوية فى القرية ويكون له صوت وكلمة كأى فرد، وتكون له السلطة الأعلى، لأنه هذا الفلاح الآن إذا رأى ضابط النقطة أو عمدة القرية فإنه لا يستطيع مقابلته ويغيّر طريقه.

وأوضح قائلا: .... وإذا قلنا إصلاح الجهاز الحكومى.. من يصلحه؟ هل الموظفون؟.. إذا لم يأخذوا التوجيه الواضح الصريح منا، فستكون الدولة بذلك تخدم الفئة التى تكلمت عنها، فيجب أن يكون التغيير جذريا لإقامة مجتمع جديد، ولكن إذا عملنا على أنقاض وتعديل ما هو موجود فكأننا لم نعمل شيئا، ولم نستطع أن نعمل شيئا.. ماذا فعل سيكوتورى؟.. قال إن الدفاع عن الفرد حق.. لماذا هذا يستطيع أن يدفع للمحامى وذاك لا يستطيع؟.. قام بجمع المحامين فى غينيا وجعلهم تابعين للدولة ويتقاضون مرتبات من الدولة.. ونحن مسئولون كحكومة عن الدفاع عن هذا البلد.. لا أن يجد الغنى الفرصة للدفاع عن نفسه ولا يجدها الفقير.

ثم انتقل جمال عبد الناصر فى الاجتماع إلى التعليق على «الاتحاد القومى» فقال: المفهوم الجديد للاتحاد القومى اليوم غير مفهومه من سنة، قد يمثل الاتحاد القومى بعد عام حزبا.. هو حزب المؤمنين بالاشتراكية، أو حزب من عملت الاشتراكية من أجلهم.. مفهومى تغير عن الكلام الذى قلته منذ عام.. قلت إن الاتحاد القومى لا يمكن أن يكون حزبا.. نجمع الطبقات داخل الاتحاد القومى لتحل المتناقضات بالطرق السلمية، حيث لا مجال داخله لصراع الطبقات، وإنما تحل مشاكله بالطرق السلمية، ولكن يوجد مجال لحل المتناقضات بين الشعب.. بين الفلاحين.. بين العمال.. بين المثقفين.. مفهوم الاتحاد القومى الآن يختلف عن مفهومى له فى السنة الماضية، لأنى كنت أقول أن كل مواطن عضو فى الاتحاد القومى.. لكن الاتحاد القومى فى مفهومه الجديد هو حزب اشتراكى، بمعنى أنه لم يعد لجميع الطبقات، بل للفئات التى تحدد على أنها هى الشعب وهذا تغيير جذرى بالنسبة لفكرة الاتحاد القومى.



إصلاح الجهاز الحكومى وكيفيته وفلسفته، هى تساؤلات مطروحة دائما على مائدة البحث فى مصر عبر العصور، فى الماضى والحاضر لأجل المستقبل، وفى هذه السطور التى نقدمها من واقع محضر اجتماع جلسة مجلس الوزراء يوم 29 أكتوبر عام 1961، تحدث الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر باستفاضة عن رؤيته للمسألة بالكامل،
قائلا إننا إذا عملنا - فى مسألة الإصلاح- على تعديل ما هو موجود، والبناء على أنقاضه، فكأننا لم نفعل شيئا، لكن لا بد من تغيير جذرى فى الجهاز الحكومى؛ تغيير يرتبط بالمفاهيم، وعلى رأسها مفهوم الدولة ذاتها، ودورها الذى يجب أن تقوم به، لا ما كانت تقوم به منذ القدم فى مصر.
............................................................

فى البداية قال جمال عبد الناصر: إننا لكى «نهز» جهاز الدولة لابد من أمرين. أولا : بحث مفهوم الدولة، وإلغاء كل ما كان فى الماضى فى هذا الشأن، وعمل شىء جديد يحقق الهدف الذى نعمل من أجله. وثانيا: بالنسبة للفرد لا بد أن نعطيه الفرصة الكاملة ليكون على قدم المساواة مع الباقين، فالفرد هو الموجود فى المجتمع، لن نستطيع أن نستورد أفرادا من الخارج للتطعيم، لأن هذا مجتمعنا ولا يصح أن نيأس منه ، لكن نحاول تطويره وهذه مسئوليتنا الأساسية باعتبارنا قيادة لهذا المجتمع.

وأوضح قائلا: لن يمكن تطوير هذا المجتمع إلا إذا آمنا بالفرد.. «أبو مخ قافل» رأيته فى الجيش، بعد ستين يوما من دخوله كان مثل «اللهلوبة». هذا الفرد كان يحضر من القرية إلى الوحدة «متلبش» لا يعرف كيف يسير، وبعد ثلاثة أشهر أصبح مثل «الجن» ونبيه. هذا الفرد كان لا يعرف القراءة والكتابة ولكنه يعمل فى أى سلاح.. «الفرد ده مش عبيط زى ما بيقولوا»، لكنه خبيث وعنده ملكة قوية، «طول النهار فى الغيط»، لم يجد الفرصة وعلينا أن نوجد له الفرصة.. هذا الفرد كان فى الجيش يحفظ كتاب ضرب النار وكان غيره من المتعلمين والمثقفين لا يستطيع ذلك.. «هو ده الفلاح والمواطن المصرى»! الذى لم نكتشفه حتى الآن.. لماذا؟! لسبب بسيط هو الدولة.

وتساءل الزعيم قائلا: ما هى الدولة؟.. الدولة هى عبارة عن سلطة أقامتها الفئة المتحكمة لتحمى مصالحها.. الدولة هى السبب فى أن المواطن «متلبش».. الدولة منذ القدم تعمل لصالح فئة قليلة، وتعامل هؤلاء الناس على أنهم عبيد!. وأضاف: عندما نقول إننا نحتاج لحل جذرى فى هذه العملية.. «حقيقى يجب هز الجهاز الحكومى هزا».. ما هو معنى الهز؟.. ليست لوائح أو قوانين أو علاوات للموظفين.. لكن الدولة منذ القدم كيف كانت تسير؟.. فى عهد المماليك كانت تخدم من يجمع الضرائب للسلطان.. إذن الدولة من الخديوى حتى الجندى وجدت لتحمى ملكية أصحاب الأملاك، وتحمى ثروات أصحاب الثروات، ومصالح أصحاب المصالح.. تحمى الفئة القليلة التى ملكت هذا البلد. لكن عندما نقول إننا نهز هذا الجهاز هزا يجب تغيير المفاهيم كلية.. اليوم البوليس يحمى أصحاب البيوت والأراضى.. «شيل» البوليس وقل: لن أحمى هؤلاء.. سوف تنقض فئة على المنازل وسيقوم الفلاح وأولاده ويستولون على قطعة أرض بالقوة ويقيم العدالة التى يراها. وقال إن الدولة منذ القدم تحمى الملاك من الذين لا يملكون، وتحمى أصحاب المصانع من العمال، وتحمى أصحاب الأرض من الفلاحين، ومازلنا نطبق مفهوم الدولة الذى ورثناه مهما غيرنا اللوائح والقوانين.. لا فائدة.. فمثلا الشخص الذى ارتكب جريمة قتل تكون عنده الفرصة للبراءة إذا كان يستطيع أن يدفع المال للمحامى، فيمكن أن يدافع عنه أحسن المحامين، لكن الشخص الذى لا نقود عنده وارتكب جريمة قتل ضاع فى هذا البلد.. لأن الدولة خلقت لتحمى أصحاب الأموال.

وأكد قائلا: لأجل أن نعيد بناء هذا المجتمع، يجب أن نبدأ بالدولة.. لمن تعمل الدولة؟.. هل تعمل على سيادة طبقة لطبقة؟.. أم لإقامة العدالة والمساواة؟.. الدولة حتى الآن تعمل لصالح طبقة.. نحن حتى الآن نعمل بقوانين إسماعيل صدقى وتوفيق نسيم وغيرهما.. هذه القوانين وضعت لصالح الطبقات التى كانت سائدة.. وإذا قلنا إننا نريد هز جهاز الدولة هزا، فإنه ليس بتغيير اللوائح والقوانين، بل بتحديد ما هو مفهوم الدولة.

وبكلمات حاسمة فى اجتماع الحكومة، قال جمال عبدالناصر: يلزم إلغاء الماضى، وأن نعمل شيئا جديدا لنحقق الهدف الذى نعمل من أجله، وأن يأخذ كل فرد فرصة كاملة ليكون على قدم المساواة مع الباقين.. ويعطى الفرصة المعنوية فى القرية ويكون له صوت وكلمة كأى فرد، وتكون له السلطة الأعلى، لأنه هذا الفلاح الآن إذا رأى ضابط النقطة أو عمدة القرية فإنه لا يستطيع مقابلته ويغيّر طريقه.

وأوضح قائلا: .... وإذا قلنا إصلاح الجهاز الحكومى.. من يصلحه؟ هل الموظفون؟.. إذا لم يأخذوا التوجيه الواضح الصريح منا، فستكون الدولة بذلك تخدم الفئة التى تكلمت عنها، فيجب أن يكون التغيير جذريا لإقامة مجتمع جديد، ولكن إذا عملنا على أنقاض وتعديل ما هو موجود فكأننا لم نعمل شيئا، ولم نستطع أن نعمل شيئا.. ماذا فعل سيكوتورى؟.. قال إن الدفاع عن الفرد حق.. لماذا هذا يستطيع أن يدفع للمحامى وذاك لا يستطيع؟.. قام بجمع المحامين فى غينيا وجعلهم تابعين للدولة ويتقاضون مرتبات من الدولة.. ونحن مسئولون كحكومة عن الدفاع عن هذا البلد.. لا أن يجد الغنى الفرصة للدفاع عن نفسه ولا يجدها الفقير.

ثم انتقل جمال عبد الناصر فى الاجتماع إلى التعليق على «الاتحاد القومى» فقال: المفهوم الجديد للاتحاد القومى اليوم غير مفهومه من سنة، قد يمثل الاتحاد القومى بعد عام حزبا.. هو حزب المؤمنين بالاشتراكية، أو حزب من عملت الاشتراكية من أجلهم.. مفهومى تغير عن الكلام الذى قلته منذ عام.. قلت إن الاتحاد القومى لا يمكن أن يكون حزبا.. نجمع الطبقات داخل الاتحاد القومى لتحل المتناقضات بالطرق السلمية، حيث لا مجال داخله لصراع الطبقات، وإنما تحل مشاكله بالطرق السلمية، ولكن يوجد مجال لحل المتناقضات بين الشعب.. بين الفلاحين.. بين العمال.. بين المثقفين.. مفهوم الاتحاد القومى الآن يختلف عن مفهومى له فى السنة الماضية، لأنى كنت أقول أن كل مواطن عضو فى الاتحاد القومى.. لكن الاتحاد القومى فى مفهومه الجديد هو حزب اشتراكى، بمعنى أنه لم يعد لجميع الطبقات، بل للفئات التى تحدد على أنها هى الشعب وهذا تغيير جذرى بالنسبة لفكرة الاتحاد القومى.

تعليقات

المشاركات الشائعة