وآخرتها إيه يا رابعة؟
د. محمد سعد أبو العزم
لا بد أنه السؤال الذي يشغل كل المصريين الآن: وماذا بعد؟ متى سيتحقق الاستقرار في البلد؟ من هو الطرف المصيب ومن هو المخطئ؟ لماذا يتمسك كل طرف سياسي بمطالبه ولا يرضى بتقديم أي تنازل، وهو ما ينذر بمزيد من المواجهات التي يروح ضحيتها المزيد من المصريين. في البداية دعني أطلب منك عزيزي القارئ أن تحاول التجرد من موقفك الشخصي تجاه الإخوان المسلمين، ومن رأيك في أداء الرئيس محمد مرسي خلال العام الماضي، وأن تتذكر فقط انتماءك لهذا الوطن، ورغبتك في أن ترى بلدك يتخلص من أزمته، وينطلق إلى آفاق أوسع من التنمية والنهوض، وهو ما نتفق عليه جميعًا كمصريين. أرجوك يا عزيزي ألا تجعل من حبك أو كرهك للتيار الاسلامي بشكل عام، أو للإخوان بشكل خاص، سببًا في أن تنس الهدف الذي خرجنا من أجله جميعًا كمصريين في ثورة يناير، ألم نتفق في ذلك الحين على أننا نبحث عن حرية حقيقية، انتخابات نزيهة، كرامة ووضع أفضل لكل المصريين؟ هل نسيت أننا خرجنا في ذلك الوقت لنعلن رفضنا للظلم الذي تمارسه الداخلية بشكل عام وجهاز أمن الدولة بشكل خاص؟ هل تذكر يا عزيزي وجبات الكنتاكي، والخمسين جنيها، وغيرها من التهم التي كانت تثير سخريتنا في ثورة يناير؟ لماذا أنت على استعداد الآن لتصديق تلك التهم عندما تخص المعتصمين بـ(رابعة)، بالرغم من أنها تصدر من نفس الصحافة ونفس الوجوه الإعلامية؟ اصدقني القول.. هل ترى أن دعمك للانقلاب، أو لما تعتبره أنت ثورة الشعب في 30 يونيه تسير في الاتجاه الذي ترضى عنه؟ هل تشعر أن أهداف ثورة يناير تتحقق؟.. أم نبتعد عنها أكثر وأكثر؟ وأخيرا أسألك بصراحة.. هل صرت تشعر الآن بالخوف عند مرورك على (كمين) الشرطة؟ هل بدأ يظهر في داخلك ذلك الهاجس بأن من لفق التهم للإسلاميين اليوم، قادر على أن يلصقها بأي مصري غدًا؟ قل ما شئت عن أخطاء الرئيس (محمد مرسي) في إدارة الدولة - ولك كل الحق في ذلك - ولكن هل تشعر الآن بالراحة بعد إزاحته عن الحكم؟ وهل تثق في أن نفس الأسلوب لن يتكرر مع الرئيس القادم لمصر إذا خرج عن النص فيما يخص تعامله مع قائد الجيش، هل هذه هي الدولة التي ترضاها والتي يصبح وزير الدفاع فيها هو الحاكم الفعلي؟ أرجوك لا تحدثني عن الملايين التي خرجت في 30 يونيه أيًا كان عددها، فأنت الآن تشارك في جريمة بحق مستقبل مصر، أنت الآن توافق على أن يصبح الحكم والفيصل هو الحشد في الشارع وعدد الرءوس التي خرجت للتأييد أو المعارضة، أنت الآن تعود بنا إلى عهد (إسبرطة) القديمة، حين كان يقوم الإمبراطور بجمع الشعب في الساحة ليأخذ رأيهم أو يحصل على تفويضهم، ما زلت أذكر حتى الآن الانتخابات البرلمانية الحقيقية الوحيدة التي تمت في مصر، وكيف أسهمت في تغيير الكثير من ثقافتنا حينها، أتذكر بوضوح كيف اتصل بي الدكتور (عمرو حمزاوي) منافسي في دائرة (مصر الجديدة)، ليعتذر عن الخطأ الذي قام به البعض من أنصاره، بوضع لوحة الدعاية الخاصة به فوق لوحتي، ثم كنت أنا أول من اتصل به مهنئًا إياه بعد تحقيقه الفوز في المعركة الانتخابية، إنها ثقافة تبدأ من النخب والسياسيين ثم تنتقل إلى عموم المجتمع، هل أنت راض على تحولنا من تلك الثقافة، إلى ثقافة القوة والحشد وعد الرءوس كمعيار للتفوق؟ وهل تتصور أن عموم الشعب سينزل مرة أخرى للقبول بنتيجة الصندوق، عندما يعرف أن صوته سيتم تجاهله، إذا جاء على غير هوى طبقة معينة بيدها مقاليد الأمور؟ بكل صدق.. أشعر بحزن شديد عندما أفتقد رفاق ثورة 25 يناير، الذين عشت معهم مرحلة ما قبل الثورة، ومفرمة الحملات الشعبية للتوقيع على مطالب التغيير، كان وجودهم في صدارة المشهد يشعرني بالطمأنينة، مصطفى النجار ووائل غنيم وعبد الرحمن يوسف وعبد المنعم إمام، والكثيرين ممن لم ينالوا حظهم من الشهرة الإعلامية، شباب مخلص لبلده يبحث عن الطريق الأفضل لنهضتها، مهما اختلفت رؤانا وتوجهاتنا.. فحب مصر يجمعنا سويًا، ولكن المشكلة أنهم جميعًا قد صاروا مجرد أفراد غير مؤثرين في المشهد، ويتنازعهم الآن صراع ما بين أحلام الثورة التي تتسرب بالتدريج، وما بين اختلافهم الشديد مع الإخوان الذي يمنعهم من الوقوف لجانبهم، وكانت النتيجة هي أننا خسرنا تأثيرهم، ودورهم المطلوب في هذه المرحلة الحساسة التي تواجهها مصر. أعرف أنني لم أشف غليلك يا صديقي العزيز، ولم أقدم إجابات واضحة عن ملامح المستقبل، وسبل الخروج من الأزمة، ولكن يكفيني اليوم أن أختم بما كنت أقوله دومًا في كل مقالاتي: سيبقى هذا الوطن يسعنا جميعًا.. مؤيدين ومعارضين، إسلاميين وليبراليين ويساريين، سنحيا فيه معًا لنتفق ونختلف، ولتطمئنوا.. فسيبقى الله حافظًا مصر، فقد سبقت مشيئته تعالى أن يبقى هذا البلد محروسًا بعينه ورعايته. المصدر المصريون
تعليقات
إرسال تعليق