10 أسباب تجعل تحصين لجنة الانتخابات الرئاسية أمراً مستحيلاً..لا يوجد أى سند دستورى.. والدستور الجديد حظر ذلك.. محكمة القضاء الإدارى هاجمت مثيلتها فى 2011 ووصفتها بالمتطرفة..فلماذا نريد تكرار الأخطاء؟

عاشت مصر حالة عدم استقرار دستورى عقب تنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك عن الحكم، وإعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة المشير طنطاوى حينئذ لخارطة الطريق الأولى أدت لحل مجلس الشعب بسبب بطلان قوانين انتخابه وإصدار إعلانات دستورية وغيرها من المسائل الدستورية التى أثيرت حولها الشبهات.
وفى هذه الأيام تستعد البلاد لتخطو خطوة جديدة فى خارطة الطريق الثانية والتى عُدلت لتجرى الانتخابات الرئاسية أولا، ويتم الآن إعداد مشروع قانون لهذه الانتخابات بما يتماشى مع الدستور الجديد، ولا يليق بمصر مع ما تمتلك من تراث دستورى وقضاة أجلاء وفقهاء دستوريين ومن علم وكفاءة المختصين من أبنائها أن تكرر الأخطاء التى وقعت فيها.
وكان من بين هذه الأخطاء تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية التى أشرفت على انتخابات 2012، وهنا نذكر 10 أسباب تجعل تحصين قرارات هذه اللجنة كما نص مشروع القانون المقدم من رئاسة الجمهورية إلى قسم التشريع بمجلس الدولة "أمراً مستحيلاً"، وهو ما انتهى إليه قسم التشريع الذى يترأسه المستشار مجدى العجاتى نائب رئيس مجلس الدولة بعدم موافقته على تحصين أعمال وقرارات اللجنة رغم أن مؤسسة الرئاسة طالبته بتأييد التحصين، إلا أن القسم أفتى بعدم جواز ذلك، وأرسل مقترحه بعدم التحصين.. وخلال الساعات القليلة المقبلة سيتبين هل ستأخذ مؤسسة الرئاسة برأى قسم التشريع من عدمه.. وهذه الأسباب هى:
1- السبب الأول يكمن فى أن المادة 97 من الدستور المعمول به حاليا قد قطعت أى طريق لتحصين أى عمل أو قرار إدارى ضد رقابة القضاء، حيث نصت هذه المادة صراحة على أن "التقاضى حق مصون ومكفول للكافة، وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضى، وتعمل على سرعة الفصل فى القضايا، ويحظر تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء"، إذن فالأصل العام المقرر دستوريا هو عدم جواز تحصين أى عمل أو قرار إدارى، والخروج عن هذا الأصل يحتاج لنص واضح من ذات المرتبة التشريعية وهو الدستور الذى يخلو من ثمة مواد تحصن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية.
2- خلو الدستور المعمول به حاليا من ثمة مواد تحصن قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، فلا يوجد سند دستورى لتحصين اللجنة، أما سند التحصين فيما مضى فكان فى المادة "28" من الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011 والذى جرت الانتخابات الرئاسية الماضية فى ظل العمل به، وهى المادة التى ذكرت أن "قرارات اللجنة نهائية ونافذة بذاتها غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أو الإلغاء..." وكانت مسار جدلاً وخلاف واسع أثناء تلك الفترة.
3- أما السند الثالث فى تأييد وجهة النظر بعدم جواز تحصين اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، فهو أن الدستور قد حصر الجهات والهيئات القضائية ولم يكن من بينها اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، وإن كانت المحكمة الدستورية العليا قد أصدرت حكماً قضائياً سابقاً وصفت فيه اللجنة بأن لها سلطة قضائية، فمردود ذلك أن هذا الحكم قد صدر فى ظل العمل بالإعلان الدستورى السابق الإشارة إليه، وما تضمنه من المادة 28 والتى ذكرت وصفت اللجنة بأنها “لجنة قضائية عليا"، وهو ما لم يكن موجودا فى الدستور الجديد.
4- وبقراءة المادة 190 من الدستور الخاصة بمجلس الدولة، نجد أنها نصت على أن "يختص دون غيره بالفصل فى المنازعات الإدارية..." ولا ريب أن جميع منازعات الانتخابات أيا كان نوعها تعد من المنازعات الإدارية، وعندما أراد المشرع الدستورى الخروج من هذا الأصل نص عليه صراحة فى صلب الدستور ومثال ذلك النص على اختصاص كل من القضاء العادى والمحكمة الدستورية واللجان القضائية العسكرية فى القوات المسلحة بتأديب أعضائهم، "المواد 188، 192، 202 من الدستور".
وأيضاً النص على اختصاص محكمة النقض فى الفصل فى صحة عضوية أعضاء مجلس النواب، حيث تنص المادة 107 من الدستور على أن: (تختص محكمة النقض بالفصل فى صحة عضوية أعضاء مجلس النواب، وتقدم إليها الطعون خلال مدة لا تجاوز ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان النتيجة النهائية للانتخاب، وتفصل فى الطعن خلال...".
5- الأحكام القضائية التى صدرت من محاكم مجلس الدولة بدرجتيها "القضاء الإدارى والإدارية العليا" فى ظل العمل بإعلان 30 مارس 2011 وما تضمنه من المادة 28، ويجب ألا ننسى مناشدة تلك المحاكم للمشرع الدستورى بعدم تكرار هذا التحصين فى الدستور الجديد.
فمحكمة القضاء الإدارى أصدرت حكمين قضائيين فى 3 إبريل و9 مايو من عام 2012، وصفت فيهما تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بأنها "نوع من التطرف التشريعى وتحمل ردة قانونية إلى عصر الاستبداد، وتشكل اغتصابا لسلطة المحاكم والهيئات ذات الاختصاص القضائى"، كما انتقدت المادة 28 الإعلان الدستورى المعمول به وقتئذ، وقالت "إنها تغل يد المحكمة عن ممارسة اختصاصها فى رقابة مشروعية قرارات لجنة الانتخابات الرئاسية وتقف كعائق بينها وبين ممارسة اختصاصات محاكم مجلس الدولة فى رقابة قرارات لجنة العليا للرئاسة".
أما المحكمة الإدارية العليا فقد أصدرت حكماً آخر فى الطعن رقم 17680 لسنة 58 قضائية بتاريخ 12 مايو 2012، وانتقد تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، وقالت "بدلا من تحصين كافة قرارات اللجنة، كان الأجدر بالمشرع اتساقا مع ما بات مستقرا عليه من عدم فرض أى حماية قانونية لأى قرار أو تحصين أى عمل من الرقابة القضائية،أن ينظم طريقا للطعن على مثل هذا القرار وغيره مما يصدر من اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، بحيث يكون الطعن عليها أمام المحكمة الإدارية العليا على أن يقدم إليها الطعن خلال ميعاد قصير ويتم البت فيه فى ميعاد ليس بأطول من ميعاد الطعن بما يحفظ لانتخابات رئيس الجمهورية مرتبتها بين الانتخابات الأخرى وبما لا يطيل أمر النزاع حول ما يصدر بشأنها من قرارات استقرارا لما تؤول إليه ووأد للنزاعات التى تنشأ بشأنها، وإعلاء لشأن المشروعية بكلمة عليا من المحكمة الإدارية العليا، الأمر الذى يلزم مراعاته عند وضع الدستور الجديد للبلاد.
6- والجدير بالذكر هنا أن هذا الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار مجدى العجاتى نائب رئيس مجلس الدولة والذى ترأس الدائرة الأولى فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا، وأصدر هذا الحكم وقتئذ، وهو الآن رئيسا لقسم التشريع بمجلس الدولة المعروض عليه قانون الانتخابات الرئاسية لمراجعته وصياغته إعمالا لنص المادة 190 من الدستور، فهل يعقل أن يوافق الآن على تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية؟!
7- ليس للسلف أكثر من الخلف، وذلك بمعنى أنه لن يكون للجنة الانتخابات الرئاسية فى هذه المرحلة من سلطات أكثر من الهيئة الوطنية للانتخابات التى سيتم تشكيلها فيما بعد وفقا للدستور الجديد، حيث تنص المادة 208 من الدستور على أن "الهيئة الوطنية للانتخابات هيئة مستقلة، تختص دون غيرها بإدارة الاستفتاءات، والانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية....)، وتنص الفقرة الأخيرة من المادة 210 من الدستور على أن "وتختص المحكمة الإدارية العليا بالفصل فى الطعون على قرارات الهيئة المتعلقة بالاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والنيابية ونتائجها، ويكون الطعن على انتخابات المحليات أمام محكمة القضاء الإدارى، ويحدد القانون مواعيد الطعن على هذه القرارات على أن يتم الفصل فيه بحكم نهائى خلال عشرة أيام من تاريخ قيد الطعن".
8 - خلو النص الدستورى الانتقالى من حكم صريح بممارسة اللجنة لذات الصلاحيات الممنوحة لها فى الإعلان الدستورى الصادر فى مارس 2011، فالدستور الحالى فى مادته الانتقالية رقم 228 قد نص على أنه "تتولى اللجنة العليا للانتخابات ولجنة الانتخابات الرئاسية القائمتين فى تاريخ العمل بالدستور، الإشراف الكامل على أول انتخابات تشريعية، ورئاسية تالية للعمل به، وتؤول إلى الهيئة الوطنية للانتخابات فور تشكيلها أموال اللجنتين" ولو أراد الدستور النص صراحة على أن تكون ممارسة لجنة الانتخابات الرئاسية لاختصاصاتها "بذات الصلاحيات" لكنه خلا النص الدستورى المشار إليه من ذلك.
9 – ورغم أن اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية تضم عدد من شيوخ القضاة إلا أن ذلك لا يمنحها الحق فى أن تظل بمنأى عن رقابة القضاء فالتنظيم القانونى المصرى حفل بنماذج عديدة من لجان عهد إليها المشرع بمهام إدارية، وكان تشكيلها تشكيلاً قضائياً كاملاً، ومع ذلك لم تُحصن قراراتها واللجنة العليا للانتخابات البرلمانية ولجنة شئون الأحزاب السياسية مثالين على ذلك، حيث أن قراراتهما يتم الطعن عليها أمام محاكم القضاء الإدارى والإدارية العليا بمجلس الدولة، كما أن 3 من أعضاء اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية كانوا أعضاء فى اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية والتى يطعن على قراراتها أمام مخاكم مجلس الدولة.
10 - وأخيرا لا يمكن أن تكون اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية الخصم والحكم فى ذات الوقت، لأنه فى حالة تحصين قراراتها ومنحها اختصاص الفصل فى المنازعات، فإنها ستصبح خصما وحكما فى ذات الوقت، أيضا لا يمكن اعتبار القرار الصادر من لجنة الانتخابات الرئاسية فى التظلم المقدم من ذى الشأن فى أحد إجراءاتها أو تصرفاتها او أعمالها بمثابة حكم أول درجة، وبالتالى يحق للمشرع أن يقصره على درجة واحدة من درجات التقاضى بموجب سلطته التقديرية، لان المشرع عندما يقصر التقاضى على درجة واحدة يكون حريصا على أن يكون القاضى الجالس للفصل فى الخصومة لم يسبق له التعرض لموضوع المنازعة، فتجتمع فيه صفتا الخصم والحكم فى ذات الوقت، فان كان الفصل على درجة واحدة فيجب أن يجلس القاضى لهذه المنازعة خالى الذهن لم يسبق له التعرض لموضوعها، فما بالنا بان المطعون عليه هى أعماله ذاتها.




المصدر اليوم السابع

تعليقات

المشاركات الشائعة