م الآخر| حالنا يا عم مجاهد.. الأقصر بلدنا بلد "شيماء"
تحقق الحِلم أخيرًا وقابلت سياحًا لا يتعدون العشرة أشخاص في وادي الملوك
عزيزي عم مجاهد.. كيف الحال ؟ أشتاق إلى رؤيتك جدًا وأشتاق إلى أحاديثنا التي كانت تخلل سكون الظلام في شرفة المنزل فتضيء في أعيننا اّمالاً وأحلامًا.. كيف حالك؟ وكيف حال المسكونة بعيدًا عن مصر؟ ما الجديد في هذا الكوكب ؟! اعذرني.. فأنا والمصريون جميعًا ليس لدينا وقت ولا بال ولا صحة حتى لنتابع أخبار الكوكب.. "اللي فينا مكفينا".
كُنت في الأقصر الأسبوع الماضي يا صديقي.. نعم، فحلم الطفولة تحقق أخيرًا.. حلمي بأن أذهب إلى الأقصر وأسوان تحقق.. أذهب وأشاهد هذه العظمة التي أبهرت وحيّرت الناس على مر العصور كان بمثابة الأمر المستحيل بالنسبة لي.. ولكنه تحقق أخيرًا.. استقليت السوبر جيت في رحلة استغرقت 14 ساعة إلى أسوان لأن القطارات كانت موقوفة "لدواعٍ أمنية يا صاحبي.. بالرغم من طول الرحلة المُرهقة ولكن الحماسة بداخلي غلبت أي إحساس بالتعب".
وصلت إلى أسوان.. تجولنا في المزارات والمعابد الخلّابة.. عظمة ورهبة لا تتخيلها يا صديقي البعيد.. والجدير بالذكر أن في كل مرة نذهب إلى مزار أنتظر بلهفة وشغف مقابلة السائحين والتحدّث لهم بالإنجليزي "اللي المفروض" تعلمناه في مدارس المحروسة.. نعم، سأتحدث مع السياح عن مصر وأتصل بمستر مدحت مدرس الإنجليزي وأقص القصة له.. سيكون فخورًا بي لا محالة يا صديقي.. حِلم جميل.. ولكن في كل مرة.. لا أجد سائحين.. "كُلهم مصريين زيينا".. أين السياح؟ الأقصر بلدنا بلد سواح فين؟ لا يوجد للأسف.. أصبّر نفسي بالأمل في المزار القادم.. مزار وراء مزار.. سراب وراء سراب.
تتأمل يا صديقي في وجه الناس تجد الحُزن واضحًا وقلة الحيلة والرزق واضحة أكثر من الشمس الساطعة في صحراء وادي الملوك.. الأمر أصبح مأساويًا هناك يا صديقي.
تحقق الحِلم أخيرًا وقابلت سياحًا لا يتعدون العشرة أشخاص في وادي الملوك.. "فضل ونعمة ورضا إحنا هنتأمّر؟!" يتابعون ويسألون ويشاهدون آثارنا ومقابرنا باحترام بالغ ودهشة ونظرة في أعينهم لا تصدق ما تراه.. حمدت الله وسبحت في صدري وجالت في بالي أغنية الكينج "علّي صوتك بالغُنى.. لسه الأغاني ممكنة".. المهم كان بداخلي رغبة شديدة في أن أسألهم.. هل قلة السياح سببها فقط انعدام الأمن أم هناك سبب آخر.. ولكن الإجابة ظهرت بمفردها.. عن طريق "سيد وشييييماء" (بكسر الياء كما كان يناديها أبو السيييد) قصة حُب توهجت في بطن الجبل.. بالتحديد في مقبرة الملك رمسيس السادس.. توهجت كتوهج "إيشارب" شيماء فسفوري اللون الذي أضاء المقبرة كُلها.. أما سيد فهو شاب في الثلاثين من عُمره شعره غير معلوم فورمته بالتحديد ويتكلم بلهجة غريبة قريبة من العربية العامية ولكنها لا تعترف بالحرف الأخير من الكلمة فيتم استبداله بحرف الألف مِثال (أحماا.. بدل أحمد).. تأمّلهم السائحون قليلاً وحلّت الصاعقة عليهم عندما انتهى سيييد من تناوله لسندوتش الكبدة الممنوع تواجده في المقبرة من الأساس ومسح يديه على جدران المقبرة التي تبلغ من العُمر ثلاثة آلاف سنة.
انفجرت شيماء في الضحك وشعر السياح بمرارة وحُزن جعلتهم يتركون المقبرة في أسرع وقت منصرفين إلى الفندق.. الإجابة الآن واضحة يا صديقي.. العيب فينا احنا.. نحن من لا يقدر ما وهبه الله من نعم وعطايا.. نحن من تركنا أنفسنا ضحايا الجهل والمحسوبية والفساد.. لن أطيل عليك يا صديقي ولكن بالله عليك إن قابلت الأستاذ علي الحجار قل له.. "إن اللي بنى.. بنى مصر.. كان في الأصل حلاوني بس مخدش باقي حسابه فمعلّمش أهل المحروسة يحترموا اللي بناه إزاي".
سلامي وتحياتي..
المصدر الوطن
تعليقات
إرسال تعليق