فى الذكرى 97 لميلادها.. "سميرة موسى" عالمة الذرة الأولى بمصر.. أحبت العلم وسخرته لخدمة الوطن.. حاولت علاج السرطان بالذرة.. وتناثرت الحكايات والشبهات حول وفاتها الغامضة حتى لا تتقدم مصر بعلمها

هى أول عالمة ذرة مصرية، لقبت باسم ميس كورى الشرق، وهى أول معيدة فى كلية العلوم بجامعة فؤاد الأول، جامعة القاهرة الآن، هى عالمة الذرة سميرة موسى، والتى ولدت بقرية سنبو الكبرى، مركز زفتى، بمحافظة الغربية، فى الثالث من مارس عام 1917.
كان والدها ذا مكانة اجتماعية مرموقة بين أبناء قريته، وكان بمثابة مجلس يلتقى فيه أهالى القرية ليتناقشوا فى كافة الأمور السياسية والاجتماعية، حفظت سميرة منذ الصغر القرآن الكريم، وكانت مولعة بقراءة الصحف، حيث إنها تمتعت بذاكرة فوتوغرافية تؤهلها لحفظ الشىء بمجرد قراءته.
انتقلت للعيش بالقاهرة مع والدها من أجل تعليمها، التحقت سميرة بمدرسة "قصر الشوق" الابتدائية والتى قامت على تأسيسها وإدارتها "نبوية موسى" الناشطة النسائية السياسية.
وحصلت سميرة منذ عامها الأول فى الدراسة على المركز الأول، ولم يكن فوز الفتيات بهذا المركز مألوفا فى ذلك الوقت، حيث لم يكن يسمح لهن بدخول امتحانات التوجيهية إلا من المنازل حتى تغير هذا القرار عام 1925 بعد إنشاء مدرسة الأميرة فايزة أول مدرسة ثانوية للبنات فى مصر.
وكان لتفوقها المستمر أثر كبير على مدرستها، حيث كانت الحكومة تقدم معونة للمدرسة التى يخرج منها المركز الأول، مما دفع الناظرة "نبوية موسى" إلى شراء معمل خاص، تلبية لرغبة سميرة والتى كانت تريد الوصول إلى المعامل للتعرف أصلا على العلوم.
وهو ما دفع الشابة السمراء إلى اختيارها الالتحاق بكلية العلوم، رغم أن مجموعها كان يؤهلها لدخول كلية الهندسة، ويذكر أن أحلام غالبية الفتيات فى هذا الوقت كان يميل إلى كلية الآداب، وهذا ما لفت انتباه الدكتور مصطفى مشرفة، أول مصرى يتولى عمادة كلية العلوم، مما جعل سميرة تتأثر به مباشرة ليس من الناحية العملية فقط، ولكن من الجانب الاجتماعى فى شخصيته.
واستمر تفوق سميرة، حيث حصلت على البكالوريوس وكانت الأولى على دفعتها، وعينت معيدة بالكلية، وقد كان الدكتور مشرفة هو من دافع عن حقها فى هذا التعيين وتجاهل احتجاجات باقى الأساتذة خاصة الأجانب منهم.
لم تنظر سميرة إلا للعلم، حيث حصلت على شهادة الماجستير فى موضوع "التواصل الحرارى للغازات"، وسافرت إلى بريطانيا فى بعثة لدراسة الإشعاع النووى، وحصلت على الدكتوراه فى الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة، واستطاعت سميرة الوصول إلى معادلة مهمة فى العلوم تمكن من تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس ومن ثم صناعة القنبلة الذرية من مواد قد تكون فى متناول الجميع، ولم تلق قبولا فى العالم الغربى فى وقتها لأسباب غير معروفة، ولم تدون الكتب العلمية العربية جميع الأبحاث التى توصلت إليها سميرة موسى.
خدمت سميرة سياسة مصر بعلمها، وبعد إعلان الدولة الإسرائيلية عام 1948 بثلاثة أشهر، قامت بتأسيس هيئة الطاقة الذرية، وحرصت على إرسال البعثات للتخصص فى علوم الذرة، لأنها كانت تدعو إلى أهمية التسلح النووى، لمواجهة الخطر الإسرائيلى، واستطاعت أن تنظم مؤتمر الذرة من أجل السلام الذى استضافته كلية العلوم وشارك فيه عدد كبير من علماء العالم.
حاولت أن تسخر الذرة لخير الإنسان وتقتحم به مجال العلاج الطبى، حيث كانت تقول: "أمنيتى أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين"، وكانت عضوا فى كثير من اللجان العلمية المتخصصة على رأسها "لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية التى شكلتها وزارة الصحة المصرية.
تأثرت سميرة بإسهامات المسلمين الأوائل كما تأثرت بأستاذها الدكتور مشرفة ولها مقالة عن الخوارزمى ودوره فى إنشاء علوم الجبر، بالإضافة إلى عدة مقالات أخرى من بينها مقالة مبسطة عن الطاقة الذرية وأثرها وطرق الوقاية منها، وشرحت فيها ما هى الذرة من حيث تاريخها وبنائها، وتحدثت كثيرا عن الانشطار النووى وآثاره المدمرة وخواص الأشعة وتأثيرها البيولوجى.
لم تنبهر سميرة بالدول الأوروبية عند سفرها إليها، وفى أغسطس عام 1952 استجابت إلى دعوة للسفر إلى أمريكا أتيحت لها فرصة إجراء بحوث فى معامل جامعة سان لويس، وتابعها عروض كثيرة لتبقى فى أمريكا، لكنها رفضت وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة زيارة معامل نووية فى ضواحى كاليفورنيا، وفى طريق كاليفورنيا الوعر ظهرت سيارة نقل اصطدمت بسيارتها وألقت بها فى وادٍ عميق، ولم يصدق الكثير قصة وفاتها، حيث أوضحت التحريات أن السائق كان يحمل اسما مستعارا وأن إدارة المفاعل لم تبعث أحد لاصطحابها، وأخذت بعد ذلك الصحف تتداول قصتها، وأشارت التحقيقات إلى إدانة المخابرات الإسرائيلية، وأنها وراء اغتيال الدكتور سميرة موسى، لمنع محاولاتها لنقل العلم النووى إلى مصر والوطن العربى فى هذه الفترة المبكرة.
وظلت رسالتها الأخيرة لوالدها هى الباقية فى ذاكرة الكثيرين وقتها حين قالت له "استطعت أن أزور المعامل الذرية فى أمريكا وعندما أعود إلى مصر سأقدم لبلادى خدمات جليلة فى هذا الميدان وأستطيع أن أخدم قضية السلام"، حيث كانت تنوى إنشاء معمل خاص لها فى منطق الهرم بالجيزة.





المصدر اليوم السابع

تعليقات

المشاركات الشائعة