محمد الدسوقى رشدى يكتب:العبيط كتب رسالة الأعبط منه.. رسالة مرسى تفضح تناقضات بيانات الإخوان وتحولها لمسكنات علاج الروح المعنوية لشباب الجماعة..6 بيانات تتضمن نفس التعليمات وتؤكد نهاية الانقلاب بعدأيام


إن أردت تعريفًا للبؤس أو مشتقاته لا تذهب إلى المعجم الوسيط، ولا تسأل أعضاء المجمع اللغوى، فقط اذهب إلى حيث ترقد ما يمكن تسميتها مجازًا بعقول قيادات الإخوان المسلمين.
هناك ستجد متتالية مدهشة، جماعة أسست لخطاب تعبوى انتقامى على مدى 12 شهرًا تحت شعار «الانقلاب يترنح»، وقطعانًا من التابعين ينشدون من خلف القادة أناشيد مزيفة بعنوان «عودة مرسى إلى القصر بكرة العصر»، وشيوخًا يحللون الكذب تحت مظلة شحذ الهمم، وفقهاء ودارسين يجتهدون لأيام بحثًا عن تأصيل شرعى لاستخدام الألفاظ القبيحة فى توجيه الشتائم للخصوم، وقيادات تهتف لن يمر استفتاء، ولن تمر انتخابات الرئاسة، ومن خلفها بسطاء وقطعان من الأعضاء يرددون آمين، وعقول إخوانية مضطربة تارة تسب الشعب وتصف ناس بلدها بعبيد البيادة، وتارة تتوسلهم تحت مسمى الشعب الأبى العظيم، وأخيرًا وليس بآخر جماعة تشعر بانكسار أعضائها وعناصرها عقب وصول عدوهم رسميًا للسلطة، وتبخر أحلام ترنح الانقلاب، وتلاشى وعود «عودة مرسى للقصر بكرة العصر»، ولم يمكّن بؤس عقول قيادات الجماعة سوى من حبكة درامية سخيفة تحت مسمى «مفاجأة بعد قليل من الرئيس الشرعى للبلاد محمد مرسى»، ويجلس بسطاء الجماعة أمام شاشات الجزيرة باكين فى انتظار خيط الأمل، فلا يأتيهم سوى نص بائس لرسالة كوميدية دون دليل واحد، خطى أو مسموع، على أنها تخص رجلهم المعزول، فلا يجد الإخوانى سوى ركن البؤس يعود إليه، ولا تجد جموع الناس فيما حدث سوى فرصة جديدة للشفقة على جماعة تحترف الكذب والتزوير والتزييف مهنة تحت شعار شحذ همم الأعضاء.(2)إعلان عن رسالة من الرئيس الشرعى محمد مرسى، يتبعه «تكبييير»، واستدرار لعبارات قديمة من نوعية أنها بشرى النصر، الآن موعد الرد القوى على الانقلاب، وموعد صفعة مرسى للسيسى، بكشف معلومات مهمة أو أسرار غامضة، ولكن لا السر الغامض ظهر، ولا حتى سمعنا صوتًا لصفعة باستثناء ما يمكن أن تتخيل أن يفعله الإحباط فوق أقفية عناصر الجماعة التى انتظرت رسالة تداوى جراح الهزيمة والانكسار، فلم تجد سوى مجموعة من الكلمات تظهر مرسى كأنه قائد الثورة الجديدة، داعيًا الناس لاستكمالها ونبذ ما حدث فى 3 يوليو.
اسأل قيادات الإخوان الذين كتبوا الرسالة ونسبوها لمرسى لعلهم يفهمون هل يجوز شرعًا أو منطقًا أن تتم إعادة تدوير بقايا محمد مرسى الذى أطاح به الناس من فوق عرشه لفرط سذاجته وفشله لتقديمه مرة أخرى فى ثوب قائد ثورة؟، هل حدثكم التاريخ من قبل عن ثورة نجحت بعد أن امتطى ظهرها رجل قال عن شخصه إنه أخطأ، ولم يجيد تقدير الأمور، وإن وزير الدفاع الذى اختاره بنفسه ضحك عليه؟، هل حدثكم العقل أن شبابًا ينتمون للجماعة أقروا بفشل مرسى ويرونه بتساهله مسؤولا عن ضياع السلطة سيقبلون ببساطة أن يسيروا ضمن قطيع يقوده مرسى؟، ألم تخبركم العلوم وطبيعة الظروف المحيطة فى مصر أن مشاريع إعادة التدوير لا تملك التقنية اللازمة لتحويل ما فى بطن صناديق القمامة إلى ذهب؟(3)فى 1 يوليو 2013، أى بعد يوم من المظاهرات الهادرة التى ملأت شوارع مصر، وهتفت برحيل مرسى، وأعلن الجيش عن مهلته لحل الأمر، نشرت الصفحة الرسمية للدكتور محمد مرسى صورة تجمع مرسى مع هشام قنديل مع عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع وقتها، وكأن هذا هو رد الجماعة على المعارضين الذين يظنون أن الجيش سيقف فى صفهم.. فكر الإخوان كيف يردون على كل هذه النداءات الشعبية بأن ينصرهم الجيش فى مواجهة الإخوان بنشر صورة للسيسى وهو يجلس فى مواجهة مرسى للتأكيد على تحكم مرسى فى الأمور.
تخيل! كان هذا «تمام» الإخوان فى التصرف مع الملايين الذين يتظاهرون ضدهم فى الشوارع، نشر صورة لوزير الدفاع مع مرسى، والتعليق عليها بعبارة وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى فى لقاء مع القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس محمد مرسى، وانتشرت الأوامر للجان الإخوان الإلكترونية بنشر هذه الصورة فى الإنترنت، وعلى الفضائيات بتعليقات من نوعية «انظروا كيف يجلس السيسى مستكينا فى حضرة الرئيس، اضرب ياريس واحنا معاك، السيسى يقدم فروض ولاء الجيش ويعلن انحيازه للشرعية»، وباقى التعليقات التى لا تهدف سوى إلى تسريب الإحباط فى نفوس المتظاهرين المنتظرين لانحياز الجيش.
هكذا يفكر الإخوان.. مواجهة الملايين بصورة قد تبدو محبطة، لتمر الأيام ونكتشف معًا أن تلك الصورة التى نشروها للتدليل على أن الجيش تحت سيطرة مرسى، كانت الصورة التى ارتدى فيها مرسى «السلطانية»، وتعمم بسذاجته وفشل جماعته، مثلما هو الوضع الآن حينما قرر الإخوان أن يواجهوا حقيقة فوز السيسى بالرئاسة، بتأليف رسالة على لسان رجل يظنونه الرئيس، ويؤمن الشعب المصرى بأنه فاشل وخائن، وحتى وإن بُرّئ من تهمه قضائيًا، لا يراه الناس سوى رئيس لوحدة محلية فى قرية نائية مع الدعاء بالستر لسكانها من ضعف إمكانياته وقدراته.(4)رسالة مرسى التى انتظرها الإخوان بلهفة الظمآن، أو الراغب فى إزالة مرارة الهزيمة، جاءت لتضاعف الإحباط فى نفوس شباب الجماعة ونسائها ورجالها حتى وإن أبدوا غير ذلك، لأن الرسالة التى ظنها الجميع ستأتى قنبلة تنفجر لإفساد فرحة السيسى بالرئاسة جاءت لتخاطب الإخوان أنفسهم لا الرأى العام، وكأنها تفضح هدفها الرئيسى وهو محاولة مداواة الروح المعنوية لعناصر الجماعة، بعد أن أصبحت فى الحضيض بسبب فوز السيسى بالرئاسة.
الرسالة جاءت تحمل فى باطنها كل وسائل التشكيك فيها، بداية من اختفاء أى دليل على كونها تخص مرسى، حتى اللغة المكتوبة بها جاءت بعيدة جدا عن لغة مرسى الذى لا يجيد استجماع مرادفات جملة واحدة مفهومة، هذا بخلاف تشابه كلماتها ومضمونها مع معظم بيانات الجماعة التى صدرت أخيرا وكأنها منسوخة من بعضها البعض، ولا تتحدث سوى عن ترنح الانقلاب وبداية الثورة الجديدة، وأى نظرة سريعة على مجمل بيانات الإخوان فى الفترة الأخيرة ستجدها متطابقة المعنى لدرجة توحى لك بأن كاتب بيانات الإخوان وصل إلى مرحلة من الإحباط والعبط تمنعه من الابتكار أو التجديد، ويظهر ذلك جليا فى بيانات الشهر الماضى التى جاءت كلها بعناوين مثل تحية إكبار للمصريين فى الخارج، والذى صدر بتاريخ 20 مايو يشكر المصريين فى الخارج على مقاطعة الانتخابات، رغم أن الأرقام أشارت بمشاركة حوالى 320 ألف ناخب، وهو رقم أقل بقليل من رقم المشاركة فى انتخابات الرئاسة الماضية، واعتبره الإخوان وقتها نصرا ساحقا، وبعد 5 أيام نشر الإخوان بيانا مشابها بعنوان «لن يحكم مصر سفاح»، يقولون فيه إن دول العالم بعد أن شهدت ما حدث فى انتخابات المصريين فى الخارج ستتدخل لمنع المهزلة الانتخابية، وإيقاف السيسى عند حده، وبالتالى عودة مرسى، وفى 28 مايو وجه بيان الإخوان بعنوان الشعب يقرر وفاة الانقلاب، الشكر للشعب المصرى العظيم بعد ما وصفه طوال شهور ماضية بعبيد البيادة الجهلة، لأنهم قاطعوا الانتخابات، وبشروا فى هذا البيان بأن نهاية الانقلاب أصبحت قريبة وما هى إلى أيام معدودة وستنتصر الثورة، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث وصعد السيسى إلى سلم الرئاسة، ولأن تمام الإخوان أصبح البيانات العامة أصدروا فى 4 يونيو بيانا بعنوان «الشعب لا يهزم»، يتضمن نفس نصوص رسالة مرسى عن الثورة المستمرة، ويعاير الجيش المصرى بالنكسة مثلما فعلوا قبل عام من الآن، ثم شكروا دول العالم التى رفضت تهنئة السيسى بالرئاسة، وهو شكر يؤكد على أن كاتب البيان لم يجد وقتا ليقرأ سيل التهانى الدولية التى انهالت على مصر بعد الانتخابات.(5)منذ ثورة 25 يناير وحتى الآن وبيانات الإخوان المسلمين ومكتب الإرشاد تعتبر أحد أبرز الأدلة على تفشى «العبط» والفشل بين قيادات الجماعة، إما لأن بعضها يثبت على الجماعة أخطاء كبرى، مثل البيان الذى أصدرته الجماعة قبل 25 يناير 2011، ولم تعلن فيه المشاركة الرسمية فى المظاهرات خوفا وجبنا من نظام مبارك، بينما شباب الأحزاب الأخرى شاركوا وأعلنوا عن مشاركتهم بشجاعة منذ اللحظة الأولى، ولم يظهر الإخوان فى المشهد رسميا إلا بعد أن اطمأن مكتب إرشادهم إلى انهيار مبارك وداخليته، ومثله مثل بيان الإخوان الصادر فى 25 مايو 2011، الذى يثبت أن الجماعة باعت الثورة وشبابها ضمن صفقات مع المجلس العسكرى، لدرجة أنها كتبت فى هذا البيان ما يؤكد على تناقض وانتهازية مواقف الجماعة، تحركها حسب مصالحها لا مصالح الوطن، بدليل أن هذا البيان تضمن فقرة تقول: (يؤكد الإخوان المسلمون أنهم لن يشاركوا فيما سُمِّى بالثورة الثانية أو جمعة الغضب التى دعا إليها البعض يوم الجمعة القادم الموافق 27/5/2011م، ضد أداء المجلس العسكرى لأن السبيل العملى للدفع نحو الإسراع والمثالية فى الأداء يكون بالمساعدة والتقويم، لا بالمواجهة والتخوين، أو الدفع باتجاه الوقيعة بين الشعب وجيشه الوطنى الذى هو الداعم الأساسى لنجاح ثورته؛ الأمر الذى قد يستغله البعض لتحقيق أهداف بعيدة عن خيارات الشعب المصرى وثورته)، والآن لم يعد الجيش حاميا للثورة، الآن تفجير ضباط الجيش بطولة، والثورة ضده شرف وشهادة، وتخوينه عمل ثورى، ولكن الله لا يفضح الإخوان إلا بما كتبه أيدى قيادات الإخوان.(6)فى الإعلان الشهير الذى يروج لأحد المنشطات الجنسية، تنظر الزوجة إلى رجلها العاجز عن فعل أى شىء، وتقول له: ده تمامك، تقصد الكلام، الكذب، الفشر، ادعاء القدرة على فعل أشياء يعجز عنها.
يبدو الأمر هنا مشابها لحالة الإخوان المسلمين التى عادت إلى حيث أرض البيانات، العجز عن الحركة فى شارع يكره الجماعة، فشل القيادات فى الوفاء بكل الوعود الخاصة بترنح الانقلاب وعودة مرسى، فشل الخطط الإخوانية فى إرباك المشهد السياسى المصرى، ليصبح تمام الجماعة هو إصدار بيانات أسبوعية تتحدث عن ثورة لا يرى اشتعالها سوى الإخوان، وترنح لا يراه سوى شباب الإخوان، لتتحول بيانات الجماعة إلى مسكن عقلى يحقنه الأخ المسؤول فى عقول أتباعه والشباب الصغير لمعالجة الإحباط والروح المعنوية التى ترى كل ما وعدت به الجماعة أن يحدث فى شهور ما بعد 30 يونيو 2013 ما هو إلا سراب لا يمكن من فرط تلاشيه وضبابيته أن يحسبه الظمآن ماء.




المصدر اليوم السابع

تعليقات

المشاركات الشائعة