«حمدين» والسباحة ضد التيار

الكاتب - سعيد الشحات - المصدر موقع اليوم السابعحقوق الملكية محفوظة لـ موقع اليوم السابع و الكاتب

عرفت حمدين صباحى عن قرب منذ عام 1980، كان فى ذاكرتى مناظرته الشهيرة مع الرئيس الراحل أنور السادات بعد انتفاضة الخبز فى 18 و19 يناير عام 1977، كنت وقتها فى الصف الثانى الثانوى، سمعته يتحدث مع السادات عن حقوق الفقراء، ورفض إملاءات صندوق النقد الدولى لرفع الأسعار التى يتحمل كاهلها الفقراء وحدهم، سمعته يطالب السادات بضرورة تقديم الدعم إلى القضية الفلسطينية، كانت تلك محطته الأولى التى خاطب فيها المصريين علنا، وشاهدوه على شاشة التليفزيون وهو طالب، لا يهاب الحديث مع رئيس الجمهورية الذى هو أنور السادات، وما أدراك ما السادات، كانت المناظرة عبورا لحيز جغرافيا الجامعة التى كان فيها زعيما طلابيا بامتياز، وبإرادة الطلاب الذين انتخبوه رئيسا لاتحاد طلاب جامعة القاهرة، ونائبا لرئيس اتحاد طلاب الجمهورية، لم تكن مصر وقتها تحت رحمة الفضائيات التى تصنع زيفا، لكن الصحف الرسمية فتحت صفحاتها للرد على ما أثاره «الطالب حمدين صباحى» من قضايا. 
عملت فى بدايتى المهنية تحت قيادته صحفيا فى مركز إعلام الوطن العربى «صاعد»، وكنا شبابا يحلم بالتغيير، فجمعنا بين الصحافة والسياسة، تجولنا معه فى القرى والنجوع فى أرجاء مصر، ودفع الثمن باعتقاله 17 مرة، وفى كل مرة يخرج فيها من المعتقل كان يعتبرها ضريبة صغيرة من مجموع الضرائب التى يستوجب دفعها فى الطريق إلى الثورة التى كان يؤمن أنها آتية لا ريب. 
كان يحملنا إلى الأمل بغد أفضل، ولم يفقد ذلك أبدا، وتلك أهم سمة يجب أن تتوفر فى القيادة، وبينما ظل هو على هذا الحال، كان آخرون يسلمون أنفسهم إلى الاستسلام مبكرا، فانزووا بين جدران اليأس والإحباط، هو الصانع الأول لحالته بدأبه ومهارته، وذكائه وإخلاصه، التى رأى فيها آخرون نفس حالتهم فجعلوه رمزا لها، ولهذا كان من الطبيعى أن يكون له ولحالته خصوم وكارهون، والأدهى أن بعضهم ممن يحملون نفس فكره، لكنهم وأمام عجزهم عن أن يتحدثوا بنفس لغته، وعجزهم عن النزول إلى براح الناس، كانتتظهر رائحة كرههم له، وكان ذلك بمثابة تصفية حساب معه لتفوقه عليهم. حمدين تعفرت قدماه بتراب القرى والنجوع، فعرف شفرة المصريين الذين يعطون الثقة لمن ينزل إليهم، ولا يتعالى عليهم، يتحدث بلسانهم، ويجلس على حصيرتهم، دعك من القياس على نتيجة الانتخابات، فالرئيس الفرنسى الراحل فرنسوا ميتران خسرها أكثر من مرة أمام زعيم فرنسا التاريخى شارل ديجول، ثم فاز بها، لم يرتكن «ميتران» فى هزائمه إلى اليأس والإحباط، فتلك هى شيمة الذين يناضلون، ويعرفون أنهم يسيرون على الأشواك، صحيح أن الواقع الفرنسى المنضبط على احترام القانون والديمقراطية، لا يختلق الأكاذيب، ولا يطعن فى الذمم دون دليل، عكس ما يحدث هنا، غير أن سيرة المناضلين تتطابق فى كل مكان وزمان، فهى سيرة «السابحون ضد التيار»، وهذا النوع من السباحة له ضريبة يتحملها فقط المؤمنون بقضيتهم، مهما طالهم من أذى، فلنقرأ سيرة الرئيس البرازيلى السابق «دا سيلفا لولا» التى كتبت عن إحدى محطاتها بالأمس، وأهم ما فيها أن الفقراء الذين عاش لهم وخرج من وسطهم، هم الذين لم يصوتوا له ثلاث مرات فى انتخابات الرئاسة، حتى حملوه رئيسا فى المرة الرابعة.

تعليقات

المشاركات الشائعة