العريس.. الشهيد المجند إسلام رشاد جهز شقة الزوجية.. وأنزله الإرهاب إلى القبر

حلق طائر الأحزان فوق سماء عزبة الشيخ شحاته بأسيوط وشقت أصوات الصراخ والعويل القلوب علي فراق ابن القرية «البار» الذي قال عنه جيرانه وزملاؤه الكثير وتغنوا بأخلاقه ووطنيته واتشحت الطرق بالسواد بينما تراصت النسوة أمام البيت المتواضع في انتظار زهرة العمر والشباب متحلقين حول الأم الثكلي التي فقدت فلذة الكبد وأصوات صراخها تدمي القلوب وتبعث الحسرة في النفوس.
تبددت الأحلام واقتلعت الآمال من جذورها وبدلا من أن يرتدي مهجة القلب بدلة العرس ويحمل في يده وثيقة زواجه عاد لأسرته ملفوفا في علم مصر وعلي صدره قصاصة ورقية مكتوبة بلون الدم تفوح منها رائحة الغدر وعليها عبارة «الشهيد مجند إسلام رشاد زكي» لينضم إلي رفاقه الشهداء الذين طالتهم يد الخسة ورصاصات الإرهاب ويترك لأسرته اللوعة وذكري أليمة تبعث الحسرة في النفس ألف مرة في الثامنة بعد أن فقدوا السند والحماية في لمح البصر وبين عشية وضحاها حمل لقب المرحوم وهو لم يتجاوز العشرين ربيعا. أحلام كثيرة راودته وهو يؤدي واجبه بحراسة الحدود بين رفاقه بمحافظة الوادي الجديد وتمني أن تمر ساعات العمل في لمح البصر حتي يهرول لأسرته ويلتقي خطيبته التي كان يستعد للزواج منها بعد أيام مرق أمام عينيه شريط الذكريات وتراءي له والده العجوز الذي أنهكه الفقر والمرض وسبعة أفواه في رقبته.
ابتسامة بريئة ارتسمت علي وجه العريس الشهيد عندما ظهرت أمامه صورة «ست الحبايب» وكيف سيرتمي بين أحضانها تلفحه أنفاسها العطرة ويسرد لها بطولاته بين رفاقه وهي تصغي اليه بفخر واعتزاز. وتذكر أشقاءه الخمسة أيضا وصياحهم المعتاد وهم يهرولون اليه ويقبلون كل جسده فرحة بعودته ولكن في لحظات.. وعلي غير انتظار.. رصاصة غادرة أيقظته من أحلامه الوردية أطلقتها يد الخسة والغدر نحوه وسرعان ما توالت الطلقات نحو رفاقه حتي فاضت روحه الطاهرة صاعدة الي السماء لتحلق مع الشهداء بعيدا حيث لا غدر ولا خسة ولا ألم. دوي الخبر كالانفجار في أرجاء عزبة الشيخ شحاته التابعة لمركز ساحل سليم بشرق أسيوط فاتشحت المنازل بالسواد وخيم الحزن علي جميع سكانها، بعد علمهم بإستشهاد «إسلام» ابن القرية علي يد الإرهاب الآثم في صحراء مصر الغربية، حيث كانت أسرته تنتظره، فاليوم موعد إجازته إلا أنه جاء ملفوفا بعلم مصر وحينها توقفت دقات قلب الأم التي لم تقو علي السير ولا الحديث، وانهار الأب المكلوم في ابنه الأكبر وسنده الوحيد وبكلمات تفوح منها المرارة قال وهو يجلس علي الأرض في منزل بسيط، «مقدرتش أقوم علي حيلي لما عرفت الخبر، ووقعت من طولي اللي مات ده ولدي الكبير وسندي في الدنيا» غلبته دموعه وصمت قليلا واستكمل قائلا «بس حق ولدي مش هيضيع هدر، ومش هاسكت غير لما أتأكد ان اللي قتلوه اتقتلوا واشوفهم بعيني».
وكانت المفاجأة وهي أن الشهيد كان علي وشك الانتهاء من تجهيز شقة الزوجية إلا أن القدر لم يمهله حتي يحقق ما تمناه في الدنيا، فكان يعمل ليل نهار خلال الإجازة التي يقضيها حتي يوفر لوالده المال، ولإخوته الصغار، وكان دائما ما يطلب من والده أن يهتم برعاية إخوته الخمسة الصغار.
وبكلمات ملؤها آهات وألم كاد أن يسد الأفق ارتمت والدة الشهيد علي الأرض وسط منزلها البسيط مرددة «قتلوك ياضنايا علشان أنه أطيب واحد في الدنيا»، واستكملت«كان بيكلمني دايما في التليفون والنهاردة قلبي حدثني إن فيه حاجة ومكلمنيش وفجأة جالنا اتصال بيقول إسلام استشهد، ساعتها مقدرتش انطق ولا كلمة وعايزة أصرخ ونفسي أشوف ولدي حبيبي قبل ما ينزلوه في القبر».
وبعد ساعات جاء الخبر اليقين بأن جثمان الشهيد سيصل الي مطار أسيوط العسكري وبالفعل توجهت الأسرة المكلومة الي هناك ووصل اللواء يحي طه، رئيس المنطقة الجنوبية العسكرية، وعدد من القيادات حتي هبطت طائرة تحمل جثمان الشهيد إسلام وتمت مراسم الجنازة العسكرية، وبعدها تم نقل الجثمان إلي المنزل لإلقاء النظرات وتم دفنه بعد العشاء. من جانبه أصدر اللواء إبراهيم حماد، محافظ أسيوط، قرارا بإطلاق اسم الشهيد المجند إسلام رشاد زكي علي شارع «الملوطة» الذي كان يقيم به بقرية الشيخ شحاته بعد أن قدم نموذجا للتضحية من أجل الوطن، وراح ضحية استهداف مسلحين من الخارجين علي القانون لدوريته العسكرية بالوادي الجديد، ليعود أخيرا إلي قريته الصغيرة «محمولا» لكن علي الأعناق، ولا أقل من أن يحمل الشارع الذي قضي به سنوات طفولته اسمه ويخلده.





المصدر الاهرام



تعليقات

المشاركات الشائعة