سعيد صالح.. رحل بدون حصوله على لحظة وفاء


أخيراً حان للقلب الذي أصابه الوهن أن يجد مرسي له علي ضفاف الرحيل.. وجاء رحيل سعيد صالح بعد رحلة طويلة من المعاناة من الزهايمر الذي يري البعض أنه تمناه.. ليكون الفصل الأخير من حياته.
ذلك المرض الذي يعيد تنظيف الذاكرة ويحيلها إلي رفوف بيضاء لا مكان فيها لخيانات قديمة مصدرها زملاء المهنة الذين كان يعتبرهم «صالح» ثروته الحقيقية، لكنه اكتشف بمرور الأيام أنهم ليسوا أكثر من «بكتيريا» نبتت علي ضفاف حياته.. وقد منحه الله الفرصة كاملة كي يقتنص من الأوغاد الذين استفادوا من وجوده فنياً في أعمالهم الفنية من غير أن يجني هو أي ثمرة سوي جنيهات قليلة كانت في أغلب الظن تهدر علي نفس الشلة في آخر الليل، الزهايمر هو الملاذ الآمن للنجاة من أحزان لازمته طيلة الوقت وهو يري نجوماً لا يمتلكون ربع موهبته لكنهم صعدوا وتسيدوا الساحة فيما بقي هو ينسج خيوط أمله في صمت.. اقتضي «صالح» من العابرين في حياته بطريقة مبدعة، حينما قرر أن يسقطهم من الذاكرة.القريبون من الفنان الكبير سعيد صالح كانوا يعون تماماً مدي تأثير حالته النفسية علي حالته الصحية، ويعلمون تماماً أن وضعه الصحي وصل ذروته بعد أن أصيب بهبوط مفاجئ ونزيف، شخصه الأطباء أنه انفجار في دوالي المريء، وهي الحالة التي يصعب علي الإنسان أن يخرج منها سليماً، ولذلك تمنوا من كل محبيه أن يعطوه لحظة وفاء انتظرها كثيراً بعدما أصبح حديث الألسنة بعد حريق منزله.بصرف النظر عن صحة المعلومات حول اهتمام بعض الأسماء بحالة «صالح» لكن تبقي أنه كان في حاجة إلي أصدقاء عمره، كي يزوروه ويطمئنوا علي صحته، خاصة بعد أن تكفلت الدولة ونقابة الممثلين بحالته بأحد مستشفيات القوات المسلحة.. ولكن للأسف هذا لم يحدث، سعيد صالح صاحب ضحكة أثبتت قدرتها علي الصمود وارتضي لنفسه أن يكون نجماً للصف الثاني رغم أنه كان يمتلك موهبة شهد له بها الكبار قبل الصغار، عبر أدوار مازالت ماثلة في الأذهان طيلة العقود الماضية، نجومية سعيد صالح تأثرت كثيراً بسلوكه الشخصي في بعض الأحيان، لكن موهبته الفنية ساعدته علي استعادة نجوميته من جديد، مع مرضه وإصابته قليلاً بالزهايمر بعد إصابته بجلطات في القلب أثرت عليه، ابتعد المنتجون عنه، ولكن بحريق منزله عادت إليه الأضواء من جديد لتضع علي اسمه تساؤلات كثيرة، وهو هل الصداقة تتوقف فقط عند صفحات الجرائد، فالحادث كشف وجوهاً كثيرة زائفة اكتشف خلالها «صالح» أنه «التحف السماء» و«افترش الأرض» والنتيجة أنه لم يجد من يدعمه واكتفوا بالسؤال عليه عبر الهاتف.في مقابلة خاصة لسعيد صالح قبل الرحيل بفترة، قال: إن أصدقاءه جميعاً سألوا عنه بالتليفون، وهو نفس الكلام الذي أكدته زوجته، وكان «صالح» يتحدث أنه بحالة جيدة وحزنه الوحيد اشتياقه لرؤية أصدقائه.. وقال: أخاف أن يكون مصيري مثل غيري ممن ماتوا ودفنوا ودفنت معهم آلامهم دون أن يترحم عليهم أحد.وأضاف «صالح»: اكتشفت أن العمل بالفن صعب للغاية لأنني بمجرد أن ابتعدت عن الأضواء، ابتعدت الأضواء عني وجعلتني جزءاً مهملاً في حياة الجميع.«صالح» صاحب تاريخ فني كبير شارك في عدد هائل من الأفلام بعضها كان ذا مستوي فني جيد وبعضها كان أقل بكثير من موهبته وهي نوعية الأعمال رخيصة التكلفة، فقدم 500 فيلم وعشرات المسرحيات وكلمته الشهيرة «السينما المصرية أنتجت 1500 فيلم نصيبي منها الثلث».جاءت مشاركته في مسرحيات «هاللو شلبي» و«العيال كبرت» و«مدرسة المشاغبين» التي تنازل فيها عن دور الزعيم عادل إمام «ملك الشحاتين» صانعة لنجاحاته، وكان يتميز بقدرته علي العطاء الفني، فشارك ما بين عامي 1970 و1971 في عدد أعمال لم يضاهه في عددها أحد فقدم فيلمي «الساحرة» و«ورد وشوك» وقدم مسرحيات «ورد وشوك» و«بنسيون الأحلام» و«اللص الشريف» كل ذلك في عام واحد.اشتهر في أوائل الثمانينات بالمشاركة في أغلب أفلام المقاولات وكان أبناء جيله يشاركون في 10 أفلام دفعة واحدة من بينها «لعبة اسمها الفلوس» و«مع الأيام» و«الفلوس حبيبتي» و«تيجي نلعبها» و«اللعبة الجديدة» و«إزاز في إزاز» و«نحن نشكر الظروف» و«الشحاتين» وكلها أعمال لم تحقق نجاحاً كبيراً بسبب مساعي كل جيله في هذا الوقت للبحث عن المال.لكن تبقي بعض الأعمال التي وضحت خلالها موهبته وأكد نجوميته أبرزها «سلام يا صاحبي» و«رجب فوق صفيح ساخن» و«الصبر في الملاحات» و«العذاب فوق شفاة تبتسم» و«الحب وحده لا يكفي» و«السادة المرتشون» و«حسن بيه الغلبان» و«علي باب الوزير» و«شهد الملكة»، ومسرحية «كعلبون» السياسية الشهيرة، وأخيراً قام بأداء مشهده الأخير ليرحل سعيد صالح عن عمر ناهز 76 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، بعد أن كانت الحالة الصحية قد تدهورت بعدما أفاق من غيبوبته مرة واحدة فقط خلال اليومين الماضيين، حيث تواجد في مستشفي المعادي للقوات المسلحة لسرعة علاجه ولكنه طلب استكمال علاجه بالمنزل.





المصدر الوفد



تعليقات

المشاركات الشائعة