«دواعش» العمرانية
رغم أن الدنيا لا تزال بخير إلا أنها مليئة بالنفوس الضعيفة، مليئة بالمجرمين والأشرار الذين تملكتهم رغبة الانتقام بشكل لم يكن أحد يتصوره، خصوصا إن وقعت الجريمة من أقرب الأقربين من الآباء أو الأبناء، حينها تنطق ألسنتنا بقول "ما عادت هناك رحمة وعلي الدنيا السلام".
هذه الكارثة وقعت بالفعل وليست من خيال مؤلفي الأفلام السينمائية رغم أن أبطال فصولها ممن امتلأت قلوبهم بالشر والانتقام من أعز الناس وهو الأب، وكانت منطقة العمرانية مسرحا للجريمة التي ربما اعتاد البعض علي رؤيتها مؤخرا من تنظيم "داعش"الإرهابي من ذبح وحرق هنا وهناك، لكن هناك "دواعش" لا نعرفهم إلا بعد انقضاء جريمتهم كاملة، حينها نفطن أن لكل زمن "دواعشه" وإن اختلفت الوجوه.
تخلي عامل وشقيقته يقطنان منطقة العمرانية بالجيزة،عن مشاعر الإنسانية والرحمة وتناسيا العلاقة التي تربطهما بوالدهما المسن "القعيد"، حيث اتفقا علي التخلص منه، بحجة أنه "بخيل" ولم ينفق عليهما، فلم يجد هذان اللذان سكنهما الشيطان واستخدما القتل والحرق وسيلة للانتقام من والدهما بادعائهما أنه نغص عليهما الدنيا ببخله الشديد سوي ينتقمان منه بقتله وحرقه.
واشترك السفاحان في قتل والدهما بتسديد عدة طعنات تجاوزت العشر طعنات دون رحمة ولا شفقة ولا "تأنيب ضمير"، ولم يكتفيا بذلك بل صور لهما شيطانهما وخيالهما المريض أن يتخلصا من جثة أبيهما فأكملا الخطة التي وضعاها كي يخفيا معالم جريمتهما النكراء، فسكبا البنزين علي جثة والدهما ثم أشعلا النار داخل شقتهم، كي يتخصا من جثة أبيهما ومعالم جريمتهما حرقًا. انتهي السفاحان من جريمتهما، والدماء كانت اللغة الوحيدة المسيطرة علي المشهد، وام يكتفيان بذلك بل وادعيا أن ماسا كهربائيا وراء نشوب الحريق ومصرع والدهما، إلا أن رجال المباحث تمكنوا من كشف أمرهما من خلال تضييق الخناق عليهما، انهار المتهمان واعترفا بارتكاب الجريمة، فتمت إحالتهما إلي النيابة للتحقيق. تفاصيل الجريمة بدأت بتلقي غرفة النجدة بلاغا بنشوب حريق بشقة بمنطقة العمرانية، وعلي الفور انتقل رجال الحماية المدنية إلي محل الواقعة وتمكنوا من السيطرة علي الحريق الذي أسفر عن مصرع "ط.ص" نتيجة تفحم جثته كاملة بسبب محاصرة النيران له. وبإجراء المعاينة تبين للعميد علي عامر رئيس مباحث قطاع غرب الجيزة
وبوجه تجمدت ملامحه من الحسرة وعينين عصي عليهما الدمع سوي دموع التماسيح، روي السفاح الذي لم يبلغ من العمر سوي ٢٠ عاما وشقيقته التي تبلغ ١٤ عاما، أن والدهما المجني عليه مصاب بعجز كامل "قعيد"، ويستخدم كرسيا متنقلا في الحركة، كان بالشقة بمفرده وقت نشوب الحريق، مما أدي إلي وفاته، وادعيا أن ماسا كهربائيا تسبب في اندلاع النيران، وأنهما كانا علي خلاف دائم مع والدهما المتوفي بسبب البخل وعدم إنفاقه عليهما وأنهما تورطا في قتله.
ساور رجال المباحث الشك في وجود شبهة جنائية وراء نشوب الحريق، فقام مفتش الصحة بتوقيع الكشف الطبي علي الأب المجني عليه، وذكر في تقريره عدم وجود شبهة جنائية في الوفاة، بالقبض علي المتهم وشقيقته، وبمواجهتهما اعترفا بقتل والدهما، بل وقالا تفاصيل أخري لجريمتهما الشنعاء، وحاولا تبرير جريمتهما بأن والدهما قام ببيع قطعة أرض وحصل علي مبلغ 25 ألف جنيه، وأنهما قررا قتله، فطعناه 12 طعنة حتي فارق الحياة، ثم قاما بسكب البنزين علي جثته، وخرجت الابنة من الشقة بحجة تبديل أسطوانة الغاز، ثم أشعل الابن النار في جثة ابيه والشقة لإخفاء معالم جريمتهما، وقفز من نافذة الشقة لعقار مجاور لشقتهما.
فهل من ادعي أنه عاش حياته في كنف أب تملك عليه حب المال وجمعه من قلبه وعقله، أن ينتزع ماتبقي في صدره من إنسانية ورحمة، بل ويبيح لنفسه سفك دماء ابيه المريض القعيد؟! .. فمن عرف الموت هانت عليه مصائب الدنيا، أما عندما لا ندري ما هي الحياة فكيف يمكننا أن نعرف ما هو الموت وحرمته؟!
المصدر الاهرام
المصدر الاهرام
تعليقات
إرسال تعليق