الفريسة والصياد!


المصدر الاهرام -بريد الجمعة يكتبه : أحـمـد البـــرى


تتنوع رسائل «بريد الجمعة», ويروى أصحابها قصصهم مع الحياة, وفى كل حكاية عبرة وعظة يستفيد بها الآخرون فى مواجهة المواقف والشدائد التى تلم بهم, ومن بين النماذج العجيبة بعض الرجال الذين يتصورون أنهم لا يخطئون, وأن كل خطواتهم محسوبة, ويملون الأوامر على من يتعاملون معهم. وهناك نماذج اخرى لشباب يدَّعون الحكمة والمعرفة, وأن على شركاء حياتهم الاستجابة لما يفرضونه عليهم من مواقف وآراء, وإليكم الرسالة التالية:أنا شاب فى الثالثة والثلاثين من عمرى، نشأت فى أسرة طيبة تتمتع بالأخلاق الحميدة، وتربطها علاقات صداقة ومحبة مع الآخرين، فترسخ داخلى حب الأصدقاء، ووجدتنى أتطلع فى سن مبكرة إلى أن يكون لى دور فى حل مشكلات زملائى وزميلاتى، وساعدنى على ذلك أننى كنت أقرأ كثيرا فى العلاقات العامة والقضايا الاجتماعية، وحالفنى التوفيق فى حالات كثيرة كللت بالزواج وإزالة الخلافات، وظللت سنوات طويلة أستمع إلى من يقصدوننى طلبا للمشورة، وحاولت قدر جهدى تخفيف آلامهم ومتاعبهم فى الوقت الذى لم ألق فيه بالا لمشكلاتى الشخصية، وترسب داخلى احساس بمرارة الزواج، وأن ما يطلقون عليه «الحب» ما هو إلا وهم، فكم من أزواج جمعتهم قصص حب رائعة قبل الارتباط ثم فشلوا فى حياتهم بعد أن صاروا تحت سقف واحد، وأنجبوا الأولاد والبنات، لكنهم لم يحصدوا إلا الندم على الزواج، ولذلك أمضيت سنوات الجامعة كلها دون أن يدق قلبى لأى زميلة أو جارة أو أى فتاة من معارفى، ومن حاولن الاقتراب منى ابتعدت عنهن، إذ لم أجد بنتا مختلفة أو متميزة فى شىء عن الأخريات.
وبعد تخرجى فى الجامعة أكرمنى الله بوظيفة جيدة، ومرت سنوات وبلغت سن السادسة والعشرين، وزادت ضغوط أهلى وأقاربى عليّ لكى أتزوج، وفكرت فى الأمر كثيرا وفى كل مرة انتهى إلى رفض الارتباط بحجة أننى لم أر بعد الزوجة المناسبة لي، وخالطنى احساس بأننى إنسان معقد، بل ورأيت تناقضا بين نصائحى لمعارفى وحلولى لمشكلاتهم، وعجزى عن أن أجد طريقا ينقذنى من العذاب النفسى الداخلى الذى لا يشعر به سواى.
وتعددت المواقف والحكايات التى رواها لى أصدقائى، وقد سببت لى صدمتين شديدتين، الأولى حين جاءنى صديق وروى لى أنه صور صديقة لنا صورا غير لائقة، فاندهشت أن تفعل ذلك، ونحن نحسبها فى قمة الأدب والالتزام والاحتشام، وزاد من دهشتى أنها لم تفعل ذلك معه وحده وإنما سبقه إليها آخرون، ونازعتنى أفكار سوداوية عن التمثيل البارع الذى تمكنت به من اخفاء حقيقتها على مدى خمس سنوات هى مدة دراستنا بالكلية التى تخرجنا فيها، وبرغم أننى أعلم تماما أن الأصابع ليست مثل بعضها، وأن هناك الصالحات القانتات، فإننى لم أبرأ من هذه الصدمة، وقد تلتها صدمة أشد قسوة بما علمته عن انحرافات كثيرين من الأزواج خصوصا فى الناحية الجسدية، ولا أدرى كيف وقعوا فى هذه البئر السحيقة، وهم متزوجون، وارتكبوا هذه الآثام مع متزوجات وغير متزوجات، فزاد كرهى للزواج؟ ومرت الأيام والتحقت بعمل اضافى، التقيت فيه بفتاة تصغرنى بعدة سنوات، ولما تغيبت عن العمل فجأة، اتصلت بها للاطمئنان عليها، فعلمت أن والدتها توفيت، فشددت من أزرها، وطلبت منها العودة إلى العمل فى أسرع وقت، فالجلوس فى البيت يجدد الأحزان ويعمقها، أما الانخراط فى العمل فسوف يجعلها تنسى أحزانها بمرور الوقت، وشيئا فشيئا أحست بالاطمئنان لى، وروت لى قصتها مع الزواج والحب، بأنها ارتبطت بشاب عاطفيا لكنه لم يقف بجانبها، وتتشاجر معه كثيرا، وبشيء من العقلانية تمكنت من أن أعيد إليها ثقتها فى هذا الشاب، ولم تمر ثلاثة أشهر حتى توفيت جدتها، وبعدها والدها، وبالطبع تركت وفاة أبيها وأمها وجدتها أثرا عميقا فى نفسها وأشتد حزنها على فراقهم، فهدأت من روعها، وقلت لها: اعتبرينى مثل أبيك، فاطمأنت لى، وتركت هذا الشاب الذى تأكدت من أنه ليس جادا فى الزواج منها، وركزت فى عملها، وأصبحت تستشيرنى فى كل أمور حياتها حتى التسوق وشراء الخضراوات والطعام تطلب منى أن أذهب معها لشرائها وقد فعلت بإحساس أبوى تجاهها، وأحسست أن العلاقة من جانبها تتجاوز علاقة الأب بابنته، ومن ثم تحفظت فى الحديث معها, فصرخت فىّ: ولماذا لا ترتبط بى؟
ولم أجد ما أرد عليها به، فطلبت منها أن تتأكد من مشاعرها تجاهى، فهى لا تعلم شيئا عنى، وأنها ربما تكون خاطئة فى نظرتها لى، فكررت على مسامعى أنها تريد الآمان، ولن تناله إلا معى فأنا الوحيد فى حياتها، وغير ذلك الكثير من الكلام الذى يدخل القلب ويضعفه، وخشيت أن أنساق وراءها، فتوقفت عن الحديث معها، فأتهمتنى بأننى لا أحبها، وليس لدى أى مشاعر تجاهها، وعرفت المشاجرات طريقها إلينا، فقررت أن أقطع علاقتى بها تماما، وسافرت إلى الأراضى المقدسة لأداء العمرة، وما أن وصلت إلى هناك حتى وجدتنى أتصل بها، وأعترف بأننى أخطأت بهذا التصرف الذى أقدمت عليه لكى أطمئن عليها، فإذا بها تبكى وتقول لى: لماذا تتركنى وحيدة، فوعدتها بأن أدعو الله أن ييسر لنا ما فيه الخير، وسألته سبحانه وتعالى أن يهديها، وأن يوفقنا إلى ما فيه الخير، وقابلت شيخا فى المسجد الحرام ورويت له علاقتى بهذه الفتاة، وسألته: هل أتزوجها أم لا؟ فرد عليّ بأننى لو ميسور الحال أتزوجها، فهى فتاة «يتيمة ومسكينة»، وبعد عودتى إلى مصر أديت صلاة الاستخارة، وأبلغتها بأننى سأخطبها فى الوقت الذى مازالت فيه الشكوك تتملكنى والوساوس تقهرنى، وسافرت إلى شقيقها لكى أطلبها منه، وهو يعيش فى قرية بأحد الأقاليم، ودار بيننا حوار طويل، وانتهينا إلى أن نمنح أنفسنا مهلة لعدة شهور نتأكد خلالها من مشاعر كل منا تجاه الآخر، وبعد هذا اللقاء زادت مشكلاتنا معا وكلها اختلاف فى وجهات النظر، وذات ليلة حدثتنى عبر الهاتف عن خوفها من شيء ما، فتكلمت معها وهدأتها، ثم فى اليوم التالى عاد الشجار بيننا من جديد، لدرجة أنها قالت لى أن «موضوعنا انتهى تماما» فطلبت منها أن تسامحنى إذا كنت قد ثرت عليها، فابتسمت وأمسكت بيدى تعبيرا عن حبها لي، فتحفظت على تصرفها من منطلق أننا لم نتزوج بعد، وأننى لا أريد أن أرتكب أى خطأ، حتى ولو هذا الخطأ البسيط»! وبعد ثلاثة أشهر تقريبا، طلبت من شقيقها أن يتدخل بيننا، فقال لى يجب أن تحلا مشكلاتكما معا وبعيدا عن الآخرين فبعد الزواج سوف يغلق عليكما باب واحد، ومن المهم ألا يعرف أحد ما يدور بينكما. هذا هو موقف شقيقها أما شقيقتها المتزوجة وتعيش بعيدا عنها، فلقد رفضتنى وقالت إننى غير مناسب لأختها.
وجاء «اليوم الكارثى» حينما اتصلت بى بعد منتصف الليل، وحدثتنى ست ساعات متواصلة، ولم يتوقف بكاؤها لحظة واحدة وأخذت تصرخ من شدة الرعب قائلة إنه يوجد شيء فى شقتها، التى تعيش فيها وحيدة، وفى الصباح اتصلت بأختها، ولم أبال بموقفها الرافض لي، وحدثتها عن ضرورة أن تجد حلا لهذه المشكلة، فقالت: أنها سوف تتصرف فى هذا الأمر، وأخذتها إلى شيخ قرأ لها القرآن، وقال لها إنها «معمول لها عمل» لكى لا تتزوج، وأن المسألة تحتاج إلى وقت لكى يزول هذا السحر ويصبح معدوم الأثر، وما أن علمت فتاتى بذلك حتى صارت عصبية جدا، وأصبح شغلها الشاغل أن تعرف من الذى عمل ذلك السحر، وكيف تبطله؟ وبعد نحو شهرين أكد هذا الشيخ أنها صارت طبيعية وتستطيع أن تمارس حياتها بشكل طبيعى، ومع ذلك استمر تعبها النفسى، وزاد منه بعد شقيقيها عنها، فأنا الشخص الوحيد القريب منها وأتحمل عصبيتها لكنها لا تقدر صنيعى لها.
وزاد من متاعبها أنها تركت العمل، وتجلس وحيدة طوال اليوم، ولا تريد أن تبحث عن عمل آخر يشغلها، وبذلت معها مجهودا خارقا لكى أشرح لها أن ما تمر به من مصاعب هو ابتلاء من الله، ويجب أن تكون من الصابرين، فالله يبتلى المؤمنين ليختبر إيمانهم، وهو قادر على كل شيء، ولقد صرت منهك القوى تماما، جسمانيا ونفسيا، وينحصر يومى فى الذهاب إلى العمل صباحا، ثم مقابلتها لكى نتناول طعام الغداء معا، ثم أوصلها إلى المنزل، لتبدأ مرحلة البكاء، وما أن تدخل شقتها حتى تتصل بى قائلة «إنها لا تبغى الحديث معى، وإنما اتصلت بى لتسمع أنفاسى وتشعر بالأمان، وهكذا أصابنى الاضطراب والقلق، وتدهورت صحتى، وقد ذهبت إلى طبيب للقلب، فأخبرنى بأننى أعانى اجهادا شديدا، وسألنى عن السبب فقلت له، ضغط العمل، ولم أبح له بحقيقة أمري! وبعده زرت طبيبا متخصصا فى أمراض الذكورة، فأكد أننى طبيعى جدا، وأن ما أشعر به سببه حاجتى إلى الزواج، فاقترابها منى يحرك غرائزى كرجل، ولكنى أكتم حاجتى بداخلى، ويبدو أن الخطوة المقبلة هى أننى سوف أطرق باب طبيب نفسى ليدلنى على تشخيص حالتي!
وتزاحم فى عقلى وقلبى أسئلة كثيرة لا أجد لها اجابة منها، هل أتزوج بها، وأحيا ما تبقى لى من عمر فى شجار ونكد وتعب الأعصاب؟ وإذا تزوجتها ماذا سيكون مصير أولادنا؟ وكيف ستربيهم وهى بهذه الحال؟ وكيف أتعامل مع غيرتها الشديدة عليّ حتى من أمي، وماذا أقول لأسرتى عنها؟.. هل أخبرهم بحالتها أم أخفى هذا السر عنهم؟، فالحقيقة أننى لم أرو أى شىء يخصها لهم؟ وهل أتركها وأذهب إلى حالي، ولكن ماذا سيحدث لها وقتها، وماذا ستفعل بدونى؟! وهل فعلا هناك أعمال سحرية إلى الآن، وهل أنا مريض؟ وهل هناك علاج لحالتها؟
لقد مر عامان وأنا أقوم بأدوار الأب والأم والشقيق والحبيب والصديق، وأريد أن أستريح، فأنا لا أنام من كثرة التفكير القاتل، ولا أدخر مالا إذ أنفق أكثر من راتبى على الفسح والمطاعم، ولا أتكلم مع أبى وأمى، ولا أقدم لهما شيئا برغم أنهما يحتاجان إليّ لكبر سنها، ولم أعد التقى مع أصدقائي، بل ولا أشعر بطعم أى شىء فى الدنيا، ولا أدرى ما الذى يمكننى أن أفعله معها.. هل أتركها وحيدة «فتموت».. أم أتزوج وأعيش معها فأموت؟! فأنا الآن أشعر بأننى ميت أو قل «إنسان بلا روح»، فإذا تزوجتها ستصير حياتى كلها حزنا وألما وعصبية، وإذا لم أتزوجها فستصبح دنياى حزنا وعذاب ضمير لن أنجو منه ما حييت، فبماذا تشير عليّ؟
ولكاتب هذه الرسالة أقول:
من الواضح أنك انتهجت منهجا خطأ فى حياتك منذ البداية، فلقد جعلت نفسك حكيم زمانك، وقاضى عصرك، فبرغم صغر سنك تسابق الجميع إليك طلبا للمشورة، المتزوجون وغير المتزوجين، الكبار والصغار، الرجال والنساء، كل ذلك وأنت فى سن مبكرة، وترى أن السبب فى ذلك يرجع إلى قراءاتك الاجتماعية الكثيرة، لكنك فى الوقت الذى يستعين فيه معارفك بما تشير به عليهم، تجدك عاجزا عن حل مشكلتك.. والحقيقة أنها نابعة من تصرفاتك، والغرور الذى أصابك من جهة، وأنانيتك الشديدة من جهة أخرى، إذ تريد أن تمتلك كل شيء، وتستعرض نفسك أمام الآخرين، وخصوصا البنات، فلقد سعيت إلى التعرف على هذه الفتاة المسكينة بعد وفاة والدتها، ثم والدها, وجدتها وأخذت تبثها كلماتك المعسولة، وحولتها إلى فريسة سهلة لك، وعزمت فى داخلك على أن تلعب بها، ولا تلتزم معها بعلاقة حب تنتهى بالزواج، بدعوى أنك تكن لها حبا أبويا، فأى حب أبوى، هذا الذى تتحدث عنه. ثم ما هو الفارق بين عمريكما إذا كنت الآن فى سن الثالثة والثلاثين، ولماذا لم تذكر عمرها؟ انك تريد أن تصدق كذبك عليها وحقيقتك المرة التى تخفيها عن الآخرين، ولا تحاول أن تتجمل بكلمات الحكمة والموعظة الحسنة، وكن واقعيا وتعامل معها بشفافية تامة وضع معها النقاط على الحروف بشأن علاقتكما، ففتاتك تريد أن تترجم حبها لك إلى علاقة زواج، ولن ترضى أن تكون أداة تلهو بها، أما أنت فلست على استعداد لتحمل تبعات الزواج.
لقد تصورت فيك هذه الفتاة «التعاطف الصادق» معها، بمشاركتك لها فى همها وحزنها، وكانت دائما تسعى إليك لكى تستمع إليها، وتساعدها على تضميد جراحها، وصارت متقبلة للحل الذى تراه، فلم تنل منك غير وعود مؤجلة، فلاشك أنك توصد أمامها الأبواب بابا تلو الآخر وأنت على يقين من أنها لن تبتعد عنك، وأنك لن تنساها ولن تتركها لحالها، وأحسب أن صنيعك هذا ليس من شيم الصادقين العاقلين، أما موقف شقيقها فهو «عين الحكمة» إذ ترك المسألة للتوافق بينكما، واثقا من أن شقيقته سوف تختار الطريق المناسب لها، لكنى أعتب عليه أنه لم يضع حدودا لعلاقتكما قبل الزواج، ويجب ألا يتخلى عن أخته، وأن يكون على اتصال دائم بها، فيعرف خطواتها أول بأول ويوجهها إلى ما يجب أن تفعله، وأما أختها فأحسب أنها اتخذت موقفا رافضا لك، لما أحسته فيك من عدم اتزان، وتردد وتشكيك فى كل شيء حولك، وليس معنى أن بعض أصدقائك حكوا لك عن بنات كنتم تعتقدون أنهن ملتزمات دينيا وأخلاقيا، فإذا بهن يأتين تصرفات غير لائقة ويتم تصويرهن فى أوضاع مخلة، إن هذه قاعدة عامة تنطبق على كل البنات، وإنما هى الاستثناء، ومن واقع ما سردته فإن فتاتك من نوعية صادقة، ولا تعرف اللف والدوران، لكنك لا تريد أن تخطو خطوات جادة نحو اتمام زواجكما لشكوك يصورها لك خيالك، مرة بأنها منفتحة جدا دون أن تذكر وقائع محددة تعيبها عليها، ومرة بأنه معمول لها سحر، ثم شفيت منه، ومرات بأنها «هوائية» وليست متزنة، إلى غير ذلك من الأسباب والحجج التى تذكرها للتدليل على أنك تخشى ألا يستقر عش الزوجية إذا أتممت ارتباطك بها.
ومادمت ملتزما من الناحية الدينية وتراقب الله فى تصرفاتك، فعليك انمام زواجك بها، فهى تحبك ولا ترى فى الدنيا سواك، وأنت أيضا تحبها بدليل أنك كلما بعدت عنها، تجد نفسك مدفوعا للاتصال بها، ولكن اياك والاستمرار فى أسلوبك الحالى من «التسويف» واختلاق الأسباب لتأجيل زواجك منها، لأن الأمر على هذا النحو سيوقعك فى المهالك، ويروى النعمان بن بشير رضى الله عنه هذا الحديث «سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الحلال بين والحرام بين، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات، استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع فى الشبهات، وقع فى الحرام، كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمي، ألا وإن حمى الله محارمه، ألا وإن فى الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب».. رواه مسلم.
إن الله عز وجل إذا حرم شيئا حرم ما قد يوقعنا فيه، وما يؤدى إلى الحرام فهو حرام، كما أن ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب، وأكثر الناس يستصعب الواحد منهم فعل المعصية من أول مرة، ولكنه يستسهل فعل مقدماتها، ثم يجد نفسه، وقد استحل فعلها بعد فترة من الوقت، فإياك والتمادى مع هذه الفتاة التى وثقت فيك، فإما أن تتزوجها وهى الأنسب لك على كل حال، وأما أن تبتعد عنها وتكون صريحا وواضحا معها، أما استمراؤك حكاية «الأب الأبوى» هذه فلا معنى لها، وأصدقك القول بأنك إن لم تفعل ذلك فسوف تقع فى الخطيئة ووقتها سوف تخسر نفسك وحياتك، فمن ثنايا كلامك يتضح أنك تجاهد نفسك لكى لا تقع فى المعصية بدليل ما ذكرته من أن اقترابها منك يحرك غرائزك، فالمسألة فى النهاية نفسية وأنت الذى أوصلت نفسك إلى هذه المرحلة من تعب وقلق واضطراب.. والحل فى يديك وليس فى يد أى أحد آخر، والاجابة على الأسئلة التى طرحتها واضحة ومباشرة فبعد الزواج سوف تشعر فتاتك بالآمان، وسوف تتبدل شخصيتها، فتصبح أكثر واقعية، ووقتها ستجدها فى طوعك، فهى ليست مريضة، وإنما تأثرت بالعوامل المحيطة بها، وأنت كذلك لست مريضا، ولكن اضطراب تفكيرك هو الذى أوصلكما إلى هذه الدرجة من التشكيك وعدم الاستقرار، فإنس الماضى ولا تلق بالا للأعمال السحرية، فالله غالب على أمره، ومد جسور الصلة مع أهلك، وأهلها، وابدأ صفحة جديدة ووقتها لن تكون وحيدا وسوف تستعيد نفسك معها، فكل ما تتخيله أوهام لا أساس لها فى الواقع.
إن حالة التردد التى تسيطر عليك سوف تدفعك إلى الهاوية، إذا لم تعقل أمرك، وتنبذ الأفكار السوداوية التى تسيطر على عقلك، وعليك أن تتوقف عن الاملاءات التى تفرضها على فتاتك، وأن تسعى لإرساء أرضية مشتركة بينكما تهييء لكما السبيل إلى حياة زوجية سعيدة، والله المستعان.

تعليقات

المشاركات الشائعة