توابع زلزال سوريا ترعب تركيا وإسرائيل

المصدر الأهرام . مصطفى السعيد . قضايا و آراء
ahram.org.eg
لاتزال الهزات الارتدادية تضرب المنطقة منذ الزلزال الكبير فى 2011، ومركزه كان ولايزال فى سوريا التى سينبثق منها موازين قوى جديدة تتشكل ملامحها بأكثر الحروب فتكا منذ الحرب العالمية الثانية، فالخاسرون فى الجولات السابقة من الحرب لم يذعنوا للنتائج ويرغبون فى جولة جديدة ربما تعوض بعض الخسائر، والرابحون يجدون الأرض مهيأة لتغيير أشمل سيترك بصمته على العالم كله، وليس على المنطقة المنكوبة فحسب، والولايات المتحدة التى كانت بحاجة إلى إعادة تقييم لسياساتها، والقراءة الواقعية للأحداث تتعالى فوق الواقع، وجاءت برئيس هو الأغرب والأخطر فى التاريخ الأمريكي، ولا يمكن أن يكون ترامب قد جاء إلى البيت الأبيض بضربة حظ أو دون أنصار رأوا أنه ملائم لما يجب على واشنطن القيام به، أى أن الشخصية ملائمة للمهمة، وإن كانت الرؤى تتباعد بين صناع القرار الأمريكى إلى حد المواجهات العنيفة والعلنية، والمعبرة عن انقسام هو الأكبر فى تاريخها.
معركة عفرين التى بدت وكأنها إحدى المعارك المعتادة تصبح عنوانا جديدا لهزة ارتدادية مشحونة بمخاطر انزلاق إلى جولة أشد عنفا وأكثر تعقيدأ، وتكشف عن حجم التناقضات الكامنة والقابلة للانفجار، سواء بين الولايات المتحدة وتركيا أو بتعقيد يضم روسيا وإيران وسوريا، فالأسلحة التى استخدمها أكراد سوريا وأصابت الهيبة العسكرية التركية فى مقتل جاء معظمها من حليفتها فى الناتو الولايات المتحدة، وبعضها جاء من بريطانيا، وهو ما وضع سمعة تركيا على المحك، ولا يمكن إلا أن ترد بعنف يصل إلى حد الهمجية، فهى لا يمكن أن تصدق أو تستسلم لعجزها عن مواجهة نحو ثلاثة آلاف مقاتل من قوات حماية الشعب المدعومة من الولايات المتحدة، فالهزيمة فى عفرين تعنى الكثير، وربما تكون الحجر الوازن فى جبل ثقيل يمكن أن يتصدع، ويتجرأ باقى الأكراد على القوة التركية التى ظهر أنها أضعف مما تخيلوا، فلا يمكن لقوة عسكرية مصنفة بأنها الثانية فى حلف الناتو أن تنال الهزيمة تلو الأخرى على أسوار مدينة صغيرة قليلة السلاح مع مقاتلين من الهواة، وفى الوقت نفسه لا يمكن للولايات المتحدة أن تترك حلفاءها الأكراد وتقف متفرجة أمام مذابح أردوغان المتأهب لالتهامهم، ليس بدوافع أخلاقية بالطبع، لكن لأن الوجود الأمريكى فى سوريا لن يكون له أدنى تأثير دون الأكراد، فإذا انسحبوا من التحالف الأمريكى وعادوا إلى أحضان سوريا وروسيا فسينهار الوجود الأمريكى دون قتال لأن عدد المقاتلين الأمريكيين لا يتجاوز الثلاثة آلاف، يتحاشون أى صدام مباشر، ويقاتلون من خلف الأكراد، وعندئذ ستتحول الخسارة الأمريكية المحسوبة بالنقاط فى الجولات السابقة إلى هزيمة بالضربة القاضية، فلا أوراق أخرى لدى الأمريكان المحاطين بأعداء كثر وشديدى البأس من روسيا وإيران وسوريا والعراق ولبنان ومناطق أخري، يحاصرون القوات الأمريكية من كل جانب، ولا يمكن تصور أن أردوغان يمكن أن يلقى بطوق نجاة للقوات الأمريكية، التى يرى أنها تهدد بنيان الدولة التركية بدعمها الأكراد.
أما روسيا التى نصحت الأكراد بالاحتماء بالعلم السورى ولم يتجاوبوا مع نصيحتها فقررت أن تقف لتراقب من فوق التلال نتائج معركة عفرين ومعها سوريا وإيران، ويتوقعون أن تقضى الحرب على أحد الخصمين، ومن سيبقى لن يكون من الصعب الفوز عليه، فالطرفان المتقاتلان قد أصيبا بضربات موجعة، لكن لا يمكن لأى منهما التراجع عن مواصلة القتال، فالمعركة أصبحت تمس الوجود وليس الحدود، وفيها إما غالبا وأما مغلوبا.
أما الجيش السورى ومعه إيران وباقى الحلفاء فيتقدم بخطوات ثابتة فى إدلب، مستفيدا من انشغال أردوغان فى معركة عفرين، والتى استعان فيها بالفصائل المسلحة التى تحارب الجيش السورى فى إدلب، ومنها لواء السلطان مراد وأغلبيته من التركمان، وفرقة الحمزة التركمانية، وفيلق الشام الذى يضم نحو 19 فصيلا من جماعة الإخوان وحركة نور الدين الزنكى وحركة أحرار الشام ولواء صقور الجبل، والجبهة الشامية وجيش النصر، وهو ما يسهل للجيش السورى التقدم لاستعادة المزيد من القرى والبلدات فى محافظة إدلب، لتكون سوريا الرابح الأساسى من معركة عفرين، وتنتظر المزيد من المكاسب إما بإعلان أكراد سوريا فض التحالف مع واشنطن، وبالتالى تستعيد كل شمال شرق سوريا دون قتال، وإما أن يتخلى أردوغان عن بقايا أوهامه ويترك مهمة السيطرة على التمرد الكردى المخيف للجيش السوري، ويرى فى القوة السورية حلا للمأزق بعد أن كانت العدو الرئيسي.
لقد بلغ المأزق الأمريكى ذروته فى معركة عفرين، فكل الخيارات سيئة، ولم يعد بالإمكان انتظار مكسب من تلك الجولة، حتى لو تمت مضاعفة القوات الأمريكية، فلا يمكنها فعل شيء إلا انتظار انتهاء الجيش السورى وحلفائه من معركة إدلب، لتبدأ بعدها معركة طرد القوات الأمريكية من سوريا إما طوعا أو كرها، مثلما حدث فى العراق وقبلها فى لبنان، بينما يرتجف قلب رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو مما يحمله المستقبل، فالرياح القادمة ليست مواتية، وتحمل نذر حرب تسعى إليها إسرائيل لكنها تدرك أنها لن تحتمل نتائجها الكارثية، فتوابع الزلزال الذى كانت تريد منه إسرائيل وأمريكا وحلفاؤهما أن يدمر كل أعدائهم فى المنطقة جاءت توابعه لتقلب الأوضاع، وتهز مصالحهم وتحالفاتهم وتزيد من حجم المخاطر التى يتعرضون لها.

تعليقات

المشاركات الشائعة