السيسى .. المقاتل دائما ابن الجمالية حفظ القرآن فى «أم الغلام».. واستمع للشعراوى فى «الحسين»

حكايات لا يعرفها كثيرون تخفيها النظارة الداكنة التى اعتاد أن يلبسها المشير عبد الفتاح السيسى ، وفى محاولة للغوص فى تاريخ الرجل والتعرف على شخصه، اتجهنا إلى محل سكنه أيام الطفولة والصبا والشباب، إلى جيرانه ومن عاشروه وعرفوه فى تلك الأوقات.
فى الطابق الرابع والأخير فى العقار رقم 7 عطفة «البرقوقية» من شارع «الخرنفش»الواقع على جنبات شارع المعز لدين لله الفاطمى بالحى الأثرى «الجمالية»، عاش المشير عبد الفتاح السيسى مع والديه وأشقائه، فى عقار يملكه الجد حسين السيسي، ولا يزال يتواجد به أقرباء أغلبهم سكنوا المنزل بعد رحيل «المشير» عن الحي، ومن أبرز جيرانهم ــ آنذاك ــ اللواء محمد أبو شادى وزير التموين والتجارة الداخلية(السابق)، حيث كان يسكن فى العقار الملاصق لهم.
تقع العطفة فى منتصف متحف مفتوح للآثار الإسلامية فى القاهرة الفاطمية، وكحال كل شيء فى الحياة جار عليها الزمن وتغيرت ملامحها خلال الـ 15 سنة الأخيرة، فكثرت الورش الصناعية المختلفة على جنباتها، ولم يبق من عبق تاريخها سوى مساكن وبيوت تكاد تكون متهالكة بطول لا يزيد على 50 مترا.
وعلى بُعد أمتار قليلة من مسكن عائلة «السيسي»، يقع عقار رقم 3 فى حارة خميس العدسي، الذى سكن فى الطابق الثانى منه الزعيم الراحل الرئيس جمال عبد الناصر لمدة 3 سنوات فى المرحلة الابتدائية، حين أقام لدى عمه خليل حسين عام 1925، يفصل بينهما شارع يتيم.
وما بين «البرقوقية» و»العدسي» وبشكل أكثر اتساعا على مستوى نطاق حى الجمالية، يلفت نظر الزائر صورا لـ «عبد الناصر» و«السيسي» معلقة فى الشرفات وعلى جدران العقارات جنبا إلى جنب.
نعود إلى شقة «البرقوقية»، فبعد أن تركتها عائلة «عبد الفتاح السيسي»، سكنها ابن عمه فتحى حمامة السيسى تاجر أرابيسك فى خان الخليلي، حاولنا الحديث معه، لكنه اعتذر معللا عدم رغبته فى الحديث بأسباب أمنية، والحال نفسه واجهناه كثيرا أثناء تجولنا فى حى الجمالية، فأهلها يقابلوننا بالترحاب إلا أن الابتسامة تتبدل عند بعضهم إلى حذر، حين لا نكتفى بسؤالهم عن رأيهم فى المشير عبد الفتاح السيسي، ونحاول الغوص فى نشأته وحياته الإنسانية.
نشأة المشير على ما حدثنا أهل المنطقة كانت فى عائلة ميسورة الحال، إذ أشتغل والده الحاج سعيد السيسى فى تجارة الصدف والأرابيسك، وكان يملك وأخوته نحو 10 محلات فى منطقة خان الخليلي، كان الحاج «سعيد» متدينا لا يبخل على فقراء الحى بالمساعدة المادية، عطوف على جيرانه، محبا لهم، كما اشتهر عنه أنه لا يترك حقه، لذا أقام دعاوى قضائية ضد الحكومة، كانت إحداها ضد وزارة الأوقاف بسبب بيت اشتراه، واعتبرت الوزارة أنه له حق فى استغلاله الأرض، كما كان من أوائل أفراد العائلة الذى يترشح فى انتخابات البرلمان فى السبعينيات من القرن الماضي، لكن لم يحالفه التوفيق.
فى 44 شارع سكة برجوان، كانت مدرسة البكرى الابتدائية التى ألتحق بفصولها عبد الفتاح السيسي، والتى حلت مكانها مدرسة السلحدار الإعدادية، فى تلك المدرسة (أى«البكري») بدأ أبناء جيله فى التعرف عليه عن قرب، حيث لم يكن كسائر أقرانه فى الحى الشعبى يعرف طريق اللعب فى الشارع.
ويقول بعض من زملائه خلال هذه الفترة أنه كان يفضل المواد الدراسية التى تحتاج إلى إعمال العقل والفهم على مواد الحفظ، ولم يُعرف عنه الشقاوة، فالهدوء والابتسامة التى لا تفارق وجنتيه من سماته المميزة.
كان طبيعة حال أسرته والحى الذى يسكنه، أن يعمل الأبناء فى سن مبكر ليكتسبوا خبرات الحياة، وأيضا لمعرفة ما لهم وما عليهم، فكان الصبى «عبد الفتاح» يذهب لمساعده والده فى البازار بعد انتهاء اليوم الدراسي، لكن لم يكن تسويق منتجات الصدف والأرابيسك من الأمور التى تستهويه بعكس أخيه الصغير غير الشقيق «عبد الله» الذى عشق المهنة ولايزال يمارسها حتى اليوم فى خان الخليلي، ومع هذا كان لعمله فى البازار أبلغ الأثر فى تعلم وإتقان اللغات الأجنبية المختلفة نتيجة الاختلاط بالسائحين.
أعتاد عبد الفتاح السيسى الاستيقاظ مبكرا للحاق بصلاة الفجر فى مسجد «سيدى على الأتربي» المجاور لمنزله، كما ذهب على فترات إلى جامع «أم الغلام» لحفظ القرآن الكريم مع الشيخ فتحي، بمقابل مادى 50 قرشا فى الحصة، كذلك كان يذهب وأبناء الجيرة بعد صلاة العصر بشكل متقطع إلى مسجد الحسين وجامع العدوى للاستماع إلى محاضرات الشيخ محمد متولى الشعراوي.
مرات قليلة هى التى ذهب فيها مع رفقائه فى رحلات إلى الإسكندرية، ولم يعرف عنه حبه للسينما، فى مقابل أنه كان يستمع ويستمتع بأغانى أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، ومع هذا كان نادرا ما يغنى أو يدندن معهما.
وفى وقت كان أقرانه يعلقون فى غرف نومهم صور الفنانين المحببين لقلوبهم، كان عبد الفتاح السيسى حالة متفردة من نوعها، فعندما تدخل إلى غرفته الصغيرة تجد صورة كبيرة للطائرة العسكرية «فانتوم» ، لم تكن الطائرة «فانتوم» بالنسبة للصبى عبد الفتاح السيسى وقتها ــ مجرد طائرة عسكرية ذات مقعدين ومحركين، تحلق فى الهواء لمسافات بعيدة، وإنما كانت معبرة عن أحلامه المستقبلية التى طالما تحدث عنها مع أهله وجيرانه.
فلم يكن حلمه أن يصبح ضابطا فى سلاح المشاة بالقوات المسلحة المصرية مثلما انتهى حاله إبان دراسته بالكلية الحربية، وإنما كان مناه أن يصبح طيارا جويا مقاتلا من صقور الكلية الجوية.
حلم «الطيران» فوق السحاب محاربا وليس مدنيا كان همه الشاغل فى صباه، رسم خيوطه من خلال قراءة العديد من الكتب التى كان يهواها، لذا بعدما أنهى مرحلته الإعدادية، قرر «عبد الفتاح السيسي» الالتحاق بالثانوية الجوية، لكنه لم يستطع فالتحق بإحدى المدارس الثانوية العسكرية، وفور تخطيه المرحلة الثانوية رفض تقديم أوراقه لمعهد الطيران المدنى بإمبابة، وتقدم إلى الكلية الحربية، وتخطى اختباراتها وحقق النجاح.
كان لا يخفى عشقه وإعجابه بشخصية الزعيم جمال عبد الناصر، والعسكرية الشديدة للمشير محمد عبد الحليم أبو غزالة وزير الدفاع الأسبق، والمشير محمد عبد الغنى الجمسى رئيس المخابرات الحربية الأسبق.
فى هذا التوقيت كان «السيسي» ينحصر تركيزه فى مجال عمله العسكري، وكان أهل الحى ينادونه بـ «حضرة الظابط» أو «السيسي» (لقب عائلته)، وعندما وصل إلى رتبة رائد غادر عطفة «البرقوقية» ولم يكن يمتلك وقتها سيارة خاصة، متجها إلى حى مدينة نصر، الذى تركه بعد سنوات ليستقر فى التجمع الخامس.
ومن صفاته المهمة التى تحدث عنها من عرفه، الجلد والصلد والتحكم فى الأعصاب وهى صفات ورثها عن الوالد سعيد السيسي، وبرزت فى مواقف عدة، لعل أصعبها فى حياته الشخصية حين كان قائدا فى المنطقة الشمالية العسكرية، حيث علم بنبأ وفاة حفيده الطفل الرضيع من نجله الأكبر أثر وقوعه من أعلى الأريكة (أى كنبة الصالون) بالمنزل، فتوجه إلى المستشفى وأنهى مع الأهل إجراءات الدفن ثم عاد لمحل عمله مرة أخرى للمبيت به لاحتياجهم له فى ثبات يحسد عليه.
أما التعبير عن الغضب فى حياته قليل ويصعب تلمسه، فهو صبور بقدر كبير، وحازم وواضح فى قراراته، يرفض الوساطة فى غير محلها، حتى ولو كانت من طرف والده، فعندما ذهب إليه أحد أبناء الجيرة، وهو قيادى فى مركز مرموق بالقوات المسلحة، طالبا التوصية على نجله خريج كلية الحقوق للالتحاق بالنيابة العسكرية، رفض بشدة حين علم أنه حاصل على تقدير «مقبول»، وبصرامة، قال: «عاوزنى أعينه إزاي؟!.. وعندنا ناس جايبه جيد جدا».
هكذا كانت المعلومات والآراء التى استقيناها خلال رحلتنا بين أزقة وحوارى الجمالية والخرنفش وخان الخليلى والحسين، والتى وصلنا إليها من خلال الاستماع لكل من:أحمد جمعة 56 سنة تاجر أرابيسك (صديق)، وإبراهيم عبد الحليم 74 سنة صاحب مصنع جوارب (جار)، أم مصطفى 73 سنة زوجة ابن خالة والده (جاره)، وحسين فاروق 38 سنة صائغ (جار)، وعاطف الزعبلاوى 56 سنة (جار)، ومحمود الشرقاوى 62 سنة كهربائى (جار)، ومحمد أبو الدهب 50 سنة مدير مدرسة (جار)، وعلى حصان61 سنة محاسب معاش (جار)، وصلاح أبو عون (زميل دراسة)، وأخرون رفضوا ذكر أسمائهم.




المصدر الاهرام - تحقيق: عـادل الألـفى

تعليقات

المشاركات الشائعة