سورة "الفاتحة" كما لم تقرأها من قبل


المصدر اليوم السابع - تحقيقات و ملفات

. مدحت صفوت يكتب: "بابا هو مايكل صاحبى من الضالين؟".. تفسير "المغضوب عليهم" باليهود و"الضالين" بالنصارى قاصر.. والقراءة اللغوية للقرآن تُنهى التكفير بين الأديان 

سبق أن تكلمنا عن قضية التكفير فى الأديان الإبراهيمية، وقلنا إن الأديان تكفر بعضها البعض، ولنتخلص من الأصولية ونتعايش لابد من تساوى الأديان واعتبارها سُبل للوصل إلى الله. 

وليتحقق ذلك يمكن أن نناقش بعض التصورات عن الآخر الدينى بخاصة المسيحيين واليهود.. اتفضلوا معانا. أول ما دخلنا أولى ابتدائى حفظنا سورة الفاتحة، على فكرة ده كان بيحصل مع الطلاب المسلمين والمسيحيين، وطبيعى سألنا عن مفرداتها، زى يوم الدين، الصراط، المغضوب عليهم والضالين.. وبالنسبة لآخر كلمتين كانت الإجابة أن الأولى تعنى اليهود والثانية النصارى، المسيحيين يعني.. الصدمة كانت كبيرة على أطفال عندهم ست سنوات، كيف يكون صديقى مينا ضالًا؟ بالرجوع إلى كتب التفاسير، سنجد أن كتب الجلالين، وابن كثير، والطبرى تقول إن المغضوب عليهم اليهود والضالين النصارى، استنادًا إلى آيات أغلبها مدنية نزلت فى ذروة الصراع بين المسلمين واليهود، أو فى قمة الجدال مع مسيحى العرب.. لكن فى تفسير القرطبى فيه شيء مُلفت، بعد أن ذكر التفسير الشائع "اليهود والمسيحيين"، يستدرك أن هناك من يقول "أن المغضوب عليهم هم المشركون والضآلين هم المنافقون"!! استنى يا مولانا.. ده الموضوع فيه نقاش، يعنى هنوصل لنتيجة أن المغضوب عليهم ليسوا اليهود وإنما أى شخص غضب الله عليه مهما كان دينه، وأن الضالين ليسوا المسيحيين وإنما كل من ضلّ طريق الله، حتى وإن كانوا مسلمين؟ والله ممكن.. نراجع مع بعض شويا، فاكرين التفسير اللغوى للقرآن الذى لجأنا إليه فى قراءة وفهم آية ضرب المرأة؟ هنا أيضًا سنلجأ إلى التفسير اللغوي، انطلاقًا من كلام القرطبى نفسه طيب بتقول إيه المعاجم فى "المغضوب عليهم" والضالين".. من غير ما أطوّل عليكم.. - المغضوب عليهم أى عليهم سُخط. - كذلك يقول العرب المغضوب من فلان، أى الذى انفعل فلانُ عليه. - وغضب عليه أى حنق وثار وهاج عليه.. - أمّا الضال، أى المنحرف عن الطريق، والمفقود والضائع. - ووجد ضالته أى ما فقده. - وأضله الشيء: أهلكه "الهالكين". - ونجد بقاموس المعاني، الضالين أى المخطئين لا المتعمّدين، يعنى الذين أخطئوا دون عمد، هنرجع للدلالة دى تاني

.. وفى سياق سورة الفاتحة، لنكتشف أن الآية حددت 3 مسارات: المنعم عليهم، والمغضوب عليهم، والضالين، ومن السياق واضح أن الناس تتمنى أن تكون من المنعم عليهم، بالتالى من التضيق فى المعنى أن نضع الذين استحقوا نعمة الله مقابل اليهود والمسيحيين فقط، فأصحاب النعيم يقابلهم من خارج النعيم، أو أصحاب الطريق غير المستقيم حتى وإن كانوا مسلمين، يهودًا، مسيحيين، وثنيين، أى تابع لأى دين.. صح؟ النقطة الثانية، نلاحظ أن المغضوب عليهم جاءت مبنية للمجهول. -لماذا؟ - لغويًا لتقول إن الله لم يغضب دون سبب وإنما نتيجة سبب. - وما السبب وراء الغضب؟ بالرجوع للقرآن نلقى أن المغضوب عليهم كثر، كتير جدًا، وليسوا وحدهم اليهود، صحيح فيه غضب على اليهود ببعض الآيات، لكن كمان قاتل النفس بغير حق توعده الله "وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" يعنى عناصر داعش نقدر نقول عليهم بكل ثقة المغضوب عليهم.. كمان غضب من المنافقين فى سورة الفتح وأى شخص يظن فى الله سوءًا.. كمان غضب من الفارين من الزحف مع النبى بسورة الأنفال "ومَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنْ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ"، وغيرها من مواضع لم يكن المقصود بها يهود أصلًا. النقطة الثالثة، بالنسبة للضالين، استخداماتها داخل الخطاب القرآنى متشعبة، مثلًا استخدمها مع النبى إبراهيم "فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِى رَبِّى لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ" فهل كان يقصد أنه سيكون من المسيحيين؟؟ طبعا استحالة.. كما مع من سيحاول التوبة يوم القيامة "لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَ?ئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ"، وبمعنى النسيان "أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى?" يعنى الذين نسوا، كذلك بمعنى المخطئين غير المتعمدين، فبعد أن قتل النبى موسى رجلًا دون ذنب، "قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ"، يعنى الضالين ممكن يكونوا المخطئين بس مش قاصدين، ممكن طبعًا، والمسيحيين تفتكر أنهم مخطئين مش واخدين بالهم؟ طبعا ده كلام مش عقلاني. بالتالي، حصر المغضوب عليهم والضالين فى اليهود والمسيحيين أمر غير منطقي، ويتناقض مع مواضع قرآنية، ويملأ الخطاب القرآنى بالتناقضات، مما يسبب التوتر، كذلك يسبب إشكالية مجتمعية، ويجعل الناس لا تتعايش مع بعضها، أو تعيش وهى تضمر الكراهية. هنا نقول إن المغضوب عليهم أى ناس استحقوا غضب الله، من أى دين، لأنهم عملوا ما يستحق الغضب زى قتل النفس، وأن الضالين ناس ضلوا أو أخطئوا دون قصد أو نسيوا الهداية، يعنى الآية تقول يارب خلينا من أصحاب الطريق الصحيح لا من الذين غضبت عليهم ولا من ضلوا طريقك حيثما كانت ديانتهم وأينما كانوا. اللافت فى الأمر أن بعض كتب التراث أشارت إلى المعنى السابق كالقرطبي، أو القمى الذى أورد أن "المغضوب عليهم "النُّصاب" والضالين "الشُكاك"، حاجة غير اليهود والمسيحيين خالص.. لكن بفعل السياسة والصراع مع اليهود مرة ومع الدولة الرومانية مرة ثانية، انتصر تفسير "اليهود والمسيحيين" لأنّه يُخدّم على الدولة فى صراعاتها، وللأسف ورثنا أحنا التفسيرات دى بوصفها يقينًا لا يقبل الشك. دليل رابع على أن المقصود ليسوا يهودَ ولا مسيحيين، وهى سنة نزول سورة الفاتحة، فالثابت أن الفاتحة سورة "مكية" أى نزلت فى مكة، وكل كتب التراث تؤكد ذلك، متى نزلت فى مكة؟ يذكر على بن أبى طالب أن الرسول فى بداية نزول الوحى كان إذا برز سمع مناديًا "يا محمد"، فإذا سمع الصوت انطلق هاربًا، فقال له ورقة بن نوفل: "إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك". فلما برز سمع النداء: "يا محمد" فقال: لبيك، قال: قل: "الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين" حتى فرغ من فاتحة الكتاب. يعنى الإمام على بيقول إن الفاتحة هى تانى قرآن ينزل على النبى بعد سورة اقرأ.. طيب بالمنطق كده مكة اليهود والمسيحين فيها أقلية وغير فاعلة، ليه يتم ذكرهم؟ بالبلدى أكتر: نبى فى بداية رسالته هيتكلم عن الوثنين اللى مبعوث فيهم ولا عن دين ناس عمل طوال السنوات الأولى للدعوة على كسب ودهم؟!!


تعليقات

المشاركات الشائعة