د.عبد الحليم منصور يكتب: فى الرد على فتوى إباحة التلصص على المرأة أثناء الاستحمام
أسامه القوصى
نسبت وسائل الإعلام المختلفة للطبيب أسامة القوصى، القول بجواز رؤية الرجل للمرأة التى يرغب فى الزواج منها أثناء الاستحمام، حتى يدعوه ذلك للزواج منها، بشرط نيته الزواج منها، وعدم تركها. وردا على ذلك أقول : 1 – آفة الآفات فى هذا الزمان، هو تعرض بعض من لا يحسنون علم الفقه للفتوى، فيثيرون أمورا لا علاقة لها بالدين، ويرفضها مجموع المسلمين، ومن شأن إثارتها أن تلبس على أمر دينهم، وتحدث بلبلة وتشكيكا بين المسلمين، فضلا عن سخرية الكثيرين من أهل العلم ومن رجال الدين، الذين يتعرضون لمثل هذه الأمور، بل وربما تطال أمر الدين نفسه، بسبب ما يعرضه بعض أولئك المتفقهين. 2 – إن الإسلام نهى عن التجرؤ على الفتوى لما فيه من خطر شديد على الأمة، وعلى أبنائها، وربما يؤدى ذلك إلى إضلال البعض، ولما فيه من وعيد لمن يقدم عليه، فقد ورد عن النبى عليه الصلاة والسلام: "أجرأكم على الفتوى أجرأكم على النار" وفى الحديث عنْ خَالِدٍ الرَّبَعِى ، قَالَ: كَانَ فِى بَنِى إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ، وَكَانَ مَغْمُورًا فِى الْعِلْمِ، وَأَنَّهُ ابْتَدَعَ بِدْعَةً، فَدَعَا النَّاسَ فَاتُّبِعَ، وَإِنَّهُ ذكر ذات ليلة فقال: هَبْ هَؤُلاءِ النَّاسَ لا يَعْلَمُونَ مَا ابْتَدَعْتَ، أَلَيْسَ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مَا ابْتَدَعْتَ؟ قَالَ: فَبَلَغَ مِنْ تَوْبَتِهِ أَنْ خَرَقَ تَرْقُوَتَهُ، وَجَعَلَ فِيهَا سِلْسِلَةً وَرَبَطَهَا بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِى الْمَسْجِدِ، قَالَ: لا أَنْزِعُهَا حَتَّى يُتَابَ عَلَى، قَالَ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نَبِى مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِى إِسْرَائِيلَ، وَكَانَ لا يُسْتَنْكَرُ بِالْوَحْى: أَنْ قُلْ لِفُلانٍ: لَوْ أَنَّ ذَنْبَكَ كَانَ فِيمَا بَيْنِى وَبَيْنَكَ لَغَفَرْتُ لَكَ، وَلَكِنْ كَيْفَ بِمَنْ أَضْلَلْتَ مِنْ عِبَادِى, فَدَخَلَ النَّارَ. 3 - من المهم والمفيد لمن يتعرض للقضايا الشرعية، وإنزالها على واقع المسلمين، أن يكون لديه خبرة كافية بفقه الواقع، ومراعاة مقتضى حال من يتلقى هذه الفتاوى، ومراعاة ظروف الزمان، والمكان، والأشخاص، والأعراف، وثقافات المجتمع المصرى الغيور، الذى لا يقبل مثل هذه الترهات، وهل يقبل هذا المتفيقه، أن يطلع أحد على ابنته، أو أخته، أو إحدى قريباته؟؟!! فكيف يرضى لغيره ما لا يرضاه لنفسه؟؟!! إن الفقه السليم، والنظر المستقيم يأبيان مثل هذه الأمور، وإن المسلم الغيور على عرضه وشرفه وبيته لا يقبل مثل ذلك، وإن هذه الفتوى من شأنها أن تكرس لعالم الخنازير ذى البلادة، وعدم الإحساس، وانعدام الغيرة، والحفاظ على العرض. 4 – إن المجتمع بحاجة إلى الاهتمام بقضايا أخرى بدلا من قضية مراقبة المرأة فى الاستحمام، مثل قضايا الفقر المدقع، وقضايا ساكنى العشوائيات، وقضايا التحرش الجنسى، وقضايا الأمة المختلفة، مثل البطالة، وارتفاع الأسعار، والتضخم، والكهرباء، والمياه، والصرف الصحى، وتوعية المجتمع بقضايا الأمة، بدلا من هذه المهاترات التى لا تقدم ولا تؤخر. 5 – من المعلوم لدى أهل العلم أنه ليس كل ما يعلم يقال، وليس كل ما يُقَال حان وقته، وليس كل ما حان وقته حضر أهله، وكتب الفقه مليئة بالآراء الشاذة والضعيفة، التى لم يعتبرها أهل العلم فى المذاهب المختلفة، وهذه مجال دراستها لدى أهل الاختصاص، وفى قاعات الدرس، لا غير، دون عرضها على عامة الناس، حتى لا تحدث بلبلة للعامة، وتشكيكا لهم فى دينهم، وحتى لا يسخر غير المسلمين من الإسلام بسبب هذه الأغلاط، والحماقات التى يتسبب فيها البعض. 6 – إن مثل هذه الفتاوى تكرس لقضايا هتك العرض، والتحرش الجنسى، والاعتداء على النساء والفتيات فى الطريق العام، وهتك قضايا الأخلاق بشكل سافر، من حيث لا يدرى هذا وأمثاله، بدعوى الخطبة، والنظر إليها. 7 – إن الأصل هو حرمة النظر للمرأة الأجنبية بشهوة وبلا حاجة، والرجل والمرأة مأموران بغض البصر قال تعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" ولكن جوز الشارع للخاطب النظر للمخطوبة للحاجة فيقتصر فيه على ما تدعو إليه الحاجة كما قال ابن عباس فى قوله: "وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" قال: الوجه وبطن الكف، لأن الوجه يستدل يه على جمال المرأة، والكفين يستدل بها على خصوبة بدنها، ولأن النظر محرم أبيح للحاجة فيختص بما تدعو الحاجة إليه. قال ابن قدامة: "ولا خلاف بين أهل العلم فى إباحة النظر إلى وجهها وذلك لأنه ليس بعورة وهو مجمع المحاسن وموضع النظر ولا يباح له النظر إلى ما لا يظهر عادة". *أستاذ الفقه المقارن ووكيل كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالدقهلية.
المصدر اليوم السابع
تعليقات
إرسال تعليق