الأردن قصيدة حب على شفاه المصريين

بدأت الأغنية الأردنية بداية قوية من خلال استحضارها للموروث التراثى الأردني، معتمدة فى ذلك على الأصالة، ومستمدة تكوينها الفنى من تراث الشعب الأردنى الذى ينتقل شفاهة من جيل إلى جيل،


معبرة عن روح الشعب وعن مختلف تقاليده، وإلى جانب التميز الإيقاعى لأغانى التراث الشعبى الأردنى فإن ألحانها أيضاً كانت تتميز بقصر جملها الموسيقية وتسلسل نغماتها الموسيقية، ووضوح وأصالة مقاماتها الموسيقية، مع زخرفة موسيقية نشطة تولدت عنها جاذبية لحنية أخاذة تفجرت من قلب الشعب ووجدانه، فتخطت حدود الأردن إلى الخارج بكل قوة عبر مختلف وسائل الإعلام المسموعة والمرئية.تغنى بها العديد من الفنانين الأردنيين الأوائل أمثال: توفيق النمري، سلوى العاص، إسماعيل خضر، عبده موسى، سهام الصفدي، محمد وهيب، وغيرهم، ونقلها العديد من الفنانين العرب عبر حناجرهم وجولاتهم إلى بلدانهم ومختلف أنحاء المعمورة، حيث تغنى بها كل من: سميرة توفيق، فؤاد حجازي، دريد لحام، وديع الصافي، نجاة الصغيرة، هدى سلطان، إسماعيل شبانه، عادل مأمون، وغيرهم الكثير من المطربين والمطربات.وكانت الأغنية الوطنية تحديدا هى الأكثر انتشارا كونها تعبر عن الاعتزاز بالوطن والقيادة والمكان الأردني، ونجحت هذه الأغنية فى التعبير عن أشواق الأردنيين تجاه وطنهم وأمتهم، ورغم أن هذه الأغنية بدأت على يد ملحنين لبنانيين مثل حليم الرومى الذى فاز عام 1942 بجائزة تلّحين نشيد الجيش العربى الأردنى فى مباراة أقيمت فى مقر إذاعة الشرق الأدنى السابقة، ويقول مطلع هذا النشيد الذى نظمه الشاعر الأردنى الكبير عبد المنعم الرفاعي: «دمتَ يـا شـبل الحسين / قـائـد الجيـش الأبي/ وإرثا للنهضتين، مجـد عـز يعـربـي» وفى العام 1946 قام الملحن اللبنانى عبد القادر التنير بتلحين السلام الملكى الأردنى من شعر عبد المنعم الرفاعى أيضا، الذى يقول «عاش المليك عاش المليك سامياً مقامه خافقات فى المعالى أعلامهُ».
لكن سرعان ما أخذ الملحن الأردنى فى حقبتى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى مكان الصدارة، واستطاعت الأغنية الأردنية المنافسة بقوة. وشهدت بعد تولى الملك حسين بن طلال عام 1953 حكم البلاد، تطورا كبيرا، ولم تعد مقصورة فقط على اللون الوطنى أو التراثي، إذ لازمت الأغنية الإنسان الأردنى كظله تماماً، يعبر من خلالها عن أفراحه وأتراحه بمشاعر صادقة جياشة، وكان الملك الراحل معجبا بالأغنية والمطربين المصريين نظرا لدراسته فى كلية فيكتوريا فى الإسكندرية، وكانت الأغنية المصرية فى أوج تألقها وازدهارها الفني، وكان نجومها ومعاهدها الموسيقية محط أنظار العالم العربى بأسره .

نيشان النهضة لأم كلثوم

لهذا لم يكن غريبا أن يزور الملك حسين فى شهر فبراير عام 1955 مصر ليحضر حفلا ساهرا لكوكب الشرق أم كلثوم، حضره أيضا الرئيس جمال عبد الناصر، وسيف الإسلام البدر رئيس وزراء اليمن فى نادى الضباط. ويومها غنت أم كلثوم فى وصلتها الأولى أغنية « ذكريات» كلمات أحمد رامى وألحان رياض السنباطي، وفى الوصلة الثانية « يا ظالمني»، وبين الوصلتين وفى فترة الاستراحة تم توسيم كوكب الشرق بوسام النهضة الأردنى من الطبقة الثالثة. و قام عونى عبد الهادى سفير المملكة الأردنية الهاشمية فى مصر بإلقاء كلمة قال فيها: « يعلن حضرة صاحب الجلالة الملك حسين الأول ملك المملكة الأردنية الهاشمية الإنعام على صاحبة العصمة مطربة الشرق السيدة أم كلثوم الفنانة العظيمة بنيشان النهضة من الطبقة الثالثة تقديرا لها ولفنها».

وشكرت كوكب الشرق الملك حسين لتفضله بالإنعام عليها بهذا الوسام وقالت « أشكر جلالة الملك باسم بلادي، وباسم الفن فى البلاد العربية، وأرجو أن أرى الوسام الأكبر الذى نحلى به قلوبنا وصدورنا، وسام وحدة الشعوب العربية، والحكومات العربية»وعندما هتفت الجماهير الحاضرة للحفل وطالبتها بالإعادة أضافت : « أحلى وسام هو وسام اتحاد الدول العربية ضد الاستعمار من أجل تحرير هذه الشعوب وتأكيد سيادتها». وفى وصلتها الثالثة وبعد حصولها على الوسام المصنوع من الذهب والفضة والمكتوب عليه أسم الملك حسين غنت رائعتها « قصة حبي» وسط أجواء مفعمة بالسعادة والحبور.

فريد الأطرش يحيى زفاف الملك

بعد شهرين تقريبا من حضور الملك حسين لحفل أم كلثوم أرسل فى طلب المطرب فريد الأطرش ليغنى فى حفل زفافه على الملكة دينا عبد الحميد، وكان فريد قد تعرض فى الأيام الأولى من عام 1955 لأول أزمة قلبية، قبل أن يسافر إلى عمان بعد أيام قلائل من مغادرته فراش المرض، فإن ذلك كان تقديرا لملك الأردن الذى فضله على فنانة أخرى سعت بكل قوة لإحياء حفلة الزفاف الملكية. وأمام حضور من الصفوة ضم الملك حسين وعروسه والملك فيصل ملك العراق وولى عهده وأفراد الأسرة المالكة فى الأردن وكبار رجال الدولة من الوزراء وزوجاتهم، وقف فريد الأطرش، لينشد فى بداية الحفلة أغنية للزفة الملكية كتبها خصيصا للمناسبة الشاعر صالح جودت يقول مطلعها :

«يا أغلى من أمانينا / وأحلى من أغانينا / يا زينة الدنيا يا دينا / يا وردة فى بلد حرة /وتاج عالى وشعب أصيل / دعانا هاتف البشرى، وجينا من ضفاف النيل / باسم الشعب والثورة، نقدم ليك تهانينا / يا أحلى من أغانينا / يا زينة الدنيا يا دينا».

وبعد أغنية الزفة أتبعها بأغنيته الجميلة التى كانت تتردد آنذاك على كل لسان «نورا يا نورا». وقبل أن يبدأ وصلته الثانية وقف وقال: «تلبية لطلب جلالة الملكة الأم « زين»سأغنى لكم أغنية «أنا وانت لوحدنا»، واختتم فريد أجمل وأقوى حفلاته الملكية بتقديم أغنيتين هما «وياك» و»جميل جمال». وفى تلك الليلة ونظرا لحضور الملك فيصل الثانى ملك العراق ارتجل فريد موالا خلال غنائه لأغنية «نورا» كتحية للملك فيصل الثانى ملك العراق واستعار فريد ذلك الموال من أوبريت «بساط الريح» وكان نصه فى الأوبريت كما يلي: «يا دجلة أنا عطشان ما أقدر أرتوى، من حسنك الفتان هذا الكسروي»، فأبدل فريد البيت الثانى أثناء غنائه فى حفلة زفاف الملك حسين وفى حضور الملك فيصل ليصبح: «من حسنك الفنان هيدا الفيصلي».

وفى ختام تلك الحفلة التى أعادت إلى الأسماع أصداء ما كان يقدم من غناء فى قصور الخلفاء بالعراق والأندلس، وتم الإعلان عن إنعام الملك حسين على نجم الليلة فريد الأطرش بوسام الكوكب من الدرجة الثانية، وهو أكبر وسام أردنى منح إلى فنان فى ذلك الوقت. وحصل الفنان الكبير يوسف وهبى الذى كان أحد حضور حفل الزفاف على نفس الوسام.

الملك يودع الأطرش بالمطار

كان فريد من الفنانين المقربين للملك حسين، لهذا كان دائم التردد على الأردن للغناء فى كل المناسبات الوطنية والعائلية للأسرة المالكة، وفى إحدى زياراته لإحياء عيد ميلاد الملك حسين وغنائه رائعته « مبروك وعقبال 100 سنة» كلمات فتحى قوره والتى يقول مطلعها : « مبروك ... مبروك وعقبال 100 يا حبيب الأمة العربية / يوم هنا وسرور مبروك / مكتوب بالنور فى تاريخ الأسرة الهاشمية». وزيادة بالتكريم ودعه الملك بسيارته إلى مطار عمان وهو فى طريق العودة إلى القاهرة، بعد أن أمضى أياماً بضيافة العاهل الأردني، وعندما مرض الملك حسين فى إحدى السنوات قدم له أغنية أخرى بعنوان « حسينا سلامتك»، لهذا كان طبيعيا أن يهديه الملك عام 1964 وسام الاستقلال من الدرجة الأولى. وعام 1970 لحن فريد للمطربة الأردنية دلال الشمالى أغنية تتغنى بالحسين يقول مطلعها: « هليت هليت تاجك بين رجالك ساطع / حييك بشوق / طليت طليت يا بو جناح العنبر طالع لفوق لفوق / عرشك دايم / صوتك دايم/ يا بوعبد الله».

الجيل الذهبى

مع نهاية الخمسينات وبداية الستينات بدأت تتضح ملامح وهوية جديدة للأغنية الأردنية نتيجة ظهور بعض المطربين والملحنين الذين تأثروا بالغناء والأغنية المصرية من هؤلاء المطرب والملحن محمد وهيب صاحب أغنيات « ممنوع الحب، كيف أنام الليل يا سليّمة، شيلى هالنظارة» الذى درس الموسيقى فى القاهرة على أيدى كبار الفنانين المصريين، وساهم فى تأسيس الإذاعة الأردنية فى رام الله وبعدها فى عمان. وأيضا الملحن الكبير توفيق النمرى الذى كان يذهب وهو طفل إلى الجيران الذين يمتلكون مذياعاً ليستمع لأغانى محمد عبد الوهاب الذى تأثر فيه وحفظ أغانيه، وكان يرددها فى كل مكان، وإنعكس هذا على تلحينه فقدم مجموعة رائعة من الأغنيات مثل « «سحر الجنوب، ووادى السلط، قلبى يهواها، مرحى لمدرعاتنا، والله لاتبع محبوبي، ضمة ورد«. وأيضا جميل العاص أحد أعمدة التلحين فى الأغنية الأردنية، وزوجته المطربة سلوى العاص صاحبة أغنيات «» وين ع رام الله، وش هالغزال، لحمل بيدى جوز فرود».

صوت العرب ويا طير يا طاير

كان لإذاعة صوت العرب دور بارز فى نجاح كثير من الأصوات الأردنية منهم إسماعيل خضر صاحب أغنيات « أنا من العقبة، أنا الأردن، بلدى عمان، «عمان هالمحبوب» الذى كان يغـنى فى بدايته للموسيقار الخالد فريد الاطرش وللمطرب محمد عبد الوهاب، وبقى مقلدا للآخرين حتى عام 1962 عندما قدم أول أغنية خاصة به وكانت بعنوان «على جناح الطير لابعث سلامى وأقول يا مسا الخير أول كلامى طولتوا علينا كثير وبتقولوا بكير» تلك الأغنية التى كشفت عن كنز فنى أردنى ثمين فى بداية الستينات من القرن الماضى حيث ذاعت وانتشرت تلك الأغنية الأردنية فى الإذاعات العربية قاطبة ومنها بالذات المصرية، وكان جمهور المستمعين يترنم بتلك الكلمات الحلوة والألحان العذبة التى وضعها الملحن المعروف جميل العاص.

جدير بالذكر أن خضر صاحب أغنية»يا طير يا طاير» التى غناها فى السنوات الأخيرة المطرب محمد منير وكتب عليها إنها من الفلكلور، ثم أعلن صراحة فى مهرجان الأردن الغنائى فى العام 2009 ، أن الأغنية لفتت نظره ، وقرر أن يغنيها بعدما حصل على إذن من صاحبها. وأكد على هامش مشاركته أن خضر «لو وجد من يدعم إنتاجه وقت انطلاقته الفنية لكان له مكان واسع بين المطربين العرب الكبار، نظراً إلى ما يتمتع به من لمعة فى الصوت وحلاوة فى الأداء»، ورغم علمه أن الأغنية لخضر كتب الملك عليها أنها كلمات وألحان من الفلكلور!!

ومن الأصوات التى انطلقت مع خضر أيضا المطرب فهد نجار الذى تميز بصوت فيه بحة محببة إلى النفس، وقدم الكثير من الأغانى من أشهرها «على جناح الطير» و«مقدر أقول لك». ولا يمكن ونحن نتحدث عن الجيل الذهبى للأغنية الأردنية أن ننسى أغانى ميسون الصناع، وشكرى عياد ، وشارك المطرب الأردنى عبده موسى بالغناء مع العندليب عبد الحليم حافظ، فى قاعة «ألبرت هول» الملكية فى لندن فى أمسية واحدة فى عام 1967 .

سميرة توفيق تحلق

بالأغنية الأردنية

يضاف إلى كل هؤلاء الفنانين المطربة الكبيرة سميرة توفيق التى لم تجد فى البداية فرصتها فى بلدها لبنان فى ظل وجود عمالقة كبار مثل فيروز ونصرى شمس الدين ووديع الصافى وصباح فقررت الانتقال إلى الأردن فى بداية الستينات. وهناك قدمت الكثير من أغانيها فى إذاعة عمّان واشتهرت بغنائها باللهجة الأردنية، وحلقت بالأغنية الأردنية عاليا، وارتبطت بها وأصبحت عنوانا للغناء الأردني، فقدم لها المؤلفون والملحنون الأردنيون العديد من أغانيها منها «حسنك يا زين، وأسمر خفيف الروح، وبين الدوالي، ما اقدر اقلك مع السلامة، وفدوى لعيونك يا أردن»وكلها قام بتلحينها جميل العاص وتوفيق النمري، وقدم لها عدد كبير من الشعراء والملحنين الأردنيين الآخرين.

مشتاقلك يارفيق الروح

قطعت الأغنية الأردنية خطوات واسعة بفضل هؤلاء المطربين والملحنين الذين ذكرناهم وكان طبيعيا أن تجذب أصوات عربية كثيرة من هؤلاء المطربين المصريين، فأثناء زيارتها للأردن نهاية الستينات سجلت هدى سلطان فى استوديوهات الإذاعة الأردنية أغنيه جميلة من الحان الأردنى توفيق النمرى بعنوان «مشتاقلك يا رفيق الروح / لا تسافر وحدك وتروح / خدنى وو دينى عابلادك / ولا تبكى عينى فى بعادك/ وتزيد فى هالقلب جروح»، وغنى المطرب عادل مأمون قصيدة بعنوان «حفظ الله المليك « كلمات سليمان إبراهيم المشيني، ألحان جميل العاص، ولنفس الثنائى « الملحن والشاعر» غنى المطرب إسماعيل شبانه قصيدة بعنوان «وطنى الأردن أعمّره».

عبد الوهاب يتزوج أردنية

تابع الموسيقار الخالد محمد عبد الوهاب النجاح الذى بدأت تحققه الأغنية الأردنية، خاصة بعد زواجه من السيدة «نهلة القدسي» أردنية الجنسية، والتى عرفته بالكثير من العاملين فى الوسط الغنائي، ومنهم طليقها السابق الشاعر الكبير عبد المنعم الرفاعى الذى تعاون معه عبد الوهاب لأول مرة عام 1968 فى قصيدة « نجوى» التى يقول مطلعها : « تجرى وأحلامى فى غيها / تمضى إلى حيث البعيد البعيد»، تلاها برائعته« أيها السارى إلى مسرى النبى ونجى الوطن المغتصب»، ثم « يا خيال النصر فى يوم الفدا عز مسراك وعز المفتدى». وكان آخر لقاء بين عبد الوهاب والرفاعى عام 1985 فى الاحتفال بعيد ميلاد الملك الخمسين حيث غنت المطربة المعتزلة ياسمين الخيام قصيدة رائعة الكلمات واللحن بعنوان « خمسون» يقول مطلعها :

« خمسون والتفتت إليها الأنجم / هذى تشع وهذه تتكلم

نقشت على صدر الزمان قصائدا / شعراؤها النسب الطهور الأكرم

نظمت وقائعها كتائب هاشم / ورعى سراياها الرسول الأعظم».

كان طبيعيا أن يحصل عبد الوهاب على القلادة الأولى من الأردن، وقلادة الكوكب الأردنية 1970.

نجاة أردنية الهوى

عبر العديد من المطربين المصريين عن حبهم للملكة الأردنية الهاشمية بكلمات تمجد الوطن من هؤلاء وأكثرهم المطربة الرقيقة نجاة الصغيرة صاحبة الصوت المخملى فهى الأكثر غناء للأردن وكونت مع الشاعر الأردنى الكبير حيدر محمود ثنائيا فنيا رائعا قدم للأردن مجموعة من أجمل القصائد تناوب على تلحينها محمد الموجى وجميل العاص، كانت البداية عام 1970 من خلال قصيدة «نحبه» التى يقول مطلعها:

نحبه كما تحب الزهرة الندى / والنظرة المدى والنهر ماءه الذى تعوّدا / نحبه لأنه الأمل والفرح الحبيب فى المقل / نحبه نحبه لأنه البطل / نحبه لأنه السطر الجميل فى صفحاتنا ونكتب اسمه على راياتنا، فليبق أحلى أغنياتنا وحبنا الكبير فى حياتنا».

وتقدم نجاة ثنائيا غنائيا مع المطرب الأردنى إسماعيل خضر يقول مطلعه « قد أحببناه وبايعناه، وزرعنا الراية فى يمناه، وحلفنا بتراب الأردن بأن يبقى، فالكل فداه / لو لم أكن من شعبك الوفى يا حسين وددت لو أكون/ لو لم تكن عمان عندى حبة الفؤاد والعينين وددت لو تكون» .

وكان ثالث لقاء بين المطربة والشاعر عام 1974 من خلال قصيدة « طيب القلب»التى يقول فى بدايتها  جبينك للمجد بوابة ترف عليها بنود العلى/ وأهدابك النجل خيمة عز/ كتبنا على صدرها يا هلا.... وقلنا: هنا موئل الطيبين / وأردن أنعم به موئلا «.

وتوالت اللقاءات بين المطربة والشاعر العاشق لتراب الأردن وحمل عام 1976 رائعة جديدة بعنوان « ترويدة الأحرار» التى تبدع فيها نجاة قائلة  يَحمِلُكَ النهارْ..فى عينَيهْ..رايَةَ انتِصارْ..يَحمِلُكَ الفَخَارْ حِكايَةً عَلى فَمِ السنابِلْ / وفى ضَمائِرِ السُيوفِ والجَدائِلْ / ودَبكَةً..وميجَنا..ولَهفَةَ انتِظارْ.. / أُردُنّ..يا تَرويدَةَ الأَحرارْ».

فايزة تغنى «سحر الأربعين» للحسين

تنوعت الرؤية الشعرية فى عمان عبر قصائد حيدر محمود، فهى المحبوبة وهى أجمل الأسماء، وهى درة الحاضر، وهى قدوة الشعب، وهى حصن العروبة، وهى زمن الحب الجميل، وهى بلاد الفتح والدرة الهاشمية، وهى مواطن الذكريات، وهى غابات الاسمنت،وهى السيف المسلول، وهى أخيرا الحلم الجميل الذى تحقق بالمشاركة والملامسة، وفى عام 1974 تغنى المطربة فايزة أحمد من ألحان زوجها الموسيقار الكبير محمد سلطان قصيدة حيدر محمود «ليلة قرشية» التى يقول مطلعها:

تزهو بعباءات الفرح الأخضر والشالات الوردية / يا هاشم فاسهر بين رماحك راية عز نبوية

خفقت وارتفعت باسم الله فكانت أصل الحرية / يا هاشم يا قمر الصحراء وسيدها..زين بحضورك ليلتنا

واحملنا فوق الأجنحة البدوية، وليتدفق نهر الحب سخيا / ولتترقق نسمات الليل رخية».

وبمناسبة العيد الأربعين لميلاد الملك الحسين بن طلال - طيب الله ثراه - عام 1975، يصف الشاعر الملك ويقول : كل السنين و جمال سن الأربعين الساحر، باد على جبينه مسرات و أفراحاً تزهو بها المسرات والأفراح على مر السنين، وتشدو كروان الشرق برائعة محمد سلطان وحيدر محمود قصيدة « سحر الأربعين» التى يقول مطلعها: «السحر سحر الأربعين يا مجدنا الزاهى على مر السنين، الشيب فى فوديك أوسمة نبيلة».

أرخت عمان جدايلها

خلال الاحتفالات باليوبيل الفضى لجلوس المغفور له الملك الحسين على العرش، وبحضوره وحضور المغفور لها الملكة علياء الحسين رحمهما الله شدت نجاة برائعة حيدر محمود الخالدة « أرخت عمان جدايلها» التى تغنى فيها بأروع ما يمكن أن يقال فى مدينة:

«أرخت عمان جدائلها فوق الكتفين...فاهتز المجد وقبلها بين العينين

بارك يا مجد منازلها والأحبابا...وأزرع بالورد مداخلها باباً بابا

عمان اختالى بجمالك وتباهى بصمود رجالك

وامتدى امتدى فوق الغيم وطولى النجم بآمال»

وفى عام 1979، سافر شاعرنا للعمل فى تليفزيون دبي، وبعد عدة شهور حلَّ عيد ميلاد الحسين، وكتب الشاعر قصيدة « السيف والهوية» من منفاه الاختيارى هناك، ولم يكد العام ينقضي، إلا وكان قد عاد الى عمّان، وغنت نجاة قائلة :

«أَتَمنّى اللَّحْظَةَ لو تُصبِحُ أَهْدابى جِسْرا يَحْمِلُنى نَحْوَكِ، يَرْمينى فى شُبّاكِكِ أُغْنيَّةْ!

لو تخطفُ طائرتى الوَرَقِيَّةُ قَلْبي/ لأُقَدِّمَهُ فى عيدِكِ يا عَمّانُ هَدّيةْ!

أَتَمنّى لو أَلْقاكِ الآنَ..وأنتِ تُقيمينَ على مدِّ السَّاحاتِ الأفراحَ الشَّعْبيَّةْ..

فأنا وَلَدُ الأفراحِ الشَّعْبيَّةْ! أَتَنَفَّسُ رائِحَةَ الأرضِ، وأعْشَقُ زَعْتَرَها البَرِّيَّ،

وأحكى معها بشفافيةِ العُشّاقِ، وبالأشْواقِ العَفْوِيَّةْ..والشِّعرُ بسيطٌ مِثْلُ الخُبْزِ،

عميقٌ مِثْلُ الحُزْنِ، رحيبٌ مِثْلُ الحُرِّيَّةْ! «.

وكان اللقاء الأخير بين حيدر محمود ونجاة فى رائعة الموسيقار محمد الموجى «ترويدة للسيف الهاشمي» التى تقول فى مطلعها:

عمان والملك المحبوب/ فارسها ضمت على حبه العينين والهدب/ نهران من واحة الفرسان نبعهما، يعانقان الذرا الشماء والشهب، فمنهما العز وضاء ومختلق/ وفيهما السعد دفاق ومنثقب/ وللبطولة شمس فى ظلالهما وللرجولة عرس يزدهر طربا، التؤءمان هما، والغاليان هما/ من لا يحبهما لا يعشق العرب».

أنغام وأمال

لم يقتصر حب الأردن على جيل من الأجيال، ولكن الكل فى عشقها مغرم صبابة، عمان التى يصفها حيدر محمود بأنها المدينة التى بنت بيوتها من صخر جبالها،وكحلتها بسواد العيون، والتى يعود تاريخها إلى أكثر من ستة آلاف عام، مدينة تليق بالشعر ويليق الشعر بها، وتستحق أن تكتب بأجمل الحروف، وترسم بأحلى الألوان وتعزف نغما وراء نغم، لأنها هى ذاتها القصيدة واللوحة والسيمفونية التى لا تمل سماعها القلوب والأرواح، لهذا جذبت هذه المدينة الساحرة الموسيقار الكبير عمار الشريعى والمطربة رائعة الصوت أمال ماهر فيقدمان عام 2002 وبمناسبة عيد ميلاد الملك عبد الله الأربعين قصيدة حيدر محمود « إبن الحسينيين» التى يقول فى بدايتها:

« كل السنين بعبد الله تحتفل/ فالعيد أفراحه بالعيد تتصل

هذا الفتى الشيخ .. معقود به الأمل

كل السنين، وسحر الأربعين على جبينه قبل تزهو بها القبل

يا قائد الوطن الغالى ورائده من فيض روحك فينا يشرق الأمل

إن لم يكن فيك فى من يكتب الغزل ؟!

لقد ورثت عن الاّباء رقتهم وبأسهم فتلاقى السهل والجبل».

وتشدو مطربة المشاعر والأحاسيس الفياضة وأيقونة الرومانسية أنغام برائعة الشاعر حبيب الزيودي، الذى ينشد مدينته الحبيبة عمان وقد شاخ قلبه على شوارعها، فهى مدارج حبه وهيامه ومصدر سعده، فهى الغصن الرطيب الذى يداوى القلب الشقي، والعذاب الذى يسرى فى أوردته فيقول مطلع القصيدة التى لحنها طلال أبو الراغب، وتوزيع أيمن عبد الله.

« صباح الخيرْ يَا عمانيَا حنّه على حنّه

يَا فوح الخُزامى والندى...ويَا ريحة الجنّه

ويا دار بناها العزّ ...لا هانتْ ولا هنّا

أهِلْها جبال فوق جبال ..بيها المجد يتغنى

وإنْ تتْبدّل الأيام ..حنّا ما تبدّلنا».

ولم يقتصر غناء أنغام على هذه القصيدة فغنت قصيدة أخرى فى بداية مشوارها بعنوان« عمان» من ألحان الموسيقار العظيم محمد على سليمان.

نهر الأردن

نهر الغناء الأردنى مازال يتدفق ساريا بأجمل وأعذب النغمات فيوجد حاليا مجموعة من المطربين الأردنيين مثل « عمر عبد اللات، ماجد زريقات، صبرى محمود، هالة هادي، رويدا العاص، ملك الناصر، مريم فخري،أمل شبلي،عايدة أبونوار، ومن الجيل الجديد، ديانا كرازون ، محمد رمضان، توفيق الدلو، ،هانى متواسي، بشار السرحان، محمود حماده، مكادى نحاس، رانيا الكردي، ربحى رباح، محمد قويدر،زين عوض، طونى قطان، أزالوا الحواجز بحكم الزمن وانتشار الفضائيات ويتعاونون مع الملحنين والشعراء المصريين، لهذا أستقبل المصريون غناء عمر عبد اللات فى انتصارات أكتوبر بحفاوة بالغة وهو يترنم بحب مصر من كلمات نادر عبد الله وألحان وليد سعد قائلا: « يا بخت اللى منك / يا بخت اللى عايش يا مصر فيكى / أنا بحب عنك دايما أتكلم كتير/ يا بخت اللى منك يا بخته بناسك/ وأهلك وبيكى ».




المصدر الاهرام

تعليقات

المشاركات الشائعة