مصــر تســتورد الأرز ! برغم وجود مليون طن فائضا والسماح بالتصدير


المصدر الاهرام - تحقيق ــ سيد صالح


عجبا لدولة زراعية كمصر، تنتج 4.5 مليون طن من الأرز، تستهلك منها 3.5 مليون طن، وتسمح بالتصدير، بدعوى وجود مليون طن فائض عن احتياجات الأسواق المحلية، ثم تشتعل أزمة الأرز، ويرتفع السعر إلى 10 جنيهات للكيلو، وتلجأ الحكومة لاستيراد 80 ألف طن من الخارج لمواجهة الأزمة، والسيطرة على الأسعار..


ويبقى السؤال: هل السبب فى الأزمة هو الاحتكار وتلاعب بعض التجار.. أم تهريب الأرز للدول المجاورة مما أدى لرفع الأسعار؟.. ولماذا لم تحتفظ وزارة التموين برصيد آمن، وليكن فى حدود نصف مليون طن من الأرز أو أكثر قليلاً - على حد قول الخبراء- لمواجهة أية أزمة طارئة ، وضبط إيقاع الأسعار.

حلول عاجلة

وفى محاولة لمواجهة الأزمة الطاحنة التى تشهدها أسواق الأرز، وارتفاع أسعاره لنحو 10 جنيهات، فى الوقت الذى اختفى فيه الأرز من المجمعات والبقالين التموينيين، قبيل حلول شهر رمضان المبارك، كثفت وزارة التموين جهودها لطرح كميات من الأرز بسعر 4.5 جنيه للكيلو ، وعقد الدكتور خالد حنفى وزير التموين اجتماعا موسعا مع قيادات الوزارة لبحث سبل حل الأزمة، وأطلق اللواء حسنى زكى مدير مباحث التموين مبادرة لتوفير نحو 50 ألف طن أرز ، من خلال كبار التجار وأصحاب المضارب، بالإضافة إلى 40 ألف طن قامت وزارة التموين بطرحها على المجمعات وشركات الجملة، ليصل إجمالى ما سيتم طرحه إلى نحو 90 ألف طن.

الأزمة الحالية، دفعت الدكتور خالد حنفى لإصدار تعليماته لمفتشى التموين بالوزارة ومباحث التموين بضرورة تكثيف الحملات على بؤر احتكار السلع الغذائية، وتحرير السلع التى تم إخفاؤها، وبيعها للمواطنين بأسعار مخفضة فى فروع المجمعات الاستهلاكية ، وشركتى الجملة، وعلى البطاقات التموينية، وفروع «جمعيتي»، مشيرا إلى أنه تم الاتفاق مع أصحاب مضارب الأرز ، بحيث يقوم كل مضرب بتوريد نحو 50 طن أرز محلى لوزارة التموين، وتم ضخ كميات من الأرز تصل الى 40 ألف طن أرز بالمجمعات الاستهلاكية وشركتى الجملة والسيارات المتنقلة وفروع «جمعيتي» بسعر 4 جنيهات ونصف الجنيه للكيلو.

تتزامن تلك الجهود التى يبذلها وزير التموين، مع مبادرة اللواء حسنى زكى مدير مباحث التموين ، والتى طرحها - خلال لقائه عددا من كبار التجار، وأصحاب مضارب الأرز ، ورؤساء الشعب التجارية، لاستعراض الحلول والإجراءات الواجب اتخاذها لمواجهة أزمة ارتفاع أسعار الأرز بالسوق المحلية، وقلة المعروض منه، وأسفرت المبادرة عن الاتفاق مع أصحاب مضارب الأرز، وشركات تجارة الأغذية على الاشتراك فى مبادرة مباحث التموين، لطرح 50 ألف طن أرز مخفضة الأسعار مع تقليل هامش الربح ، وقد أبدى المشاركون فى اللقاء استجابتهم السريعة واستعدادهم لتوريد أرز بتكلفة 4,5 جنيه للكيلو جرام الواحد، والتزامهم بتوريد كميات الأرز المتفق على توريدها خلال الأيام المقبلة، إلى أن يؤدى ذلك لانخفاض الأسعار، فيما تمكنت مباحث التموين من ضبط ما يزيد على 3500 طن من الأرز التى قام بعض التجار بحجبها عن الأسواق، لإعادة بيعها بأسعار أعلى من سعرها الرسمي، استغلالا للأزمة، وتحقيق أكبر قدر من المكاسب.



المستهلكون يتساءلون؟!

فى محاولة للوقوف على أسباب الأزمة وتداعياتها، ومعاناة المواطنين فى العثور على الأرز، بعد ارتفاع أسعار العديد من السلع بسبب ارتفاع سعر الدولار، تجولت « تحقيقات الأهرام»، فى الأسواق والبقالات الصغيرة، حيث أكد لنا أصحاب المحلات، وجود أزمة فى الكميات المطروحة للبيع، وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، حيث تتراوح أسعار الأرز بين 6,5 جنيه، وحتى 10 جنيهات للكيلو، ما دفع العديد من المستهلكين لمقاطعة الأرز، وشراء المكرونة، بينما يؤكد البعض أنه لا غنى عن الأرز، وأنهم يضطرون لشرائه بالرغم من ارتفاع اسعاره بالأسواق.

أمام أحد المحلات بمنطقة فيصل، التقينا محمود حسين « موظف»، والذى أكد لـ « تحقيقات الأهرام» أن أسعار الأرز ارتفعت بشكل جنوني، بالرغم من إعلان الحكومة عن وجود فائض، والسماح بتصدير الأرز المحلى للخارج، ما يجعل المستهلك يئن من ارتفاع أسعار السلع الأساسية، ويتعجب من ارتفاع اسعار الأرز المحلي، ونقص الكميات المعروضة للبيع بالمحلات التجارية، فى وقت يتحدث فيه المسئولون عن وجود فائض من الأرز بالأسواق.

الأزمة ذاتها، يثيرها محمد عبد العزيز، الذى التقيناه داخل إحدى السلاسل التجارية الكبري، ويؤكد أن سعر كيلو الأرز قد تجاوز الـ 9 جنيهات، بالرغم من زراعة الأرز محليا، ويتساءل: لماذا قفزت الأسعار بهذا الشكل الجنوني؟ ولماذا لا يتم تكثيف الرقابة على التجار، لمنعهم من التلاعب و تخزين الأرز، لافتعال الأزمات ورفع الأسعار؟.. وكيف يتم الاعلان عن وجود فائض فى الإنتاج، ثم تحدث تلك الأزمة الطاحنة؟.. ثم كيف نسمح بتصدير الأرز، ثم نلجأ للاستيراد من الخارج لمواجهة الأزمة الحالية؟



الأزمة .. أسبابها وتداعياتها

أزمة الأرز الحالية وارتفاع أسعاره محليا، غريبة وليست مبررة .. هكذا قال الدكتور نادر نور الدين أستاذ الزراعة ومصادر المياه بكلية الزراعة جامعة القاهرة لـ « تحقيقات الأهرام» ، فقد مر على موسم الحصاد أقل من 6 شهور، فموسم الحصاد يبدأ فى شهر سبتمبرمن كل عام، وفى شهر نوفمبرتكون مضارب الأرز قد انتهت تقريبا من عملها، ويتحول الأرز الشعير إلى أرز أبيض، العجيب أن الوزير سبق أن أعلن أن هناك مليون طن فائض من الأرز، وقرر فتح باب التصدير للخارج، والسؤال الذى يطرح نفسه: إذا تم الاعلان عن أن الانتاج يقدر بنحو 4,5مليون طن، وأن معدل الاستهلاك المحلى يبلغ 3,5 مليون طن، وأن هناك مليون طن يمكن تصديرها، فلماذا حدثت الأزمة الحالية وارتفعت الأسعار لتصل إلى 10 جنيهات لبعض الأنواع من الأرز المحلي؟.. هل زادت عمليات تهريب الأرز للخارج؟.. أم هل هناك ممارسات احتكارية يقوم بها بعض التجار، لافتعال أزمة، ورفع الأسعار، وتعطيش السوق؟.. وظاهرة الاحتكارات معروفة منذ 3 سنوات، وقد اقترحنا على وزير التموين أن تقوم الدولة بشراء مخزون استراتيجى من الأرز من الفلاحين بمعدل نصف مليون طن على الأقل، وتخزينه، وطرحه فيما بعد للبيع بالمجمعات الاستهلاكية، وكذلك توفير احتياجات الملايين من حائزى البطاقات التموينية من الأرز، لكن الوزارة تركت السوق دون تفاعل، ثم تتدخل متأخرة بعد اشتعال الأسعار، والإعلان عن استيراد 80 ألف طن لمواجهة الأزمة الحالية، وهنا أقول إنه لا يجب أن تعمل وزارة التموين بأسلوب رد الفعل، والانتظار لحين حدوث الأزمة ثم البحث عن حلول لها، وكان ينبغى أن تقود الوزارة الأسعار، وتستشعر الأزمة قبل حدوثها، وأن تكون مستعدة لها، وأن تسورد الارز مبكرا، لكن ذلك لم يحدث، فمنذ شهرين أعلنت الوزارة عن مناقصة لاستيراد 180 الف طن أرز قصير الحبة، بسعر 325 دولارا للطن، ثم تم إلغاء المناقصة بحجة أن سعر الطن المعروض للبيع بالخارج يبلغ نحو 350 دولارا للطن، وحتى الآن ، لا أعرف سبب إلغاء تلك المناقصة، ما أدى لقيام بعض التجار برفع سعر الأرز محليا، والآن تتجه الوزارة للاستيراد نحو 80 الف طن أرز، وتلك الكميات التى تخطط الوزارة لاستيرادها لا تكفى بطبيعة الحال- لحل الأزمة الحالية وضبط إيقاع الأسعار، إذ ينبغى أن تعمل الوزارة على استيراد 250 ألف طن ارز على الأقل، لتلبية احتياجات السوق المحلية، ما سيدفع التجار، للإفراج عن الكميات المخزنة لديهم ما سيؤدى إلى تخفيض الأسعار.



الاحتكار والتهريب

وإذا كانت أصابع الاتهام كما يقول الدكتور نادر نور الدين- تشير إلى استمرار عمليات التهريب لدول مجاورة، مثل ليبيا والسودان، وكذلك وجود ممارسات احتكارية من جانب بعض التجار لرفع الأسعار، فلماذا لم تقم الوزارة بإبلاغ جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار، للتحقيق فى تلك الممارسات الضارة بالأسواق المحلية وتقديم مرتكبيها للمحاكمة، ولماذا لم تخاطب الوزارة الأجهزة المعنية بالرقابة على المنافذ الحدودية، لتكثيف الرقابة وضبط عمليات تهريب الأرز المصرى للخارج، فى وقت تعانى فيه البلاد من أزمة طاحنة أدت لنقص المعرض وزيادة الطلب، وارتفاع الأسعار بشكل غير مسبوق، فى دولة المفترض أنها تنتج 4,5 مليون طن، تستهلك منها 3,5 مليون طن، ومن ثم ووفقا لهذه التقديرات- هناك فائض يقدر بنحو مليون طن، ثم عن وجود فائض ، وفرص للتصدير للخارج، ثم نفاجأ بوجود أزمة ، وارتفاع سعر الأرز، بينما نحن مقبلون على شهر رمضان الذى ترتفع فيه معدلات استهلاك الأرز على المائدة المصرية.



ضبط المتلاعبين

وإذا كانت هناك نية لحل الأزمة، - والكلام مازال للدكتور نادر نور الدين- فإن جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار، ينبغى أن يبدأ التحقيق فورا، للتصدى لجميع الممارسات الاحتكارية، وضبط المتلاعبين ، والذين يقفون وراء تلك الأزمة، ومحاسبتهم وفقا للقانون، والتحقيق مع من سمح بالتصدير دون التأكد من وجود أرصدة آمنة من الأرز، لحين إنتاج المحصول الجديد فى أكتوبرأو نوفمبر المقبلين.

تعليقات

المشاركات الشائعة