حقيقات..‏ الشوارع والميادين تحت سيطرتهم مافيا السياس

المصدر الاهرام المسائي . massai.ahram.org.eg . تحقيقات
في الشوارع والميادين‏,‏ وبجوار المراكز والمحال والمقاهي‏,‏ وأمام المؤسسات الحكومية والتجارية‏,‏ وتحت الكباري والأسوار‏,‏ ورغما عن الحملات المكثفة التي شنتها الإدارة العامة للمرور منذ أربعة أشهر‏..‏ يظل السايس هو الحاكم بأمره‏.‏

وعلي الرغم من أن مهنة السايس بدأت كمحاولة من وزارة الداخلية لتوفير فرص عمل لمن أنهوا فترة سجنهم, إلا أنها تحولت إلي مشاع لكل من يرغب في استغلال أماكن ركن السيارات في تحصيل سبوبة.
يتهمهم البعض بالبلطجة والنصب وتشويه صورة البلد بتصرفاتهم المشينة, ويبحث البعض الآخر عن حلول منظمة وقانونية بشأنهم, ويتفق الجميع علي ضرورة القضاء علي هذه الظاهرة السلبية التي اجتاحت الشوارع.
ويتبرأ بعضهم من بقية أبناء مهنتهم بشكل وصل إلي وصفها بالـلا مهنة, ويدافع البعض الآخر بحدة وصلت إلي استنكار رافضيهم بالطرد من الحيز الواقع تحت سطوتهم.
تعتبر الأضرار التي يلحقها السايس بالشوارع مدمرة بكل المقاييس, فبشغلهم للطرق تتعطل الحركة المرورية, وباستغلالهم تقع المشاجرات بينهم وبين أصحاب السيارات, وبسلوكهم غير السوي تتشكل لدي الأجانب صورة سلبية عن المحروسة.
هذه الظاهرة التي خرجت عن المألوف أنتجت مناخا عبثيا بين المواطنين والسياس. الأهرام المسائي تدق ناقوس الخطر, وتفتح ملفا للوقوف علي أبعاد الأزمة.
فوضي القاهرة الكبري
لكل منطقة تجمعات جاذبة للبشر, ولكل تجمع سرب من السيارات التي تصطف حوله, ولكل رصيف سايس يفرض سطوته عليه, ويجمع المال من هذه البقعة المكانية التي شاء القدر أن تجذب السيارات الباحثة عن الـركنة مع وجوده فيها.. لكن أهالي المناطق المدججة بهؤلاء خرجوا عن صمتهم مطالبين بوضع حد لهذه المأساة التي يعيشونها كلما أرادوا ركن سيارتهم في أي مكان.
قولتله مش معايا فكة جابلي الأربع عجلات علي الأرض.. بحدة واضحة استنكر أحمد وليد, أحد قاطني مدينة نصر, سلوك السياس الذين يحتلون محيط النادي الأهلي, مشيرا إلي أن أغلب قاطني مدينة نصر يعانون نفس الكابوس الذي يقابلهم عند كل ركنة خوفا من الإتاوة.
لم يقتصر الأمر في مدينة نصر علي منطقة بعينها, لكن الساحة المقابلة لقسم أول شرطة مدينة نصر تخرج عن المألوف; فساحة مثل هذه تستوعب كما هائلا من السيارات, إلا أن سياس هذه البقعة يجبرون الأهالي علي صف سياراتهم خارجها, لتبقي الساحة خالية حتي يتثني لهم أخذ الإتاوة, مخلفين زحاما مروريا في الطرق العامة لمدينة بحجم وأهمية مدينة نصر.
يقول محمد حسن, أحد سكان مدينة نصر: إن اضطراره إلي ركن سيارته خارج الساحة يعرض سيارته لخطر الخدش والتصادم, رغم لدفعه خمسة جنيهات أو أكثر, موضحا أن الانتظار داخل الساحة التي تطل علي قسم الشرطة وأحد المولات تكلفتها أقل وأمانها أكبر من تركها لـبلطجي يبهدل فيها.
ويضيف جاره محمد خلف: دول بيسحبوا الفلوس من جيبك بالعافية.. واصفا طريقتهم بـالبجاحة, وروي الشاب العشريني موقفا حدث مع سايس طلب منه خمسة جنيهات, فـرفضت أديله فحب يجملها وجابلي تذكرة.. موضحا أن التذكرة كان مكتوب عليها جراج الأوبرا.
سيدة خمسينية بجلباب أسود وكاب أبيض وصفارة مرور تترأس سياس محيط جامعة القاهرة بالجيزة.. حسب وصف أحمد نادر, طالب بجامعة القاهرة, عندما استقبلت أذنيه كلمة سايس, وألمح إلي أن تسعيرة الانتظار غير المشروعة غير ثابتة, فـلما الدنيا تكون رايقة5 جنيه وفي الزحمة10 أو أكتر.
بينما سخر مازن عاشور, أحد سكان المهندسين, من سياس شارع أحمد عرابي, ناعتا إياهم بـهتلاقيهم زي الدبان, لتسود علي لهجته نبرة ضيق بالإشارة إلي أن كل من يرفض دفع الفردة تتعرض سيارته للأذي, ولو جدع هات اللي عملها بقي, لافتا إلي كثرة عددهم الذي بلغ المألوف هو العامل الرئيس في تعطيل المرور بالشارع.
كل شبر فيه سايس.. مجازا عبرت رشا عبد السلام, إحدي أهالي مصر الجديدة, عن الحالة التي تواجهها بشكل دوري في ميداني الكوربة وسفير, فالأول من زحامه يعطي الفرصة لـأي حد يشتغل سايس ويعمل سبوبة, والثاني بـحارة ماشية واتنين واقفين, مشيرة إلي أن محال الطعام والملابس والكافيهات تبدو كقطعة الحلوي المحاطة بالذباب.
لم يقتصر محيط جامعة القاهرة علي سور الجامعة فحسب; بل أن السيارات المصطفة تصل أحيانا إلي منتصف كوبري ثروت تحت رعاية السياس.. وهو ما أكده أحمد نادر في بقية حديثه, فـمن وانت فوق كوبري ثروت لحد ما تنزل لباب تجارة هتلاقيهم معطلين الدنيا.
أما محلات مدينة نصر فتفسح الطريق أمام راكني الصف الثاني والثالث, وتغلقه أمام الحركة المرورية, وتطرد سيارات السكان.. هذا ما جاء علي لسان أحمد وليد الذي طالب بإنشاء ساحات انتظار تحت الأرض كـجراج التحرير مع تشغيل السياس بشكل قانوني, حتي لا يضطر مجددا من صف سيارته في محيط ميدان الساعة.
بلطجة وسرقة
وتشويه لصورة البلد
دا بلطجي مش سايس.. كلمات تلقاها درويش عبد الرحمن من شرطي المرور فور مشاهدته للـكلبش في إطار سيارته, موضحا أنه ركنها, بعد أن دفع للسايس عشرة جنيهات, لكنه فوجئ بها متكلبشة, ولفت إلي أنها ليست الأولي, وأضاف: بضاعتي اتسرقت من العربية من فترة.. أثناء ركنها بمدينة نصر في حراسة السايس الذي ثال له: وأنا مالي.
رغم قيام المرور بشن حملات آخرها منذ أربعة أشهر للقضاء علي ظاهرة السايس غير القانونية, بإنشاء خط ساخن للإبلاغ عنهم من قبل المواطنين; فحققت نتائجها القريبة النجاح في القبض علي العديد منهم, إلا أن الظاهرة ما زالت قائمة.
بلهجة مستنكرة قالت أسماء علي إن السايس لو هيحافظ علي العربية وحركة المرور هديله فلوس.. مشيرة إلي أن من أبرز سمات السياس تعطيل الحركة المرورية بالاستيلاء علي حارات غير مخصصة للانتظار, علاوة علي الأسلوب الهمجي الذي يستخدمونه.
وطالبت أسماء بتنظيم السياس عن طريق توزيعهم علي أماكن محددة, وإعطائهم رواتب شهرية حتي لا يتسني للـبلطجية أن يستغلوا المواطنين في تحصيل الإتاوة, حسب قولها, وهو ما اتفق عليه الرفاعي مشددا علي وجوب التقنين حتي أقدر أجيبه لو حصل لي ضرر.
سيب المفتاح يا باشا علي ما ترجع.. كلمات اعتاد المواطن شريف الرفاعي علي سماعها كلما ذهب إلي عمله, موضحا أنه يتردد علي السمكري بشكل مستمر بسبب الخبطات اللي بلاقيها من السايس, وأشار إلي أن بعض السياس لا يرضيهم إلا15 جنيه وأنت طالع.
جدير بالذكر حسب العقيد عماد حماد, مدير الإعلام والعلاقات العامة لمرور القاهرة, أن مهنة السايس القانونية جاءت كمحاولة من وزارة الداخلية لإتاحة فرصة للرزق الحلال للمساجين الذين أنهوا عقوبتهم, وهو ما ينطبق علي معظم السياس, وذلك بتنظيم الأحياء, مع إعطائهم كارنيهات لمزاولة المهنة.
دول عاوزين يطلعوا منك فلوس بالعافية.. بوجه عابس عبر شريف سمير عن غضبه من السياس, واصفا إياهم بـمالهمش لازمة; وطالب الدولة باتخاذ إجراءات صارمة تجاه كل من يستغل المكان والمواطن في نهب المال, لافتا إلي أن نتيجة القضاء عليهم ستكون إيجابية من الناحية المرورية.
في سياق متصل ربط اليمني فارس العباس بين سلوكيات السياس وتنفير السياح الأجانب من مصر مؤخرا بتصدير صورة سيئة عنها, وباستياء بدا علي حدة صوته تساءل الشاب: لماذا أدفع المال من أجل الانتظار في مكان عام؟.. وأشار إلي أنهم بمجرد سماعهم للهجته غير المصرية ينهالون عليه طالبين أضعاف ما يؤخذ من المصريين.
المواقف لا تقتصر فقط علي البلطجة والسرقة.. بل إنه حسب رواية أحد المواطنين فإن من يحملون الصافرات, ويرتدون الفيست الفسفوري, ظاهرين بهيئة محترمة, لا أمان لهم; مشيرا إلي سايس رآه بتلك الهيئة قام بتركينه في مكان مخالف, وفور قدوم سيارة المرور طلع يجري زي الحرامي.
بيزنس
بدون رأس مال
لكل بيزنس رأس مال يبني عليه إنتاجه ويجني به مكسبه, لكن السايس بيزنس من نوع خاص; فرأس ماله فيست فسفوري وصفارة.. هذا ما يحتاجه أي شخص لفرض سطوته علي رصيف يتردد عليه من يبحثون عن ركنة لسياراتهم.
ويجني هذا البزنس ثماره بكم هائل- خاصة لو كان- من مكان جاذب للرواد, كمدينة نصر والجيزة والمهندسين, وغيرها من المناطق التي تحوي تجمعات تجارية وحكومية وتسوقية, تأتي لهذا السايس بفرائس لا يبذل مجهودا في صيدها.
منهم من يأتي بالـالبواقي من تذاكر بعض الساحات العامة لفرض تسعيرة موحدة تبدأ من عشرة جنيهات, والبعض الآخر يأتي بقوالب من الطوب ليغلق بها المكان حتي يضمن أخذ المال قبل التركين, فلا إزالة للقالب قبل الاصطفاف, وآخرون يتبعون البلطجة في أخذ حفنة من الفكة لا تعريفة لها. بحد أدني لكل سايس, فإنه يملك في حيزه مالا يقل عن عشرين سيارة, وبنفس الحد فإن التسعيرة الأقل لكل سيارة في الساعة لا تقل عن ثلاثة جنيهات, وبفرض أن عدد الساعات التي يعمل بها هذا السايس ثمان ساعات يوميا فإن الحصيلة اليومية لا تقل عن480 جنيها, وهو ما يعني أن الدخل الشهري لسايس يملك الحد الأدني من المساحة, ويفرض التسعيرة الدنيا من المال, ويعمل بعدد الساعات الأقل يوميا, لا يقل عن14 ألف و400 جنيه.. برأس مال لا يتعدي الـفيست والصافرة.
وشهد شاهد منهم
تستمر ظاهرة السايس في استفزاز الكثير, فالبعض ينتقد سلوكياتهم التي وصفوها بـالبلطجة, والبعض الآخر ينتقد عشوائيتهم مطالبين بتقنين أوضاعهم.. مطالبات بالتصدي لهم, وأخري بتنظيمهم, جولة الأهرام المسائي تنقل آراء بعض السياس في السطور التالية:
كل مهنة فيها الحلو والوحش بس بصراحة السياس أغلبهم وحش.. هكذا رد محمود, سايس بمدينة نصر, علي كلام سايس آخر كان يبرر لأبناء مهنته بمساواتها ببقية المهن, لكن لمحمود رأي آخر فـأصل السايس دي مش مهنة أصلا, مشيرا إلي أنه يعمل بها لأنه عاطل ولا يملك شهادة.
أنا ذنبي إيه في إن معظم السياس مش كويسين؟.. بصوت باهت مغطي بضجيج ميدان الحصري بـ6 أكتوبر, عبر عم سمير عن تنصله من الأفعال المشينة للسياس التي وضعته معهم في سلة واحدة رغم أنه غلبان وبسعي علي أكل عيشي, لافتا إلي أنه يواجه نظرات النفور من الناس بشكل مستمر.
ويدافع طلعت, سايس في بولاق أبوالعلا, عن مهنته بضراوة, قائلا: الناس بتدفع بالـ30 جنيه في جراج التحرير والخمسة جنيه بتاعتي اللي تقيلة علي قلبهم, مشيرا إلي أن ما يأخذه السايس لا يضاهي ما يدفع في الجراجات, واستنكر الرجل الثلاثيني هجوم بعض المواطنين علي زملاء مهنته فـإحنا مابسرقش حد واللي مش عاجبه مايركنش.
وقبل الانتهاء من الحديث مع محمود أثناء جولتنا, تم رصد سايس علي بعد حوالي خمسة أمتار يخوض في حوار حاد مع أحد المواطنين ليعلق محمود: أهو واحنا بنتكلم في السيرة والبرنس اللي هناك بيتخانق مع الراجل, موضحا أن سبب هذا الجدال هو أن هذا السايس, البرنس, قام بدفع سيارة ذلك المواطن للأمام مفسحا لسيارة أخري, دون استئذان صاحبها, وسخر يعني غلطان من ساسه لراسه وهتلاقيه بيطلب فلوس ببجاحة.
وبانكسار بدا علي لهجته قال سايس: حضرتك أنا سوابق وعايز أكسب حلال فهشتغل إيه غير سايس؟, موضحا أنه لم يستغل هذه المهنة في مضايقة أي مواطن, علاوة علي تمتعه بحب أغلب من تعامل معهم في الحيز الذي يشغله بشارع جامعة الدول العربية.

تعليقات

المشاركات الشائعة