صحف بلا مطابع وفضائيات لاتملك أصولا الإعلام الخاص فقاعــة قابلــة للانفجـار
إذا كان الاعلام القومي بشقيه المرئي والمقروء يعاني اليوم كما يعرف الجميع من مشكلات مالية ومهنية مرهقة, إلا أن مشاكله كلها تهون إذا ماقورنت بحجم المخاطر المحيطة بالإعلام الخاص وهي مخاطر تهدد مؤسساته, ولكنها بشكل اخطر تهدد مستقبل صناعة الاعلام التي عرفتها مصر منذ الربع الاخير من القرن التاسع عشر.
ورغم كل شيء فإن الصحافة القومية وبجانبها اتحاد الاذاعة والتليفزيون يملكون اصولا هائلة تقدر بعشرات المليارات من الجنيهات اضافة الي كوادر مهنية وفنية مؤهلة وخبرات عميقة, وعلامات تجارية تضرب في جذور التاريخ. وفوق كل ذلك فإن مؤسسات الاعلام القومي تخضع لاشكال متنوعة من الرقابة الادارية والمالية من جمعياتها العمومية ومن مجالس شبه حكومية بجانب رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات باعتبار اصولها اموالا عامة مملوكة للدولة.
غموض التمويل وضعف الأصول
أما الاعلام الخاص سواء صحف او فضائيات فهو في غالبيته لايمتلك اصولا ذات بال, وهو يعتمد علي مبان مؤجرة واقسام تنفيذ محدودة, اما احتياجاته الطباعية وأنشطة التوزيع للصحف او خدمات البث التليفزيوني او الاذاعي فيعتمد فيها بالكامل علي مؤسسات الصحف القومية, ومدينة الانتاج الاعلامي التي تعود ملكيتها للتليفزيون الحكومي والبنوك العامة. وبصفة عامة فإن الغموض هو السمة السائدة في كل مايتعلق بالاحوال المالية لمؤسسات الاعلام الخاص وحجم ماتنفقه من اموال وما تتحصل عليه من ايرادات. ورغم ان هذه المؤسسات صادرة في ظل قوانين تلزمها بنشر ميزانيات سنوية عن ادائها المالي اسوة ببقية الشركات العاملة الا ان أيا من المؤسسات الاعلامية الخاصة لم تف بهذا الشرط أبدا, ولاتصدر ميزانيات سنوية تكشف عن مصادر تمويلها واوجه انفاقها وحجم ايراداتها. وللانصاف فإن المحاولة الوحيدة لاجبار مؤسسات الاعلام الخاص علي نشر ميزانيات دورية والافصاح عن مصادر تمويلها قام بها وزير الاعلام الاسبق انس الفقي في عام2009 الا ان هذه المحاولة لاقت مقاومة عنيفة من الصحف الخاصة والفضائيات بدعوي ان هذا الاجراء يستهدف التضييق علي عمل هذه القنوات الاعلامية وتكميم الافواه وما إلي ذلك من الشعارات, رغم ان الشفافية المالية تعد شرطا ضروريا لاستمرار كل الصحف والمؤسسات الاعلامية في انحاء العالم.
ونتيجة لانعدام الشفافية في الجوانب المالية الخاصة بمؤسسات الاعلام الخاص فإن السوق تعاني من غياب اي ارقام او ابحاث تبين مسارات التمويل وحجم الانفاق والايرادات لهذه المؤسسات. وبسبب هذا الغياب فإن الشائعات هي السمة الغالبة علي هذه السوق بكل نشاطها المالي, بما في ذلك عمليات بيع وشراء هذه المؤسسات والتي نلمسها من خلال تغير المالكين بسرعة خاصة بعد ثورة يناير.
الإعلام ورجال الأعمال
الصحافة الخاصة ظهرت رسميا بعد صدور قانون في عام1996 يسمح بإنشاء صحف من خلال شركات مساهمة علي ألا تزيد اكبر حصة منفردة علي10% من رأس المال غير ان الظهور الحقيقي للصحف الخاصة التي نعرفها بدأ بالمصري اليوم في عام2004 وتوالي بعد ذلك اصدار العديد من الصحف تباعا, اما الفضائيات الخاصة فقد ظهرت لاول مرة عام2001 بتدشين قناة دريم وشهدت السنوات الاخيرة انفجارا في عدد القنوات الفضائية الخاصة حيث يصل عدد القنوات العاملة علي القمر الصناعي نايل سات432 قناة مقابل قناة فضائية واحدة فقط هي الفضائية المصرية عام1990.
السمة الاولي لشكل الملكية للمؤسسات الاعلامية الخاصة هو الطابع الفردي, والغالبية الكاسحة منها تعود ملكيتها لرجال اعمال بنوا حياتهم المهنية في مجالات بعيدة عن الاعلام ثم اختاروا بعد ذلك انشاء صحف وفضائيات لاسباب مختلفة. ورغم عدم وجود ادلة قاطعة علي وجود تمويل خارجي في هذه المؤسسات الا ان الوثائق المسربة عن موقع ويكليكس تحدثت عن دخل ما للمال الامريكي في دعم الديمقراطية في مصر عبر المساهمة في انشاء صحف مستقلة جديدة بل السعي نحو خصخصة الصحف القومية.
السمة الاخري التي تحيط بالاعلام الخاص هو أن هذه المؤسسات أحدثت ثورة في اجور العاملين بالوسط الصحفي والاعلامي وهو ما ادي لجذب الكوادر المهنية والفنية المتميزة التي تربت في الصحف القومية والتليفزيون الحكومي للعمل في هذه المؤسسات, وهو ما أدي بدوره الي ارتفاع جودة ما تقدمه هذه الصحف والفضائيات حيث تشير اكثر التقديرات اعتدالا إلي ان الصحف الخاصة الآن تستقطب نحو30% من جملة توزيع الصحف اليومية وهي نتيجة طيبة بالنظر الي قصر عمرها مقارنة بالصحف القومية التقليدية. وبالنسبة للتليفزيون فإن النجاح كان اكثر ظهورا حيث ادي التنوع والجرأة في الطرح الي سحب نسبة معتبرة من مشاهدي القنوات الحكومية لصالح القنوات الاخبارية والعامة وقنوات الافلام والمنوعات التي يزخر بها الفضاء.
المشكلة ان ارتفاع الاجور وتكاليف الانتاج بجانب عدم وجود اصول انتاجية لهذه المؤسسات مطابع وخدمات توزيع واستديوهات بث يضاعف من نفقات هذه الصحف والفضائيات في الوقت الذي تبدو فيه الايرادات قاصرة عن تغطية هذه النفقات المرتفعة. ومعروف ان الاعلانات تمثل المصدر الاساسي للصحف والقنوات التليفزيونية, ومن هنا فإن استعراض حجم سوق الاعلان المحلية يمكن ان يجيب عن السؤال الكبير بشأن مدي قدرة الدخل الاعلاني علي تغطية النفقات الباهظة لمؤسسات الاعلام الخاص.
حقيقة الإيرادات
كل خبراء الاعلان يشكون من تراجع حجم الاعلانات في مصر ضمن التراجع الاقتصادي العام بعد ثورة يناير. وفي عام2009 كان الإنفاق الاعلاني في مصر هو الاول في المنطقة ثم تراجع بعد ذلك الي المركز الثالث بعد السعودية ودولة الامارات.
وتقدر مؤسسة بارك للابحاث وهي مؤسسة اقليمية حجم سوق الاعلان في مصر خلال عام2012 بنحو1.3 مليار دولار يذهب45% منها للتليفزيون والفضائيات الخاصة بقيمة507 ملايين دولار, اما الصحف فتتحصل علي اعلانات بقيمة412 مليون دولار وبنسبة36% من الاجمالي, ويذهب اكثرها للصحف القومية نحو ثلثها لمؤسسة واحدة ويذهب المبلغ المتبقي للراديو والمجلات والوسائط الاعلانية الأخري.. وهي كلها بعيدة عن مؤسسات الاعلام الخاص.
الخبراء يتوقعون أن حصيلة الاعلانات ستقل في عام2013 الذي لم تظهر ارقامه بعد, وفي كل الاحوال فإن حجم الموارد الاعلانية للصحف جميعها اقل من3 مليارات جنيه يذهب غالبيته للصحف القومية ومايتبقي للصحف الخاصة لايمكن ان يغطي نفقاتها الضخمة. الحال في التليفزيون يمكن ان يكون افضل غير انه لاتوجد أرقام مفصلة ومع ذلك فإن اجمالي الاعلانات المتاحة والمنافسة حولها يؤكد ان الدخل الاعلاني لايمكن أن يغطي النفقات الباهظة لهذه الفضائيات وبالتالي نحن امام مؤسسات تعاني من خسائر مستمرة ومتراكمة تحتاج الي تمويل اضافي.
بالنسبة للسياسيين فإن هذا وضع يثير القلق لأنه يفتح الباب علي احتمالات خطرة وعلي وجود تمويل خفي له أجندات معلنة وغير معلنة.. وهذا خطر جدا ولكنه ليس بيت القصيد هنا.
المشكلة الاخطر تتعلق بمستقبل صناعة الإعلام في بلادنا, لأنه اذا كانت هذه المؤسسات لا تنجح في الحصول علي ايرادات تغطي نفقاتها علي الأقل فمآلها مآل اي مؤسسة خاسرة اخري الي الاختفاء والافلاس. بمعني اخر فإنه بزوال الاسباب السياسية أو الاقتصادية التي تبرر للممولين الاستمرار في الانفاق علي هذه المؤسسات الخاسرة فإن مصيرها المحتوم هو التصفية, مع مايعنيه ذلك من خسارة الاف العاملين من الاعلاميين والصحفيين والموظفين لوظائفهم, وخسارة الاقتصاد الوطني لشركات عاملة من المفروض ان تحدث قيمة مضافة, والاهم علي الاطلاق هو اضعاف الثقة في الاعلام المصري فيما لو اختفت هذه الصحف والفضائيات اوبعضها اذا استمرت خسائرها.
مؤشرات مقلقة
عوامل القلق بشأن الاوضاع المالية للصحف الخاصة هي التي اصبحت اكثر ظهورا الان فنحن نسمع عن مؤسسة تخفض اجور المحررين وتمتنع عن دفع اجور الكتاب, واخري تطرد نحو120 صحفيا وعددا مماثلا من الموظفين وتوقف كل مشروعات التطوير وجريدة يومية يفكر اصحابها في التحول لجريدة اسبوعية لوقف نزيف الخسائر وهناك صحف اخري فشلت في تحريك التوزيع لما فوق10 الاف نسخة. وهذا رقم فقير يمنع عنها الاعلان ويجعل تكلفة الانتاج باهظة وفوق الاحتمال ويصبح الاغلاق هو المصير مهما تكن قدرة مموليها علي الصمود.
الفضائيات وضعها يبدو اكثر سوءا, وباستثناء الفضائيات التجارية فإن القنوات الاخبارية والسياسية تعاني من فجوة هائلة بين الايرادات وماتتكبده من نفقات وهذا وضع لايمكن استمراره من الناحية المالية, اما دواعي السياسة فلااحد يمكنه التنبؤ بتقلباتها.
في زماننا هذا فإن مؤسسات الاعلام مثلها مثل كل الشركات والمؤسسات لابد ان تراعي معايير التوازن المالي وحسابات الربح والخسارة هو العنصر الحاكم في تقدير فرص استمرارها من عدمه, واذا كانت الصحافة القومية تراهن علي اصولها الضخمة وكوادرها البشرية للاستمرار والصمود بعد تصويب هياكلها وتطوير انتاجها, فإن كثيرا من الصحف والفضائيات الخاصة, لسوء الحظ, تعاني من وضع الفقاعة القابلة للانفجار اذا اختفت الظروف السياسية التي تجبر مموليها علي تحمل خسائرها, وهذا خطر علي سوق الاعلام وعلي الاقتصاد الوطني بل علي الامن القومي نفسه. وهو خطر يمكن تصويبه الي حد بعيد لو ألزمنا كل مؤسسات الاعلام الخاص بنشر ميزانيات معتمدة اسوة بكل الشركات والمؤسسات العاملة.
غموض التمويل وضعف الأصول
أما الاعلام الخاص سواء صحف او فضائيات فهو في غالبيته لايمتلك اصولا ذات بال, وهو يعتمد علي مبان مؤجرة واقسام تنفيذ محدودة, اما احتياجاته الطباعية وأنشطة التوزيع للصحف او خدمات البث التليفزيوني او الاذاعي فيعتمد فيها بالكامل علي مؤسسات الصحف القومية, ومدينة الانتاج الاعلامي التي تعود ملكيتها للتليفزيون الحكومي والبنوك العامة. وبصفة عامة فإن الغموض هو السمة السائدة في كل مايتعلق بالاحوال المالية لمؤسسات الاعلام الخاص وحجم ماتنفقه من اموال وما تتحصل عليه من ايرادات. ورغم ان هذه المؤسسات صادرة في ظل قوانين تلزمها بنشر ميزانيات سنوية عن ادائها المالي اسوة ببقية الشركات العاملة الا ان أيا من المؤسسات الاعلامية الخاصة لم تف بهذا الشرط أبدا, ولاتصدر ميزانيات سنوية تكشف عن مصادر تمويلها واوجه انفاقها وحجم ايراداتها. وللانصاف فإن المحاولة الوحيدة لاجبار مؤسسات الاعلام الخاص علي نشر ميزانيات دورية والافصاح عن مصادر تمويلها قام بها وزير الاعلام الاسبق انس الفقي في عام2009 الا ان هذه المحاولة لاقت مقاومة عنيفة من الصحف الخاصة والفضائيات بدعوي ان هذا الاجراء يستهدف التضييق علي عمل هذه القنوات الاعلامية وتكميم الافواه وما إلي ذلك من الشعارات, رغم ان الشفافية المالية تعد شرطا ضروريا لاستمرار كل الصحف والمؤسسات الاعلامية في انحاء العالم.
ونتيجة لانعدام الشفافية في الجوانب المالية الخاصة بمؤسسات الاعلام الخاص فإن السوق تعاني من غياب اي ارقام او ابحاث تبين مسارات التمويل وحجم الانفاق والايرادات لهذه المؤسسات. وبسبب هذا الغياب فإن الشائعات هي السمة الغالبة علي هذه السوق بكل نشاطها المالي, بما في ذلك عمليات بيع وشراء هذه المؤسسات والتي نلمسها من خلال تغير المالكين بسرعة خاصة بعد ثورة يناير.
الإعلام ورجال الأعمال
الصحافة الخاصة ظهرت رسميا بعد صدور قانون في عام1996 يسمح بإنشاء صحف من خلال شركات مساهمة علي ألا تزيد اكبر حصة منفردة علي10% من رأس المال غير ان الظهور الحقيقي للصحف الخاصة التي نعرفها بدأ بالمصري اليوم في عام2004 وتوالي بعد ذلك اصدار العديد من الصحف تباعا, اما الفضائيات الخاصة فقد ظهرت لاول مرة عام2001 بتدشين قناة دريم وشهدت السنوات الاخيرة انفجارا في عدد القنوات الفضائية الخاصة حيث يصل عدد القنوات العاملة علي القمر الصناعي نايل سات432 قناة مقابل قناة فضائية واحدة فقط هي الفضائية المصرية عام1990.
السمة الاولي لشكل الملكية للمؤسسات الاعلامية الخاصة هو الطابع الفردي, والغالبية الكاسحة منها تعود ملكيتها لرجال اعمال بنوا حياتهم المهنية في مجالات بعيدة عن الاعلام ثم اختاروا بعد ذلك انشاء صحف وفضائيات لاسباب مختلفة. ورغم عدم وجود ادلة قاطعة علي وجود تمويل خارجي في هذه المؤسسات الا ان الوثائق المسربة عن موقع ويكليكس تحدثت عن دخل ما للمال الامريكي في دعم الديمقراطية في مصر عبر المساهمة في انشاء صحف مستقلة جديدة بل السعي نحو خصخصة الصحف القومية.
السمة الاخري التي تحيط بالاعلام الخاص هو أن هذه المؤسسات أحدثت ثورة في اجور العاملين بالوسط الصحفي والاعلامي وهو ما ادي لجذب الكوادر المهنية والفنية المتميزة التي تربت في الصحف القومية والتليفزيون الحكومي للعمل في هذه المؤسسات, وهو ما أدي بدوره الي ارتفاع جودة ما تقدمه هذه الصحف والفضائيات حيث تشير اكثر التقديرات اعتدالا إلي ان الصحف الخاصة الآن تستقطب نحو30% من جملة توزيع الصحف اليومية وهي نتيجة طيبة بالنظر الي قصر عمرها مقارنة بالصحف القومية التقليدية. وبالنسبة للتليفزيون فإن النجاح كان اكثر ظهورا حيث ادي التنوع والجرأة في الطرح الي سحب نسبة معتبرة من مشاهدي القنوات الحكومية لصالح القنوات الاخبارية والعامة وقنوات الافلام والمنوعات التي يزخر بها الفضاء.
المشكلة ان ارتفاع الاجور وتكاليف الانتاج بجانب عدم وجود اصول انتاجية لهذه المؤسسات مطابع وخدمات توزيع واستديوهات بث يضاعف من نفقات هذه الصحف والفضائيات في الوقت الذي تبدو فيه الايرادات قاصرة عن تغطية هذه النفقات المرتفعة. ومعروف ان الاعلانات تمثل المصدر الاساسي للصحف والقنوات التليفزيونية, ومن هنا فإن استعراض حجم سوق الاعلان المحلية يمكن ان يجيب عن السؤال الكبير بشأن مدي قدرة الدخل الاعلاني علي تغطية النفقات الباهظة لمؤسسات الاعلام الخاص.
حقيقة الإيرادات
كل خبراء الاعلان يشكون من تراجع حجم الاعلانات في مصر ضمن التراجع الاقتصادي العام بعد ثورة يناير. وفي عام2009 كان الإنفاق الاعلاني في مصر هو الاول في المنطقة ثم تراجع بعد ذلك الي المركز الثالث بعد السعودية ودولة الامارات.
وتقدر مؤسسة بارك للابحاث وهي مؤسسة اقليمية حجم سوق الاعلان في مصر خلال عام2012 بنحو1.3 مليار دولار يذهب45% منها للتليفزيون والفضائيات الخاصة بقيمة507 ملايين دولار, اما الصحف فتتحصل علي اعلانات بقيمة412 مليون دولار وبنسبة36% من الاجمالي, ويذهب اكثرها للصحف القومية نحو ثلثها لمؤسسة واحدة ويذهب المبلغ المتبقي للراديو والمجلات والوسائط الاعلانية الأخري.. وهي كلها بعيدة عن مؤسسات الاعلام الخاص.
الخبراء يتوقعون أن حصيلة الاعلانات ستقل في عام2013 الذي لم تظهر ارقامه بعد, وفي كل الاحوال فإن حجم الموارد الاعلانية للصحف جميعها اقل من3 مليارات جنيه يذهب غالبيته للصحف القومية ومايتبقي للصحف الخاصة لايمكن ان يغطي نفقاتها الضخمة. الحال في التليفزيون يمكن ان يكون افضل غير انه لاتوجد أرقام مفصلة ومع ذلك فإن اجمالي الاعلانات المتاحة والمنافسة حولها يؤكد ان الدخل الاعلاني لايمكن أن يغطي النفقات الباهظة لهذه الفضائيات وبالتالي نحن امام مؤسسات تعاني من خسائر مستمرة ومتراكمة تحتاج الي تمويل اضافي.
بالنسبة للسياسيين فإن هذا وضع يثير القلق لأنه يفتح الباب علي احتمالات خطرة وعلي وجود تمويل خفي له أجندات معلنة وغير معلنة.. وهذا خطر جدا ولكنه ليس بيت القصيد هنا.
المشكلة الاخطر تتعلق بمستقبل صناعة الإعلام في بلادنا, لأنه اذا كانت هذه المؤسسات لا تنجح في الحصول علي ايرادات تغطي نفقاتها علي الأقل فمآلها مآل اي مؤسسة خاسرة اخري الي الاختفاء والافلاس. بمعني اخر فإنه بزوال الاسباب السياسية أو الاقتصادية التي تبرر للممولين الاستمرار في الانفاق علي هذه المؤسسات الخاسرة فإن مصيرها المحتوم هو التصفية, مع مايعنيه ذلك من خسارة الاف العاملين من الاعلاميين والصحفيين والموظفين لوظائفهم, وخسارة الاقتصاد الوطني لشركات عاملة من المفروض ان تحدث قيمة مضافة, والاهم علي الاطلاق هو اضعاف الثقة في الاعلام المصري فيما لو اختفت هذه الصحف والفضائيات اوبعضها اذا استمرت خسائرها.
مؤشرات مقلقة
عوامل القلق بشأن الاوضاع المالية للصحف الخاصة هي التي اصبحت اكثر ظهورا الان فنحن نسمع عن مؤسسة تخفض اجور المحررين وتمتنع عن دفع اجور الكتاب, واخري تطرد نحو120 صحفيا وعددا مماثلا من الموظفين وتوقف كل مشروعات التطوير وجريدة يومية يفكر اصحابها في التحول لجريدة اسبوعية لوقف نزيف الخسائر وهناك صحف اخري فشلت في تحريك التوزيع لما فوق10 الاف نسخة. وهذا رقم فقير يمنع عنها الاعلان ويجعل تكلفة الانتاج باهظة وفوق الاحتمال ويصبح الاغلاق هو المصير مهما تكن قدرة مموليها علي الصمود.
الفضائيات وضعها يبدو اكثر سوءا, وباستثناء الفضائيات التجارية فإن القنوات الاخبارية والسياسية تعاني من فجوة هائلة بين الايرادات وماتتكبده من نفقات وهذا وضع لايمكن استمراره من الناحية المالية, اما دواعي السياسة فلااحد يمكنه التنبؤ بتقلباتها.
في زماننا هذا فإن مؤسسات الاعلام مثلها مثل كل الشركات والمؤسسات لابد ان تراعي معايير التوازن المالي وحسابات الربح والخسارة هو العنصر الحاكم في تقدير فرص استمرارها من عدمه, واذا كانت الصحافة القومية تراهن علي اصولها الضخمة وكوادرها البشرية للاستمرار والصمود بعد تصويب هياكلها وتطوير انتاجها, فإن كثيرا من الصحف والفضائيات الخاصة, لسوء الحظ, تعاني من وضع الفقاعة القابلة للانفجار اذا اختفت الظروف السياسية التي تجبر مموليها علي تحمل خسائرها, وهذا خطر علي سوق الاعلام وعلي الاقتصاد الوطني بل علي الامن القومي نفسه. وهو خطر يمكن تصويبه الي حد بعيد لو ألزمنا كل مؤسسات الاعلام الخاص بنشر ميزانيات معتمدة اسوة بكل الشركات والمؤسسات العاملة.
المصدر الاهرام
تعليقات
إرسال تعليق