عائشة الهولندية.. عائدة من جحيم التطرف؟
يبدو أن صفات فارس أحلام الفتيات الغربيات قد تغير مع مرور الزمن ليواكب عصر الحروب والصراعات التى نعيش فيها, وتلاشت رقة المشاعر وطيبة القلب وحلت محلها الدموية والعنف والإرهاب, ولعل من غرائب الزمن الداعشي أن تصور العشاق بورودهم أصبح محض خيال وأن الحب في زمن الحرب فكرة بائسة, فها نحن أمام حالة يهدي الرجل لمحبوبته باقة من الرؤوس المقطوعة تعبيرا عن حبه لها, وها هي روائح الجثث تزين مجلسهم فيما التعطر بالدم له سحر خاص, أما بكاء الأطفال ليس سوي موسيقي مناسبة للرقص!
ففي قصة حب لم ترد فى الروايات القديمة والأساطير ولا حتي فى الأفلام الهندية,تناقلت وكالات الأنباء قصة الأم الهولندية التي إستعادت إبنتها من أحضان حبيبها الداعشي في عملية لم يقوى عليها "رامبو" نفذتها على أرض "الخلافة" في الرقة.
لم تخف الأم الموت أوالاعتقال وهي تعلم أنها ذاهبة إلى الرقة السورية, معقل التنظيم الأكثر دموية ووحشية وتطرفا "داعش"، ففلذة كبدها الشابة الهولندية سترلينا البالغة من العمر 19 عاما كانت على قناعة تامة بأنها وجدت فارس أحلامها, فسافرت إلى سوريا للالتقاء بواحد من مجاهدي التنظيم بعدما وقعت في حبه, ما دفعها إلى إعتناق الإسلام وإرتداء النقاب وغيرت إسمها ليصبح "عائشة".
والدة الفتاة الهولندية كانت تراقب أحوال ابنتها وشعرت بالخطر، فقد تغيرت في فترة قصيرة من مراهقة هولندية طبيعية تحب الخروج والعزف على البيانو والاستماع إلى الموسيقى لتعتنق الإسلام وتتجه للتطرف, والسبب كان "عمر يلماز", الشاب الذي يحمل الجنسيتان التركية والهولندية والذي تعرفت عليه عائشة من خلال الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي ثم وقعت في حبه، وانقلبت الأمور رأسا على عقب عندما شاهدته خلال مقابلة بثها التليفزيون الهولندي حيث قالت لأمها بدهشة: "انظري إلى هذا الرجل، إن ما يقوم به رائع, إنه روبين هود هذا الزمان"! كلمات الفتاة نزلت كالصاعقة على الأم التى عمدت على الفور إلى التواصل مع الشرطة الهولندية التي قامت بدورها بسحب جواز سفر ابنتها خشية السفر والإلتحاق بالتنظيم, لكن رغم ذلك نجحت عائشة في الهرب في فبرايرالماضي ووصلت إلى تركيا مستخدمة القطار لتواصل بعد ذلك رحلتها إلى سوريا وتتزوج بطلها "الأسطوري" فى مدينة الرقة, وبعد إنقطاع أخبارها بعثت برسالة عبر "واتساب" إلى محامية العائلة قائلة لها: "جميل منكم أنكم قلقون علي, ولكن أظن أن ما قمت به كان صحيحا".
لكن السكرة لم تدم طويلا بعدما عاشت وسط الجهاديين وشاهدت بشاعة تصرفاتهم,فأرسلت رسالة إلى أمها تستنجد بها لإنقاذها من الفخ الذي وقعت فيه، حسبما أفاد موقع"بي بي سي"، و"سي إن إن".
الغريب أن تصريحات الزوج يلماز ( 27 عاما) والتى نقلتها عنه صحيفة " صنداي تايمز" البريطانية جاءت لتعطي صورة مختلفة ومغايرة للواقع الذي عاشته الفتاة, فقد نفي الزوج السابق أى إساءة فى معاملته لعائشة حينما كانت على ذمته, وأكد أنها عاشت كربة بيت ومارست حياة اجتماعية سعيدة، حيث ذهبت إلى حفلات شاي وطبخت لزميلاتها, وكيف كانت تقضي وقتها في البيت أو مع الجيران، غير أن عائشة نفسها أكدت فى التحقيقات أنه كان يسيء معاملتها وأنها كانت بمثابة العبدة!
تفاصيل رحلة الأم "مونيك" إلى سوريا لإنقاذ طفلتها "عائشة" أشبه بالأفلام, فعلى مدى أشهر عاشت مونيك حالة من القلق الدائم، تبحث بشتى الوسائل عن طريقة لاستعادة ابنتها من براثن تنظيم داعش في سوريا, حيث انطلقت إلى تركيا ومنها إلى الرقة في سوريا حيث نجحت في الوصول إلى ابنتها والعودة بها إلى هولندا فيما لا تزال المعلومات ضئيلة حول طريقة الوصول وإنتزاع الإبنة من حضن داعش.
«عائشة» ذات الشعر الأشقر والعيون الزرقاء التي تنحدر من عائلة كاثوليكية، وجدت نفسها فجأة متهمة بتأييدها للإرهاب، وهي جريمة قد تضعها فى السجن لمدة لا تقل عن 30 عاما, كونها سافرت إلى سوريا للزواج من متطرف ينتمي إلى تنظيم داعش.
عائشة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة, فآخر الإحصاءات التي نشرتها أجهزة المخابرات الهولندية تشير إلى أن حوالي 130 هولنديا ذهبوا للقتال في سوريا عاد منهم فقط 30, بينما الباقين قد لاقوا حتفهم, كما التحق المئات من المراهقين الاوروبيين بصفوف الثوار, وربما هذا ما دفع مارك روتة رئيس الوزراء الهولندى إلى فرض رقابة صارمة على المجاهدين العائدين من سوريا والعراق بسحب الجنسية الهولندية منهم مع إتخاذ إجراءات ضدهم من خلال وقف الإعانات الاجتماعية والمنح الدراسية التى تمنح لهم وسحب جوازات السفر التى يستخدمونها, وهو يعتبر أقوي قرار من أوروبا لصد توغل داعش الدموي. أما على الصعيد العسكري فقد أرسلت هولندا ست مقاتلات "أف-16" للمشاركة في عمليات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد داعش، كما وضعت طائرتين أخريين مماثلتين في الاحتياط. وسترسل لاهاي 250 جنديا فضلا عن 130 عسكريا آخر مهمتهم تدريب القوات العراقية.
وتنحصر مهمة المقاتلات الهولندية في المشاركة بالعمليات ضد مقاتلي داعش في العراق، ولن تشمل سوريا كون لاهاي تربط المشاركة في العمليات العسكرية ضد داعش في سوريا بالحصول على تفويض من الأمم المتحدة.
قصة عائشة تلخص المأساة وتوضح كيف ينظر الكثير من المراهقين الأوروبيين للدواعش, فهم يظنون أن كل داعشي تركي أو شيشاني أو أفغاني أو تونسي هو بحد ذاته "روبين هود" الذي قرأوا عنه, وأن الفرصة باتت مواتية لتصبح قصص الخيال حقيقة وتجربة شيء غير تقليدي يتناسب مع طيش المراهقين, ولكنهم بالتأكيد يدفعون الثمن غاليا فيما بعد .
المصدر الاهرام
تعليقات
إرسال تعليق