صبــــــاح : صنعت من أحزانها الشخصية أنشودة للبهجة
رحلت "الصبوحة" حاملة أوراق حبها ومآسيها وطربها الشجي المحبب،رحلت التي زرعت الفرح في قلوب الملايين على مدى عقود من الزمن، ونجحت بصوتها الفريد وحضورها الذي لا يضاهى، في إيصال الأغنية الشعبية اللبنانية إلى كل أطراف الدنيا ، وعلى قدر مآساتها في مقتبل العمر فقد أصبحت معلمة حياة، بعدما كانت معلمة فن، وصارت أخت الحقيقة الكاملة، بعدما كانت نصف أختها فقط ، فالدهر الغدار علمها أن الحقيقة ولو جرحت تظل أشرف من الخديعة ولو أفادت، إلا أن الشاطر هو ذلك الذي يجهر بالحقيقة بأسلوب فني ذكي "صباحي" لا يجرح وإن جرح فلا يسيل الدماء، بل يبقى روحا نقية عالقة في الذاكرة.
ذهبت ريحانة الغناء العربي الجميل، بعد أن فاح عطر شذاها في حياتنا، حيث كانت أول من لفت إلى صفاء الطبيعة ونضارة القرية، حاملة ذكريات لبنان ومصر من ذلك الزمن الجميل، حاملة محبة الدنيا، فمن منا لم يعشق صباح، ومن منا لم يردد الوحات الغنائية المرحة "عاشقة وغلبانة والنبي" ،" يا نا...يانا"، " الغاوي ينقط بطاقيته"، " آه يا معلم يا معلم"، " زي العسل"، " جاني وطلب السماح"، " يا دلع دلع"، " سعيدة ليتنا سعيدة"، " وطني حبيبي الوطن الأكبر"، " حموي يا مشمش" " بين الأهلي والزمالك محتارة"، "رمضان ماقلش كده" أوغيرها من الأغنيات التى تسكننا ولا تبرح ذاكراتنا.
وعلى قدر الرحيل المر في صباح ممطر وبارد في لبنان، ملبد بالغيوم في القاهرة، فقد تركت "الشحرورة" إرثا فنيا كان وسيبقى لوجه لبنان الجميل، ومرآة إبداع هذا الوطن، أخذت معها دفء الذكريات ومحبة ملايين العرب، لكن الأساطير لاتموت أو ترحل عن عالمنا، وتبقى خالدة بإبداعها الفني خلود نهر النيل والأهرامات، وحتما ستبقى "صباح"ساكنة وجدان العرب لأجيال وأجيال قادمة، رغم أنها خلال السنوات الأخيرة أدارت ظهرها للمجد والأضواء -بسبب كبر السن - واختارت الحياة الهادئة العادية لتستعيد ذكريات الماضي بكل حلوه ومره.
مشوار طويل
على درب الفن تركت لنا من خلاله ثروة من الإبداع، تتمثل فى 80 فيلما سينمائيا، و20 مسرحية غنائية، وأكثر من 1500 أغنية، تعاونت فيها مع كل أساطين النغم فى مصر والعالم العربي، والوحيد الذى لم تغن له هو الشيخ سيد درويش.
فى ليل العاشر من نوفمبر عام 1927 أبصرت جانيت "صباح" النور فى بلدة "بدادون"بلبنان، وهى المولودة الثالثة فى أسرة "جرجى فغالي" بعد جولييت ولمياء، لذلك لم تستطع الأم منيرة سمعان أن تقاوم دموعها عندما علمت أنها وضعت بنتا، لأن الأسرة كانت تريد صبيا، لم يكن مولد صباح يوما سعيدا، ولم تنطلق الزغاريد ولم تقرع الطبول، بل سيطر الحزن العميق على البيت، لكن بمرور الأيام والسنون، ومع مولد شقيقها"أنطوان" بدأ الجميع يدلل "جانيت" التى بدأت تشعر بحنان الأمومة فى أروع صورة، عندما صارت تعى الحياة وتدرك الأمور ومعانى الأشياء، وعشقت والداتها حيث كانت سيدة خفيفة الظل، مرحة، وتعشق الفن، حتى إنها كانت تحضر إلى منزل أحد عازفى العود لكى يعزف أمام العائلة، مما جعل مواهب "جانيت" الفنية تتفتح وتتجه منذ طفولتها صوب الغناء.
شحرور الوادى
كانت الحياة فى العائلة هادئة، فالأم تغدق عليها العطف والحنان بلا حساب، والوالد يهتم بعمله فى تجارة الأقمشة، غير أن هذا الهدوء هزه مقتل الإبنة البكر "جولييت" فى حادث إطلاق رصاص وقع فى القرية، وكان سببا لمغادرة "جانيت" بلدتها إلى بيروت والالتحاق بالمدرسة الرسمية أولا، ثم بالمدرسة اليسوعية نزولا عند رغبة عمها الشاعر شحرور الوادي، الذى لعب دورا هاما فى هذه الفترة من حياة صباح، فهو الذى عودها على قراءة الشعر لا سيما قراءة أشعاره وزجلياته التى كان ينظمها باللهجة اللبنانية، وقد لاحظ أنها تبكى من شدة التأثر عندما تقرأ هذه الأشعار، أو عندما تغنيها بطريقة مؤثرة، فتنبأ لها بمستقبل باهر فى الغناء.
أمنية
وفى هذه الفترة ذهبت " جانيت" وهى طفلة مع عائلتها إلى بلدة "جل الديب" لزيارة إحدى العائلات الصديقة، وقالت لهم صاحبة البيت : " بالقرب من منزلنا كنيسة كل من يدخلها للمرة الأولى ويطلب أمنية معينة تتحقق له "، بهرت "جانيت" بكلام صاحبة البيت، وشغلها جدا، وأصبح كل همها أن تختصر إجراءات الزيارة وتقاليدها لتذهب إلى الكنيسة لتطلب أمنيتها الأولى، وانتهزت فرصة انشغال الجميع بتناول الطعام، فتسللت بهدوء وحذر شديدين دون أن يشعر بها أحد ودخلت الكنيسة، وبكت وهى تصلى طالبة تحقيق أمنيتها الوحيدة وأن تصبح مطربة ناجحة ومعروفة.
الأميرة هند
وفى هذه الفترة " ثلاثينيات القرن الماضي" كان العمل فى الفن عيبا وكانت كل الأسر ترفض عمل أبنائهم فى هذا المجال ، خاصة أسرة " جانيت" التى كانت تعتبر أن احتراف الغناء عيبا، لأن جدها كبير الأسرة كان كاهنا هو "الخورى لويس الفغالي"، وخال أمها كان المطران " عقل"، لكن يبدو أن الظروف كانت تتحرك وتعمل لصالحها، ففى هذه الفترة تميزت "جانيت" بالشقاوة والمرح، فلم تكن تكف عن مشاغبة الصبيان والفتيات، وبلغ من شقاوتها إنها كانت تقلد حركات المدرسات،حتى ضبطتها ناظرة المدرسة وهى تقلدها فلم تغضب بل ابتسمت لأنها رأت فيها مواهب فى التمثيل، وأخذت تشركها فى حفلات المدرسة، وفى إحدى الأعوام قررت المدرسة التى تدرس فيها تقديم مسرحية إسمها "الأميرة هند" ورشحت الراهبة المسؤولة عنها "جانيت"، وكانت تلميذة محبوبة فى الثانية عشر من عمرها، ومقربة من الراهبات وتغنى لهن من حين لأخر فيطربهن صوتها، ومما ضاعف من ثقتها بنفسها أن بعض الذين حضروا بروفات المسرحية الغنائية، ومن بينهم ممثل لبنانى قديم يدعى "عيسى النحاس" ذلك الممثل المسرحى القديم الذى اعتزل التمثيل بسبب كبر سنه، ثم أصبح بعد ذلك يعتمد على تأجير الملابس المسرحية، وأعجب النحاس بالصبية "جانيت" وأطلق عليها لقب"الشحرورة" نسبة إلى عمها شحرور الوادي.
ويوم عرض المسرحية وبعد انتهاء العرض ذهب إلى والدها وقال له : "حرام عليك تجعلها تغنى فقط على مسرح المدرسة، يجب أن تعمل وتغنى فى أماكن آخرى"، وغضب الوالد غضبا شديدا، لقد تقبل فكرة اشتراك ابنته فى الغناء فى حفلة مدرسية تحت إشراف الراهبات، لكنه لن يسمح بتكرار ذلك فى أماكن آخرى.
الرئيس رياض الصلح
وبعد نجاح " جانيت" فى حفل المدرسة جاءتها فرصة أخرى للغناء فى حفل بمقر نقابة الصحافيين، وحاولت أمها المستحيل لتقنع الوالد وبقية الرافضين فى الأسرة، وبعد أيام وافق الأب بعد أن علم أن الحفل سيحضره الرئيس رياض الصلح وكان يومها رئيس الوزراء، ومجموعة كبيرة من الصحافيين والأدباء، وبعد انتهاء الحفل وبينما كانت تمر من كواليس المسرح مرت بالمقصورة التى يجلس فيها "الصلح" فاستوقفها وطبع قبلة أبوية على خدها وقال لها : " أحسنت يا عروس".
الخطيب يتعهدها بالتدريب
وسعدت جدا بهذا الثناء وبالنجاح الذى حققته، وفى هذا الحفل كان من ضمن الحضور"كنعان الخطيب" مدير إذاعة صوت أمريكا الذى أعجب بصوتها جدا، وطلب من والداها أن يرعاها لأنها خامة جيدة، وبعد الحفل بدأ الخطيب يتردد على منزل "جانيت"، وشجعها ولعب دورا فعالا ومؤثرا فى هذه الفترة من حياتها، وشجعها على إجادة اللغة الإنجليزية، وعلى قراءة الشعر أيضا، ويكفى إنه ساهم فى إقناع أهلها بالتخلى عن تشددهم الزائد عن الحد، وفى هذه الفترة تقدمت لامتحان الإذاعة اللبنانية، وقالت اللجنة التى كان من بين أعضائها "محيى الدين سلام" والد المطربة "نجاح سلام" لا تصلح للغناء ويمكنها أن تتقدم مرة أخرى عندما تكبر.
فريد يكتب شهادة وفاتها
بعد مرور أكثر من عامين وقفت مرة أخرى أمام لجنة الاستماع فى الإذاعة ونجحت، لكن اللجنة كانت تود أن تسمع رأى مطرب وملحن كبير ومعروف يفهم ويميز طبيعة الأصوات ومزاياها وعيوبها، وكان هذا هو الملحن فريد الأطرش، ولم تنم " جانيت" فى تلك الليلة حيث كانت تشعر بنوع من الزهو الخفي، لأنها ستقابل فنانا كبيرا مثل "فريد الأطرش" الذى كان حلم الفتيات، وفى الصباح الباكر كانت تقف أمام مبنى الإذاعة، وبعد ساعات حضر الأطرش، وطلب أن يسمع صوت "البنت الجديدة"، فغنت وعيناها لاتفارقان وجهه الذى لم تظهر عليه أى علامات ارتياح، وبعد أن انتهت من الغناء تطلع الجميع إلى فريد الأطرش الذى أطرق قليلا وقال بصراحة: لا تصلح للغناء أبدا، ويجب أن تعود إلى مدرستها وتواصل دراستها وتنسى حكاية الغناء هذه"
وانهارت آمال الشحرورة، لكنها أصرت على الاستمرار وعلى تحقيق حلمها، وبدأت تتدرب أكثر على الغناء، وتسمع كل ما يقع تحت يدها من أسطوانات سواء عربية أو أجنبية، وتواصل عملها فى الغناء فى الإذاعة أو فى بعض الحفلات العائلية.
آسيا داغر
بدأ اسم الشحرورة يتلألأ، وبدأت الطلبات تتوالى عليها من كل حدب وصوب، وتلقفها الملحن اللبنانى "يوسف فاضل" ولحن لها أول أغنية خاصة بها فى مشوارها وهى أغنية"خدنى معك"، ونجحت الأغنية بقوة، وتوالت الأغنيات التى كانت تنطلق من الإذاعة كان منها " طل علينا، يا لابسة التوب المخملي، ما بعرف كيف قلبى عطيتك، مقدر من الله، يا ويل القلب"، وأثناء ذلك كانت المطربة نور الهدى تحقق نجاحا كبيرا فى القاهرة، بعد أن أخذها "يوسف وهبي" من لبنان لتقوم ببطولة فيلمه "جوهرة"، وانتشرت فى بيروت كلها قصة النجاح والثروة التى تدفقت على نجمة الغناء اللبنانية، وبعثت نور الهدى الأمل فى نفس كل فتاة لبنانية، وألهبت خيالهن بأحلام المجد والشهرة، وفى تلك الفترة، أى عام 1943، كانت تجارة "جورجى فغالي" قد كسدت، ومرت الأسرة بأزمات كثيرة، ولكنها اجتازتها بسلام بفضل ما كانت تربحه "جانيت"، ولعبت الصدفة دورها مع المطربة الشابة، حيث كانت المنتجة والفنانة اللبنانية آسيا داغر تبحث عن وجوه جديدة، وطلبت من أحد موزعى أفلامها فى بيروت وهو السيد "قيصر يونس" البحث عن وجوه جديدة تصلح للسينما، فأرسل لها مجموعة من الصور من بينهم صورة "جانيت"، وتوقفت آسيا كثيرا عند وجه "جانيت" التى كانت تعلقت بالسينما المصرية وأخذت الآمال تداعب خيالها بأن ترى صورتها على الشاشة الفضية، وتصبح مغنية مثل مطربتها المفضلة "ليلى مراد" وتمثل أدوار البطولة أمام "محمد عبدالوهاب، وأنور وجدي، وحسين صدقي، ويوسف وهبي"، وعندما علمت أن "قيصر يونس" أرسل صورتها إلى آسيا راحت تتوسل إلى القديسة تريزا أن تكون نصيرتها عند السيدة آسيا، وبالفعل تحقق لها ما حلمت به وجاءت السيدة آسيا إلى لبنان لتمضية فترة الصيف، وهناك رأت صاحبة الوجه الجديد، واكتشفت أن الأصل أفضل من الصورة، كما أعجبت بصوتها الذى يفيض بالمرح وخفة الظل، فوقعت معها عقدا لبطولة فيلمين مرة واحدة، فى مقابل مائة وخمسين جنيها عن كل فيلم.
القلب له واحد
ولم يصدق والدها تاجر القماش نفسه وهويوقع العقد بهذا المبلغ الضخم الذى هبط عليه فجأة، فأغلق متجره ونزل مع ابنته إلى مصر، تاركا زوجته وأولاده، وفى مصر جندت لها آسيا الكفاءات الفنية لإظهارها فى الفيلم فأسندت بطولة فيلم "القلب له واحد" لنجم النجوم أنور وجدى والفنان الكبير سليمان نجيب، وميمى شكيب، وفردوس محمد، وإسماعيل ياسين، وعهدت إلى الأغنيات لشعراء مهمين مثل "بيرم التونسي، ومأمون الشناوي، وصالح جودت، وبديع خيري" ولحن الأغنيات "زكريا أحمد ومحمد القصبجي، ورياض السنباطي"، واستقر الرأى بين آسيا ومخرج الفيلم "بركات" والشاعر "صالح جودت" على تغيير اسم "جانيت" وبعد استعراضهم لمجموعة من الأسماء استقر الرأى على أن تسميتها " صباح" لأن وجهها كان يومئذ مشرقا كنور الصباح.
وعرض فيلم "القلب له واحد" وحقق نجاحا كبيرا، وطار صييت صباح على جناح الريح، ونفس الأمر حدث مع فيلمها الثانى " هذا جناه أبي" وأصبحت أغانيها المرحة الساذجة فى هذا الفيلم على كل الأفواه، واشتهرت لها أغنية فى الفيلم بعنوان "بعدين معاك" التى لحنها "محمود الشريف"، ويقول مطلعها " دى سكتى ودى سكتك/ خايفة أروح فى سكتك/ بعدين معاك"، ولحن لها "فريد غصن" فى نفس الفيلم " ايه معنى الحب، ايه شكل الحب، ايه طعم الحب".
الزوج الأول
وبعد فيلمين أصبحت "صباح" نجمة، وتنافست عليها الشركات إلى أن ارتفع أجرها عن الفيلم الواحد إلى ثلاثة آلاف جنيه، وفى ذلك الوقت كان والداها ينظر إليها على أنها مازالت طفلة، لا رأى لها ولا شخصية، لا تخطو خطوة إلا بإذنه ولا تفتح فمها إلا بأمره، وكل ما تحصل عليه من إيراد يدخل لحسابه وليس لها، ولا تمثل فى كل فيلم دون أن يتعاقد عليه هو، ويا ليته كان يرسل الأموال التى يأخذها من المنتجين لزوجته أو أولاده، ولكنه كان يرتاد الملاهى الليلية وعلب الليل، وينفق ما معه على الراقصات، وفى تلك الفترة كانت صباح تلعب دور البطولة فى فيلم "أول نظرة" أمام النجم اللبنانى "جورج شماس" الذى عرفناه فى السينما باسم " برهان صادق"، وكان يتردد عليه فى الاستديو ابن عمه "نجيب الشماس"، الذى وقع فى غرام صباح رغم فارق العمر بينهما حيث كان فى منتصف الأربعينيات وهى كانت فى التاسعة عشر من عمرها، وحاول أكثر من مرة لفت نظرها إليه، لكن والداها كان يتبعها كظلها، وفى إحدى الأيام استطاع أن ينفرد بها وقال لها بعصبية شديدة: "يلعن أبو هالعيشة يعنى ما ح أعرف حاكيكى لوحدك"، ودهشت بنت التاسعة عشر وقالت له بغضب : ماذا تريد؟ فقال لها أتزوجك! ووافقت على الفور للتخلص من قيود والدها الذى غضب بشدة من قرار الزواج، ورفض بقوة، لكنها عندما هددت بعدم التمثيل والرجوع إلى لبنان وافق على زواجها من نجيب الشماس.
مأساة حياتها
وسعدت صباح بزواجها فى البداية وارتفع أجرها من ثلاثة آلاف إلى سبعة آلاف جنيه، وتقاضت فى فيلم "لبنانى فى الجامعة" ثمانية آلاف جنية، وفى عز تألقها هذا وفجأة وعلى غير موعد وقعت فى حياتها أعنف مأساة، يمكن أن تقع فى حياة نجمة ساطعة تسلط عليها الأضواء فى كل مكان، وتترقب الصحافة أى خبر عنها لتذيعه، مأساة مروعة زلزلت حياتها وكيانها، وملأت حياتها السعيدة الهانئة بالألم والدموع، وأى مأساة أعنف من أن تختارها الأقدار لتكون أختا لأوديب الذى قتل أمه، ليس فى أسطورة سوفوكليس فقط، وإنما فى حياتها الواقعية، فقد جسد شقيقها أنطوان فغالى ابن السابعة عشرة، والأخ الوحيد لأربع أخوات ذلك الدور التراجيدى العنيف فى الحياة، وقتل أمه بالرصاص مع شخص اسمه "خضر عيتاني" قيل إنه كان عشيقها!
ونشرت الصحف اللبنانية الحادث وتنقالته الصحف المصرية التى أبرزته فى صدر صفحاتها الأولى وكانت العناوين كالتالي:"شقيق صباح يقتل أمه وعشيقها بالرصاص"، وأخفى زوجها "نجيب الشماس" عنها الخبر.
لكنها بعد شهرين من الحادث طلبت أن تزور أمها فى بيروت وعندما اقتربت الباخرة من بيروت اضطر الشماس أن يصارح زوجته بالحقيقة،وهنا غابت عن الوعي، وسقطت مغشيا عليها، وشعرت إنها أتعس مخلوقة فى الدنيا، خاصة أن والدتها هى التى كانت تعطف عليها وشجعتها كثيرا على العمل الفني، ثم تزوجت من الشيخ عبد الله المبارك، ثم أنور منسى فأحمد فراج ثم رشدى أباظة.
جنسيات وأوسمــة
نعى رئيس مجلس الوزراء اللبناني، تمام سلام، الفنانة صباح التى وافتها المنية، صباح الأربعاء الماضي، عن عمر يناهز 87 عامًا، وقال "سلام" فى بيان صحفى له: "خسر لبنان والعالم العربى قيمة فنية سامية وقامة إنسانية شامخة برحيل النجمة الكبيرة صباح التى غادرت دنيانا وطوت معها صفحة خالدة ومشرقة من صفحات تاريخنا الثقافي.
وأضافت لقد زرعت صباح الفرح فى قلوب الملايين على مدى عقود من الزمن، ونجحت بصوتها الفريد وحضورها الذى لا يضاهى، فى إيصال الأغنية الشعبية اللبنانية إلى ذرى غير مسبوقة وفى احتلال موقع متقدم بين كبار فنانى جيلها فى لبنان ومصر.
{ حملت صباح العديد من الأوسمة والنياشين والجنسيات، فقد حصلت على الجنسية اللبنانية والمصرية والأردنية والأمريكية.
{ ومنحتها الحكومة اللبنانية وسام الإستحقاق من رتبة ضابط، نظرا لعطائها المستمر فى الأغنية اللبنانية، والتى ساهمت فى نشرها فى العالم العربي
{ منحها رئيس جمهورية السنغال وساما من رتبة كومندور، عندما غنت فى دكار العاصمة.
{ كرمت عدة مرات من قبل مصر وطنها الثاني، وهى تحمل عدة دروع ومفاتيح من مدن ومقاطعات عربية وأوربية وأمريكية.
{ عام 1991 أقام تليفزيون لوس أنجلوس حفلة كبرى غنت الشحرورة صباح فيها وقد منحها عمدة لوس انجلوس مفتاح المدينة وأوسكارا.
{ فى عام 2000 أقامت لجنة تخليد عمالقة الشرق مهرجانات تكريمية لشحرورة لبنان بالتعاون مع وزارة الثقافة، ومشاركة قوى الأمن الداخلى وذلك فى قصر الأونيسكو.
{ فى عام 2011 منحها الرئيس اللبنانى "ميشال سليمان" وساما رفيعا تقديرا لمسيرة السيدة صباح المضيئة فى عالم الفن .
ماذا قالت الشحرورة؟
{ أنا صباح الإنسانة المؤمنة المحبة للعطاء أحب عملى وأهلي،وجمهورى لا أحب المظاهر الكذابة، وأفضل الحياة القنوعة، وابتسامتى تخفى ورائها كثيرا من الألم والمعاناة والهموم.
{ الموت لا يخيفنى لأنه كالنوم الطويل، وأنا أؤمن أن يوم الإنسان الأخير مكتوب على جبينه من منذ كان جنينا فى بطن أمه.
{ اليوم وغدا وفى الثمانين من عمري، سأظل بنفس الروح والأناقة.
{ غنيت الغناء الشعبى لأنه يحمل صفاء الطبيعة ونضارة القرية.
*ذكاء المرأة يفيدها فى العمل وقد يضر بها فى الحياة الزوجية.
{ أنا ناجحة لأننى أنسى الأمس والغد ولا أعرف إلا الحاضر.
{ عشت عمرى لكنى سيدة أحب أن أحيا وأن أبدأ من جديد.
{ أحب فى الرجل الأناقة والنبل والقدرة على حماية المرأة.
{ أسوأ أنواع الرجال، الرجل الثعلب إنه بمئة لون ومئة وجه، وأنا أكره الثعالب.
{ علمنى الفن الإحساس بالجمال والتلون بعشر شخصيات.
{ الحب كما الحزن يبدأ كبيرا ثم يصغر، وإذا أردت أن تحافظ عليه عليك ان ترعاه بالحب والحنان والعطف والكرم ،فالحب هو معاملة وليس كلاما.
{ لا تحسدوا المرأة إذا تزوجت أكثر من مرة، فكل مرة تحاول أن تداوى جروحها، وعذابها، وتثبت لنفسها قبل الجميع أنها تصلح لأن تكون زوجة جيدة.
قالوا عنها
من بين كل المطربات العرب نحن لا نملك مطربة مثل صباح إنها تجمع الجمال والسحر وعذوبة الأداء والشخصية الآسرة.
{ برونو كوكاتريس صاحب مسرح الأولمبيا.
صباح شخصية مميزة فى الوسط الفنى صوتها غنى بالعرب الصوتية، وعندها المقدرة أن تغنى كل ألوان الطرب، وإحساسها بالغناء جميل للغاية، إنها ملكة الغناء البلدى بدون منازع، تملك نفسا طويلا نادرالوجود خصوصا عندما تغنى " الميجانا والعتابا"
{ فريد الأطرش : عندما تركت صباح مصر، تركت فراغا كبيرا جدا، فصباح أيقونة لبنانية مصرية فى السينما والغناء واستطاعت فرض اللون اللبنانى على الشعب المصرى والعربي، وساهمت فى انتشاره بسبب حب الجمهور لطلتها الفنية وجمال صوتها وأناقتها اللافتة.
{ عبدالحليم حافظ : كل كلمة تقولها صباح اليوم تصلح للنشر، فكلامها لم يعد يخضع لثورة نفسية أو إنفعال سريع أو رد على رد، كلامها اليوم ينبع من النضج والثقل والحكمة التى : " لا تقولى شيئا تعتذرين عليه، ولا تأتى بتصرف تستحين منه".
صارت صباح معلمة حياة بعدما كانت ولا تزال معلمة فن، وصارت أخت الحقيقة الكاملة بعدما كانت نصف أخت الحقيقة، فالدهر الغدار علمها أن الحقيقة ولو جرحت تظل أشرف من الخديعة ولو أفادت، إلا أن الشاطر هو الذى يجهر بالحقيقة بأسلوب فنى ذكى " صباحي" لا يجرح وإن جرح فلا يسيل الدماء .
{ جورج إبراهيم الخورى رئيس تحرير مجلة الشبكة.
وقال فيها الشاعر الغنائى اللبنانى "مارون كرم" شعرا يقول مطلعه:"اسمك صباح وطلتك صباح وفى معاهدة ما بينك وبين النجاح.
متل ما صوتك حلو شكلك حلو والله عمل معروف معنا وكملو.
وملكك ماضى الحلا ومستقبلو وكل يوم لولا انتخاب بيعملو.
المصدر الاهرام
تعليقات
إرسال تعليق