مرصد الإفتاء يرصد تاريخ حركات الإرهاب ومن الخوارج والحشاشين إلى "داعش"

أصدر مرصد فتاوى التكفير التابع لدار الإفتاء المصرية، تقريرا جديدا حول أهم الجماعات الإرهابية وأوجه الشبه بينها، وتناولت تاريخ هذه الجماعات الإرهابية فى التاريخ الإسلامى والطرق التى تستخدمها لجذب وتجنيد مقاتليها ومدى تأثير هذِهِ الجماعات على الإسلام والمسلمين عبر التاريخ، وكيفية الاستفادة من دروس التاريخ لمواجهة الجماعات الإرهابية فى العصر الحديث. وأكد التقرير أن جميع هذه الجماعات الإرهابية تنهل من معين واحد وهو فكر الخوارج التكفيرى الذى يعتبر النواة الأولى لجميع الفرق والجماعات الإرهابية التى اتخذت العنف سبيلا للتغيير، وجاء التقرير لإظهار التشابه التاريخى بين فكر هذا المذهب الضال وأفكار الجماعات الإرهابية والتكفيرية المعاصرة التى انتهجت هذا الفكر الشاذ. وتناول التقرير عددًا من أبرز حركات العنف التى ظهرت فى العالم الإسلامى قديمًا وحديثًا، ومن هذه الحركات حركة "الخوارج" وهم الذين خرجوا على سيدنا عثمان بن عفان - رضى الله عنه - ونتج عن خروجهم قتله رضى الله عنه، ثم فى خلافة على بن أبى طالب - رضى الله عنه - زاد شرهم وانشقوا عليه وكفروه وكفروا الصحابة، لأنهم لم يوافقوهم على مذهبهم، وهم يحكمون على من خالفهم فى مذهبهم أنه كافر، فكفروا صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنهم لم يوافقوهم على ضلالهم.. ومن المعروف أن الخوارج هم أول من استخدم الإرهاب الفكرى فى وجه مخالفيهم ثم قتالهم ثانية، وقد شابهتهم كثير من الجماعات الدينية المعاصرة. وسلط التقرير الضوء على حركة "الحشاشين" حيث اعتبرها المنظَّر الفعلى لمفهوم الإرهاب بمفهومه الحديث، حيث أسست مفهوم "الانتحارى الموجه".. وكانت هذه الجماعة هى أول من أسس شكل الخلايا الإرهابية التى عادت للظهور على السطح فى أماكن وأزمنة مختلفة.. كذلك، وتعتبر تعاليم الحشاشين وطرقهم المرجع الأساسى للجمعيات السرية التى نشأت فى أوروبا والمنطقة العربية كالجماعات الجهادية والتكفيرية الحالية وجماعة فرسان الهيكل، وجمعية يسوع وجماعة الدومنيكان وغيرها حول العالم. وتناول التقرير عددا من التنظيمات والحركات الإرهابية المعاصرة ومنها جماعة التكفير والهجرة التى تولى شكرى مصطفى قيادتها وصياغة أفكارها ومبادئها، وفى السجن تولدت أفكاره ونمت، واعتبر نفسه مصلحًا عظيمًا ومهدى منتظر وبايعه أتباعه أميرًا للمؤمنين وقائدًا لجماعة المسلمين، وانتهى الأمر به إلى أن أُعدم هو وزملاؤه من قادة الجماعة فى عام 1978م، وقالت الدراسة إن أفكار ومنهج جماعة التكفير والهجرة متشابهة لدرجة كبيرة مع فكر الخوارج قديمًا. كما تناول تقرير مرصد الإفتاء بالنقد والتحليل تأسيس تنظيم داعش "منشقى القاعدة" وتطوره التدريجى، وكيفية تحريفه لآيات القرآن وأحاديث الرسول ليتمكن من خلال ذلك تجنيد مزيد من العناصر وتحقيق أهدافه فى ظل التستر بلباس الدين والإسلام. وأوضح التقرير أن هناك الكثير من أوجه التشابه والسمات المشتركة بين هذه الفرق قديمًا وحديثًا، ومن هذه الأمور أن هذه الجماعات تعتمد المتشابه من القرآن وهو ما يحصل من أصحاب القلوب المريضة، ومن الأمثلة على ذلك، استشهاد الخوارج على أبطال التحكيم بقول الله سبحانه: (إن الحكم إلا لله) فالمعنى المأخوذ من الآية صحيح فى الجملة، وأما على التفصيل فيحتاج إلى بيان، ولذلك رد عليهم على بن أبى طالب بنفسه - رضى الله عنه- حين قال لهم كلمته الشهيرة " كلمة حق أريد بها باطل". وبين التقرير خلل هذه الجماعات الإرهابية فى فهم القرآن الكريم، والاستدلال المغلوط بآياته، كما روى البخارى أثر ابن عمر رضى الله عنه أن من سمات منهج الخوارج هو التخبط فى فهم القرآن، والاندفاع بتلك الأفهام المنحرفة إلى ترويع الناس وإراقة الدماء، فقد ورد فى صحيح البخارى أن ابن عمر رضى الله عنه كان يقول: (انطلقوا إلى آيات نزلت فى الكفار فجعلوها على المؤمنين)، وعن حذيفة رضى الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إنَّ ما أَتَخَوف عليكم رجل قَرأ القرآن حتى إذا رُئِيَت بَهجته عليه وكان ردءاً للإسلام غَيَّرَه إلى ما شاء الله فانسلخ منه ونبذه وراء ظهره وسَعَى على جَارِه بالسيف ورماه بالشرك. قال قلت يا نَبِى الله أيُّهُما أَولَى بالشرك المرمى أم الرامى؟ قال: بل الرامى) رواه ابن حبان فى صحيحه، وقال ابن كثير عن إسناده: هذا إسناد جيد، وحسنه الهيثمى فى مجمع الزوائد. وأوضح التقرير الخطأ الذى وقع فى فهم الحديث مشيرا إلى أن الجماعات الإرهابية ترتكب جرائم منكرة فى حق الحديث النبوى كذلك، إذ ينطلقون إلى كلمات من الهدى النبوى الشريف، فينتزعون الكلام النبوى من سياقه، ويحملونه على أسوأ المعانى والمحامل، ويخلعون عليه ما وقر فى نفوسهم من غلظة وعنف وشراسة وانفعال، مع جهل كبير بأدوات الفهم، وآداب الاستنباط، ومقاصد الشرع الشريف وقواعده، فإذا بالكلمة المنيرة من كلام النبوة، والتى تملأ النفوس سكينة ورحمة وإجلالا لهذا الدين، وشهودا لكماله، قد تحولت على أيديهم إلى معنى دموى قبيح، مُشوَّهٍ، يملأ النفوس نفورا ورعبا. وبين التقرير أن هذه الجماعات الإرهابية تتفق فيما بينها على اجتماع الجهل بدين الله، والجرأة على تكفير المسلمين واستباحة دمائهم، وظلم عباد الله، فى حين أنها لا ترفع سيفًا ولا تطلق رصاصة فى وجه أعداء الأمة الحقيقيين.. ما يدعو إلى القول بأن تلك الجماعات ما هى إلا أداة فى يد أعداء الأمة يستخدمونها فى توجيه سهامهم إلى قلب الأمة. وسلط تقرير مرصد الإفتاء المصرية الضوء على الأدوات والأساليب التى تستخدمها تلك الجماعات فى جذب وتجنيد عناصرها، وقدم مقارنة بين تلك الأساليب قديمًا وحديثًا وبين مدى أوجه التشابه فى الأسلوب وإن اختلفت الأدوات، حيث تستغل هذه الجماعات حافز الجنة الموعودة وتجذب أتباعها من خلال تصدير خطاب دينى واحد يعتمد السردية الجهادية التى تستقطب عددًا كبيرًا من ممن يفتقرون إلى الإحساس بالهوية، أو الانتماء من الشباب صغير السن والذى يرغب فى المغامرة فى إطار إسلامى دون وعى ولا بصيرة. أما الحافز الثانى الذى تستخدمه تلك الجماعات فهو "النساء" والذى يعد عنصرًا هامًا فى جذب العناصر لمثل هذه التنظيمات مما يسهم فى زيادة الأعداد المنضوية تحت لوائها، فقديمًا استخدم الحشاشون الجوارى ليمثلن دور الحور العين فى الجنة، وحديثًا استخدم تنظيم منشقى القاعدة "داعش " ما يطلق عليه إعلاميًا "جهاد النكاح". فيما يتمثل العامل الثالث – بحسب التقرير – فى تغييب العقل، ففى حالة جماعة الحشاشين نجد أنهم استخدموا الأفيون والحشيش أداة لتغييب عقول أتباعهم وهو ما انعكس على أفعالهم وطاعتهم العمياء لأوامر أميرهم "حسن الصباح" وإيمانهم بقدرته الكاملة على النفع والضرر لهم. أما حديثًا فقد استخدم "داعش" مواقع التواصل الاجتماعى ووسائل التكنولوجيا الحديثة ليؤثر على أتباعه، حيث تلعب هذه المواقع دورًا فعالًا للغاية فى نشر الفكر المتطرف العنيف. من جانبه أكد د.إبراهيم نجم مستشار مفتى الجمهورية والمشرف على مرصد الفتاوى التكفيرية أن تفكيك البنية الأيدلوجية للجماعات الإرهابية وفضحها على الملأ باللغات الحية أصبح واجب الوقت، مشيرا إلى أن دار الإفتاء خطت خطوات حثيثة فى سبيل ذلك. وحول كيفية تصحيح صورة الإسلام التى شوهتها تلك الجماعات أكد مستشار المفتى أن هناك عدة طرق يجب اتخاذها لنشر الصورة الصحيحة الوسطية للإسلام فى العالم، ومن أهم هذه الطرق تصحيح المفاهيم التى شوهتها وحرفتها التنظيمات الإرهابية، وتفكيك فكر هذه التنظيمات، وبيان حقيقة ومعنى الجهاد فى الإسلام وأركانه وشروطه. وشدد نجم على أن الانتصار فى الحرب الفكرية ضد التشدد والإرهاب هو انتصار للقيم الإنسانية بشكل عام، وتحقيق للاستقرار العالمى، وأن كل من يؤيد هذا الفكر التكفيرى المتطرف بالقول أو الفعل أو يحاول تبريره هو عدو للإسلام وعدوٌ للوطن وكل القيم الإنسانية النبيلة.





المصدر اليوم السابع

تعليقات

المشاركات الشائعة