الوقف .. يريد حلا





التعديات تجاوزت 36 ألف حالة .. وتشديد العقوبات هو الحل
جاءت توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية، ودعمه لوزارة الأوقاف لاسترداد أملاكها المنهوبة والمعتدي عليها، وما تلاها من اجتماع مجلس الوزراء الذي انتهي إلي تشكيل لجنة وزارية تكون مهمتها استرداد حق الدولة في الأراضي المسطو عليها
جاء ذلك ليؤكد أن هناك إرادة حقيقية من صناع القرار في مصر لمواجهة كل صور التعدي علي أملاك الدولة وكذلك أراضي وممتلكات الوقف، والتي بلغت أكثر من 36 ألف حالة تعد .
هذه الخطوات الفعالة أشاد بها علماء الدين وطالبوا فى الوقت نفسه بضرورة تغليظ عقوبة التعدى على ممتلكات الأوقاف، لأن هذه الأموال أوقفها أصحابها، لعمارة المساجد ورعاية الفقراء والمحتاجين، وليس للمحتالين ومنعدمى الضمير وقطاع الطرق، وأوضحوا «أن إدارة البر» بديوان عام وزارة الأوقاف تشهد على فضل الأغنياء والقادرين، الذين رحلوا عن الدنيا، وأوقفوا هذه الممتلكات فى أوجه الخير، فالتعدى عليها محرم شرعا، ولابد أن تقوم الدولة بسن القوانين وتغليظ العقوبة، لحماية الأوقاف القائمة ومواجهة كل صور التعدى عليها .
وبالرغم من أن ثورة 25 يناير كانت حلما للمصريين، إلا أنها جرت الكثير من المتاعب والخسائر على هيئة الأوقاف، لما أصابها من سرقات وحالات تعد على أراضيها، تجاوزت 36 ألف حالة تعد منذ ذلك التاريخ فقط، ورغم ذلك لم تقف الوزارة وهيئة الأوقاف مكتوفة الأيدي، بل وقفت لها بالمرصاد، وهو ما أكده المهندس صلاح الجنيدى رئيس هيئة الأوقاف مشيرا إلى أن هناك تعليمات مشددة للدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف بصفته ناظر الوقف، بالمتابعة اليومية من جانب مديرى المناطق فى المحافظات، لإزالة هذه التعديات بالتعاون مع الجهات المسئولة، وتوعد بعقوبات رادعة لأى مسئول لا يقوم بدوره فى منع التعديات وإزالة القائم منها، وأن الهيئة ستقوم بعمل قائمة سوداء بأسماء كل من قام بالتعدى على ممتلكاتها، لإحالتهم للجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم للحفاظ على مال الوقف .
تغليظ العقوبة
ونظرا لما يتعرض له مال الوقف من تعديات، نتيجة غياب الوازع الديني، كما أن منعدمى الضمير يعتقدون أن هذه الأموال ليس لها صاحب، رغم أنها مال الله عز وجل، ولمواجهة كل هذه التعديات، طالب علماء الدين بضرورة تطبيق أقصى العقوبة لردع المعتدين على مال الوقف، وأكد الدكتور نصر فريد واصل مفتى الجمهورية الأسبق، أن من يعتدى على مال الوقف يغتصب حقا عاما، ولابد من عقاب كل من يعتدى على هذه الممتلكات، موضحا أن العقوبة التعزيرية تبدأ من أقصى العقوبات إلى أخف العقوبات، مطالبا بتوقيع أقصى عقوبة على من يغتصب أرض وممتلكات الأوقاف بالقوة، وتتنوع العقوبة طبقا لمدى الضرر والقصد، فلو كان متعمدا يأخذ أقصى العقوبة ولو كان شخص تعرض لخداع ولم يعرف أن هذه ممتلكات أوقاف، تكون هناك غرامة أو عقوبة مناسبة، وفى كل الأحوال فهذه العقوبات ضرورة للحفاظ على مال الوقف، مؤكدا أن التعدى بالقوة والاستيلاء على أراضى الأوقاف، يعد تعديا على حقوق الله عز وجل، وهو نوع من الحرابة، وهؤلاء ينطبق عليهم قول الله تعالى إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِى الدُّنيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ، كما أن الذين يعتدون على أراضى الأوقاف، ويرفعون السلاح ويواجهون من يحاول منعهم من ذلك، فهؤلاء يحاربون المجتمع، ولابد أن تتخذ أقصى العقوبات لردعهم .
وقف عبد المنان .. البحث عن المصير
يعد وقف مصطفى عبد المنان هو أكبر وقف فى مصر ويبلغ 420 ألف فدان، ورغم ذلك لا تستغل هذه المساحة، نظرا للخلاف بين الأوقاف ومحافظات كفر الشيخ ودمياط والقليوبية، وحول سبل الاستفادة من هذا الوقف، وكيف يمكن حل هذا الخلاف لتحقيق التنمية فى هذه المحافظات، يقول المهندس صلاح الجنيدى إن الهيئة تمتلك بموجب حجة شرعية وقف مصطفى عبد المنان الخيري، بمساحة 420 ألف فدان، ويقع الوقف فى ثلاث محافظات وهى دمياط والدقهلية وكفر الشيخ، ويضم مدنا قائمة وقرى وأراضى فضاء شاسعة على طول امتداد الساحل الشمالى للدلتا، من دمياط شرقا وحتي، رشيد غربا، ويقع فى نطاق هذه الأراضى مدن رأس البر ودمياط الجديدة، ويمتد هذا الوقف لنحو 150 كيلو مترا بطول امتداد الساحل الشمالى للدلتا، وتمتد أراضى هذا الوقف جنوبا ليضم مجموعة أخرى من المدن مثل شربين وبلقاس، أما بالنسبة للأراضى الفضاء الخالية التى تقع على جنوب الطريق الساحلى الدولى بعمق 5 كيلو مترات والمواجهة لشاطئ البحر المتوسط، فتعتبر سهلا ساحليا يمكن أن تكون ذا إمكانية مرتفعة فى مجالات التنمية العمرانية والاقتصادية .
ويوضح أن هيئة الأوقاف بما لديها من إمكانات مالية وفنية وهندسية يمكنها وضع استراتيجية لتنمية هذا الساحل، وفقا لمتطلبات كل محافظة من المحافظات الثلاث، من خلال مشروعات التنمية العمرانية المتكاملة التى تركز على قطاعات الإسكان والقرى السياحية والصناعية والمزارع السمكية والحدائق الخضراء، على أن يتم تقسيم المناطق حول الطريق الدولى إلى قطاعات تنمية متجانسة لتحقيق تكامل النسق العمرانى شمال الدلتا، وهذا يؤدى إلى المساهمة بصورة فعالة فى زيادة الناتج القومى من خلال، خلق فرص عمل جديدة للمساهمة فى حل مشكلة البطالة، تهيئة المناخ الاستثمارى بإنشاء قاعدة إنتاجية وصناعية وخدمية وسكانية .
وبالنسبة لآلية تنفيذ هذه المقترحات، يقترح أن يصدر قرار بحسم الخلاف بين هيئة الأوقاف والمحافظات وتأكيد ملكية الهيئة لهذه الأرض، وتشكيل لجنة من وزارات الإسكان والأوقاف والتنمية المحلية والمحافظات الثلاث، وذلك لوضع تصور لتخطيط هذه المساحة بما يحقق الربط العمرانى بين المدن التى تقع فى هذه المساحة، وتتولى هيئة الأوقاف تنفيذ هذا المخطط ووضع الآليات وعمل برنامج زمنى له على أن يتضمن المخطط، عمل مدن سكنية وصناعية ومساكن للشباب وقرى سياحية ومزارع سمكية، وكذلك عمل مطار فى قلب الدلتا .
ويشير إلى أن هذا المشروع من المتوقع أن يوفر مئات الآلاف من الوحدات السكنية كما يوفر ملايين فرص العمل المباشرة وغير المباشرة، وسيحقق استثمارات ضخمة وسيؤدى إلى ضخ رءوس أموال ويحدث طفرة نوعية وتنموية فى الجمهورية بالكامل ولمنطقة الدلتا على وجه الخصوص، ويقترح أن يتضمن التخطيط مساحات أراض لبناء فيلات وعمارات سكنية يتم بيعها بالمزاد العلني، وهذه الوحدات سوف يقبل عليها الآلاف وستدر مئات الملايين من الجنيهات التى يمكن من خلالها تنفيذ البنية الأساسية للمخطط .
صرف ريع الأوقاف
فى عام 1971 صدر قرار من رئيس الجمهورية، بإنشاء هيئة عامة تسمى هيئة الأوقاف المصرية، وتكون لها الشخصية الاعتبارية وتتبع وزير الأوقاف، وتختص الهيئة بإدارة واستثمار أموال الأوقاف، وتتولى نيابة عن وزير الأوقاف بصفته ناظراً على الأوقاف، إدارة هذه الأوقاف واستثمارها والتصرف فيها على أسس اقتصادية، بقصد تنمية أموال الأوقاف باعتبارها أموالا خاصة، وتتقاضى الهيئة نظير إدارة وصيانة الأوقاف 15% من إجمالى الإيرادات، وتجنب10% من هذه الإيرادات احتياطيا لاستثماره فى تنمية الوقف، ويكـون لمجلس إدارة الهيئة سلطة التصرف فى هذا الاحتياطي، بعد موافقة وزير الأوقاف، ويئول صـافى الإيراد بـعـد ذلـك إلـى وزارة الأوقـاف لـتقوم بتوزيعه على المستحقين وتنفيذ شروط الواقـفـين .
نشر ثقافة الوقف
وأوضح علماء الدين أن الوقف كان له دور كبير فى التاريخ الإسلامي، فقد كانت هناك الكثير من الأوقاف تخصص للمساجد والكتاتيب وطلاب العلم، وطالبوا بضرورة إحياء سنة الوقف ، وخصوصا فى ظل الأزمات الاقتصادية الراهنة، وقال الدكتور محمد الدسوقى أستاذ الشريعة الإسلامية جامعة القاهرة، إن الوقف والزكاة من القضايا المهمة التى أهملت فى المجتمع فى العصر الحديث، ولو أحسن القيام بالوقف والزكاة لكان هناك علاج لمشاكل كثيرة، وخصوصا فى الاقتصاد وتحقيق الرعاية للطبقات الفقيرة، والوقف منذ عام 1952 شهد تراجعا كبيرا، وذلك بعد أن سيطرت الدولة على الوقف، وقد أحجم الناس عن وقف أملاكهم، رغم أنه يعد مصدر ثروة تحقق للمجتمع الحياة التى يتمتع فيها الأفراد بالرخاء والاستقرار، والمؤكد أننا فى حاجة لإحياء سنة الوقف مرة أخري، بطريقة علمية، وأن يكون دور الدولة فى هذه الحالة هو الإشراف والمتابعة، فإذا وجدت أن هناك فسادا تعاقب الفاسدين، لأن تدخل الدولة بشكل مباشر فى الوقف، جعل الناس يعتقدون أن هذه الأموال لا تذهب للجهات التى يريدون وقف أملاكهم عليها، والبعض قد يقول إن الدولة تستولى على الأوقاف ويرفض أن يوقف بعض أملاكه . وطالب الدسوقى بضرورة عقد مؤتمر علمى يشارك فيه العلماء المعاصرون فى هذا الموضوع، ويضعون التصور العلمى لعودة سنة الوقف، وكيف يمكن أن يؤدى الوقف رسالته بصوره تشبه ما كان عليه فى الماضي، لأن الوقف فى الماضى كان يبنى المصانع الحربية، فضلا عن أن الأوقاف فى الماضى لم تترك مجالا من مجالات الحياة، ومعظم الأراضى المصرية فى عهد محمد على كانت أوقافا، وجميع المساجد كانت تابعة للأوقاف، ورواتب العاملين فى المساجد كانت من الأوقاف، فالقضية تحتاج دراسة منظمة وتوصيات وقرارات حاسمة، حتى نعيد الوقف إلى مكانته ورسالته .
التاريخ الإسلامي
وفى سياق متصل قال الدكتور عطية القوصى أستاذ جامعة القاهرة إن الوقف عبر التاريخ الإسلامى أسهم فى بناء المجتمع، وكما قالوا إن مصر مرت عليها أزمنة عديدة لم يكن فيها جائع من أهلها، وكل ذلك بسبب الأوقاف، كما أن الكتاتيب والمساجد كانت لها أوقاف للصرف على طلاب العلم، كما كان هناك الكثير من الأسبلة والمضايف لخدمة المسافرين والحجاج، وقد شهد العصر المملوكى والعثمانى نماذج كثيرة لوقف الممتلكات، وكانت هناك الأراضى الشاسعة التى أوقفها أصحابها لرعاية اليتامى والمساكين والأرامل، وكان الأغنياء فى هذه العصور يحرصون على كتابة الحجج الخاصة بهذه الأوقاف، بهدف أن يظل ريعها يوزع على الفئات أو الجهات التى حددها الواقف، والمؤكد أن المجتمع حاليا فى حاجة لعودة سنة الوقف مرة أخري، من أجل المساهمة فى نهضة المجتمع وسد حاجة الفقراء والمحتاجين .


المصدر الاهرام

تعليقات

المشاركات الشائعة