الجوهرة الحزينة !
بريد الجمعه : يكتبه : أحـمــد البــــــرى
نا سيدة فى مقتبل العمر، نشأت فى أسرة متوسطة تجمعها الألفة، ووجدت منذ صباى اهتماما بالغا من والديّ،
نا سيدة فى مقتبل العمر، نشأت فى أسرة متوسطة تجمعها الألفة، ووجدت منذ صباى اهتماما بالغا من والديّ،
وعرفت أن الاهتمام بتربية الأبناء هو شيمة أجدادي، وشغلهم الشاغل، وعشت حياة مثالية حسدتنى عليها صديقاتي، وربطتنى بأبى علاقة قوية، فكنت أستمع إليه بإنصات شديد، وأنفذ أوامره بالحرف الواحد، واستقر فى وجدانى ما ردده على مسامعى كثيرا من أن الفتاة سيئة السلوك تجعل رأس أبيها فى الأرض، أما أنا فلست من هؤلاء، لذلك يتباهى بأدبى وأخلاقي، وعندما يزوجنى سوف يضع «رِجْلا على رجل» متفاخرا بأن ابنته جوهرة تستحق من يقدرها، وأمى أيضا ستكون فخورة بأدبى الذى تراه بالنسبة لإبنتها أهم من شهادتها وجمالها، وعائلتها المعروفة، فهو التاج الذى تتزين به، ويميزها عن الكثيرات ممن حولها، وروت لى أمثلة عديدة عن زوجات فشلن فى حياتهن، وأخريات يعانين المر من أزواجهن، وغيرهن ممن لم يتزوجن لعدم تمسكهن بالأدب والأخلاق، وانتهى الأمر بهن إلى الطلاق، وهكذا انغرست هذه الأفكار فى نفسي، واستقر فى أعماقى الهدف الأسمي، وهو أن أجعل رأس أبى فى السماء، وأن أتخذ من سلوكه هو وأمى معا منهجا فى حياتي.
ومرت سنوات الدراسة حتى المرحلة الجامعية دون أن أتعرف على أى شاب، أو أقترب من أى زميل لي، إلى أن جاءنى وأنا فى العام الأخير بكليتى شاب يتمتع بأكثر من الصفات التى تمنيتها فى زوج المستقبل، فوافقت عليه، فهو وسيم ومحترم، وغني، ومن عائلة كبيرة، واعتبرته هدية السماء لي، وظللنا ما يقرب من عام على علاقة هادئة، فلم تثر بيننا خلافات أو نختلف فى شيء، ثم فوجئت به يشكونى لأبى بأننى خجولة و«ما بقولش كلام حلو»، وأنا بالفعل كذلك، لكنى لست معقدة، وكل ما فى الأمر أن حيائى يمنعنى من أن أقول كلاما قد يحسب عليّ، خصوصا أننا لم نتزوج بعد، وشيئا فشيئا وجدت أنه لا يريد المناقشة فيما يعنينا من أمور، فهو لا يعرف إلى الحوار سبيلا، فلقد تأثر بأسلوب أمه المتسلط فى إدارة المنزل فهى «رجل البيت»، وقد شرب منها هذه الطريقة فى المعاملة، لذلك كرر على مسامعى كثيرا قوله: «أنا اللى أقول عليه يمين يبقى يمين، واللى أقول عليه شمال يبقى شمال»، بمعنى أنه يريد فرض إملاءاته عليّ دون أى نقاش، فإذا تبين له فيما بعد أن القرار الذى اتخذه خطأ، فإنه سيتحمل نتيجته، وفى ظل هذا التعنت كان طبيعيا أن يذهب كل منا إلى حاله، فحسمت أمرى معه واتخذنا قرار فسخ الخطبة بعقلانية شديدة، ولا أنكر أننى تألمت كثيرا لهذا القرار، إذ لم يكن هناك بد منه، فأمه نفسها قالت له إنه لن يجد من تقبل تهميشها إلى هذه الدرجة.
ومر عام ونصف العام، وأنا فى حالة قلق بعد فشل خطبتي، ثم تقدم لى شاب متوسط فى كل شيء، واستمعت إليه، وزارنا أهله، فوجدتهم أناسا بسطاء، وأسعدنى ما سمعته منه من أنه يريد أن أفكر جيدا قبل الرد عليه بالقبول أو الرفض حيث قال لي: «أنا لا عايز أظلم ولا أتظلم»، فمست هذه العبارة نفسى وجعلتنى أوافق عليه، واشترطت قبل إتمام الخطبة أن أستكمل دراستى العليا فى كليتي، وأن يقع السكن فى مكان هادئ وليس حيا شعبيا، فأيدنى تماما، وبعدها سافر إلى الخارج حيث كان يعمل فى دولة عربية، وتوالت الاتصالات بيننا، وحدثنى كثيرا عن أحلامه، وعن أنه فى أول إجازة له سوف يفتتح «هايبر ماركت» وصيدلية، وحاول إقناع أبى وأخى بأن يرسل مبلغا لأخى لعمل مشروع معين، فيشارك هو برأس المال وشقيقى بالإدارة، لكن أبى رفض بشدة هذه التجارة المشتركة، وأخبرته بموقف والدي، ففسر الأمر بقوله: «إن أخاك مكسب لي، ولن أقف أمام أحد منكم حتى لو خسرت رأس المال، أو فشل المشروع»، وبعدها حدثنى عن شهر العسل، وسألنى عن أى بلد أرغب فى أن أقضيه به، وكنت كلما استمعت إليه أجدنى سعيدة بطموحه وليس بماله.
ولم أتوقف عند بعض المواقف البسيطة التى لمست فيها عندا منه، كما تعنت والده فى أمور أخرى مع اقتراب الزفاف، وعندما حدثته بشأنها اتصل بوالده وأنا معه على الخط، وسمعت الحوار كله، وفهمت منه أن خطيبى يؤيدنا فى موقفنا، واستجاب أبوه وكان لكلمة خطيبى له «أنت يا حاج الخير والبركة» مفعول السحر، وقربنا المسافات بيننا، وتزوجنا، وأنا أتطلع إلى الحياة السعيدة التى رددها عليّ فى كل لقاء أو مكالمة بيننا، ومنذ اليوم التالى للزفاف فوجئت بأن وعوده لى كانت مجرد أحلام، أو خيالات لا أساس لها فى الواقع، فلم نسافر إلى أى بلد، ولم يوفر لى الكثير مما وعدنى به، وبعد أشهر رحل والده عن الحياة، واستمر فى كذبه. بل وفى كل مرة أذكره بما قاله لى قبل الزواج يقسم كذبا مرة بالله، وأخرى برحمة أبيه،أن الظروف تقف ضده، وشيئا فشيئا لاحظت تجاهلا من أهله لي، فكانوا يتصلون به كثيرا، وأنا معه، ولم يكلفوا أنفسهم ولو بمجرد السلام، وأخبرنى انه لن يسافر مرة أخري، وإنه سوف يستقر فى مصر لإقامة مشروع من المشروعات التى يطمح إليها.
ولعبت المصادفة دورا فى أن أجد خطابات وصورا لفتاة كان يعرفها، فأخفيتها، وفى نيتى تقطيعها، ولما بحث عنها ولم يجدها ضربني، وبعدها سقط القناع الذى يتخفى به، حيث اكتشفت مغامراته على الفيس بوك، مع فتيات وسيدات يعرف بعضهن منذ خطبتنا، ومازال يتصل بهن عن طريق الهاتف، والأغرب أنه يبحث عن أخريات لعمل علاقة معهن، وبعد أن أصبحت مغامراته معروفة ولا سبيل أمامه لإنكارها، بكى وقال إنه أخطأ، ووعدنى بأن يغير سلوكه، ولكن هيهات أن يتغير، وحاولت أن أتماسك وأن أحقق ذاتى فى الدراسات العليا التى اشترطت عليه أن أستكملها قبل الزواج، فإذا به يخبرنى بأنه غير ملزم بأن يصرف على هذه الدراسات.
ومرت ثلاثة أشهر، وهو جالس فى المنزل بلا عمل، فسألته عن مشروعه الذى ترك عمله من أجله، فرد عليّ بأنه ليس معه أى مليم، وأنه وضع كل ما لديه فى عفش الزوجية وهذا بالطبع غير صحيح، بل إنه هو نفسه الذى قال لى من قبل إن أباه رحمه الله، كان يأخذ منه أموالا ويعطيها لأخيه الأكبر برغم أنه يعمل هو وزوجته، وساءت معاملته لى كثيرا، وتعود على ضربي، حتى إنه انهال عليّ ركلا وعضا وأنا حامل وسبنى بألفاظ سيئة، علاوة على تكشيرته التى لم تعد تغادر وجهه، ومزاجه المتقلب، وطردنى من المنزل، وعلقت بذهنه أفكار غريبة، إذ يرى أن الرجل الذى يسعى لتحسين ظروفه لاسعاد زوجته «إمرأة»، ومن يعمل لتوفير حياة مرفهة لأطفاله، يفعل ذلك من أجل المنظرة، وعندما أحدثه عن أننا نريد أن نعلم أولادنا فى المستقبل تعليما جيدا، وأن نسكن جميعا فى منزل ملكنا، ينظر لى باشمئزاز، وبرغم مواقفه التى طرأ عليها هذا التغيير الهائل، فإننى التمست له الأعذار، لأنه بدون عمل، ولايريد أن يظهر لى نقصا فى حياتنا، ولذلك كنت أتدارك الأمر، وأسرد له قصص أشخاص سمعت عنهم، أو أعرفهم مروا بمحن، ورزقهم الله رزقا واسعا، ومنها قصص صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكلما أجده فى حالة ضيق، أؤكد له أننا أحسن من غيرنا، ويكفينا نعمة الصحة التى منّ الله بها علينا، ونصحته أكثر من مرة بأن يجعل «زعله إيجابيا»بالبحث عن عمل، وأن يستغل مؤهلاته فى عمل مناسب، وأنا أيضا أحاول العمل، ولى تجارب فى البيع «أون لاين» لأعمال يدوية، لكنى لم أوفق فيها، وقد طلبت منه البحث عن مدرسة لتعليم القيادة فألتحق بها لتعليم الفتيات قيادة السيارات، فرفض لأننى لا يصح أن أمتهن هذا العمل غير المناسب لي.
لقد اجتهدت كثيرا فى الوقوف إلى جواره، لكن أسلوبه معى صار من سيئ إلى أسوأ فى العشرة والمعاملة، ولم يبال بظروف حملى السيئة، إذ أخبره الطبيب أننى حامل، ولى ظروف خاصة، ولا أتحمل «الزعل»، واعتمدت على أهلى فى توفير متطلباتي، وبعدها بشهور عرفت أنه ورث عن أبيه ميراثا كبيرا، وجاءته أموال من أكثر من مصدر، وعندما واجهته بأحواله المادية الميسورة التى يخفيها عني، تعصب عليّ ليخفى كذبه، وادعى أن أوراق الميراث كانت بها أخطاء كثيرة، فحزنت على حالي، ووصلت إلى الشهر التاسع فى الحمل، ورفض أن يشترى أى ملابس للمولود قبل ولادته، وفى المستشفى وضعت طفلة جميلة جاءتها ملابس كهدايا من معارفنا وأهلنا.
وتوالت اكتشافاتى لطباعه السيئة التى أخفاها عني، فهو شكاك بدرجة غريبة، وأى شيء يخصه يخفيه فى مكان ما ومعه مفتاحه، ويفتش فى أغراضى كثيرا، وكلما عرفت أنه عبث بها أندب حالي، وليس له هم الآن إلا مساعدة أمه وإخوته.. هل تتصور ياسيدى أنه أخذ كل ما معى حتى نقطة «المولودة» واشترى لنفسه ملابس جديدة، ولم أعبأ بنفسى رغم حاجتى لملابس جديدة بعد تغير جسمى نتيجة الحمل والولادة. وكتمت أحزاني، وصحوت ذات يوم من نومى على إصابتى بشلل فى وجهي، فذهبت بصحبته إلى الطبيب، الذى أبلغه أننى أصبت بالعصب السابع نتيجة لحزنى الشديد، وساءت نفسيتى التى وصلت إلى ما تحت الصفر، ولم يكن وقتها قد مرّ على ولادتى لطفلتى اربعون يوما، وتوقعت أن يشعر بتأنيب ضميره على الأقل تجاهي، لكنى للأسف وجدت منه سلبية بلا حدود، واكتفى بتوصيلى إلى الطبيب للعلاج بالكهرباء، وانتقلت للإقامة عند أهلى لخدمتى أنا وابنتى المولودة، ولم يسأل عن ابنته، وكان عندما أسأله، ألا تريد أن تراها، يقول لى غدا، لأنه ذاهب إلى والدته الآن!!
وتقاعس عن عرضى على الأطباء، وفقا لنتيجة فحص حالتى التى اقتضت المتابعة المستمرة، فطلبت منه «روشتاتي» لكى استكمل الكورس العلاجي، وكذلك أوراق تطعيم ابنتي، بعد أن حل موعد أول تطعيم لها، فلم يعطنى شيئا، ولما ذهبت إلى شقتنا لأخذ هذه الأوراق منها، وجدت أنه سرق ذهبى الخاص بي، وشبكتي، ومبلغا يخصني، وتليفزيونا أنا التى دفعت ثمنه، وملابسى أنا وابنتي.. وساءت حالتى أكثر وأكثر، فلم أتصور أننى تزوجت لصا، وشخصا لا يصون «العيش والملح»... وليس زوجا ساندته بكل ما أملك، وتحملت كل ما ادعاه عن ظروفه التى فاجأنى بها بعد الزواج على غير الحقيقة.
فمن يصدق أن هذه الأحداث على النحو الذى ذكرته، وقعت خلال عام واحد، وكل من حولى لا يصدقون أن يفعل ما فعله زوجى معى دون أن أرتكب خطأ يستحق هذا العقاب القاسي، وحتى من حوله يتعجبون لأمره، ومنهم من عاتبه لموقفه من إبنته التى لم يطلب رؤيتها، وانضموا إلى صفى ضده، ومع استحالة العشرة فى ظل هذا التعنت غير المبرر، أرسلت إليه أطلب الطلاق دون قضايا لأن بيننا طفلة، فساومنى هو وأخوه بمؤخر الصداق، بالإضافة إلى ما سرقه من ممتلكاتي، فلم يرد عليّ، وإنما أرسل لى عفشى عن طريق الشرطة، ودخلت القسم لأول مرة فى حياتى لتسلمه، طبعا بدون الذهب... وحاول عدد من الوسطاء تسوية الموضوع، وطلبوا منه التفاهم، وإنهاء الزواج بشكل ودي، فلم يكن منه سوى الكذب، وإنكار أى شيء جيد فعلته من أجله، وتناسى كل ما قدمته له، وتوقف عند كلمة واحدة فقط قلتها من شدة ضيقى وضجري، بعد عام طويل من الضرب والمشاحنات والإهمال، وطردى من المنزل وهى كلمة يا «جِبّلة»!.
وبالطبع لم نتفق، ولم تتوقف دموعى لحظة واحدة حزنا على المصير الذى يهدد ابنتنا مع هذا الأب القاسي، فهناك أناس يتمنون طفلا، وهذا الشخص يرمى لحمه، والله يا سيدى قالها لى بكل برود أن «لحمه رخيص».
ووجدتنى مضطرة إلى رفع دعاوى ضده أمام القضاء لكى أحصل على حقها منه، وأنا مازلت فى نظر القانون زوجته، وقد أظل كذلك لمدة ثلاث سنوات، بينما فى الحقيقة أنه تركنى قبل أربعة أشهر، ولم يصرف عليّ، وكل من حولى «يعرفون ذلك»، وهو سبب كاف للطلاق الرسمي؟.. فما الجرم الذى ارتكبته لكى أجنى هذا الحصاد المر، وأنا فى هذه السن الصغيرة؟
إن هذا الزمن الغريب نجد فيه الرجال لا يصونون الزوجة المحترمة الأصيلة التى هى على استعداد أن تتحمل زوجها مهما بلغت صعوبة ظروفه، بشرط أن يشعرها أنها زوجة وإنسانة... وإنى اسألك يا سيدى كيف السبيل إلى الخلاص من هذا الشخص؟. ومتى تتغير القوانين، ويصبح تنفيذها بصورة أسرع من هذا البطء الشديد، فلولا أهلى لأصبحت الآن فى الشارع، وكثيرا ما تخطر ببالى السيدات اللاتى يعشن ظروفا مشابهة لظروفي، وليس لديهن أهل على قيد الحياة يقفون إلى جوارهن، فمن ينجد هؤلاء؟.. ومن أين سيدفعن أجور المحامين فى قضايا النفقة بالمحاكم؟... ثم ما هى الأرقام المضحكة التى يتم الحكم بها على الأزواج الغدارين فى ظل الغلاء الرهيب الذى يجتاح حياتنا؟.
لقد كرمنا ديننا، لكن نهان فى بلادنا، وفى الغرب يكرمون الزوجة بأن تأخذ نصف ما يملكه الرجل، وهذا أقل اعتبار للزوجة المهانة، ثم هل من سبيل للتوافق فى الحياة الزوجية، حتى لا أتعرض لصدمة جديدة قد تكون معها نهايتي؟.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
صحيح أن الأخلاق الحميدة، والأدب الجم من أهم عوامل استقرار ونجاح المرأة فى حياتها الزوجية، لكن هناك عوامل أخرى لا تقل أهمية عنها، ومنها التفاهم والحب، والبحث عن طريق مشترك يسير عليه الزوجان، وهو ما افتقدته يا سيدتى فصارت الحياة من طرف واحد، فكان الرجل هو المرسل، وأنت المستقبل بلا تفاعل حقيقى بينكما، حدث ذلك مع خطيبك الأول، وغاب الحوار اللازم للتعرف عليه، ولذلك كنت بالنسبة له «غامضة»، ولا تقولين له كلاما حلوا، واعترفت بذلك، واعتبرت موقفك قمة الأدب والأخلاق، وفاتك أن التعبير عن الارتياح النفسى أمر مطلوب مادام ذلك فى حدود الكلام القائم على الاحترام والتقدير من كل طرف للآخر.
ولا أرى أى صلة بين الأمثلة التى عددتها لك والدتك، وكانت سببا فى طلاق الكثيرات ممن تعرفونهن، وبين ما يتصل بك.. كما تكرر الأمر وبصورة غريبة مع زوجك الذى لم تقتنعى به منذ البداية، إذ وصفتيه بأنه «متوسط فى كل شيء» ولكنك وافقت عليه لمجرد أنه بنى لك قصورا من الأوهام عن الحياة السعيدة المنتظرة، وشهر العسل الذى ستختارين البلد الذى تريدينه لقضاء فترة الزواج الأولى به، والمشروعات الكبرى التى سيقيمها بعد أن ينهى عقده فى الخارج وتستقر به الحال فى مصر، الى آخر ما وعدك به من وعود ليس لها أساس فى الواقع.
والحقيقة أن ملاحظة أبيك عنه كانت فى محلها، عندما رفض مشاركة شقيقك فى مشروعاته الوهمية، فالخلط فى هذه المسائل يؤدى الى طريق مسدود.. لكن أباك فاته أن يلفت نظرك الى أن هذا الشخص غير مناسب، أو على الأقل كان الأمر يستوجب منه تدقيقا قبل الموافقة عليه، فما جعلت الخطبة إلا لمزيد من فحص وتبيان كل ما يتعلق بالقادم للزواج.
لقد قامت زيجتك على غير أساس، ولذلك انهارت سريعا، ولن تجدى قوانين الدنيا كلها نفعا فى اصلاح ما أفسدته الأطماع، فالزواج القائم على المودة والمحبة والإيثار يدوم ويبقي، أما الزواج من أجل المنفعة الشخصية والأنانية، فإنه يتحطم على أول مشكلة تصادف الزوجين، حتى لو كانت مشكلات تافهة كالتى تحدثت عنها، ولو أن بينكما أرضية صلبة من العلاقة الراسخة لصمدت زيجتكما لكل العواصف والأنواء، إلا أن كلاكما نظر الى الزواج بمنظوره الخاص، فلما لم تتوافر الشروط الداخلية التى توسمها فى الآخر راح يكيل له الاتهامات، ويذكره بفضله عليه، فتحولت الزيجة الى معركة خسرتماها، ومعكما ضحية بريئة لا ذنب لها فيما جنيتماه.
نعم هذه هى الحقيقة التى تنطق بها سطور رسالتك، ولم تكن كلمة «جِبّلة» وحدها هى التى قلتيها له وليدة لحظة غضب، ونتيجة تراكمات عام واحد من الزواج، وإنما جاءت ضمن سلسلة متصلة من المشاحنات لم تشرى إليها، كما أنك أدخلت شقيقه وزوجته وأمه أطرافا فى المشكلة العالقة بينكما، بل وأباه أيضا رحمه الله، بمعنى أن الجميع كانوا يتربصون بك، ويستغلونه أيضا لمصلحة شقيقه.. فهل كنت تتوقعين أن زيجة بهذا الشكل ستعرف طريق الاستمرار والاستقرار، كلا يا سيدتي، وهو أيضا يتحمل مسئولية كذبه ووعوده الزائفة، ولن يفلت من عقاب الله عز وجل لتغريره بك وايهامك بأنك ستعيشين حياة مرفهة على غير الحقيقة، فالله يمهل ولا يهمل، وسوف يتجرع كأس المرارة قريبا، ولعله يتدارك بعض ما فات بإعطائك حقوقك، واننى أخاطب فيه الأب والإنسان ألا يضطرك للجوء الى المحاكم، وأن يعطيك مستحقاتك ومستحقات ابنته عن طريق مجلس عرفى ترتضيانه معا، بعيدا عن أقسام الشرطة، وأن يدرك أن تنشئة ابنته فى جو سوى بين أبوين، حتى ولو منفصلين، أمر ضرورى ولازم لصحتها النفسية، فسوف تمر الأيام وتكبر البنت، ويتقدم اليه من يرغب فى الزواج منها، ووقتها سوف يتفاخر بها أمام الآخرين، فليعمل حساب هذا اليوم، ويتقى الله فيها.
وأما نصيحتى لك، فهى أن تنسى هذه التجربة بكل مآسيها، وأن تنشدى حياة جديدة مع من تتأكدين أنه الشخص المناسب لك، بعد فحص وتدقيق، ولتدرك السيدات والفتيات أن الرجل يذوب حبا فى المرأة الوديعة الهادئة اللبقة التى يحس أنها تطاوعه، أى يهبها قلبه وعقله وماله ومستقبله، وعلى كلا الزوجين أن يصبر على الآخر، وفى ذلك يقول الشاعر:
ألا بالصبر تبلغ ما تريد... وبالتقوى يلين لك الحديد
فالصبر وحده هو الطريق لتضييق الفجوات بين الأزواج والزوجات، وتؤكد ذلك دراسة توصلت الى أن ما يقرب من ثمانين بالمائة من العلاقات الزوجية قائمة على الصبر، ومحاولة التكيف مع واقع الحياة، إذ لا يوجد فيها توافق وانسجام تام بينهم، وأن الكثيرين منهم لو خيروا للعودة الى الوراء، لما اختاروا شركاء حياتهم الذين يعيشون معهم، فيا أيتها الزوجة التى تعانين من مشكلة ما مع زوجك، لست وحدك من تكابد المتاعب، وانما هى سنة الحياة، فما من أسرة إلا وتعانى بعض المرارات والصعوبات، ولكننا لا نلاحظ ذلك، وربما يخفى الكثيرون أوجاعهم من أجل أن تستمر سفينة الحياة.
إن المشكلات الزوجية أمر طبيعى لا تخلو منه أى علاقة زوجية مهما عظم الحب والاحترام، ومقدار التدين بين طرفيها، وحتى البيت النبوى والذى طرفاه نبى وزوجة نبى مبشرة بالجنة لم يسلم منها، فلقد ذهب أبوبكر الصديق رضى الله عنه، الى بيت ابنته عائشة ذات مرة، فسمعها من خلف الباب، وهى ترفع صوتها على رسول الله غاضبة منه، فدخل عليها وقد بدا فى منتهى الغضب، وهم أن يضربها لولا أنها احتمت بظهر زوجها وحبيبها صلى الله عليه وسلم ليحميها منه.
والقضية ليست فى وجود مشكلة زوجية، فما أكثر المشكلات بين الأزواج، وانما مكمن الخطورة فى عدم التصرف لحلها والخروج منها دون أن تترك أثرا سيئا يتراكم على مر السنين.
وقد تسأليني: هل يمكننى أن أغير ما أكرهه فى زوجى فأقول لك: نعم يمكنك أن تصلحى ما لا يعجبك فيه، والأمر لا علاقة له بكون شخصيتك قوية أو ضعيفة، ولا درجة جمالك أو كثرة مالك، وانما يتطلب أن تكون لديك عزيمة على تغييره بشرط أن تتأكدى أولا من صلاح نفسك، إذ يقول تعالى «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم»، وأن تجاهديها على التحلى بالصبر والحلم وحسن الخلق والبشاشة والكلمة الطيبة وسعة الصدر، وألا تسمحى لليأس بأن يتسلل الى قلبك حتى لو طالت المدة دون أن تجدى النتيجة التى ترضيك، وكونى أكثر استعدادا للنجاح، فمهما تكن نظرتك الى نفسك فأنت أكبر مما تتصورين.
أسأل الله لك التوفيق والسداد، وأدعو زوجك الى تغليب لغة العقل فلا يدرى ما ستفعله الأيام به، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المصدر الاهرام
تعليقات
إرسال تعليق