أطباء ولكن قتلة ..




جثة نهشتها الكلاب تثير الذعر بالتجمع الخامس
سنوات طوال وهى تصول وتجول بخاطرها ونسائم الامان تهفو لوجدانها كلما تراءت لها صورتها، وهى تبدو رشيقة وجميلة مثل بنات عائلتها وكادت نظرات الغمر والهمس تفتك بقلبها كلما وقع البصر عليها.
وضحكة محفوفة بالسخرية ترتسم شفاة من يشاهد بدانتها المفرطة وضاقت الدنيا الواسعة أمامها خاصة عندما حالت بدانتها دون إنجاب الولد حتى لاح لها البريق فى الأفق عندما قرأت عن نجاح عمليات التجميل فى أرض الكنانة، وشدت الرحال من بلدها العربى ومعها تحويشة العمر وبذور الأمل تنمو بداخلها بأن عودتها للحياة ستكون على يد من أتوا بماء النيل وأنها سترجع لبلادها أجمل من «فير جينيا» ولم يدر تجلدها ان شهادة دفاتها سوف تسطر بيد طبيب تناسى آداب مهنته والقسم الذى قطعه على نفسه وازهق روحها وهى بين يديه ولم يكتف بذلك بل ألقى جثتها فى الشارع لتنهشها الكلاب الضالة لتختفى معالم جريمته.
هى سيدة فى بداية العقد الرابع من عمرها عربية الجنسية وهبتها الاقدار وجها ملائكيا لم تستطع بدانتها من تشويه ملامحه وتمتعت بخفة الظل والقلب الابيض حتى استحوذت على قلوب كل من حولها وتناست بدانتها وأزداد عشقها للمأكولات والمشروبات طوال سنوات طفولتها وحسباها حتى استيقظت من غفوتها على اعتاب الجامعة.
التحقت «رحمة» بكلية الآداب فى بلدها العربى وهناك انطفأ أمامها آخر شعاع الشمس وغاب عنها ضوء الحياة وسحابه سوداء غطت سماء حياتها، وأمامها اغلقت كل الدروب بأسياخ من حديد وكادت الدنيا أمامها مثل ثقب الإبرة نظرات السخرية التى كانت تلاحقها وغمزات زميلاتها فى الجامعة وابتعاد كل شباب الجامعة عنها ورميها بالنكات الساخرة والكلمات الجارحة.
انفرطت عقود فرحتها بالجامعة فى أبيار الشجن من زملائها حتى سئمت العيش معهم وقررت الانقطاع عن الجامعة والذهاب اليها فقط أثناء الامتحانات، وزاد إصرارها على إنقاص وزنها وكلما اتبعت نظاما غذائيا فشلت فى الاستمرار فيها وبحثت عن آخر حتى تيقنت أن شهوتها للطعام تتربع على عرش حياتها وأنها تأتى على رأسها وضربت بكل البشر عرض الحائط، فالمهم أن تحيا هى حتى لو مات كل من حولها جوعا!!
مرت السنون وتخرجت الفتاة فى الجامعة وانتظرت تحقيق الحلم الأكبر وهو الفارس الذى يحملها على جوادة الابيض ويرمح بها الى عش الزوجية، واعتقدت ان طابورا من الفرسان سوف يترصون امام منزل أبيها الثرى فهى من كبرى العائلات فى البلد العربى وأن أموال أبيها هى البريق لاى شاب لهما كانت وسامته ، خشيت العمات والخالات على الفتاة من العنوسة وكلما جلبوا شابا لرؤيتها تمنى ان تنشق الارض وتبتلعه قبل ان يلتقط انفاسه بمجرد أن يقع بصره عليها وانفض عنها معظم شباب بلدها حتى بدأ شبح العنوسة يحوم حولها ولم يتحرك لها ساكن حتى اتفقت النسوة فى عائلتها على حرمانها من الطعام ولو بالقوة ونجح مخططهن واستجابت الفتاة الجميلة لنصائح الجدات وبعد عام من رحلة شقاء وعناء فقدت جزءا من وزنها وطرق بابها أحد شباب عائلتها الذى كانت أوصاله ترتجف لها منذ طفولتها وتزوجها على وعد منها بأنها لم تعد لشهوة الطعام ثانية، فى العام الاول والثانى على الزواج، واستسلمت الزوجة لشهوتها الوحيدة وعادت تلتهم الاكل بشراهة حتى تضاعف وزنها ولم تقو قدماها على حمل هذا الكم الهائل من اللحم حتى سئم زوجها الشاب رؤيتها خاصة عندما حرمته نعمة الإنجاب، حيث أكد الأطباء ان بدانتها ستحول دون قدرتها على إنجاب الولد، خاصم النوم جفون الشاب عندما علم ان محبوبته سوف تفقده العصا التى سيتوكأ عليها عند الكبر وانه لن يجد من يحمل نعشه عند مماته ليتوارى جسده خلف الثرى، وتثاقلت الهموم على كتفيه وخاصة مع إلحاح والديه ورغبتهما فى رؤية الحفيد قبل ان يطرق ملك الموت بابهما.
اشتعلت نيران الارادة داخل عروق الزوجة وقررت ان تعلن ثورتها على الطعام وشغلت وقتها بقراءة كل ما يكتب عن مراكز التجميل وجراحات السمنة فى مصر فهى البلد القريب من قلبها، وبعض افراد عائلتها تعيش على ثرى أرض الكنانة حتى زفت اليها إحدى قريباتها من مصر البشرى وهى اكتشاف مركزا لشفط الدهون وعلاج السمنة بشارع حسانين هيكل بمنطقة مدينة نصر وشدت الرحال لمصر وبداخلها يحبو حلم العودة لبلدها وهى نحيفه ولا يزيد وزنها عن ستين كيلو على الأكثر.
ترددت الزوجة على مركز التجميل لإجراء الفحوصات حتى تحدد موعد إجراء العملية وطارت الى الطبيب المعجزة الذى استعان بطبيب تخدير وممرضة أثناء إجراء عملية شفط الدهون والألياف، وبعد أن انتهى طبيب التخدير من مهمته ترك الزوجة بين يد الطبيب الجراح والممرضة وذهب للبحث عن ضحية جديدة وبعدها فارقت الزوجة الشابة الحياة قبل ان يستكمل الطبيب المشهور العملية الجراحية بدم بارد وقلب عليل اتفق مع الممرضة وموظف الاستقبال بالمركز الطبى أن ينتظروا حتى يسدل الليل أستاره ثم وضعوا جثة الزوجة على كرسى متحرك ونزلوا بها من العقار رقم 11 وزعموا أمام حارس العقار أنهم سوف يقومون بتوجيهها لمنزلها قبل ان تفيق من آثار المخدر وتنتابها آلام ما بعد الجراحة ووضعوها داخل سيارة الطبيب وتوجهوا بها الى شارع التسعين بمنطقة التجمع الخامس ، حيث يسكن الطبيب الشهم واستغلوا الظلام الدامس ودخلو احد الشوارع من المارة وألقوا بجثة الزوجة فى الشارع لتنهشها الكلاب الضالة ورحل كل واحد منهم الى مسكنه.
فى اليوم الثانى توجه طبيب التخدير الى المركز وسأل عن مريض الأمس واخبره صاحب المركز بما حدث وأنه قدمها وجبة شهية للكلاب الضآلة.
اكتشف الأهالى جثة الفتاة يوم 5 نوفمبر الماضى وتبين أنها مجهولة الهوية لان كتيبة الموت سلبتها كل مايدل على شخصيتها وبعد تحريات استمرت فترة طويلة تمكن العميد عبد العزيز خضر مفتش مباحث شرق القاهرة من كشف غموض مقتل الزوجة، وداهمت قوة من المباحث المركز الطبى وتم القبض على صاحبه واعوانه وامام بكر أحمد بكر رئيس نيابة حوادث شرق القاهرة، ووليد السعيد رئيس نيابة القاهرة الجديدة اعترف الطبيب الجراح بجريمته، بينما أكد طبيب التخدير أنه أدى مهمته على أكمل وجه ولم يشترك فى إزهاق روح المجنى عليها وامرت النيابة بتشريح جثة القتيلة لمعرفة اسباب الوفاة وتسليم جثتها لسفارة بلدها وحبس صاحب المركز الطبى وطبيب التخدير والممرضة وموظف الاستقبال 15 يوما على ذمة التحقيقات وأسدل الستار على رواية مأساوية بطلها طبيب استباح أرواح العباد وسفك دمائهم.





المصدر الاهرام

تعليقات

المشاركات الشائعة