محمد الدسوقى رشدى يكتب : الدروس المستفادة من موقعة تفجير البرجين فى مدينة الإنتاج الإعلامى



مفيش أمن.. مفيش خطط بديلة.. مفيش معلومات.. فيه اختراق لوزارة الكهرباء.. الشعب يكره الفضائيات

فى أفلام هوليود البوليسية يتفنن المؤلف والمخرج معا فى أن يمنحا اللص أو المجرم فرصة لأن يسبق الأمن دوما بخطوة حتى تستمر الإثارة.. السينما تتحمل هذا النوع من التفوق النسبى للمجرم أو الإرهابى، أما الواقع فلا، لأن خطوة واحدة لصالح جانب الشر تعنى المزيد من الخسائر البشرية والمادية والمزيد من تآكل الهيبة وتلاشى ثقة المواطن فى جهازه الأمنى. فى مصر حيث الواقع أشد مرارة، تقول كل المعلومات المتوافرة وكل الحوادث الإرهابية الأخيرة، إن عصابات التطرف تسبق أجهزة الأمن بخطوات، ولهذا كان سهلا أن تتكرر حوادث التفجير فى سيناء بنفس الأسلوب ونفس الأدوات من كرم القواديس والكتيبة 101 إلى قسم ثالث العريش، وتنسخ بالكربون عمليات تفجير محولات وأبراج الكهرباء المغذية للمنشآت الحيوية بنفس نوع العبوات الناسفة وطريقة التفجير. قبل ساعات من العملية الإرهابية التى أدت إلى انهيار برجى الكهرباء المسؤولون عن تغذية مدينة الإنتاج الإعلامى والنايل سات كانت المعلومات الواردة من أوراق التحقيقات الخاصة بانفجار قسم ثالث العريش تقول بأن أجهزة الأمن مخترقة وأن جماعة أنصار بيت المقدس نجحت فى فك شفرات اللاسلكى ومتابعة تحركات القوات، وأماكن تمركزها بشكل سهل عملية ضربها، وفى الثانية عشرة منتصف ليل الثلاثاء كان واضحا أن عصابات الإرهاب تملك من المعلومات عن تحركات القوات والأماكن المؤمنة وخطوط الكهرباء ما يمكنها من أن تتحكم فى وضع منشأة حيوية مثل مدينة الإنتاج الإعلامى، وتسبب هذه الفضيحة لدولة فى حجم مصر عبر إخراس أغلب وسائل إعلامها بـ8 قنابل تم زرعها أسفل أبراج الكهرباء المغذية لمدينة الإنتاج فى غيبة مريبة لأجهزة الأمن. 

الآن تبدو الأمور واضحة، الخطة الأمنية لتأمين واحدة من أهم المنشآت الحيوية فى مصر، مدينة الإنتاج الإعلامى، قاصرة لدرجة أنها تخيلت أو توهمت أن تأمين المدينة من الأعمال الإرهابية يقتصر على تأمين أسوارها وبواباتها وتفتيش سيارات الداخل والخارج، لا خطة تأمين لخطوط الكهرباء التى تغذى هذه المدينة بالحياة فقط، لأن الأبراج التى تفعل ذلك تبعد عن المدينة بحوالى 4 أو 5 كيلو مترات. انطلقنا خلف سيارات الإطفاء، لنكون معها أول الواصلين إلى مكان التفجير، فقط أنا ومجموعة بسيطة من رجال الشرطة، تبعتنا مدرعة تابعة للقوات المسلحة، هنا فى تلك المنطقة الصحراوية القابعة خلف مدينة الإنتاج ومنطقة النايل سات، حيث الطريق أكثر ظلاما من الظلام نفسه، تستطيع أن تقول إنه مقطوع، وتستطيع من المعاينة الأولى أن تكتشف أن هذا الطريق الذى تعبره مجموعة من أبراج خطوط الضغط العالى الكهربائية المسؤولية عن تغذية مناطق مثل هضبة الأهرام ومنطقة هرم سيتى ومدينة الإنتاج الإعلامى لا تؤمنه دورية شرطة واحدة ولا يتحكم فيه كمين واحد، منطقة خلفية مهملة مثل باقى المناطق الخلفية فى مصر. 

تفجير برجى كهرباء بمحيط "الإنتاج الإعلامى" كان واضحا للعيان أن الكارثة كبيرة، خطوط الضغط العالى تتدلى عبر الطريق الذى يخترق الصحراء الموحشة والمظلمة وتكاد تلامس الأرض، ويبدو البرج الموجود يسار الطريق مائلا منكسا، بينما البرج الآخر الموجود يمين الطريق نائما محتضنا الأرض، اتخذت القوات الموجود كافة الإجراءات لإغلاق الطريق، وكان الجميع فى انتظار خبراء المفرقعات. 
قوات الحماية المدنية تدفع بسيارتها لمحيط حادث انفجار برجى كهرباء بالإنتاج الإعلامى رجال المفرقعات كانوا أحلى من فى هذا المشهد المرتبك والعبثى، كانوا رجالا بحق وصلوا بسرعة، وتحركوا سريعا وقاموا بمساعدة الكلاب بتمشيط المنطقة، وتوغلوا فى الصحراء المظلمة، ليكتشفوا أن عملية التفجير حدثت بنفس الطريقة المعتادة، أسفل كل برج زرع الإرهابيون 4 قنابل الواحدة فيها تزن 5 كيلو جرامات، أى 8 قنابل بوزن 40 كيلو جرامات، تم إعدادها لإصابة مدينة الإنتاج الإعلامى بشلل تام، اكتشف خبراء المفرقعات أن ثلاثة قنابل من أصل أربعة فى كل برج انفجرت وأدت إلى انهيار البرج، وتبقت عبوة ناسفة أسفل كل برج لم تنفجر بعد، تحركوا سريعا وقاموا بنقل العبوتين إلى الأسفلت بعيدا عن باقى الأبراج الكهربائية، وبدأت عملية التفكيك سريعا وتمت بنجاح وكان لصوت تفكيك القنبلة الثانية وقعا مخيفا يجعلك تؤمن أن أبطال المفرقعات يستحقون منك كل تحية. 

آثار انفجار برجى الكهرباء بمدينة الإنتاج الإعلامى توافدت القيادات الأمنية على المكان، رجال المباحث بدأوا فى تمشيط المنطقة وعمليات التحرى، اتخذ بعضهم ركنا فى سيارة يحلل شيئا ما كان موجودا فى القنبلة ربما يكون شريحة الموبايل التى يتم من خلالها عادة التفجير، ثم وصل مدير الأمن وبدأ يستمع لشرح حول الموقف، رفض الإدلاء بتصريحات، استمع لتقييم الموقف من ناحية الكيفية التى سيتم من خلالها إعادة التيار الكهربائى لمدينة الإنتاج، ثم انصرف من الموقع وبدأت بعض العصبية تظهر على وجوه بعض من الضباط، وبدأ أحدهم فى الصراخ لمنع كاميرات التليفزيون من التصوير وكان له ما أراد. فى المدينة كان الوضع كما هو ظلام دامس ومحاولات فضائية للاستعانة بمولدات الكهرباء، على الأبواب تتوافد سيارات نقل فى تمام الساعة الثالثة بعضها يحمل مولدات كهربائية تابعة لوزارة الكهرباء وبعضها تابع لشركات خاصة، وبدأت الحياة تعود تدريجيا للمدينة، ومع عودتها كان من الضرورى أن نقف لنتأمل الدرس المستفاد من موقعة تفجير البرجين. 

أحد الأبراج التى تم تفجيرها على يد إرهابيين 1 - الارتباك كان سيد الموقف، والارتباك لا تلده سوى بيئة تفتقد للمعلومة والخطط البديلة. 2 - طريق مهم هو الظهير الجغرافى هو الحد الجنوبى للنايل سات ومدينة الإنتاج الإعلامى، وبخلاف ذلك يضم مجموعة أبراج الضغط العالى الكهربائية المسؤولة عن تغذية هذه المنشآت الحيوية، ومع ذلك هو مظلم تماما وغير مؤمن بالكامل. 3 - الإخوة فى التليفزيون المصرى مصممون على أن يظهروا بنفس الصورة أمام الشعب المصرى، مضللين ولا يمنحون الناس المعلومة الصحيحة بدليل مسارعتهم، بالتأكيد على أن ما حدث سببه عطل فنى. 4 - اختراق أجهزة الدولة المختلفة والخيانة هما عدوا هذا الوطن الرئيسى، لأن تفجير هذين البرجين تحديدا من بين عشرات الأبراج الكهربائية فى نفس المكان والمنطقة، وتحديد أن البرجين هما المسؤولان عن تغذية مدينة الإنتاج الإعلامى، يعنى أن وزارة الكهرباء بداخليها من يمول الإرهابيين بخرائط واضحة للمعلومات، خاصة وأن المسافة بين البرجين اللذين تم تفجيرهما تتجاوز 15 مترا. 5 - الإرهابى الذى وجد الوقت لزراعة 8 قنابل حول برجين المسافة بينهم حوالى 150 مترا وبينها طريق به حارتان من المؤكد أن ذاكر المنطقة جيدا، وكان فى راحة ويشعر بالأمان لغياب الأمن وهو يقوم بجريمته. 6 - الفضيحة الأكبر أن منشأة بأهمية مدينة الإنتاج الإعلامى لا تملك خططا بديلة للتعامل مع الطوارئ، فلا خطا كهربائيا بديلا ولا مولدات جاهزة بداخلها تسعفها وقت الكارثة. 7 - ضباط المفرقعات يستحقون كل التحية والكثير من الإشادة على احترافيتهم وسرعته وتعاملهم الواثق مع الموقف، ورغم كل الملاحظات يبدو الدعم واجبا لكل رجال الشرطة فى حربهم ضد الإرهاب. 8 - وأخيرا وربما يكون الدرس الأهم من هذه الحادثة والذى يحتاج إلى تأمل ومذاكرة من العاملين فى صناعة الميديا بمصر هو ضرورة دراسة حالة الفرحة التى انتابت المصريين مع انقطاع بث الفضائيات، وحديث الناس على أنهم سيرتاحون كثيرا من تضليل الإعلام وأداؤه السيئ، هذه فرحة تحتاج من صناع الإعلام فى مصر إلى تأمل، وسعى للإجابة على سؤال هام يقول لماذا يكره الناس الإعلام؟، وكيف يمكن معالجة الأمر؟! 





المصدر اليوم السابع

تعليقات

المشاركات الشائعة