في قمة كمبالا.. عرض مصري لتجاوز مأزق "عنتيبي" وضبط ميزان العدل المائي بعيدًا عن المساومات
المصدر بوابة الاهرام
في خطوة تؤشر إلى أن قضية الموارد المائية تحتاج لمستوى عالٍ من الإرادة السياسية.. تعقد في أوغندا الأربعاء والخميس المقبلين القمة الرئاسية لدول حوض النيل، والتي تعتبر نموذجا جديدا في إدارة الخلافات الإقليمية حول الملف المائي، لأنها المرة الأولى التي تنتقل فيها قضية الخلافات المائية بين دول الحوض من المستوى الوزاري إلى الرئاسة الجماعية، ما يعطي انطباعا أن القضايا المائية لم تعد قضايا فنية تخضع لحسابات خبراء الري، ولكنها أصبحت مرتبطة بما يحدث في العالم من استقطابات وخصوصا في القارة الإفريقية التي تحولت إلى وجهة للقوى العالمية بداية من واشنطن وموسكو والصين وصولا إلى إيران والدول الخليجية بالإضافة إلى إسرائيل، لما لهذه المنطقة من أهمية في حسم ميزان القوى الإقليمي.
القمة التاريخية المنتظرة تم تأجيلها أكثر من مرة بسبب الظروف السياسية التي مرت بها أغلب بلدان اتفاقية حوض النيل ، فمصر كانت مشغولة بأوضاعها الداخلية نتيجة ما يسمي بالربيع العربي، وأحداث الانفصال بين السودان وجنوبه ، بالإضافة إلى أزمة سد النهضة بين إثيوبيا ومصر ، وغيرها من الأحداث التي عطلت هذا اللقاء ، ويهدف هذا اللقاء "الاستثنائي" إلى بناء توافق إقليمي يخرج مبادرة حوض النيل من عثرتها التي امتدت لسنوات.
دوافع عدة جعلت من قضية الموارد المائية لدول حوض النيل هاجسا يؤرق زعماءها ، ويفرض عليهم ضرورة التوافق والبحث عن مخرج للخلافات بين الدول، الأول: انحسار الموارد المائية لدول حوض النيل ورفض المؤسسات الدولية من ضمنها البنك الدولي والأمم المتحدة تمويل مشروعات مشتركة تم الاتفاق عليها ضمن بنود مبادرة حوض النيل 1999، ورهن الموافقة على تلك المشروعات بالتوقيع الجماعي على اتفاقية عنتيبي ، حيث تحفظت مصر والسودان على التوقيع باعتبارهما دولتي المصب وتأثيرها سيكون سلبيا عليهما ، من ناحية تقليص حصتيهما التاريخية.
الثاني: تصاعد الأزمة بشأن سد النهضة الإثيوبي بالتزامن مع عودة مصر إلى محيطها الإفريقي بعد تجميد أنشطتها بالاتحاد الإفريقي عقب ثورة يناير، حيث استعادت مصر زخمها في هذا السياق من خلال زيارات الرئيس السيسي إلى أفريقيا حيث زار أوغندا في 2016، ونيروبي في 2017، وشارك في قمة الاتحاد الأفريقي بأديس أبابا في يناير 2017، وهنا يأتي الحديث عن وثيقة المبادئ 2015 بعد فشل المباحثات الفنية بين مصر والسودان وإثيوبيا .
وثيقة المبادئ هي ذلك الاتفاق الذي يعتبر اعترافا مصريا بسد النهضة، ويتضمن عدة بنود تؤكد التعاون والتشاور والمنفعة المشتركة وتفهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب وعدم التسبب في الضرر وغيرها، بالإضافة إلى مجموعة من البنود الخاصة بسنوات ملء الخزان والدراسات الفنية .
الثالث: رغبة أديس أبابا في الحصول على منافذ لتمويل مشروعات السدود لتحويلها إلى دولة منتجة ومصدرة للطاقة الكهربائية ، ما يجعلها تبحث عن طريقة تحسم بها هذا الجدل الدائر بشأن السد واستمالة كل الأطراف إليها ، حيث إنه من الصعوبة على إثيوبيا أن تفرض شروطها على دول حوض النيل لأن الأمر يختلف عن موضوع سد النهضة .
أزمة "عنتيبي"
كانت اتفاقية عنتيبي إحدى العقبات الرئيسية أمام التوصل لتفاهمات بين دول حوض النيل بشأن توزيع الحصص المائية ، حيث رفضت مصر والسودان التوقيع على الاتفاقية باعتبارها لا تراعي التوزيع العادل لمياه النيل (55.5 مليار م3 لمصر، 18.5 مليار م3 للسودان)، كما أن القاهرة لا تملك موارد مائية بديلة كما باقي الدول المشتركة معها في النيل ، ولذلك فإن فكرة العدالة في توزيع الحصص المائية والتي كانت أحد محاور اتفاقية عنتيبي لم تكن في محلها ، وتحاول قمة أوغندا اليوم صناعة رؤية مشتركة تتجاوز الصياغات القديمة إلى نقاط أخرى أكثر قبولا من كل الأطراف .
نقاط أخرى في اتفاقية عنتيبي جعلت من تنفيذها على أرض الواقع أمر شديد الصعوبة ، فإلى جانب أزمة التوزيع العادل للحصص المائية ، هناك أيضا أمور خلافية مثل طريقة التصويت ، التي اشترطت الثلثين ، بالإضافة إلى رغبة القاهرة في ضرورة إبلاغها بأي مشروعات يتم تنفيذها ويمكن أن يكون لها تأثير على دول حوض النيل ، وهو ما تعتبره تلك الدولة أمرا يصطدم بمسألة السيادة ، وذلك من ضمن التحديات التي تبحثها قمة أوغندا.
تساؤلات
يعتقد بعض المتابعين أن هذه القمة سوف تشهد تغيرا في المواقف لاسيما الموقفين المصري والسوداني ، باعتبارهما الدولتين غير الموقعتين على الاتفاقية الإطارية ، ورغم أن هذا الحديث ينطوي على عدة إشكاليات بالنسبة للقاهرة إلا أنه مطروح من زاوية تعامل القاهرة مع الموضوع من مبدأ النوايا الحسنة مع ضمان عدم تأثرحصتها .
مراقبون طرحوا استفهاما حول مشاركة مصر في القمة ، وما الذي يمكن أن تجنيه القاهرة من هذا اللقاء خصوصا ما يتعلق بأزمة سد النهضة وحصتها المائية ، وهل يمكن أن توقع مصر على الاتفاقية الإطارية .
واقع الأمريقول إن هناك إستراتيجية جديدة سيتم الإعلان عنها في ختام القمة الرئاسية ، ووفقا لمراقبين فإن هذه الإستراتيجية ربما تكون عبارة عن صيغة جديدة تشكل حلا يحقق مصلحة مشتركة لكل الأطراف بحيث لا ينتقص من الحصص المائية لأحد ولا يمنع دولة من تنفيذ مشروعاتها القومية والاستفادة منها في خطط التنمية .
السودان تساوم
يبقى الموقف السوداني في سياقه غير الواضح ، والنابع في الأساس من فكرة أن الخرطوم لن تتأثر كثيرا بمسألة التوقيع على اتفاقية عنتيبي ، أو حتى الموافقة على سد النهضة الإثيوبي ، إذا أخذنا في الاعتبار مصادر أخرى بديلة يمكن أن تعتمد عليها بالإضافة إلى اختلاف حسابات الخرطوم عن القاهرة في هذا الموضوع ، وهو ما يجعل من مسألة التوقيع على الاتفاقية ورقة يستطيع نظام البشير توظيفها في سياق الخلاف المصري السوداني حول الكثير من الملفات ومنها على سبيل المثال قضية حلايب وشلاتين ، بالإضافة إلى التباين في المواقف السياسية بين البلدين .
ويرى مراقبون أن مصر ستواجه أزمة حقيقة في حال نفذ السودان تلميحاته بالتوقيع على اتفاقية عنتيبي ، وهو ما سيفقد القاهرة قدرتها على التأثير حيث ستصبح وحيدة في مواجهة بقية دول حوض النيل ، خصوصا أن نصيب الفرد المصري من مياه النيل قد زاد بعد أن وصل عدد سكانها إلى أكثر من 90 مليون ، ما يفرض على القاهرة ضرورة إيجاد مخرج والبحث عن بدائل .
د. هانى رسلان رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام لم يستبعد هذا الطرح القائم على الموقف العدائي من دولة السودان تجاه مصر ، لاسيما أن التغيرات الحاصلة في العالم العربي تجعل من هذا السيناريو أمر ممكن الحدوث ، حيث إن التعاون السوداني الإثيوبي أمنيا وعسكريا وسياسيا ، يتزامن مع التفاعلات الحاصلة في منطقة الخليج بعد مقاطعة قطر .
"رسلان" رصد تراجع الموقف السوداني في تصعيده ضد مصر الفترة الأخيرة ، مرجعا السبب إلى تغير الظروف الإقليمية ، والتي تفرض على الخرطوم ضرورة تليين مواقفها مع القاهرة، مشيرا إلى أن القاهرة ستعرض خلال القمة صيغة مبادرة جديدة تتجاوز فيها النقاط الخلافية لعرضها على المستوى الرئاسي ، معتبرا أن مجرد انعقاد القمة هو دليل أو مؤشر على قبول العرض المصري الجديد.
ويرى مراقبون أن مصر ستواجه أزمة حقيقة في حال نفذ السودان تلميحاته بالتوقيع على اتفاقية عنتيبي ، وهو ما سيفقد القاهرة قدرتها على التأثير حيث ستصبح وحيدة في مواجهة بقية دول حوض النيل ، خصوصا أن نصيب الفرد المصري من مياه النيل قد زاد بعد أن وصل عدد سكانها إلى أكثر من 90 مليون ، ما يفرض على القاهرة ضرورة إيجاد مخرج والبحث عن بدائل .
د. هانى رسلان رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام لم يستبعد هذا الطرح القائم على الموقف العدائي من دولة السودان تجاه مصر ، لاسيما أن التغيرات الحاصلة في العالم العربي تجعل من هذا السيناريو أمر ممكن الحدوث ، حيث إن التعاون السوداني الإثيوبي أمنيا وعسكريا وسياسيا ، يتزامن مع التفاعلات الحاصلة في منطقة الخليج بعد مقاطعة قطر .
"رسلان" رصد تراجع الموقف السوداني في تصعيده ضد مصر الفترة الأخيرة ، مرجعا السبب إلى تغير الظروف الإقليمية ، والتي تفرض على الخرطوم ضرورة تليين مواقفها مع القاهرة، مشيرا إلى أن القاهرة ستعرض خلال القمة صيغة مبادرة جديدة تتجاوز فيها النقاط الخلافية لعرضها على المستوى الرئاسي ، معتبرا أن مجرد انعقاد القمة هو دليل أو مؤشر على قبول العرض المصري الجديد.
تعليقات
إرسال تعليق