سليمان شفيق يكتب : 4 أزمات تهدد خارطة الطريق .. قانون التظاهر عرى الحكومة وكشف المعارضة.. والصراع على كعكة الدستور.. والإخوان من الفشل فى الإرهاب إلى إثارة الطائفية.. وانقسام القوى الثورية
تتضارب الآراء بين المحللين والخبراء حول قانون التظاهر، وأكثر من %70 من الذين يدلون بدلوهم، يتحدثون عن مواد القانون.. فى مقارنة مع القوانين المشابهة فى الغرب!! وكأن الخلاف يدور حول مضمون القانون! والبعض الآخر يناقش كيفية تطبيق وزارة الداخلية للقانون، وكأن المشكلة أمنية فحسب، وأطراف ثالثة ناقشت الأمر على أن هناك مؤامرة إخوانية.. إلخ.
وكما يقول الفيلسوف الألمانى إنجلز: إن تحليل ثمرة الجوز يعنى كسرها، ولذلك لابد أن نفكك الوضع فى مصر الآن، لكى نستطيع بعد ذلك أن نركب المشهد، ونصل إلى رؤية تمكننا من إدراك ما يحدث، من مختلف الاتجاهات:
أولا: القوى السياسية والحزبية: انقسمت القوى السياسية والحزبية إلى اتجاهين أساسيين: أ- القوى والأحزاب القديمة: وتحلت بالصمت، أو هاجمت شباب الثوار، دون أن تتعرض للقانون وصبت جام غضبها على تعطيل المظاهرات للحياة العامة.. ولعبت الفضائيات والصحف المحسوبة على تلك القوى والأحزاب دورا كبيرا فى شن الهجمات والاتهامات على 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين، والثوار عموما، واستقوت هذه الأذرع الإعلامية بأحاديث مع جماهير عادية، هاجمت بقسوة الثورة والثوار، ولم تبخل هذه القوى وأذرعها الإعلامية عن استخدام الاتهامات بالتمويل الأجنبى، والعمالة، والخيانة.. إلخ.
ب- القوى والأحزاب الحديثة: وأسرعت باستخدام العصا من المنتصف، هاجموا القانون، ولكنهم لم يشاركوا فى التظاهرات «باستثناء المصرى الديمقراطى، والدستور» والذين انخرط شبابهما بشكل تلقائى فى المظاهرات، ووصل الأمر إلى انسحاب 10 أعضاء من لجنة الخمسين من الجلسة اعتراضا على قمع الشرطة للشباب أمام مجلس الشورى، وكان من هؤلاء د. محمد أبوالغار رئيس الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، والدكتورة هدى الصدا عضو قيادة الحزب، وكان الأمن قد ألقى القبض على العديد من شباب الحزب، ومن أشهرهم النائب السابق زياد العليمى، الأمر الذى وضع الحزب فى مأزق، كون رئيس الوزراء د. حازم الببلاوى ونائب رئيس الوزراء د. زياد بهاء الدين أعضاء قياديين فى الحزب، كل ذلك دفع قيادة الحزب إلى مزيد من التشدد، ووصل الأمر إلى دعوة قياديين بالحزب، ومنهم السكرتير العام أحمد فوزى إلى دعوة الببلاوى وزياد للاستقالة، وسار على هذا النهج نائب رئيس الحزب د. عماد جاد، والنائب السابق باسم كامل وآخرين، كل ذلك جعل شباب الثوار ينظرون بارتياح لا يخلو من دهشة إلى موقف الحزب!
القوى الثورية والتأييد عن بعدانقسمت حركة تمرد بين قيادة لم تنطق، وقواعد انخرط بعضها فى التظاهر، وألقت الشرطة القبض على بعض أعضاء تمرد، بل فى بعض شعارات المتظاهرين تمت مهاجمة تمرد، من يتابع التظاهرات يجدها تكاد تكون منحصرة فى جانب من 6 إبريل وجانب آخر من الاشتراكيين الثوريين، وعشرات من أحزاب المصرى الديمقراطى والدستور، ومن الملاحظ أن شعارات المظاهرات لم يكن من بينها أى شعارات دينية، أو من تلك التى تهاجم الجيش أو الفريق أول عبدالفتاح السيسى، ولم يكن هناك من بين المتظاهرين أى عدد من الإخوان أو السلفيين.. مثلما حدث فى ذكرى محمد محمود.إذا دققنا النظر أيضا لن نجد أن نفرا من الحركات القبطية قد اشتركت فى التظاهرات، مما يشير إلى أن الحركات لم تنخرط بشكل كامل ولم تدع أعضاءها لذلك، رغم أن اتحاد شباب ماسبيرو كان قد أصدر بيانا ضد قانون التظاهر.
السلفيون ومعركة الدستور لم ينخرط السلفيون بالطبع فى المظاهرات، وانشغل قادة التيار بمعركة ديباجة الدستور ومنذ أن أعلنت حكومة الببلاوى قانون التظاهر، تصلب السلفيون فى آرائهم بضرورة تمرير روح المادة 219 تحت ستار تفسير المحكمة الدستورية من خلال «حصان طروادة» المسمى «الديباجة»، أو إلغاء كلمة «مدنية» وإن لم يستطيعوا فأهلا بالتحايل عليها، وفى نفس الوقت استغلت عناصر من 6 إبريل وأخرى من الفوضويين «الاشتراكيين الثوريين»، الأمر وتحرشوا بالحكومة لـ«دبح القطة» للحكومة، وتصادموا مع الداخلية من أجل أن تسيل دماء، وتسقط ضحايا، ويتقدم حلفاء الإخوان للمشهد من جديد، والغريب أن من كانوا يهاجمون الحكومة على أنها «مرتعشة الأيدى» هم الذين يهاجمونها لأنها استخدمت القبضة القوية؟! نعود إلى السلفيين الذين استخدموا كل أساليب الضغوط لتمرير مخططهم، وكأن السلفيين يستشعرون أن هناك اتجاها حكوميا للتصالح مع الإخوان، فأسرعوا بمحاولة الحصول على أكبر مساحة ممكنة تمكنهم من التواجد فى ظل عودة الإخوان، و6 إبريل والاشتراكيين الثوريين يريدون فتح ثغرة فى جدار 30 يونيو ليعبر منها الإخوان، وأغلب القوى الوطنية وقعت فى فخ ابتزاز الجماعات الثورجية، وحتى أطراف من الحركات القبطية انغمست فى التشدد، ونسى الجميع أن الإخوان على الأبواب.. ينتظرون أن يمروا لا قدر الله من الثغرة.. بعد أن وقع الجميع فى الفخ: الحكومة الضعيفة التى لا ترى الإخوان «جماعة إرهابية»، والثوار الذين يعبدون صنم التظاهر، والأقباط الذين بددوا طاقتهم فى معارك «الكوتة»، فقط السلفيون هم المتيقظون، والساهرون على خلخلة جبهة 30 يونيو، ولست أدرى ما الذى دعى الحكومة أن تختار هذا التوقيت لإعلان موقفين متناقضين: تبرءة الإخوان من الإرهاب!! وإصدار قانون التظاهر بالتزامن مع تلك التبرئة؟ وكأن الحكومة تريد أن تخصم من شعبية الفريق أول عبدالفتاح السيسى وقوى 30 يونيو قبل التصويت على الدستور!
مِن لعب دور الضحية إلى الفتنة الطائفية كانت مصادر قد أكدت أن التنظيم الدولى للإخوان، خصص 45 مليار دولار من أجل محاولة تفكيك جبهة 30 يونيو، واستقطاب أطراف من ذلك المعسكر فى اتجاه الإخوان، وكذلك أشارت تلك المصادر إلى أن التنظيم ينتوى القيام باغتيالات شخصيات عامة وأمنية، وكما نشاهد فقد تم اغتيال المقدم محمد مبروك، واستغلت 6 إبريل والفوضويون من الاشتراكيين الثوريين، عدم قراءة الحكومة للمشهد بشكل جيد، ويحاولون فتح ثغرة فى جدار ثوار 30 يونيو، كما نرى أن الأذرع الإعلامية للإخوان تحاول أن تثبت ذلك بشتى الطرق، ولكن الأجهزة الأمنية استطاعت أن تطوق الحالة وتمتص الحالة فى اليوم التالى.. بعد أن أعطت تصريحا بالتظاهر فى اليوم الثانى، الأمر الذى امتص حالة الغضب فى أوساط القوى الثورية، وعاد العشرة أعضاء الغاضبين إلى لجنة الدستور.. بعد أن خشوا الوقوع فى فخ حلفاء الإخوان، ولمحاولة إحباط المخطط السلفى فى لجنة الخمسين، إلا أن الإخوان حينما أدركوا أن محاولة حلفائهم قد فشلت فى إثارة الفوضى، فعادوا إلى العمل فى اتجاهين: الاتجاه الأول: يحاول أن يلعب دور الضحية عبر استعطاف الرأى العام تجاه الأحكام التى صدرت من محكمة جنح سيدى جابر تجاه الفتيات الإخوانيات، وبدلا من أن تدرك القوى الثورية أنه حكم ابتدائى.. قامت بابتلاع الطعم، والاتجاه الثانى هو استخدام ورقة الطائفية فى المنيا، حيث استغلت خلافا بين مزارع مسيحى من قرية نزلة عبيد وآخر مسلم من قرية الحوارتة المجاورة وأشعلتها نارا، وكما جاء ببيان الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا: «أن انضم إلى المشاجرة والمعتدين جماعة من الإخوان المسلمين وأطلقوا الرصاص على المسيحيين، فقتل على الفور جرجس كمال حبيب 27 سنة كما أصيب 20 شخصا كلهم من المسيحيين» ومن نزلة عبيد شمالا إلى نزلة البدرمان جنوبا «65 كيلو جنوب المنيا وتابعة لمركز ملوى» كما أكدت مصادر للباحث بأن جماعات من فلول الإخوان أيضا قد استغلوا إشاعة حول علاقة بين فتاة مسلمة وشاب مسيحى، وحرضوا أهالى القرية على الاعتداء على ممتلكات ومنازل الأقباط، مما أدى إلى اقتحام منزلين لقبطيين ونهبهما، وجرح العديد من الأقباط، بعد أن أضرموا النيران بالمنزلين.
كذلك يحاول الإخوان استخدام الإرهابيين فى سيناء حيث لجأوا للعمليات الانتحارية مثل الهجوم على مقر المخابرات العسكرية فى رفح، فى دلالة واضحة على فشلهم فى العمليات المباشرة، وانخفاض معدلات الإرهاب فى سيناء.
صناعة الفوضى وثقافة القوى الثورية من يحلل مضمون مواقف القوى الثورية، يكتشف أن الدفاع عن حق التظاهر تحول من وسيلة إلى غاية، وأن شباب الثوار فى كل الأحزاب ضد القانون فى الأغلب، وذلك لأن ثقافة التظاهر أصبحت من وجهة نظر شباب الثوار إلى جوهر آليات العمل الثورى، وكأنهم لا يملكون غير ذلك، ولم تعد المظاهرات وسيلة بل هدفا، ومن جهة أخرى يخشى قادة الأحزاب من تمرد قواعدهم الثورية عليهم.. الأمر الذى دعاهم إلى التواطؤ مع الشباب فى انتهازية مفرطة، وآخرون من القيادات الحزبية صمتت فى انتهازية أيضا، لرغبتهم فى استغلال ثورة الشباب فى الانتخابات البرلمانية القادمة، وكذلك الحكومة التى استيقظت بشكل مفاجئ لاستخدام القبضة الحديدية، فى اليوم التالى لتأكيد رئيس الحكومة د. حازم الببلاوى أن الإخوان ليسوا جماعة إرهابية!!
مصر إلى أين؟ بعد أن استعرضنا كل جوانب الثورة لابد أن نتساءل: هل تصدع حلف 30 يونيو بعد أن تضاربت آراء حول القانون، وكما صرح عبدالغفار شكر رئيس حزب التحالف الاشتراكى للكاتب: «لقد صدر القانون الخطأ فى الوقت الخطأ وبدلا من أن تقوم الشرطة بمكافحة الإرهاب هناك من يوجهها ضد الثوار»، وكما تقول الناشطة إيمان عوض «القانون ليس موجها ضد الإخوان بل ضد الثوار»، ولكن اللواء محمد نور الدين مساعد وزير الداخلية السابق يؤكد: «الجيش والشرطة من الشعب ومن قيادات ثورة 30 يونيو».
ولازال الجدل مستمرا، ودماء شهداء الشرطة والقوات المسلحة تسيل من سيناء حتى القاهرة، ومشهد أمهات شهداء الضباط والجنود «يقطع القلب»، وتبقى التساؤلات: هل هناك من يجرى تمهيدا لعودة «الدولة البوليسية»؟، أم البعض يحرث الأرض لعودة الإخوان للمشهد السياسى؟ أم من يديرون الوطن يخلقون المناخ المناسب للتضحية بالحكومة قربانا لترتيب أوراق الاستحقاقات البرلمانية والرئاسية؟أيا كانت الإجابات فإن المستفيد الوحيد من كل ما يحدث هو الإخوان، وأن الخاسر الوحيد هم الثوار، واللهم انى قد أبلغت اللهم فاشهد.
المصدر اليوم السابع
تعليقات
إرسال تعليق