بعد انتظاره 15 عاما بيـد الغـدر.. قتلـوا ابنـى
المتهمون بعد القبض عليهم
ضاعت معظم سنوات العمر في انتظاره.. كانت محفوفة بالأمل.. ومزقت الغربة والوحشة صدر الأبوين وسرقهما الشوق لإنجاب الولد من كل بقاع الدنيا وأن انجابه سوف يضعهما علي قمة عرش الأيام.
مرت الشهور والسنون وافترشت الأم المشتاقة سنوات عمرها بالأمل والتمني، وكان الحلم بإنجاب الولد هو القدر المعلق بأنفاسها ويفزعها صراخه في أحلامها الهادئة وتمنت أن تدفع كل سنوات عمرها ثمنا لإنجاب الولد، وأن يكون نهاية رحلتها في الحياة، وأن سنوات عمرها الباقية لن تطيب إلا بالولد.
طرق الزوجان أبواب الأطباء سنوات طوالا وأنفقا كل ما يمتلكان لتحقيق الحلم حتي أبواب السحرة والدجالين طرقوها ولم ييأسا وأصرا علي إنجابه مهما يطل الزمن ولم يدر بخلدها أن يدا غادرة سوف تقتل الحلم الجميل وتسرق منهما زهرة العمر والشباب.
خمسة عشر عاما مضت والوحدة تفتك بقلب الزوجين وخشيا أن يمر قطار العمر وتذهب عنهم السنون وتتركهم مثل الأرض البور والجذر المقطوع علي جانب الطريق وباعا كل ما يمتلكان حتي أثاث شقتهما المتواضعة بالعياط، وطرقا باب طبيب مشهور وبعد تسعة أشهر استجابت السماء لدعواتهما وأنجبا طفلهما الوحيد عن طريق الأنابيب، وصما آذانهما عن همزات ولمزات الجيران والأقارب بأن فلذة الكبد طفل أنابيب ولم يستطع أحد أن يسرق منهما الفرحة التي طال انتظارها سنوات!
ارتشف الأبوان الدفء من قلب طفلهما.. كانت الضحكة الشفافة والعيون اللامعة والوجه الذي لم تلونه الأيام كان غرسهما وفرحة حصادهما.. كان الصمود في أنفاسه والارتواء من حنانه.
كان وسيما بريئا ولكن دائما تشع من عينيه نظرة المسافر.. كان يضحك بصوت مرتفع ولكنه يتألم في ضحكاته.. وكأنه يعلم أن الأيام سوف تفتت الطفولة والبراءة في صدره وأنه الراحل المسافر بلا رجعة!
كبر الصغير ومعه ازدادت أحلام والديه وكان لهما النور الذي يضئ الدروب العتمة واستزرعا معه أحلاما تلهو في شواطئها السفن وزهورا تحتضن بحورها حتي التحق بالمدرسة وتفرغا لرعايته وكانا يجلسان تحت قدميه لتلبية احتياجاته فهو الذي روي ظمأهما بعد عطش دام أكثر من خمسة عشر عاما وكانا يخشيان عليه من لفح أنفاسهما.
خشي الأب علي طفله الوحيد من غدر الأيام وتلقبات الزمن والوجه القبيح للظروف، وقرر أن يدخر أموالا لفلذة كبده تكون عونا له في المستقبل، فهو مثل عود أخضر في أرض جدباء ليس له شقيق أو شقيقة. وعندما يرحل عنه والداه سيكون بلا سند ولم يدر بخلدهما أنه سوف يرحل عنهما ويتركهما في أكفاف المرارة والضياع بقية سنوات عمرهما.
اشترك الأب مع زملائه في العمل في جمعية وباع قطعة أرض بور ورثها عن والديه وكادت روحه تزهق عندما جمع مبلغ 150 ألف جنيه وزف الخبر لجميع أقاربه ومعارفه ولم يدر بخلده أن قلبا أسود ويد رثة وعقل مريض سوف تتربص له لتسرق أحلامه وأمواله. خرج الصغير يلهو مع رفاقه كعادته أمام باب منزله وفجأة اختفي وخرج أهل المدينة كلهم للبحث عنه دون جدوي، وحمل الأبواين ثري الشوارع علي رأسيهما حتي تلقي الأب مكالمة هاتفية من مجهول أبلغه أنه اختطف صغيره وطلب فدية مبلغ 150 ألف جنيه.
وتعددت البلاغات الهاتفية بين والد البريء والجاني وفي أثناء إحداهما تلقي الجاني مكالمة عبر هاتف آخر ذكر فيها اسمه وفوجيء والد الطفل بأن ابن عمه هو الذي اختطف ابنه وهدده في أثناء المكالمة بفضح أمره أمام العائلة والنيل منه.
خشي الجاني علي نفسه من الفضيحة وقرر أن يخفي جريمته واستعان بثلاثة من أصدقائه الشياطين وبيد آثمة خنقوا الطفل بشال كان أحدهم يرتديه ثم ألقوا بجثته في بدروم مصنع يمتلكه أحدهم، وعندما فاحت رائحته وضعوه داخل جوال وألقوا بجثته في مصر بالعياط وبعد أسبوع من اختفائه عثر الأهالي علي جثته طافية علي سطح مياه المصرف، وقاموا بانتشالها.
انخلع قلب الأبوين وتمزقت جوارحهما وانتزعهما الحزن من جذور آدميتهما ورحل فلذة الكبد وتركهما فريستين للوحشة والوحدة ورحل بآخر ما تبقي لهما من مبررات كي يستمرا في الوجود وإغلاق باب الحياة في وجههما للأبد.
تسابقت الخطوات.. الكل يلهث.. الكل يبكي.. الأم الثكلي تتشح بالسواد.. الأب المكلوم تثاقلت خطواته.. وكلمات العزاء والتآسي تنحشر في الحناجر.. والصغير يرقد داخل النعش في الوضع الجنيني وهو وضع الجنين والعودة إلي رحم الأم مما يدل علي رفضه الحياة لعدم شعوره بالأمان فيها، لذلك قرر الرحيل للعودة إلي الجنة حتي لا يجد هناك من يزهق روحه الطاهرة دون ذنب ارتكبه
اهتز وجدان اللواء كمال الدالي مدير أمن الجيزة للحادث البشع وشكل اللواءان محمود فاروق مدير الإدارة العامة لمباحث الجيزة، وجرير مصطفي مدير المباحث الجنائية فرق بحث وتمكنوا من ضبط الجناة. وأمام أحمد خلاف مدير نيابة العياط، والرائد محمد فيصل رئيس المباحث اعترفوا بالجريمة التي هزت عرش مدينة العياط، وأمر المستشار ياسر فاروق التلاوي بحبس المتهمين أربعة أيام علي ذمة التحقيقات.
المصدر الاهرام
تعليقات
إرسال تعليق