تعاون استراتيجى مصرى ـ روسى فى المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية نبيل فهمى فى حوار مع «الأهرام»: موسكو تؤكد للقاهرة ضرورة احترام قواعد القانون الدولى التى تحكم استخدام مياه الأنهار الدولية
وزير الخارجية نبيل فهمى فى أثناء حواره مع رئيس تحرير الأهرام محمد عبد الهادى علام
وإن كان إسماعيل فهمى قد انتهى مشواره "الرسمي" بـ "لائه" الشهيرة لزيارة الرئيس الراحل أنور السادات إلى القدس, وهى الزيارة التى فرضت على مصر أن تستبدل الذى هو أدنى بالذى هو خير، حين وضعت الانتصار ونتائج الحرب فى سلة وهم مقولة أن " 99% من أوراق اللعب فى يد أمريكا" , فإن نبيل إسماعيل فهمى قد عاد توا من زيارة هدفها ضبط الميزان مرة أخرى وتدشين مرحلة جديدة تعكس استقرارا داخليا وتهدف إلى استعادة استقلال مصر ووزنها الإقليمى ومكانتها الدولية.
وعلى مدى ساعتين من الوضوح والصراحة والدبلوماسية فى مكتبه بالدور الثانى بمبنى وزارة الخارجية بماسبيرو ، كان النيل حاضرا بالرؤية والإلهام وكانت إجاباته ــ عن أبعاد زيارة روسيا والإعلام العالمى وأمن مصر الداخلى وموقف تركيا ــ محددة وتبدأ دوما بـ أولا وثانيا وثالثا.. وإلى الحوار:
- أين تقع زيارة نائب رئيس الوزراء وزير الدفاع والانتاج الحربى والقائد العام للقوات المسلحة المشير عبدالفتاح السيسى ووزير الخارجية نبيل فهمى لروسيا على خريطة تحرك السياسة الخارجية المصرية فى هذه الفترة؟
أولا: نحن نتحرك بمنهجية مدروسة وببرنامج متكامل وأعلنا صراحة للرأى العام فى يوليو الماضى, أننا سنضيف أصدقاء وسنوسع الخيارات ونتحاور مع العالم كله من آسيا إلى إفريقيا إلى أوروبا كأساس لرؤية مستقبلية للسياسة الخارجية لهذا البلد.
ثانيا: إننا عندما نترجم ذلك إلى واقع فهذا يعكس ليس فقط ثقة بالنفس بل يعكس أيضا استقرارا داخليا تترجمه القدرة على الحركة الخارجية.
ثالثا: أنه عندما نرى حرص دول كبيرة فى أنحاء العالم على اللقاء مع المسئولين المصريين فإن ذلك يؤكد أن الاهتمام الدولى بمصر حقيقى وأن أحدا – صديقا أو عدوا – لا يستطيع أن يغفل قدر مصر, كما يؤكد أيضا لأننا يجب أن نفخر بمصريتنا مهما كانت التحديات كبيرة.
فى هذا الإطار فإن التحرك المصرى تجاه روسيا منطقى وإضافة, ولعلك تتذكر ماقلناه فى وقت سابق عندما تقرر تأجيل تنفيذ بعض برامج المساعدات الخارجية, ألم نقل وقتها إن مصر ستعمل على أن تؤمن لنفسها احتياجاتها المرتبطة بأمنها القومى بشكل مستقر ومتواصل!؟
- برغم قلق هنا أو عدم ارتياح هناك.. البوصلة هى المصلحة الوطنية وفى ما يتعلق بالعلاقات مع روسيا فوتيرة التطور تبدو سريعة؟!
بالتأكيد المصلحة الوطنية.. وهذا ليس على حساب أحد.. فنحن ليس لدينا رفاهية التخاذل أو التباطؤ فى ما يتعلق بالأمن القومى المصرى وما يرتبط به من غذاء,وحتى أدوات الدفاع الشرعى عن النفس مرورا بالطاقة والمياه, فهذه القضايا غير مطروحة للمجادلة, ولا يعنى هذا أننا نستعدى أحدا أو ننوى الدخول معه فى حرب.. وإنما يعنى أننا نتحرك سياسيا واقتصاديا وأمنيا فى هذه القضايا فى كل الاتجاهات,وبمعنى واضح، مصر تؤمن نفسها بتنويع خياراتها وبتوفير أفضل الفرص.
وبالنسبة للعلاقات المصرية ــ الروسية فهى تتطور فعلا بوتيرة سريعة, فقد قطعنا شوطا طويلا فى مدة زمنية قصيرة, فقد بدأت الاتصالات بين القاهرة وموسكو فور ثورة 30 يونيو .. بقليل بتبادل رسائل ثم زيارات، وفى نوفمبر زار القاهرة وزيرا الدفاع والخارجية الروسيان, وعقدت الاجتماعات معهما فى إطار صيغة (2 +2) ثم جاءت الاتصالات الهاتفية بين الرئيسين فلاديمير بوتين وعدلى منصور.. وبعد أقل من 3 أشهر انعقدت فى موسكو الجولة الثانية من المباحثات فى إطار هذه الصيغة.
وهذه الصيغة لها دلالة كبيرة على وزن ومكانة مصر الدولية والإقليمية، حيث لاتتبنى روسيا هذه الصيغة إلا مع عدد محدود جدا من الدول الكبري, ومصر هى أول دولة عربية وشرق أوسطية تؤسس روسيا معها هذه الصيغة كما إنها الحالة الأولى من نوعها أيضا التى تتبنى مصر فيها مثل هذه الصيغة مع دولة أجنبية .
وعلى ذلك تعطى هذه الصيغة إشارة قوية على اهتمام كل طرف بالطرف الآخر وعلى إدراك كل منهما - دولة بحجم روسيا دوليا وأخرى بحجم مصر إقليميا فضلا عن نشاطها الدولى - أن مسئولية كل منهما إقليميا ودوليا يفرض عليها التعامل مع أى قضية من كافة جوانبها السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية, ومن ثم فمن المهم أن يكون بيننا والروس حوار شامل.
- انعقاد الاجتماعات المصرية الروسية فى إطار صيغة (2+2) مرتين خلال 3 أشهر ماذا يعطى من إشارات ورسائل ؟
بالطبع.. هذا يعنى أيضا استعجال الطرفين الانتقال من مرحلة الرسائل السياسية إلى حيز التنفيذ, فما سمعناه من الجانب الروسى كان رسالة قوية واضحة بتأييد مصر وأهميتها إقليميا لاستقرار المنطقة ولمصالح الدول الكبرى بما فيها روسيا.
ولاحظ أنه صدر عن الزيارة بيان مشترك يتناول مواقف البلدين تجاه كافة العلاقات الثنائية. بما يؤكد التقدير الروسى لمكانة مصر وأهميتها، وهو مايعكس مساحة التعاون المشترك بما يتجاوز حدود البلدين.
كما ان هذه الزيارة تتناول جوانب متعددة على مستوى تعميق التعاون الثنائى فى أبعاده الاقتصادية والاستثمارية والسياحية والثقافية والبنية التحتية والمجالات العسكرية والأمنية, وتطوير المشاورات الدورية بينهما فى المحافل الدولية والإقليمية المهمة بما يعكس مكانة البلدين بما فى ذلك قضايا الإرهاب والأمن الدولى والأمن الإقليمى ومنع انتشار اسلحة الدمار الشامل ونزع السلاح والأزمة السورية والقضية الفلسطينية والأوضاع فى ليبيا والعراق واليمن وتونس والتطورات فى إفريقيا وكذلك الأوضاع فى جنوب السودان وقضية المياه ومكافحة ظاهرة القرصنة, بما يؤسس لبدء مرحلة جديدة من التشاور والتنسيق المشترك.
إذن هناك دعم روسى كامل وواضح لمسيرة مصر فى تنفيذ خريطة الطريق ولجهود الحكومة المصرية فى محاربة الإرهاب.
الجانب الروسى أكد أيضا أهمية التعاون بين دول حوض النيل فيما يتعلق باستخداماته لأغراض التنمية, مع ضرورة احترام قواعد القانون الدولى التى تحكم استخدام مياه الأنهار الدولية من جانب دول الحوض, كما تم الاتفاق على ضرورة إخلاء الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل وفقا للمبادرة المصرية التى تم إطلاقها فى إبريل 1990.
- الجانب المصرى فى المباحثات.. المشير عبد الفتاح السيسى وأنتم.. هل كان لنا مطالب محددة من الجانب الروسي؟
كان لنا مطالب.. بمعنى أننا عندما نترجم التواجد (المصرى فى روسيا) على هذا المستوى (الدفاع والخارجية) فهذا يعنى أننا نحمل معنا ملفات محددة وعديدة.. ففى الجانب العسكرى ناقشنا سبل التعاون العسكرى والأمنى فى مايتعلق برفع الكفاءة والتدريب والتعاون الفنى وآليات معينة وكل مايتعلق بهذا الشأن, وفى الجانب السياسى ناقشنا التعاون الإقليمى فى القضايا المطروحة وحتى التعاون الثقافى وإلى جانب التعاون الاقتصادى وفى مجال الطاقة, والاستثمار فضلا عن التصنيع كما كان لنا طلبات محددة للاستفادة من إمكانيات روسيا من الحبوب والقمح تحديدا، فضلا عن التصنيع والاستثمار.
- ما مدى الاستعداد للاستجابة لهذه الطلبات وغيرها؟
الجانب الروسى أبدى اهتماما كبيرا وقويا بالاستجابة لطلبات من جانبنا, بما فى ذلك التواصل الروسى الجديد مع الصناعات المدنية التى شاركت روسيا فى إنشائها بمصر خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي.. وهناك اجتماعات مشتركة ستعقد الشهر المقبل فى موسكو, أولها اقتصادي. على المستوى الفنى وثانيها اجتماع على مستوى الوزارى يرأسه من الجانب المصرى وزير الصناعة والتجارة ويرأسه من الجانب الروسى وزير الزراعة ويعقد يوم 28 مارس المقبل بموسكو لأنه من بين الاهتمامات المصرية زيادة الصادرات الزراعية المصرية لروسيا, وسيستكمل كل ذلك بمشاورات سياسية على مستوى مساعدى وزيرى الخارجية فى البلدين.
- وماذا كانت مطالب الجانب الروسى من مصر؟
كان لديهم اهتمام كبير وقوى بالتنسيق مع مصر فى قضايا إقليمية عديدة, وبأن تقوم مصر بدور فاعل فى الدفع بالحل السلمى للمنازعات الإقليمية, ويشعرون بقلق بالغ من عدم الاستقرار فى المنطقة ويتابعون بدقة ظاهرة الارهاب بها، كما كان لديهم اهتمام لمعرفة كيفية تعامل مصر مع الوضع فى ليبيا بغرض دعم ليبيا فى لم الشمل وتحقيق الاستقرار.
وفى هذا الإطار تحدثنا مع الجانب الروسى وأيضا حول قضية منع الانتشار النووى وأسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط, وفى قضية المياه وما يرتبط بذلك من علاقات مصرية إفريقية, وأبدى الجانب الروسى استعدادا لتوفير الإمكانيات اللازمة لدعم مصر فى مكافحة الإرهاب والتشاور فى كل ما يتعلق بذلك للاستفادة من التجربة المصرية ولرفع كفاءة الأجهزة الأمنية فى التعامل مع الإرهاب وبما فى ذلك تبادل الخبرات والمعلومات.
- روسيا هى البلد الوحيد فى العالم – باستثناء مصر أخيرا – التى أدرجت جماعة الإخوان على قوائم الجماعات الإرهابية.. هل المباحثات المصرية ــ الروسية تطرقت إلى هذا الأمر فى إطار الحديث عن التعاون وتبادل الخبرات والمعلومات؟
لم نتطرق إلى مسألة إدراجها على قوائم الإرهاب لأنها مدرجة أصلا, وإنما تطرقنا إلى جرائم الإرهاب فى الشرق الأوسط.. أسبابها والارتباطات بين جماعات الإرهاب المختلفة والأسس الفلسفية والمنهجية لدى هذه الجماعات وكيفية التعامل معها, لكن لم يكن هناك مجال خلال هذه الزيارة للدخول فى تفاصيل أكثر من ذلك، وستشهد متابعة وتواصل حول هذا الملف.
- كان لدى روسيا مرارات من نظامى الحكم السابقين فى مصر.. (السادات –مبارك) بسبب إهانتها بطرد الخبراء عام 1972 برغم التسليح الروسى وانتصارنا فى حرب أكتوبر 1973 بسلاح روسى على السلاح الأمريكي, ثم بسبب مقتل جنود روس فى أفغانستان بسلاح روسى صدره السادات ومبارك لما يسمى بفصائل "المجاهدين" فى أفغانستان بعدما تحول التسليح المصرى إلى أمريكا.. ثم من نظام جماعة الإخوان بسبب دعمها الإرهاب فى روسيا تحت نفس المسمى المزعوم "الجهاد"... هل شعرتم أن هذه المرارات قد زالت خلال هذه الزيارة.. وهل شعروا هم بالجدية هذه المرة؟
إجابتى دعوتكم لمتابعة التطور فى العلاقات بوتيرة سريعة بعد ثورة 30 يونيو, على نحو ما أشرت سابقا... عند أول زيارة لى لموسكو كنت صريحا وقلت فى مؤتمر صحفى بوزارة الخارجية الروسية إن مصر لاتستبدل صديقا بصديق وأننا نحترم روسيا ونرغب فى التعاون معها, وقصدت ذلك للتعامل مع المرارات ومع التصور الخاطئ بأن هذه الرغبة نتيجة برود فى العلاقات المصرية الأمريكية.
وسؤالك فى محله لأنه بصراحة المرارة كانت موجودة، وإن لم تنعكس على اجتماعاتنا اعتبارا من نوفمبر الماضى، وكان الروس يريدون أن يتأكدوا من أن مصر لاتتجه لتنشيط العلاقة معهم مضطرة, ونحن لم نتردد فى التعامل مع هذا الأمر مباشرة, فى الوقت نفسه الذى أكدنا فيه أن مصر ستواصل علاقتها مع الولايات المتحدة بل وستعمل على تنميتها, وأن ذلك لا يتعارض مع تطوير العلاقات مع روسيا وتنميتها,فى إطار السياسة الخارجية المصرية التى تعمل على تنويع الخيارات المصرية المتاحة للحصول على أفضل الخيارات فى أفضل ظروف.
وأود فى هذا الصدد أن الفت النظر إلى أننا لانعيد كتابة التاريخ, ومن يتصور العودة إلى زمن العلاقات المصرية ـ السوفيتية مخطئ، فالظروف السياسية الدولية الآن مختلفة عن الماضي, فنحن جادون فى بناء علاقات قوية مع روسيا وكل دول العالم,ومن يشكك فى جديتنا ويقلل من إصرار مصر لتأمين استقلالها الكامل وحرية قرارها يقع فى خطأ كبير, فنحن نريد بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة فى بلدنا .
- هل تم الاتفاق على موعد عقد الجولة الثالثة من «صيغة 2+2»؟
ليس بعد.. فالفترة القادمة ستشهد ترجمة نتائج ماوصلنا إليه إلى اتفاقات ومشروعات محددة يتم تنفيذها.. فالمباحثات على المستوى الوزارى فى موسكو ثم مع الرئيس بوتين كانت نقاشا إستراتيجيا سياسيا, كون المباحثات من هذا النوع يعرض فيه كل طرف أوراقه وأهدافه ثم يجرى تقييم من جانب كل طرف للآخر, وبعد ذلك تعمل الأجهزة الفنية والتنفيذية وهذا ماسيتم بمعدلات سريعة.
- لكن صيغة 2+2 تأسست لتبقى كآلية مستدامة أليس كذلك؟
أكيد ستبقى آلية ثابتة, والاجتماع القادم سيكون بالقاهرة لكن ليس هناك موعد محدد.
- بالنسبة لما تتعرض له سوريا هناك اختلاف بين الموقف المصرى والموقف الروسي... هل لدى مصر حساسية من الاقتراب من موقف موسكو بسبب العلاقات المصرية ـ السعودية والدعم السعودى الكبير ـ لمصر منذ ثورة 30 يونيو؟
العلاقات المصرية ـ السعودية أقوى وأعمق من أن تمس بسبب قضية أو أخري, كما أن هناك زيارات قام بها مسئولون سعوديون لموسكو, ونحن موقفنا واضح.. نحن نؤيد إقامة سوريا جديدة ونحترم موقف المعارضة السورية ومطالبها المشروعة فى حياة حرة ديمقراطية آمنة, ونطالب بخروج القوات الأجنبية من سوريا وأكدنا مرارا بالأقوال والأفعال ضرورة الحفاظ على وحدة الأرض والدولة والهوية السورية, ونحن لا نتردد فى إعلان موقفنا من أنه لا يوجد حل عسكرى للأزمة السورية وإنما ضرورة إيجاد حل سياسى للأزمة.
ودعنى أقول إن دولا مثل مصر والسعودية وروسيا قادرة على موازنة المواقف بدقة, ولا يخفى على أحد أنه بالإضافة للبيان الروسى المصرى وكل ماجاء فيه عن الحل السياسى فى سوريا على أساس "وثيقة جنيف 1" فإنه أشار أيضا إلى ضرورة خروج كل القوات الأجنبية من سوريا، وهذا مطلب نشترك فيه مع السعودية, ومن ثم لا يوجد تعارض بين مايتم فى حواراتنا مع روسيا وبين مايتم فى حواراتنا مع السعودية.
القضية السورية بالغة الأهمية والحساسية تؤثر بشكل مباشر على استقرار المنطقة وتفرض علينا اتخاذ مواقف واضحة دون مواءمات.
- على المستوى الإعلامى عبرت وسائل إعلام أمريكية عن عدم ارتياح تجاه التقارب المصرى الروسى وشككت فى جدواه ودوافعه.. على المستوى الرسمى هل اتصل بكم أحد من الإدارة الأمريكية وتحدث معكم فى هذا الشأن؟
أولا: يجب أن نقدر حجم هذه الزيارة كرسالة سياسية قوية من روسيا لمصر ومن مصر لروسيا ومن كليهما للعالم من دون أن نبالغ فيما تم فى الزيارة, فهذا تحرك سياسى مدروس لإعادة إحياء العلاقة بين البلدين وتطويرها, والزيارة مجرد بداية وليست نهاية المطاف, فنحن لن نغير التوازن العالمى فى يوم ونصف يوم (مدة الزيارة) أو حتى فى ستة أشهر, لكننا نؤكد بها أن مصر برغم مشاكلها الداخلية تنظر إلى العالم بوصفها شريكا أساسيا فى المجتمع الدولى وتلعب دورها الإقليمى والدولي,
وعلى الكل التعامل معنا من هذا المنظور.
ثانيا: على المستوى الرسمى لم يتصل بى أحد من الجانب الأمريكي, وأعتقد أن واشنطن تدرك أن دولة مثل مصر بوسطيتها وجديتها تتحرك فى إطار إقليمى ودولى وتعلم جيدا أن استقلالها هو مكانتها اللائقة فى المجتمع الدولى وتفاعلها معه.
ثالثا: نحن نقيم الساحة الدولية بجدية ونتعامل معها بمصداقية, فقد انتهت مرحلة الاستقطاب الدولي, ونريد إقامة شراكة جادة وحقيقية مع الجميع وسنتعاون مع الجميع,فالتوجه نحو روسيا أو الصين أو اليابان والهند والبرازيل ليس على حساب أحد.
وأخيرا أن الصعود أو الهبوط فى العلاقات المصرية ـ الأمريكية مرتبط بالعلاقات المصرية ـ الأمريكية ذاتها، وليس مرتبطا بالعلاقات المصرية مع أى دولة أخري, وبكل صراحة – كما هو منطقى – أن مصر تسعى لأفضل الخيارات المتاحة لها وهذا يعنى الاستفادة من أى فرصة ممكنه فى إطار نظرة شاملة للمصالح الوطنية.
- مصر وروسيا عانتا وواجهتا الإرهاب باسم الدين, والولايات المتحدة أقامت علاقات مع جماعات إرهاب باسم الدين واستخدمتها فى أفغانستان إلى أن صرخت فى الحادى عشر من سبتمبر 2001, ثم عادت لتستخدمها مرة أخرى فى سوريا حاليا، وفى مصر وليبيا وتونس واليمن.ومصر وروسيا أدرجتا جماعة الإخوان ضمن قائمة الجماعات الإرهابية... لماذا لايتجه البلدان إلى الأمم المتحدة استنادا إلى الاتفاقيات الدولية ذات الصلة لطلب دعم دولى واستصدار قرارات دولية لإدانة الدول الداعمة والراعية للإرهاب والتى تستضيف عناصره وتوفر له المأوى والدعم المالى والإعلامى ؟
نحن نتحرك فى كافة الساحات دون تردد, وحسب التقييم نحدد ماهى الساحة المفيدة لنا أولا والتى نستطيع أن نحصل منها على نتائج تحقق أهدافنا، وتنطلق من ساحة إلى أخرى وفقا لتقدير دقيق ومدروس وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الأمن أصدر بيان رئاسى يدين الحادث الإرهابى الأخير ضد الأتوبيس السياحى فى طابا.
- بطبيعة الحال مشروع قرار فى هذا الشأن بمجلس الأمن سيصطدم بـ "الفيتو"الأمريكي.. لماذا لانتجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة؟
قرارات الجمعية العامة غير ملزمة ومع هذا قد نفعل ذلك مستقبلا
- ربما هذا مفيد أيضا فى ضوء هذه الظروف.. فصدور قرار من الجمعية العامة يمكن البناء عليه.. كما أنه يشكل "ردعا معنويا" على الأقل لداعمى الإرهاب؟
نحن نتحرك فى مرحلة فيها جدية بالغة, والخطوة الأولى هى التحرك الدولى على المستوى الثنائى مثلما تحدثنا مع روسيا سنتحدث حتى مع الجانب الأمريكي، وغيرهما.
بمعنى آخر نحن نشكل الوضع على الأرض وإذا وجدنا أن التحرك على المستوى الثنائى مفيد سنستمر فيه, وإذا وجدنا أن التحرك يحتاج إلى تدعيم على المستوى الدولى نتحرك دوليا ثم ننتقل الى المحافل الدولية.
- لماذا الثنائى أكثر فائدة؟
يترجم الى خطوات عملية تنفيذية مباشرة, لكن التحرك على المستوى الدولى يأخذ فترة أطول وينتهى إلى قرارات دولية غير ملزمة فى أغلب الأحيان, ونحن نبحث عن ردع فعلى وليس من ردع معنوى فقط.. وعلى كل حال لدينا مساحة لتحصيل نتائج,فالمسألة بلغت مرحلة من الخطورة تعدت الدعم المعنوى لمصر فى مواجهة الإرهاب... لكن فى نفس الوقت مطلوب جدية دولية فى التعامل مع هذه القضايا.
ومع كل دولة نتحدث معها فى موضوع مكافحة الإرهاب نسأل: ماهو بالضبط موقفكم... وماهى الخطوات التى تتخذونها فى هذا الاتجاه وهناك تحول فى الموقف الدولى... وعلى سبيل المثال بيان الاتحاد الأوروبى الأخير – ولنا تحفظات عليه –كان واضحا وصريحا فى إدانة الإرهاب فى مصر, وهذا جاء نتيجة الاتصالات معه وشرح مواقفنا.
- هل نستطيع أن نقول إن الموقف الأوروبى قد تطور إلى إدانة جرائم الجماعة الإرهابية وتأييد ثورة 30 يونيو؟
بلاشك هناك تطور فى قضية الإرهاب, فالاتحاد الأوروبى يقر ويعترف الآن صراحة أن مصر تتعرض حاليا للإرهاب, ومن 30 يونيو تطور إلى الحديث عن تنفيذ خريطة الطريق وتأييدها... صحيح لم يصل الموقف الأوروبى إلى الكمال فهناك اختلاف سياسي, لأن البعض فى الاتحاد الأوروبى يرى أن الاستقطاب فى المجتمع المصرى يجب معالجته.
- ماهى مطالب الأوروبيين من مصر فى هذا الصدد؟
الشق الذى يعينهم يرتبط بالإجراءات على الأرض, نحن فى مصر فى مرحلة حساسة جدا ونواجه فيها تحديا حيث لابد من تحقيق الاستقرار الأمنى وعدم السماح باستمرار أعمال الإرهاب والترهيب وفى نفس الوقت يجب احترام وصيانة الحريات السياسية والمدنية, وهذه معادلة صعبة, فمن ناحية نواجه عنفا وإرهابا ومن الناحية الأخرى من الضرورى ضمان حرية إبداء الرأى وعدم التعامل مع أى رأى معارض بوصفه خيانة,وضمان حق التظاهر السلمى والتعامل مع المراسلين الأجانب.. وهذه المسألة هى أكثر النقاط التى يهتم بها الاتحاد الأوروبي.
- هل تتحدثون مع وزير الداخلية بشأن الانتقادات التى تثار فى الخارج من جانب منظمات دولية حكومية أو غير حكومية؟
أولا: هذه المنظمات تتعامل مع الأحداث من دون أن يكون لها وجود مستمر فى مصر, لذا فمن آن لآخر نجد أن بياناتها غير مكتملة وتقدم صورة سطحية لما يحدث فى الساحة، فضلا عن ارتكابها أخطاء, فهذه المنظمات – حتى لو افترضنا حسن النية – مسئوليتها هى المساعدة فى أن تدفع نحو الوضع المثالي... فمثلا منظمات حقوق الإنسان المعنية بالمرأة تتحدث عن الأوضاع بالمقارنة بالأوضاع المثالية من وجهة نظرها من دون مراعاة ظروف المجتمع، والحاجة إلى التدرج, وعموما نحن نتحاور مع هذه المنظمات، ونؤكد لها أننا بالفعل نبذل أقصى جهد لضمان الحقوق والحريات والتعامل المهنى السليم مع الجميع بما فى ذلك مع المراسلين الأجانب.
ثانيا: الحكومة – بما فيها وزارة الخارجية – مهتمة بالحقوق "والحريات" ليس لسبب انتقادات غربية, وإنما لأن ذلك هو "مطلب الشعب" وهذا أول مايهمنا لأن وجود سياسة خارجية فعالة يتطلب وجود استقرار داخلى يتحقق فيه للمواطن مايريده من أمن وحرية.
ثالثا: الأجهزة الأمنية فى مصر تعمل تحت ضغط شديد للغاية لأنها تواجه مخاطر الإرهاب كل لحظة وفى نفس الوقت مطالبة بأن تحترم القانون وحقوق الإنسان... ووزير الداخلية (محمد إبراهيم) دعا بنفسه – قبل أيام – منظمات المجتمع المدنى لزيارة السجون لأنه يعلم أن هناك حراكا شعبيا مصريا يطالب بتأمين البلد وضمان الحريات.... هذا شعب قام بثورتين من أجل حرياته وحقوقه... وفى هذا الإطار تتحرك السياسة الخارجية لكى تكون فاعلة.
- الحدود المصرية ـ الليبية باتت معبرا لتصدير السلاح والإرهاب.. هل مصر تشعر بالرضا حيال ماتتخذه الحكومة الليبية من إجراءات فى حدود قدراتها ؟
الحكومة الليبية أبدت لنا استعدادها الكامل للتعاون معنا بكل سبل التعاون الممكنة,فهل لديها رغبة؟... نعم وهذا ما أكده رئيس الحكومة (على زيدان) خلال زيارته مصر أخيرا... وهل لديها القدرة على السيطرة على الوضع فى ليبيا؟... فالإجابة هى أن هناك تحديات تواجهها لاتستطيع فى ظلها تنفيذ كل ما تسعى إليه... والدليل على ذلك ما شهدته ليبيا مطلع هذا الأسبوع.
أما بالنسبة لشعورنا بالرضا, فالحقيقة هى أنه لا مصر راضية ولا الحكومة الليبية نفسها... فهى نفسها تعترف بأن الوضع غير مقبول, ونحن لا نلومهم فى شىء لأن الوضع فى الساحة الليبية بالفعل صعب, وبرغم ذلك هناك تنسيق أمنى بقدر المستطاع بين الأجهزة الأمنية المعنية فى البلدين... فالأوضاع على الحدود, والاستقرار لن يتحقق إلا باستقرار الأوضاع داخل ليبيا نفسها.
- طيب.. بالنسبة لحكومة السودان هل نستطيع أن نلومهم أم لا؟!
مشكلة الحدود مع السودان أقل بكثير من مشكلة الحدود مع ليبيا.. ونأمل فى مزيد من التعاون مع السودان حيث كان وزير الدفاع السودانى فى زيارة لمصر قبل أسبوعين.
- أيضا.. حكومة أردوغان باتت مصدر تهديد للأمن القومى المصرى فبعد دعمها للجماعة الإرهابية, الآن.. تلعب فى ملف المياه بالدعم الذى أبداه وزير خارجيتها داود أوغلو لبناء سد النهضة خلال زيارته إثيوبيا أخيرا.. ماذا علينا أن نفعل وهى حكومة تحاول أن تقتلنا عطشا بعدما فشلت فى أن تقتلنا برصاص الإرهاب؟ ... هل العلاقة مع حكومة أردوغان وصلت بذلك إلى طريق مسدود أم أن الباب مازال مواربا؟
أولا: المشكلة ليست من جانبنا وإنما لكل شء حدود ، نحن لا نمانع فى علاقات طيبة مع تركيا ولا توجد أى مشكلة بين الشعبين المصرى والتركى ولاعداء بين البلدين.
ثانيا: لكى نصل إلى مانتطلع إليه يجب أن يعيش الناس الواقع وليس الحلم, من جانبنا نحن مستعدون للتعاون , لكن هناك واقع مصرى جديد وشعب قوي, وعلى الجانب الآخر اليقين بأن أحلام استعادة الماضى انتهت.
ثالثا: مصر لاتستعدى أحدا ولن تنسى مواقف من يعاديها, فضلا عن أنه لايوجد مبرر لعداء مستقبلى طالما نحن نتحدث عن واقع وليس عن أحلام.
- أزمة سد النهضة تتفاعل وتتطور بشكل متسارع.. وجولات التفاوض مع إثيوبيا حتى الآن انتهت كلها بالفشل.. ماذا بعد؟
فى البداية، أود أن أشير إلى أن قضية الأمن المائى المصرى، وفى مقدمتها موضوع سد النهضة، تمثل إحدى أهم القضايا على قائمة أولويات السياسة الخارجية المصرية فى المرحلة الحالية. فكما هو معلوم، فإن مصر تعتمد بما يزيد على 95% فى مواردها المائية على نهر النيل، وهو نهر دولى يمر داخل حدود عشر دول، وتقع مصر فى المصب النهائى لهذا النهر، الأمر الذى يفرض تحديات جساما على أى حكومة مصرية مسئولة أمام شعبها لكونها مطالبة بأن تواصل العمل ليل نهار من أجل ضمان تدفق هذا النهر دون انقطاع او نقصان او تلوث لتلبية احتياجات المواطن المصرى كل الوقت وفى مختلف الأزمنة.
من هنا، تبرز أهمية موضوع سد النهضة باعتباره مشروع يفرض على الدولة المصرية، حكومةً وشعباً، الحفاظ على أمنها المائى، بكل ما يحتويه هذا المفهوم من حقوق قانونية واحتياجات فعلية واعتبارات عملية. ومكمن المشكلة يتمثل، من وجهة نظرى، فى أننا نتعامل مع قضية تمس جوهر الأمن القومى المصرى، ومن ثم يستحيل أن يتصور أى عاقل أن تقبل مصر بأنصاف حلول بشأنها.
وأود التوضيح هنا، أن الحكومة المصرية سعت أكثر من مرة، وبأساليب عديدة ومتنوعة، للتوضيح للجانب الإثيوبى انها ليست ضد أى مشروع أو برنامج يستهدف دفع عجلة التنمية والتقدم فى إثيوبيا، أو فى اى دولة من دول حوض النيل، طالما تم احترام قواعد القانون الدولى إلا أن ذلك لا يعنى أن يتم القبول بشروع دولة شاء لها القدر أن تتحكم فى أكثر من 85% من موارد نهر النيل الواردة إلى مصر، فى بناء مشروع عملاق مثل مشروع سد النهضة، غير مبالية بقواعد القانون والعرف الدولى، وباعتبارات حسن الجوار التى تفرض عليها أن تنسق وتتعاون مع دول المصب لضمان عدم ووقوع أضرار عليها، فضلاً عن باقى الاعتبارات العلمية والفنية التى تفرض هى الأخرى على الدولة صاحبة المشروع أن تستكمل الدراسات البيئية والمائية ودراسات تقييم الأثر الاقتصادى والاجتماعى للمشروع على دول المصب قبل الشروع فى البناء، وهو ما أوصت به بالفعل لجنة الخبراء الدولية المشكلة من الدول الثلاث وخبراء دوليين محايدين فى نهاية شهر مايو 2013.
ما أود الإشارة إليه أيضاً، هو أنه لا مجال أمامنا لتجاوز تلك الأزمة المتصاعدة والمتسارعة، دون التوصل إلى تفاهمات مشتركة بين الدول الثلاث (مصر وإثيوبيا والسودان) حول المواصفات المُثلى للسد وأسلوب تشغيله وإدارته، بما يضمن تحقيق الهدف التنموى منه لإثيوبيا، وعدم الإضرار – فى الوقت ذاته - بمصالح مصر المائية. وفى تقديرى، فإن التوصل إلى مثل تلك التفاهمات ليس أمراً مستحيلاً، أو من ضرب الخيال، ولكنه يتطلب ابتداءً أن يتفهم الجانب الإثيوبى حقيقة الشواغل المصرية بعيداً عن منطق الشك أو سياسة فرض الأمر الواقع، وأن تتوافر لديه الإرادة السياسية للاتفاق والرغبة فى الحفاظ على علاقات حسن الجوار، فضلاً عن النظرة المستقبلية التى تؤمن بأن الدول والمجتمعات لا تختار موقعها الجغرافى أو جيرانها، وأن الإدارة المثلى للموارد المشتركة هى تلك التى تقوم على الحوار والتعاون وتبادل الخبرات وبناء الثقة وتعظيم المنافع وتقليل الأضرار.
فى النهاية، أود أن أوضح ان المسئولية التاريخية للدولتين أمام شعبيهما، تفرض على الجانبين أن ينخرطا فى حوار مباشر يتسم بأعلى درجات الشفافية، وأن ينطلق هذا الحوار من اقتناع راسخ بأن موارد هذا النهر عظيمة وكافية لسد احتياجات شعوب دول الحوض جميعها، وأن المطلوب هو التعاون من أجل الإدارة المثلى لتلك الموارد وتعظيم الانتفاع بها، وأن تحقيق التنمية فى دولة ما يجب ألا يأتى على حساب حق الدولة الأخرى فى الحياة. أما إذا فشلنا فى التوصل إلى مثل تلك التفاهمات، وفى أسرع وقت ممكن قبل فوات الأوان، فإن مصر ستجد نفسها أمام وضع يستحيل معه أن تفرط فى أمنها المائى، وعلى الجميع أن يكون مستعداً للتعامل مع تداعيات أزمة غير مرغوب فيها فى المنطقة.
- ما الموقف بالنسبة لتعليق مشاركة مصر فى أنشطة الاتحاد الإفريقى وكيف تتعاملون مع تقرير كوناري؟
بالرغم من اختلافنا مع هذا القرار، والذى نرى أنه قد استند إلى مواثيق إفريقية لا تنطبق على الوضع فى مصر مثل ميثاق "لومي"، وهو ما أقرت به القمة الإفريقية ذاتها التى طالبت بوضع تعريف محدد "للثورات الشعبية" ومدى انطباق مفهوم "التغيير غير الدستوري" عليها، إلا أننا قد حرصنا على إبداء أكبر قدر من التعاون مع الاتحاد الإفريقي. وقد أكد الاتحاد الإفريقى من جانبه أن هذا القرار جاء كتطبيق للمواثيق الإفريقية بشكل إجرائى وليس موقفا موحدا ضد مصر، وأكد فى قراراته المتعددة على أهمية مصر بالنسبة لأفريقيا. كان هذا التعاون محل تقدير كبير من جانب العديد من الدول الأفريقية والتى رأت أنه ساهم فى توضيح الموقف.
ونحن نرى من جانبنا أن إقرار الدستور جاء بمثابة رسالة قوية أوضحت للعالم أجمع مدى الدعم الشعبى الذى تحظى به خارطة الطريق وتأكيد التزام مصر وقدرتها على تنفيذ كافة استحقاقات خارطة الطريق، وهو ما يمثل استعادة للنظام الدستورى ويستوجب قيام الاتحاد بمراجعة قرار التعليق.
وندرك حجم التحدى الذى تمثله مصر للاتحاد الإفريقي، نظراً للاهتمام الكبير الذى توليه أطراف عدة دولية وإقليمية للتطورات فى دولة كبرى مثل مصر، وهو ما يضع الاتحاد الإفريقى تحت ضغوط كبيرة، إلا إننا نرى أن هناك إدراكا متزايدا لدى مختلف الأطراف بأن مصر ماضية بعزم نحو تنفيذ كافة استحقاقات خارطة الطريق وإقامة النظام الديمقراطى الذى يتطلع إليه الشعب المصري، وأنه يتوجب على الاتحاد الإفريقى أن يتواكب مع التطورات الإيجابية على الأرض.
ومن جانب آخر، فإن علاقات مصر بالدول الإفريقية تتجاوز بشكل كبير مسألة الاتحاد الإفريقي، وتقوم على العديد من المصالح المشتركة، ونحن سنواصل ما قمنا به فى الفترة الأخيرة من تحركات لتدعيم التعاون الثنائى ومناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك ، حيث اعتزم استئناف الجولات التى قامت بها بمجموعة من دول حوض النيل وغرب إفريقيا من خلال زيارة تنزانيا نهاية الأسبوع الحالى ثم المشاركة فى قمة الكوميسا بكينشاسا فى ضوء اهتمام مصر بهذا التكتل الهام بما يتيحه من فرص لتعزيز التعاون الاقتصادى والتجاري، فضلاً عن اعتزام مصر استضافة القمة القادمة للتجمعات الاقتصادية الثلاث (كوميسا - سادك- تجمع شرق إفريقيا).
- سؤالى الأخير للأسف – كما فى أولويات السياسة الآن ــ يتعلق بعملية السلام والقضية الفلسطينية هل اطلعتم على إطار التفاوض الجديد المطروح.. وهل هناك مخاوف لدى مصر بشأنه؟
علاقة مصر بالقضية الفلسطينية لا تحتاج لشرح أو تأكيد، وموقفنا لا ينبع من عوامل التاريخ والهوية فحسب لكنه أيضاً يقوم على مبادئ وأسس قانونية شكلت القرارات المتتالية للأمم المتحدة وتم التأكيد عليها فى مؤتمر مدريد للسلام، فضلاً عن وجود إطار عربى للتعامل مع النزاع العربى الإسرائيلى من خلال مبادرة السلام العربية.
ولا يمكن أن نتصور أن تحيد أى تسوية عن تلك الأسس والمبادئ التى حكمت اتفاق السلام بين كل من مصر والأردن وانعقد على أساسها مؤتمر مدريد للسلام. ومن هنا، نتمسك بعدم الإخلال بتلك المبادئ لأنها توفر الأرضية الوحيدة التى تترجم إلى إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وعاصمتها القدس الشرقية على الأراضى التى احتلتها إسرائيل عام 1967 والتوصل إلى حل مُتفق عليه لقضية اللاجئين.
بالنسبة للجهود الأخيرة التى يقوم بها وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى فلابد من أن أشير إلى أن مثابرة وإصرار الوزير الأمريكى تستحق التقدير. إنما فى ذات الوقت، لابد أن أعبر عن شعورنا بالقلق من تراجع الهدف من المفاوضات التى بدأت فى يوليو الماضى وكان من المفترض أن تستمر لتسعة أشهر وتنتهى باتفاق سلام فلسطينى إسرائيلى، حيث تطور الهدف الآن إلى اتفاق إطارى للتفاوض. ومع ذلك، من حيث المبدأ، الاتفاق على إطار للتفاوض ليس أمراً سلبياً فى حد ذاته مادام قام الإطار على مبادئ وأسس واضحة وحقق التوازن المطلوب بين طرفيه مصحوباً بضمانات لتنفيذه فى مدى زمنى مقبول؛ وهذا هو الموقف الذى أعربت عنه فى اجتماع لجنة متابعة مبادرة السلام العربية الأخير فى باريس.
ويهمنى هنا أن أحذر من محاولة تحريك المبادئ والأسس التى تقوم عليها عملية السلام لكى تتلاءم مع مواقف هذا الطرف أو ذاك. فكما أوضحت من قبل، هذه المبادئ لا تمثل موقفاً تفاوضياً أو سقفاً للمطالب يمكن النزول عنه، لكنها تعبر عما أقرته الشرعية الدولية وينبغى علينا، وعلى المجتمع الدولى أيضاً، تأكيد ضرورة الالتزام بها.
فى كل الأحوال، موقفنا واضح وثابت فى دعم القيادة الفلسطينية والرئيس أبو مازن والقرار فى النهاية يعود للجانب الفلسطينى، ولا يمكن تحت أى ظرف أن نضغط عليه لقبول اتفاق لا يلبى الطموحات الفلسطينية وهو ما أبلغناه لكل الأطراف. وقد تناولت محادثاتنا منذ أيام فى موسكو القضية الفلسطينية، واتفقنا بشكل محدد على أسس التسوية السلمية التى ذكرتها على النحو الذى تضمنه بياننا المشترك. كما أكدت على نفس الموقف أيضاً لوزير الخارجية الأمريكى وبعض المسئولين وكذلك فى لقائى مع مبعوث الأمم المتحدة لعملية السلام فى الشرق الأوسط، حيث إن روسيا والأمم المتحدة عضوان فى مجموعة الرباعية الدولية.
المصدر الاهرام
تعليقات
إرسال تعليق