شهادة براءة عبد الناصر
اخبار الرياضة . محمد ابراهيم الدسوقى . قضايا و اراء
التاريخ نعمة تفوق في قيمتها كنوز الدنيا للجادين الذين يُحسنون تدبره واستخلاص عبره وتعاليمه، ونقمة، بل لعنة، لمَن يسيئون معاملته ولا يُجيدون النظر فيه، ويتلاعبون به باستهانة تثير الأعصاب، وعندما يُستدعى التاريخ في واقعة من الوقائع لاستغلاله كأداة هجومية أو دفاعية فنحن مدعوون للانتباه إلى أن الاستدعاء له شروطه ومحاذيره ومخاطره، وإلا سيكون البديل إحداث فتن لا قبل لنا بها وستنزل على رءوسنا كالصاعقة، خاصة لدى مرور الأوطان بمفترق طرق يلزم معه الاتزان والابتعاد قدر الاستطاعة عما يُفرق ويُشتت الأذهان ويحدث ارتباكا وانقسامات اجتماعية لا لزوم لها ولا عائد يرجى من ورائها.
القاعدة السابقة لها شواهدها الحاضرة في المشهد العام خلال الأيام الماضية، وتابعنا جميعا فصولها عن قرب، ومنها ذلك الجدل العقيم المتصاعد، حول ما ورد ضمن أحداث الجزء الثانى من مسلسل الجماعة للمؤلف وحيد حامد، إذ أن الأنظار كلها تركزت على الإجابة عن السؤال الصعب، هل كان الزعيم جمال عبد الناصر اخوانيا؟!
بلغت الاختلافات مبلغها بين الفريقين المؤيد والمعارض لما ذكره وحيد حامد، وعلى عجل تم الرجوع لمذكرات فلان ومقولات علان المؤكدة والداحضة لصلة عبد الناصر الرمز الوطنى الشامخ بجماعة متطرفة تأسست على العنف والتطرف والرغبة في بناء دولة على مقاسها، ولا تؤمن بفكرة الوطن من الأصل، ووسط المعمعة والتراشق المتبادل لم أر تحاورا بين الفرقاء، وإنما مبالغة لا وصف لها في التطاحن والتنابذ، وانتقائية بائسة من صفحات التاريخ دعما وتدليلا على صحة موقف الرافضين والمؤيدين الذين تفرغوا لإظهار الآخر في صورة الحاقد وغير المنصف والمتطاول على قامة من قامات الوطن الكبرى المشهود لها بالوطنية والنزاهة والتجرد.
الغريب أننا وجهنا تركيزنا الكامل باتجاه جزئية عابرة في المسلسل ولم نتنبه لكارثة ماثلة أمام عيوننا فيه، هي أنه حسبما فهمت فان الهدف من العمل الدرامى هو تعرية الأفكار الشاذة والأنانية للجماعة الإرهابية وادمانها العنف والقتل والترهيب، لكن الآية انقلبت وخرج المسلسل في شكل يبدو معه وكأنه عمل دعائى للإخوان الذين أضحوا المحرك لمجريات الأمور في مصر قبل وبعد ثورة 1952، وبدون دراية وربما بحسن نية جرى عرض تفصيلى لأفكار سيد قطب بما فيها من تكفير للمجتمع، وجواز استخدام العنف لحماية الجماعة من الملاحقة والتفكك، واغتيال المخالفين للجماعة لأنهم من الطواغيت الجبارين وهو المسلك نفسه الذى يسيرون عليه حتى الآن، ويبدو في عملياتهم القذرة الدنيئة ضد أفراد وضباط القوات المسلحة والشرطة المدنية، وأحدثها وقع أمس بمقتل ضابط شرطة في هجوم على سيارة تابعة للأمن المركزى وقت تناول السحور.
كنت آمل، عوضا عن الترويج للإخوان بهذه الصورة المستفزة، أن يستعرض العمل تاريخهم العريض في التلاعب وتزييف التاريخ لخدمة أغراضهم في الوثوب للسلطة والتنعم بمزاياها العينية وغير العينية، فهم من أكثر المتلاعبين بالتاريخ، ومصابون بداء عضال لا شفاء منه اسمه الانكار، فهم مظلومون ومضطهدون ومسالمون وبعيدون كل البعد عن اشعال الفتن والقلاقل في المجتمعات العربية والغربية، ويبغون الصلاح والإصلاح، وأنهم وللعجب الترياق المضمونة فعاليته لعلاج لدغات أفاعي التطرف.
حالة الانكار التاريخى تلك كانت حاضرة أيضا وبقوة في الأزمة الناشبة أخيرا مع قطر، ودفعت عدة دول عربية وغير عربية لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، وفرض عزلة عليها، بعد استنفاد كل السبل معها لجعلها تتوقف عن دعم الإرهاب والمحرضين عليه، ومعظمهم من قيادات الجماعة الإرهابية، فالقطريون أنكروا أى صلة لهم بالإرهاب مع أن الوثائق والقرائن تكشف دورهم الطليعى في دعمه وتمويله، ومحاولة اغتيال قادة عرب، مثل العاهل السعودى الراحل الملك عبد الله، والرئيس الأسبق حسنى مبارك في أديس أبابا في 1995، وأنها تُحارب لأن الاخرين يغارون منها ومن نجاحاتها، وواصلت السير على طريق العناد وادعاء المظلومية عبر معول الهدم والتخريب المسمى قناة الجزيرة التي استخدمت كمخلب قط لتأجيج الأوضاع الداخلية في مصر وبقية البلدان العربية كسوريا والعراق واليمن.
ومن الملاحظات الجديرة بالتوقف عندها والتمعن بها في قضية استدعاء التاريخ أننا لا نحسن التعاطى مع النص التاريخى ولا نقدره التقدير المستحق، بسبب التحيز الشديد والأعمى لشخصية ما، أو تيار ما على حساب الحقيقة، فخلال السجالات التي لم تكتب نهايتها بعد بشأن تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية «تيران وصنافير» عقدت جلسات في البرلمان لمناقشة الموضوع وإقرار الاتفاقية المبرمة بين القاهرة والرياض، وفى احدى هذه المناقشات قالت نائبة إن عبد الناصر اعترف بتبعية الجزيرتين للسعودية وانهما وديعة لدى مصر، فما كان من احد النواب إلا أن رد عليها ردا عنيفا ملخصه أن عبد الناصر لا يمكن أن يقول مثل هذا الكلام، وتدخل بعض النواب لمنعه من الاقتراب من النائبة في لحظة انفعاله خشية حدوث ما لا تحمد عقباه, فالنائب لم يكن يبحث سوى عن شهادة براءة عبد الناصر مما نسب إليه ويشتم منه التفريط في تراب الوطن الغالى.
وفى أثناء المناقشات البرلمانية لم يبد كل طرف الاحترام الواجب والمتوقع للأسانيد التاريخية المطروحة في سياق مقارعة الحجة بالحجة، والرأى بالرأى، لكن ما لمسناه كان استهانة بالنص التاريخى دون التدقيق فيه، والصياح والبكاء والعويل، وزاد من حدة تلك الخاصية أن الحكومة لم تطرح ما لديها من وثائق ومستندات بشكل جيد، بينما طغت وباستفزاز حوارات التخوين والعمالة على المشهد، وحار المواطن البسيط بين المعسكرين لا يدرى أيهما على صواب أو على خطأ. للمرة المليون نثبت عدم اجادتنا قراءة التاريخ وتقديره حق تقدير، وإن تصادف وقرأناه فإننا لا نفهمه ولا نستفيد منه فإلى متى سوف يستمر هذا الحال ؟
Desouky22@hotmail.com
التاريخ نعمة تفوق في قيمتها كنوز الدنيا للجادين الذين يُحسنون تدبره واستخلاص عبره وتعاليمه، ونقمة، بل لعنة، لمَن يسيئون معاملته ولا يُجيدون النظر فيه، ويتلاعبون به باستهانة تثير الأعصاب، وعندما يُستدعى التاريخ في واقعة من الوقائع لاستغلاله كأداة هجومية أو دفاعية فنحن مدعوون للانتباه إلى أن الاستدعاء له شروطه ومحاذيره ومخاطره، وإلا سيكون البديل إحداث فتن لا قبل لنا بها وستنزل على رءوسنا كالصاعقة، خاصة لدى مرور الأوطان بمفترق طرق يلزم معه الاتزان والابتعاد قدر الاستطاعة عما يُفرق ويُشتت الأذهان ويحدث ارتباكا وانقسامات اجتماعية لا لزوم لها ولا عائد يرجى من ورائها.
القاعدة السابقة لها شواهدها الحاضرة في المشهد العام خلال الأيام الماضية، وتابعنا جميعا فصولها عن قرب، ومنها ذلك الجدل العقيم المتصاعد، حول ما ورد ضمن أحداث الجزء الثانى من مسلسل الجماعة للمؤلف وحيد حامد، إذ أن الأنظار كلها تركزت على الإجابة عن السؤال الصعب، هل كان الزعيم جمال عبد الناصر اخوانيا؟!
بلغت الاختلافات مبلغها بين الفريقين المؤيد والمعارض لما ذكره وحيد حامد، وعلى عجل تم الرجوع لمذكرات فلان ومقولات علان المؤكدة والداحضة لصلة عبد الناصر الرمز الوطنى الشامخ بجماعة متطرفة تأسست على العنف والتطرف والرغبة في بناء دولة على مقاسها، ولا تؤمن بفكرة الوطن من الأصل، ووسط المعمعة والتراشق المتبادل لم أر تحاورا بين الفرقاء، وإنما مبالغة لا وصف لها في التطاحن والتنابذ، وانتقائية بائسة من صفحات التاريخ دعما وتدليلا على صحة موقف الرافضين والمؤيدين الذين تفرغوا لإظهار الآخر في صورة الحاقد وغير المنصف والمتطاول على قامة من قامات الوطن الكبرى المشهود لها بالوطنية والنزاهة والتجرد.
الغريب أننا وجهنا تركيزنا الكامل باتجاه جزئية عابرة في المسلسل ولم نتنبه لكارثة ماثلة أمام عيوننا فيه، هي أنه حسبما فهمت فان الهدف من العمل الدرامى هو تعرية الأفكار الشاذة والأنانية للجماعة الإرهابية وادمانها العنف والقتل والترهيب، لكن الآية انقلبت وخرج المسلسل في شكل يبدو معه وكأنه عمل دعائى للإخوان الذين أضحوا المحرك لمجريات الأمور في مصر قبل وبعد ثورة 1952، وبدون دراية وربما بحسن نية جرى عرض تفصيلى لأفكار سيد قطب بما فيها من تكفير للمجتمع، وجواز استخدام العنف لحماية الجماعة من الملاحقة والتفكك، واغتيال المخالفين للجماعة لأنهم من الطواغيت الجبارين وهو المسلك نفسه الذى يسيرون عليه حتى الآن، ويبدو في عملياتهم القذرة الدنيئة ضد أفراد وضباط القوات المسلحة والشرطة المدنية، وأحدثها وقع أمس بمقتل ضابط شرطة في هجوم على سيارة تابعة للأمن المركزى وقت تناول السحور.
كنت آمل، عوضا عن الترويج للإخوان بهذه الصورة المستفزة، أن يستعرض العمل تاريخهم العريض في التلاعب وتزييف التاريخ لخدمة أغراضهم في الوثوب للسلطة والتنعم بمزاياها العينية وغير العينية، فهم من أكثر المتلاعبين بالتاريخ، ومصابون بداء عضال لا شفاء منه اسمه الانكار، فهم مظلومون ومضطهدون ومسالمون وبعيدون كل البعد عن اشعال الفتن والقلاقل في المجتمعات العربية والغربية، ويبغون الصلاح والإصلاح، وأنهم وللعجب الترياق المضمونة فعاليته لعلاج لدغات أفاعي التطرف.
حالة الانكار التاريخى تلك كانت حاضرة أيضا وبقوة في الأزمة الناشبة أخيرا مع قطر، ودفعت عدة دول عربية وغير عربية لقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، وفرض عزلة عليها، بعد استنفاد كل السبل معها لجعلها تتوقف عن دعم الإرهاب والمحرضين عليه، ومعظمهم من قيادات الجماعة الإرهابية، فالقطريون أنكروا أى صلة لهم بالإرهاب مع أن الوثائق والقرائن تكشف دورهم الطليعى في دعمه وتمويله، ومحاولة اغتيال قادة عرب، مثل العاهل السعودى الراحل الملك عبد الله، والرئيس الأسبق حسنى مبارك في أديس أبابا في 1995، وأنها تُحارب لأن الاخرين يغارون منها ومن نجاحاتها، وواصلت السير على طريق العناد وادعاء المظلومية عبر معول الهدم والتخريب المسمى قناة الجزيرة التي استخدمت كمخلب قط لتأجيج الأوضاع الداخلية في مصر وبقية البلدان العربية كسوريا والعراق واليمن.
ومن الملاحظات الجديرة بالتوقف عندها والتمعن بها في قضية استدعاء التاريخ أننا لا نحسن التعاطى مع النص التاريخى ولا نقدره التقدير المستحق، بسبب التحيز الشديد والأعمى لشخصية ما، أو تيار ما على حساب الحقيقة، فخلال السجالات التي لم تكتب نهايتها بعد بشأن تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية «تيران وصنافير» عقدت جلسات في البرلمان لمناقشة الموضوع وإقرار الاتفاقية المبرمة بين القاهرة والرياض، وفى احدى هذه المناقشات قالت نائبة إن عبد الناصر اعترف بتبعية الجزيرتين للسعودية وانهما وديعة لدى مصر، فما كان من احد النواب إلا أن رد عليها ردا عنيفا ملخصه أن عبد الناصر لا يمكن أن يقول مثل هذا الكلام، وتدخل بعض النواب لمنعه من الاقتراب من النائبة في لحظة انفعاله خشية حدوث ما لا تحمد عقباه, فالنائب لم يكن يبحث سوى عن شهادة براءة عبد الناصر مما نسب إليه ويشتم منه التفريط في تراب الوطن الغالى.
وفى أثناء المناقشات البرلمانية لم يبد كل طرف الاحترام الواجب والمتوقع للأسانيد التاريخية المطروحة في سياق مقارعة الحجة بالحجة، والرأى بالرأى، لكن ما لمسناه كان استهانة بالنص التاريخى دون التدقيق فيه، والصياح والبكاء والعويل، وزاد من حدة تلك الخاصية أن الحكومة لم تطرح ما لديها من وثائق ومستندات بشكل جيد، بينما طغت وباستفزاز حوارات التخوين والعمالة على المشهد، وحار المواطن البسيط بين المعسكرين لا يدرى أيهما على صواب أو على خطأ. للمرة المليون نثبت عدم اجادتنا قراءة التاريخ وتقديره حق تقدير، وإن تصادف وقرأناه فإننا لا نفهمه ولا نستفيد منه فإلى متى سوف يستمر هذا الحال ؟
Desouky22@hotmail.com
تعليقات
إرسال تعليق