هل تنهار تحالفات أميركا في الشرق الأوسط ؟!
تسارعت وتيرة الأحداث في الشرق الأوسط مرة أخرى، و بعد أكثر من عامين و نصف العام منذ بداية الربيع العربي، فإن الحقائق و الاوضاع على أرض الواقع لا تزال تتغير بسرعة شديدة في المنطقة و الحكومات الغربية تجد صعوبة في مواكبة هذه التغيرات.
الأسبوع الماضي عقد الرئيس الامريكى باراك أوباما اجتماعا طارئا لمناقشة الاوضاع السياسية المتردية فى مصر بعد اطاحة الجيش بنظام حكم الإخوان المسلمين ، و الان يجد رئيس الولايات المتحدة نفسه في مواجهة موقف وتحد اخر أكثر دراماتيكية وهو هجوم الأسلحة الكيميائية في سوريا. كلا الحدثين يشكل تحديا واضح وفوري للسياسة الخارجية الامريكية فى المنطقة على الرغم من اختلاف المستوى ، ولكن يظل على اوباما ان يتخذ قرارات مصيرية
فماذا سيفعل بشان مصر و هل سيضطر لقطع المعونة الأمريكية ام سيسمح باستمرار تدفقها ؟ و هل سيتخذ قرار بشن ضربات عسكرية ضد سوريا؟ و هل سيكون مضطرا بالنسبة لعمل عسكري ضد نظام بشار الأسد ان يوفر زخم دولي: و يطلب الدعم من بريطانيا وفرنسا وألمانيا؟.
كيف ستستجيب أمريكا ازاء ما يواجهها حاليا من معضلات ، و هل سيقرر أوباما التمسك باستراتيجية سياسته الخارجية الداعمة لخفض التدخل الأميركي في الشرق الأوسط، مما يتيح له التركيز على الإصلاحات الداخلية، ومعالجة صعود الصين و سبل الخروج من الازمة الاقتصادية و الركود الذى يهده الاقتصاد الامريكى.
من مراقبة السياسية الخارجية للرئيس اوباما فى العامين الماضيين، نجد انه سيسعى كلما امكن ان يكون بعيدا عن قلب الاحداث ، وسيفضل أوباما السماح لحلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة ليكونوا فى مقدمة الأحداث التي تتكشف في المنطقة.
لقد ترك الرئيس اوباما القيادة لبريطانيا وفرنسا لتأخذا زمام المبادرة في العمليات العسكرية في ليبيا ابان العمل على اسقاط نظام القذافى ، وبالطبع تحركت البلدان بمساعدة أمريكا التي لا غنى عنها، و لقد تحقق الهدف بطريقة مثالية.. و بالطيع الان سيرغب ايضا فى الاستجابة للاضطرابات في الشرق الأوسط في اطار تحرك مع مجموعة من الحلفاء الإقليميين الذين يشاطرونه نفس التفكير.
ولكن هناك مشكلة كبيرة مع هذه الاستراتيجية.. فمن الناحية التقليدية ، نجد ان سياسة الولايات المتحدة في المنطقة اعتمدت على علاقات قوية مع خمسة لاعبين رئيسيين هم : إسرائيل والمملكة العربية السعودية ومصر وتركيا ودول الخليج ، وكانت جميع هذه الدول مهما كانت خلافاتها على تبدو على السطح قوىة الا انها كانت تقف صفا معا امام اى ازمة راهنة.
ومع ذلك، فإن الوضع القديم في الشرق الأوسط لم يعد موجودا ، وحلفاء أميركا التقليديين تفرقوا الان فى اتجاهات مختلفة. والنتيجة هي : أن إدارة أوباما سوف تجد أنه من الصعب للغاية للتوصل إلى نهج إقليمي مشترك لمواجهه الاضطراب القائم فى المنطقة .
ولقد خلق الوضع في مصر- وهو أكثر تضررا للولايات المتحدة من الوضع فى سوريا- خلافات لا يمكن حلها بين شركاء الولايات المتحدة ، حيث تجد وانطن فى موقف صعب و محير ، فاذا دعمت الحكومة القائمة الان فهذا سيسعد بعض الحلفاء و يغضب الاخرين و العكس بالعكس .... فالمملكة العربية السعودية وهي أقدم حليف لأمريكا في الشرق الأوسط تدعم النظام القائم الان فى مصر الذى تقوده القوات المسلحة ، ومن الواضح أيضا أن إسرائيل راضية بهدوء مع تطور الأحداث في القاهرة..
اما على الجانب الاخر فان الحكومة التركية، تشعر بالغضب بسبب الأحداث في مصر، ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ، وهو زعيم يعتز به أوباما و يعتد لارائه بعناية ، وذلك وفقا لكتاب صدر مؤخرا من قبل " فالي نصر" وهو مسؤول سابق بإدارة أوباما ، الذى يؤكد ان الرئيس الأمريكي اجرى اتصالات هاتفية بأردوغان في كثير من الأحيان، وربما يتحدث معه أكثر من أي زعيم اخر بالعالم .
و يرى البعض ان اردغان يرفض ماحدث فى مصر خشية ان يتكرر معه نفس السيناريو والنموذج المصري و يتم ازاحته عن حكم تركيا خلال انقلاب عسكرى خاصة بعد مظاهرات الشوارع لاخيرة في تركيا ضد حكومته ، وهو ما جعله هذا يلجأ الى نظريات المؤامرة الغريبة على نحو متزايد، حتى انه اعلن الاسبوع الماضي ان الانقلاب فى مصر تم بتدبير من قبل إسرائيل.... و يخشى أوباما الذى توسط مؤخرا لإنهاء الحرب الكلامية و القطيعة بين إسرائيل وتركيا ، ان يؤدى الخلاف حول الوضع فى مصر الى كسر هذا الوفاق الهش القائم الآن بين انقرة و تل ابيب ..
و هناك ايضا قطر، والتي أصبحت لاعبا مؤثرا في المنطقة من خلال الاستخدام الحكيم للكميات الطائلة من فائض المال لديها ، وتستضيف أيضا القاعدة الجوية الامريكية الرئيسية في المنطقة، و القطريين متعاطفون بدة مع الاخوان المسلمين وبالتالي فهم على الجانب الآخر المناقض لإسرائيل والمملكة العربية السعودية.
و مع هذه المشاكل و العلاقات المتداخلة ، فانه على السطح هناك إجماع اقليمى كبير حول الازمة السورية ، وجميع أصدقاء أميركا التقليديين في المنطقة يريدون الاطاحة بنظام الأسد ، بل ان السعوديين والإسرائيليين يعتقدون أن تحقيق هذا الهدف سيوجه ضربة كبيرة لإيران، المنافس الإقليمي الذى يخشونه أكثر من غيرها.. كذلك فان القطريين يناصرون المتمردون السوريون ومثلهم الأتراك
اما موقف النظام المصري الجديد ازاء سوريا - على الرغم من اعلان الأسد عن سعادة غامرة اثر الاطاحة بنظام الاخوان - فهو ليس واضحا بعد.
عموما يحرص معظم حلفاء أميركا الإقليميين رؤية المزيد من التورط الامريكى لصالح جانب المتمردين السوريين بشكل أكبر. والإسرائيليين يشعرون بالقلق من انه إذا اغفلت إدارة أوباما تحذيرها للاسد اذا ما عبر الخط الاحمر باستخدام الأسلحة الكيميائية ، و لم تقوم باى رد فعل ضده ، فان هذا سينطبق على الخطوط الحمراء التى وضعتها واشنطن امام البرنامج النووي الإيراني ولن يكون لها أي مصداقية.
كذلك فان الإسرائيليين قلقون أيضا من العناصر الجهادية القوية في حركة التمرد السوري و التى قد تكون شوكة فى حلقها اذا ما سقط نظام الاسد .
و اخيرا هل ستتورط واشنطن فى سوريا ام ستكون سوريا وراء خسارة واشنطن لتحالفاتها فى المنطقة .. بالنسبة لأوباما، فانه يخشى انه اذا ما استجابت الولايات المتحدة لدعوات حلفائها في المنطقة وخارجها، و تورطت مباشرة أو غير مباشرة في المعركة ضد الأسد، فإنه في نهاية المطاف سيبقى الجميع خارج المعركة نفسها ثم يلقون باللوم على أمريكا اذا ما اصبحت الأمور على غير ما يرام.
كذلك فان الخلاف الإقليمي ربما يقوي فقط غريزة أوباما الأولية إلى ان يتراجع الوراء بعيدا عن الشرق الأوسط بدلا من التسرع و الانجراف نحو التورط فى الحرب هناك
لكن قرار اوباما سيكون متاثرا بحركة الاحداث التى في بعض الأحيان قد تقود الى منطق خاص يؤثر على صناعة القرار الامريكى مثل اتخاذ قرار بشن هجوم جوي على سوريا الذى قد يسحب الرئيس أوباما أعمق من أي وقت مضى في الشرق الأوسط، ضد بلده حكم أفضل
المصدر ايجى نيوز
===================
تعليقات
إرسال تعليق