في الذكرى الـ39 لعودة طابا .. لغة الحوار تنتصر على البنادق

المصدر الوفد . اخبار مصر
تمر، اليوم الجمعة، الذكرى التاسعة والثلاثين لصدور حكم هيئة التحكيم الدولية بأحقية مصر في طابا، وجاء ذلك انتصارا للجهود المصرية المبذولة لاسترداد كل حبة رمل من أرض هذا الوطن، وانتصارا للدبلوماسية في حل النزاعات بين الدول، لتبقى معركة طابا الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل شاهد صدق على انتصار لغة الحوار والتفاهم على لغة البارود والبنادق.

فبالرغم من صغر مساحة طابا المتنازع عليها في ذلك الوقت، إلا أن لها أهمية استراتيجية كبرى، فهي تقع على بعد 7 كيلومترات من ميناء إيلات الإسرائيلي شرقا، وعلى بعد 245 كيلومترا شمال شرقي مدينة شرم الشيخ ذات الأهمية الكبرى في المرور داخل العقبة، وعبر مضيق تيران على مدخل الخليج، كما تقع في مواجهة الحدود السعودية في اتجاه مباشر لقاعدة تبوك، علاوة على تتمتع آبارها بمخزن ضخم من المياه العذبة، حسب تقرير لوكالة أنباء الشرق الأوسط.

وبدأت إشكالية طابا قبل شهر من الانسحاب الإسرائيلي من شبه جزيرة سيناء، عندما أعلن رئيس الجانب العسكري المصري في اللجنة العسكرية المشتركة - المشكلة لإتمام الانسحاب الإسرائيلي من سيناء - رسميا في مارس عام 1982، أن هناك خلافا بين مصر وإسرائيل حول بعض النقاط الحدودية وخاصة العلامة 91.

وحرصًا من القيادة السياسية المصرية على إتمام الانسحاب الإسرائيلي في موعده، وعدم إفساد فرحة الشعب المصري بعودة سيناء، اتفق الجانبان المصري والإسرائيلي على تأجيل الانسحاب من طابا، وحل النزاع بالرجوع لقواعد القانون الدولي وبنود اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية.

وتنص اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، وفقا للمادة السابعة، على أن يتم حل الخلافات بشأن تطبيق هذه المعاهدة عن طريق المفاوضات، وفي حالة عدم إمكانية حل هذه الخلافات عن طريق المفاوضات تحل بالتوفيق أو تحال إلى التحكيم.
وقررت مصر أن تكون معركتها لتحرير «طابا» قانونية دبلوماسية تستخدم فيها كافة الوثائق والمخطوطات التي تحصل عليها من دور المحفوظات العالمية لكى تثبت للعالم أجمع أحقية مصر في هذا الجزء من سيناء.

وتم تشكيل فريق تفاوضي يضم 24 خبيرا من بينهم 9 من أقطاب الفكر القانوني، و5 من أكبر الدبلوماسيين بوزارة الخارجية، إضافة إلى 2 من علماء الجغرافيا والتاريخ، و8 من العسكريين وخبراء المساحة العسكرية.

ومثل مصر في هيئة التحكيم الدكتور حامد سلطان، ورئيس المحكمة الدستورية لفرنسا القاضي بيير بيليه، فيما مثَّل الدكتور روث لابيث الجانب الإسرائيلي، وتم اختيار القاضي السويدي جانر لاجروجرين من جانبهم، إلى جانب 4 قضاة آخرين.

عملية التفاوض مع الجانب الإسرائيلي لم تكن سهلة، فقد واجهت مصر عقبات في عملية التفاوض، بالإضافة إلى المماطلة في التفاوض والتحكيم لمدة أربع سنوات، إلى أن وافقت في نهاية الأمر وبعد الضغط من الجانب المصري والذي رفض التفريط في أي حبة رمل من رمال سيناء، ووافقت على التحكيم في يناير عام 1986، ودخل الجانبان في مفاوضات لصياغة مشارطة التحكيم والتي انتهت في شهر سبتمبر من نفس العام.

حاول الجانب الإسرائيلي الاعتماد على فكرة التضليل الإعلامي وتزييف الحقائق خلال سيطرتهم على المنطقة، منذ عام 1967 إلى عام 1982، فعمدوا إلى محاولات لتغيير ملامح طابا الجغرافية لإزالة علامات الحدود المصرية قبل حرب يونيو، وقاموا بإزالة أنف الجبل الذي كان يصل إلى مياه خليج العقبة، وحفر بدلا منه طريق يربط بين مدينة إيلات الإسرائيلية ومدينة طابا المصرية.

وكان على المصريين أن يبحثوا عن هذه العلامات التي أزالتها إسرائيل من الوجود، وكان رهان الإسرائيليين على عجز الجانب المصري عن إثبات مصرية طابا، فيما كان رهان المصريين على الحقائق التاريخية.

وبذل الجانب المصري جهودا مضنية لإثبات أحقية مصر في طابا، فقد نصت مشارطة التحكيم على تقرير مواضع علامات الحدود الدولية المعترف بها بين مصر وفلسطين تحت الانتداب، أي في الفترة ما بين عامي 1922 و1948، وبالرغم من ذلك فإن اللجنة المصرية بدأت البحث في الوثائق بدءا من ثلاثينات القرن التاسع عشر والوثائق في الفترة اللاحقة على عام 1948 حتى حرب يونيو ونتائجها.

وكان الخلاف على مواقع العلامات وعلى 5 أمتار، ثم بات على 13 علامة دولية بالادعاء أنها في غير أماكنها، وكانت إسرائيل تأمل في أن يغير هذا خط الحدود بالكامل لتحقيق فوائد طبوغرافية لصالح إسرائيل بحصولهم على «تل» أو هضبة أو طريق، وذلك ترجمة لطموح وأطماع "أرئيل شارون"، الذي كان يريد طريقا مباشرا يسهل له الدخول بدباباته خلال 48 ساعة إلى قناة السويس.

واستخدم الجانب المصري كافة الوثائق الدبلوماسية والقانونية والمخطوطات النادرة لإثبات الحق في طابا، حتى أنها قدمت إلى المحكمة صورة للجنود المصريين تحت شجرة الدوم في هذه المنطقة، وكانت هذه الشجرة مازالت موجودة أثناء التحكيم، فكانت تلك الشجرة شاهد إثبات على حق المصريين في طابا.

وبدأت الصعوبات فور النطق بالحكم، الذي جاء إجمالا لصالح مصر، وخسرت إسرائيل موقع العلامة الخاصة برأس النقب وباقي المواقع المهمة، حيث نجحت مصر في النهاية، وبعد العديد من المعارك القانونية والتي استمرت لوقت طويل في استعادة طابا، وتم إثبات 10 علامات حدودية لصالح مصر من مجموع 14 علامة بأغلبية 4 أصوات ضد صوت واحد، وإثبات 4 علامات لصالح مصر بإجماع الأصوات الخمسة.

واستمرت المماطلة من الجانب الإسرائيلي، الذي لم يرق له هذا النجاح الدبلوماسي لمصر ورفض تنفيذ القرار، وواجهتها عزيمة مصرية تمثلت في ممارسة الضغط والسعي لإجبار إسرائيل على تنفيذ حكم التحكيم، وبعد مفاوضات ومحاولات مصرية قابلتها إسرائيل بتعنت شديد، وجاءت جولة مفاوضات أخرى بين الوفد المصري والإسرائيلي، لتحديد قيمة فندق سونستا الذي بنته إسرائيل في طابا.

وأخيرا، تسلمت مصر طابا في 15مارس 1989، ورفرف العلم المصري عليها 19 مارس من نفس العام، لتستعيد مصر طابا بلا حرب وتستعيد كامل رمال سيناء وبذلك اكتمل نصر أكتوبر العظيم.

تعليقات

المشاركات الشائعة