عمود هندسي مميت !

المصدر الاهرام . أحمد سعيد طنطاوي . آراء حرة
لا يمكن أن يكون هذا حلًا هندسيًا في القرن الواحد والعشرين.. ولا يمكن أن يكون باني هذا الكوبري وصانعه مهندسًا بالأساس.. فما الذي حدث؟! الذي حدث، إن مر القطار الذي أستقله في اتجاه القاهرة، وقبل مدينة بنها ببطء شديد حتى يتفادى إحداث انهيار في بناء أحد كباري الطريق الدائري الإقليمي الجديد.
المرور البطيء للقطار، أمر نعتاد عليه، لكي لا يسقط القطار السريع في طريقة السقالات الخشبية، ولا يحدث ثُقل على التربة التي قد تنهار في حالات الحفر العميقة للأساسات.

وأثناء المرور البطيء ظهرت عدة أعمدة خرسانية تكاد تلامس القطار، بل تكاد تصعق المسافرين الواقفين على أبواب القطار.. أو أيدي الأطفال الفرحة الممدودة من النوافذ.. المسافة بين الأعمدة وبين القطار أكاد أجزم أنها لا تتعدى المتر الواحد أو أقل، لماذا؟!.. لا أحد يعرف.

ما الداعي لذلك؟!.. لن يجيب أحد!.. لماذا اقتربت الأعمدة الخرسانية إلى هذا الحد من القطار ومن المسافرين؟!.. ألا يوجد حل هندسي من أحفاد بناة الأهرامات بعدما وصلنا إلى القرن الواحد والعشرين أم أنها نظرية "تكبير الدماغ"؟!

ألا يمكن أن نزحزح الأعمدة قليلا إلى الوراء حتى تنمو بصورة طبيعية كشجرة تفتح فروعها بلا خوف، أما كان على المهندس المصمم أن يخنق المسافرين والقطارات؟!.. ألا يمكن أن تزداد المسافة الفاصلة بين أعمدة الكوبري الذي يمر القطار من بينها لمسافة أكبر قليلا بمتر واحد فقط، لطريق تبلغ مجموع أطواله نحو 4۰۰ كم.

ألم يكن من الأجدى بدلا من إصابات بشرية قد تحدث مستقبلا أن نزيد تكلفة إنشاء الطريق الطويل عدة مئات من الجنيهات لكي نحقق السلامة والأمن؟!

ما أقوله وأطالب به ليس مستحيلًا أو ضربًا من الخيال.. فهناك بالفعل على نفس الطريق مسافات أطول للفرق بين أعمدة وأخرى وهي ما نسميها ببحر الكوبري، ألم يكن بديهيا أن تكون مسافة الكوبري المعلق فوق القطار هي الأطول والأكثر عمقا في التصميم وفي البناء والتشييد.. وما المانع أن تكون الأجمل أيضا.

مهما تحدثنا عن السلامة والأمن والإبداع يبقى أن بعض المهندسين يفضلون الراحة على العمل، والقبح على الجمال.. وإصابة الناس بدلا من المحافظة على سلامتهم.

للأسف على نفس الطريق إلى القاهرة هناك مهندس أو بناء آخر أتمنى أن تتم محاكمته أو يدرج اسمه في القائمة السوداء للمهندسين الأغبياء، حيث قام بتنفيذ كوبري حديدي في قرية "ميت نما" منذ عشرات السنين، وجعل الدعائم الحديدية معكوسة للأعلى بدلا من دفنها في الأرض.. هذه الدعائم الحديدية تصطاد أرجل عشرات المسافرين سنويا ممن قرروا أن يجلسوا على أبواب القطارات ويتركون أرجلهم لأسفل.. فيصطدمون بتلك الدعائم الغبية.. وتكسر أقدامهم، ولي صديق حدث معه ذلك.

المسافرون مخطئون بلا شك.. ولكن لماذا لم يترك لهم المهندس فرصة للخطأ؟!، ويبعد هذه الدعائم.. وماذا عن إجراءات الأمن والسلامة وتقدير خطأ الغير؟!

إن كان لا أحد يشكو، فأنا الآن أشكو، وإن كان لا أحد من المسئولين يرى فأنا الآن أطالبهم بالقصاص من هؤلاء المهندسين الذين لم يملوا من البناء دون تفكير وبلا منطق وبلا ملل من الفشل المتراكم.

حقا ليس بيننا واحد لم يصرخ في واد مجهول.. لم يسمعه أحد.. فهل تبتعد الأعمدة قليلًا؟!
TantawiPress@gmail.com

تعليقات

المشاركات الشائعة