حواديت الخطاطين .. شجرة «اللبَّاد» للآن تُثمر!
المواهب لا تموت وإن رحلت الأجساد!
خاصة إذا تولَّتها مواهب تعرف قيمة إبداعها، مثل الراحل الكبير «محيى الدين اللباد»الذى ما زالت شجرته تطرح بعدما غادرنا بأربع سنوات.
ــ وهذا الكتاب «حواديت الخطاطين» إحدى ثمراته،يهديها لـسالفتيان والفتيات» من مرقده،وكان قد أنجزه قبل ذهابه عن موهوبين زيَّنوا حياتنا ولغتنا بحروف وخطوط من البهاء والرصانة.ويصف «أحمد اللباد» الموهوب كأبيه الكتاب : بالــ« مرصع برسوم رشيقة موحية، وجرافيكية شديدة الإيحاء،فى تطبيقات متنوعة مصاحبة لنصها البرّاق».
ــ و«مخزون دأب» اللبَّاد الكبير ما زال فيَّاضا، وكتابه الممتع هذا أنهاه قبل رحيله بأشهر معدودات،صدر فى يناير 2014،وكانت ثورة 25 يناير 2011 التى قامت بعد ثلاثة أشهر من وفاته،سبب تريث ابنيه وريث الموهبة «أحمد» والكاتب والمحلل«مصطفي» قبل طرحه،انتظارا لفرصة ملائمة للجهد المبذول فيه، وليتمكن قراؤه من تمعن كيفية تقديم فنان كبير لمواهب بارزة.
ــ «حكايات الخطاطين» رحلة «نصية وبصرية فريدة» لمبدع واع بأهمية الخط العربى وتاريخه،واستعراض لمراحله وتطوراته، وخصائصه وأساليبه،وأبطال مسيرته الطويلة،فى بحث عذب وعميق، يصحب مطالعيه فى رحلة ممتعة يستهلها بـ«أبجد هوز حط كلم».. مع رسوم لرجال بملابس عربية قديمة متباينة ومتنوعة، تليها التجارب الأولى لكتابة الحروف العربية وهى تتعثر على جدران الكهوف، أو برديات مصرية قديمة من زمن الفتح الإسلامي، أو عندما حَبَتْ الحروف بين أنامل مبتدئة بلا نقاط، ثم أنضجتها التجارب فأصبحت منقوطة، وجعلها التشكيل أجمل وأضبط، فبحثت عن اتزانها على يد «ابن مقلة» الذى ابتدع قواعد الخط الثلث، وتلميذه ابن البواب الذى ضبط نسب حروف خط الثلث ونظم قصيدة طويلة ومشهورة شرح فيها قواعد الخط بالشعر، ثم استخلص خط النسخ بعد الكوفى القديم، وكان النسخ سببا فى انتشار المصاحف والكتب لسهولته وسرعته، وإمكانية تصغير حروفه وتكبيرها بيسر، وكان الثلث سببا فى ظهور مدرستين للخط فى العراق ومصر والشام، وبدءا من العصر الأيوبى بدأنا نرى«أغصانه المتمايلة». ثم ظهر الرقعة الذى يعطى كاتبه فرصة إنجاز أسرع من خط النسخ، وتلاه «الفارسي» كما اسماه العرب لوفوده من بلاد فارس، واسماه الفرس«نستعليق» وهو مستمد من النسخ والرقعة، رقيق ونحيف وهش، ويحب خطاطوه اللعب بترتيب الكلمات، أما الديوانى فكان المفضل عند السلاطين الأتراك، وكتبت به القرارات السلطانية، وما زالت شهادات التخرج تكتب به حتى الآن، ثم عاد «الأندلسى والمغربي» إلى الكوفى القديم بعد أن لطفت زواياه الحادة وأضافوا إليه النقط، فزادوا من أناقته وخففوا من ثقله.
البوص، والمحبرة التى كانت أفضل أنواعها من الزجاج لتحفظ الحبر من التسرب والتبخر، تلاه فصل آخر عن «الخطاط المصمم الرسام الذى أخذ الحروف والكلمات إلى تشكيل وتصوير الطيور والحيوانات والثمار، وابتكار شكل المرايا التى تبدو فيها لوحات الخطوط منقسمة إلى جزءين متطابقين .
وتبعه بفصل عنونه بـس أنا الفقير المذنب» عن توقيعات الخطاطين التى كانوا يسبقونها بألقاب تظهر تواضعهم الشديد، مثل «العبد الفقير» و«الفقير إلى الله» أو«العبد المذنب» ثم توقيعات السلاطين المتباينة، خاصة السلطان الخطاط «محمود خان الثاني» ابن السلطان عبد الحميد خان الثاني، ثم جاء كمال أتاتورك لينهى أسطورة الخط العربى كما قضى على الدولة العثمانية.
ــ ويختم الكتاب بعدة فصول رشيقة، مثل «أنا المدرسة» و«أنا الكسوة» و«أنا النهضة»و«أنا الأستاذ» و«أنا الخريج» و«أنا التلميذ وهؤلاء أساتذتي» و«أنا حرف الطباعة»ليحكى عبرها قصة بلورة وتطور فن الخط العربى فى مصر على يد «محمد مؤنس ومحمد جعفر ومصطفى الحريري، والخطوط التى تكتب كتب على كسوة الكعبة بكل ما يعنيه ذلك من جلال، وإيحاءات مقدسة حيث تلف خطوطهم الكعبة وتُحزِّم كسوتها.
ويحكى عن إنشاء «المدرسة الملكية لتحسين الخطوط التى تعد أول مدرسة عربية، وتخرج فيها محمد على مكاوى وسيد إبراهيم ومحمد حسنى وعبد العال الذين قاموا بالتدريس فيها لاحقا، حتى بلغ عدد مدارس الخط فى مصر نحو 300 مدرسة فى أنحاء البلاد.
ــ وتألق الخط العربى على النقود الورقية، ولافتات الشوارع، والمدن والمحطات وعناوين الكتب، والزجاج والخشب، ومداخل المنازل، وأسماء المحال، وشاع اقتناء الناس للوحات الخط حتى بات جزءا من حياتهم اليومية.
ــ وخصص اللباد للخطاط «سيد إبراهيم» فصلا يستحقه، ذلك الموهوب الذى ولد فى حى القلعة وشغفته خطوط لافتات الشوارع الزرقاء، وكانت سببا فى اشتعال موهبته، حتى بات واحدا من رموز الخط العربي، وتتلمذ على يديه عشرات من المصريين والعرب. وختم بعنوان «أنا التلميذ وهولاء أساتذتي» بصور وحكايات وخطوط تثير الدهشة والشجن على عصر ولى وبقيت تجلياته، قبل أن يطويها ويبتلعها هدير آلات المطابع.
ــ تحية لروح «محيى الدين اللباد» المبدع المتميز الذى ملأ حياتنا فناً، والذى ظل يفخر حتى آخر لحظاته بلقب «صانع الكتب» المحبب لقلبه، والذى مازال قادرا على إدهاش الناس وإشاعة المتعة فى وجدانهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكتاب: حواديت الخطاطين
المؤلف: محيى الذين اللباد
الناشر: دار الشروق
الصفحات 027 صفحة
المصدر الاهرام
تعليقات
إرسال تعليق