الكوكب البلجيكى.. معقل الحلوى الغربية مذاقات مختلفة للشكولاتــــة ب

شعور بالفخر غير عادى يتمركز فى قلب «الميدان الكبير» أو «لاجراند بلاس La Grand' Place» الذى يعتبر أشهر معالم العاصمة البلجيكية بروكسل، حيث دار العمدية والفنادق والمقاهى وتمثال الطفل مانيكانبيس، هذه الساحة الواسعة التى يشغلها أحيانا باعة الزهور واللوحات الفنية، وتشهد التقليد السنوى لوضع شجرة عيد الميلاد المزينة، كما يوجد أهم تجمع لمتاجر الشكولاتة!
لو سطعت الشمس قليلا سنكون من المحظوظين، لأن فى بداية الخريف تنخفض درجات الحرارة دون مقدمات فإذا بلغت 13 درجة يكون يوما طيبا، وتغلب الأيام الغائمة على المدن وتهطل الأمطار بغزارة!فإما أن يحاول الزائرون الصمود تحت مظلاتهم أو يفضلوا عدم المخاطرة بالذهاب فى هذا اليوم أصلا بعد متابعة النشرة الجوية! وسنتعجب من وجود مقهى تونسى فى الميدان الكبير، كما يزاحم أحد متاجر الحلوى المغاربية المتاجر الأخرى للشكولاتة والبسكويت والحلوى الغربية!فتساعدنا اللمسات العربية على الشعور بالدفء القادم من شمال إفريقيا.
وما أن تطأ أقدامنا الشوارع المؤدية للميدان الكبير الذى يقع فى المحطة المركزية للقطار فى بروكسل حتى نقابل الشوارع الجانبية التى تشبه المتاهة فهى تدخلنا لعالم أشبه بالخيال مثل المتاجر المكدسة بالتذكارات ومشغولات الدانتيل بالغة الرقة والنسجيات التى تشبه الأوبيسون ومصنوع منها الأغطية وحقائب اليد، ثم تعلن متاجر الشكولاتة عن أنواعها الثرية فنتذكر الفيلم الأمريكى الشهير «تشارلى ومصنع الشكولاتةCharlie and the Chocolate Factory « إنتاج 2005 بطولة جونى ديب وهو من النوعية العائلة والخيال.حيث تقوم مجموعة من الأطفال مع آبائهم بالفوز بزيارة رائعة لمصنع الشكولاتة والحلوى الشهير الذى يمتلكه الثرى غريب الأطوار ويلى ونكا!وندخل معهم فى متاهات من الأغذية اللذيذة وبحيرات من الشكولاتة السائلة!سبق أن قدم ديب مع جولييت بينوش فيلما آخر فى نفس المجال بعنوان «شكولاتةChocolate» إنتاج 2000، وظهر فى الفيلم الرومانسى التى تدور أحداثه فى عام 1959 فى فرنسا أن هناك من المتشددين دينيا فى المذهب الكاثوليكي، يعتبرون الشكولاتة محرمة نظرا لتأثيرها البالغ على الإنسان!حتى البنايات التى تقوم باصلاحات فى الميدان الكبير لا تريد افساد المشهد الجمالى العام، لذا وضعت على واجهاتها لوحات ضخمة تغطى على أى أعمال تجديدات.

اختلاف الأذواق

حى كامل للشكولاتة أى حلم هذا؟ كل الشوارع كلها دكاكين شكولاتة يعنى أن أى بلجيكى يأكل يوميا شكولاتة، ودائما يقولون أن شكولاتاتهم أحسن شكولاتة فى العالم!لا سويسرية و لا ألمانية و لا أى شيء آخر، المشكلة أن الإنسان يتوه وسط الأنواع اللانهائية فتوجد ماركات مصنعة آليا مثل كوت دور ومنها اليدوى مثل برتران ومنها الآلى واليدوى معا مثل ليونيداس.وأخيرا نحن وجها لوجه مع مستويات مختلفة من الشكولاتة منها عالى الجودة ومنها متوسط ومنها منخفض نظرا لدخول شركات أجنبية فى المجال بأسعار رخيصة فتبيع مجموعة علب كهدايا بأسعار اقتصادية.ونستسلم للنكهات التى تغرينا ودخل لهذه المتاجر الأشبه بالألعاب ويمكننا أن ننتقى قطع الشكولاتة الصغيرة بالواحدة فى علبة أنيقة، وكذلك البسكويت فكل علبة معدنية مكتوب عليها نوع البسكويت الذى نختاره بأيدينا والكمية التى نريدها، وإذا جلسنا لنحتسى القهوة فى أحد المقاهى المحيطة سوف تأتى بطريقة آلية قطع الشكولاتة البلجيكية بمذاقها الراقى بجانب الفنجان، قبل أن نستأنف جولتنا فى المكان حيث الشارع الشهير أيضا«رى نوف Rue Neuve» المليء بالماركات العالمية فى الأزياء والتجميل.ويوجد فى بلجيكا 500 مصنع وحسب احصاء أجرته صحيفة «لوفيجارو» الباريسية فى عام 2014 أول دولة تتصدر قائمة مستهلكى الشكولاتة على مستوى العالم هى ألمانيا بمتوسط 11٫60 كيلوجرام للفرد سنويا، وتليها بريطانيا بـ9٫77 كيلوجرام، والدنمارك بـ 8٫18 كيلوجرام، ثم تأتى بلجيكا فى المركز الرابع بـ 7٫66 كيلوجرام، وفرنسا بـ 6٫64 وإيطاليا بـ 4٫07 كيلوجراما.وأول أثر للكاكاو فى بلجيكا ظهر فى مدينة جاند فى الجانب الفلمكنى من بلجيكا فى عام 1635، فى حقبة هولندا الاسبانية عندما تمكنت أجزاء من البلدان المُنخفضة من التخلص من الحكم الإسبانى وتأسيس جمهورية هولندا عام 1581، لذا سُميت المناطق الباقية تحت الحكم الإسبانى باسم هولندا الإسبانية، وهى بلجيكا ولوكسمبورج وأجزاء من شمالى فرنسا وألمانيا.وكما غزت البطاطس هذه المناطق بعدما جلبها الاسبان معهم من أمريكا الجنوبية إلى أوروبا نفس الأمر تكرر مع الكاكاو، وكان يعتبر وقتها مشروب الكاكاو من الأشياء الفاخرة التى تقتصر على العائلات المالكة والأرستقراطيين، ثم بدأت دمقرطة الشكولاتة ونشرها فى القرن الثامن عشر، وأدخلها الطبيب السويسرى جان نوأوس Jean Neuhaus الذى يقيم فى بلجيكا فى صناعة العقاقير فى منتصف القرن التاسع عشر، ثم حولها فى بداية القرن العشرين إلى نوع من الحلوى وللآن نجد هذه الماركة الشهيرة، من خلال توليفة «برالينPraline» التى أصبحت أشهر نوع شكولاتة بلجيكية تعتمد على السكر المكرمل والحليب.

عالم سحري

شجرة الكاكاو Cacao، هى شجرة صغيرة دائمة الخضرة يبلغ ارتفاعها من 4-8 أمتار موطنها الأصلى أمريكا الجنوبية، وبذورها تستخدم فى صناعة الكاكاو والشكولاتة والمهم أن يكون المنتج طازجا.والشكولاتة الساخنة أو «الهوت شوكلت»: وهو مشروب معروف يحتوى على مسحوق الكاكاو ومن الممكن إضافة إليه السكر أو اللبن.والشكولاتة الخام:وهى شكولاتة غير محلاة تستخدم فى صنع الحلويات وهى تحتوى على بذور وزبدة الكاكاو بنسبة كاملة وهى غير مستساغ تناولها، حيث أن لها طعما مرا وتوجد فى بعض الأنواع مخلوطة بالسكر.والشكولاتة بالحليب وهى تشكل أغلب أنواع الشكولاتة وتحتوى على الأقل على 10% من الكاكاو ونحو 12% من جوامد اللبن.وهى أكثر حلاوة من الشكولاتة السوداء ولونها فاتح.ويصفها الطبيب التركى الأمريكى الشهير الدكتور محمد أوز بأنها عبارة عن حليب يحتوى على الشوكولاتة!أما الشوكولاتة البيضاء فنعلم أن لونها أبيض يميل للاصفرار لأنها تحتوى على زبدة الكاكاو بنسبة لا تقل عن 20% كما تصرح الغذاء والدواء الأمريكية ومستحلبات والفانيليا والحليب والسكر وهى بسبب عدم احتوائها على مسحوق الكاكاو، فلا يطلق عليها البعض اسم الشكولاتة حيث أن طعمها يغلب عليه الحليب والفانيليا والسكر.
وهناك أحد استطلاعات الرأى الطريفة عن عشاق الشكولاتة التى تقول من سن 4 إلى 7 يعجبهم مذاق الشكولاتة بالحليب الذى يحد من مرارة الكاكاو، ومن سن 8 إلى 10 يفضلون مذاق الشكولاتة بالحليب والبندق المفري، ومن 11 إلى 13 يهوون الشكولاتة المعجونة بالأرز المحمص والقرمشة الناتجة عن تسرب الهواء للداخل، والنساء مولعات بالشكولاتة المحشوة، والرجال يقدرون الشكولاتة السوداء وحبذا لو كانت مصاحبة لفنجان من القهوة أو أثناء مشاهدة التليفزيون!

الشكولاتة السوداء

أما النوع الذى تتركز فيه الفوائد الصحية فربما لا يعجب الغالبية، لأنه لا يحتوى على السكر والدسم الكافيين، فهو الشكولاتة السوداء وبالإنجليزية تعرف باسم «Dark»وبالفرنسية «Noir»، ولابد أن تحمل علامة بنسبة الكاكاو وتحتوى على زبدة الكاكاو والسكر والفانيليا وأحد أنواع المستحلبات التى تساعد فى مزج الدهن بباقى المكونات.وهى خالية تماما من اللبن كما تنص قوانين الاتحاد الأوروبى وأمريكا، كما أنها تحتوى على نسبة تتراوح بين 20% و80% وربما أكثر وكلما أصبحت أعلى تعنى أن الشكولاتة أنقى، حيث يتوقف هذا على درجة تحلية الشكولاتة، فالأكثر حلاوة تحتوى على نسبة أقل من الكاكاو والأقل حلاوة تحتوى على النسبة الأكبر من الكاكاو.ويسخر أحيانا البلجيكيون قائلين ان الشكولاتة السويسرية الجديرة بالاحترام وعلى أعلى درجة من الجودة تحتوى على مواد «مشكوك فيها»، لكن هذا على سبيل الدعابة لا أكثر لكى يؤكدوا جودة منتجهم ولا يضعوه فى مقارنة مع منافسيهم!ولا نتعجب عندما نرى البلجيكيين يقضمون بعض المكعبات السوداء مع فاكهة الكيوى فى منتصف النهار بين الوجبات فى مكاتبهم، فهى تعطيهم شحنة من الطاقة الإيجابية تجعلهم يواصلون عملهم بنشاط طوال اليوم. وتنهال علينا كل يوم الدراسات التى تتغزل فى الشكولاتة السوداء، والتى أظهرت أن ثمة مكونات فيها اسمها « فلافونويدات» يمكنها أن تساعد على تليين وتحسين أداء الأوردة الدموية، ما يخفض من مخاطر أمراض القلب وتخفيض ضغط الدم لدى المرضى، وتحسن أيضا الشكولاتة القاتمة من سبل استخدام الجسم لمادة الأنسولين، وما يعرف بـ « الكوليسترول السيئ»، بنسبة 20%. ولجذب المزيد من الذواقة، بدأت الشكولاتة السوداء تتبنى مذاقات جديدة، منها بالبندق أو البرتقال أو حتى بالأعشاب العطرية مثل اللينسون وشاى ايرل جراى والزنجبيل والنعناع وحتى زهور اللافندر!



المصدر الاهرام - بروكسي -ريم عزمي - مرايا

تعليقات

المشاركات الشائعة