فضيحة التجسس الألمانية الجديدة.. بداية النهاية لحقبة ميركل

عندما كشف إدوارد سنودن قبل عامين ابعاد التجسس الأمريكى على اتصالات ملايين الالمان ،مواطنين ومسئولين بما فى ذلك المستشارة انجيلا ميركل نفسها التى تعرض هاتفها المحمول للتنصت عليه من وكالة الأمن القومى الأمريكية، تفجرت فى المانيا على جميع المستويات الإعلامية والشعبية والسياسية حالة من الغضب الشديد، وصب الجميع جم هذا الغضب على الشريك الامريكى الذى تجرأ علىذلك، وتوترت العلاقة بين واشنطن وبرلين بعد تصريح ميركل الشهير بانه ليس من المقبول ان تتجسس الدول الصديقة على بعضها البعض!
واليوم تجد المستشارة الالمانية نفسها فى موقف لا تحسد عليه بعد ان تكشفت ابعاد فضيحة تنصت جديدة تهز المانيا حاليا بطلها هذه المرة الاستخبارات الألمانية الخارجية( بي. إن. دي) والمتهمة بالتجسس طيلة عشر سنوات لصالح وكالة الامن القومىالامريكية على اصدقاء اوروبيين، فى مقدمتهم مكتب الرئيس الفرنسى ووزارة الخارجية الفرنسية والحكومة النمساوية فضلا عن شركة ايرباص الفرنسية-الالمانية العملاقة لصناعة الطائرات وشركة ايروكوبتر وغيرها من الجهات. وتواجه ميركل الآن بسبب هذه الفضيحة توترا متصاعدا مع الاشتراكيين داخل ائتلافها الحاكم وضغوطا سياسية وإعلامية للإطاحة بوزير داخليتها على الأقل، فضلا عن توتر إضافى فى العلاقات الالمانية الفرنسية.
ومنذا ان كشفت تقارير إعلامية المانية ابعاد التعاون الوثيق بين الاستخبارات الالمانيةووكالة الأمن القومى الأمريكية والشعور العام السائد هنا ان المسئولين الألمان، وفى مقدمتهم المستشارة نفسها يتعمدون إخفاء الحقائق عن الرأى العام الألمانى فيما يتعلق بانشطة التنصت خاصة فى ظل حساسية الالمان الشديدة تجاه هذا الموضوع بسبب خبرتهم وتجربتهم التاريخية مع ممارسات الاستخبارات وخاصة فى شرق المانيا. كما ترتفع اصوات من داخل حزبى المعارضة الصغيرين (الخضر واليسار) وايضا من داخل الحزب الاشتراكى الديمقراطى المشارك فى الائتلاف الحاكم، تطالب برقابة برلمانيةحقيقية فى المستقبل على اجهزة الاستخبارات الألمانية. ووفقا لما نشر حتى الآن من معلومات فإن المخابرات الخارجية الالمانية تجسست لمدة عشر سنوات على بيانات ومحتويات الرسائل الإلكترونية والاتصالات الهاتفية لنحو 690ألف شخص و8 ملايين عنوان إلكترونى فضلا عن تنصتها على قصر الإليزيه والحكومة النمساوية والمفوضية الاوروبية، وقدمت هذه المعلومات لوكالة الامن القومى الأمريكية بناء على طلبها. واتضح الآن ان هذا التعاون الاستخباراتى متفق عليه وتنظمه مذكرة تعاون بين البلدين وقعت عام 2002 فى إطار الحرب ضد الإرهاب بعد اعتداءات 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة الأمريكية. ويقول مسئولو المخابرات الألمانية انه تم استبعاد المواطنينالألمان والأمريكيين ومؤسسات البلدين من عمليات التنصت
وبالإضافة إلى انتقادات الإعلام واستياء الرأى العام تسببت الفضيحة فى توتر بينحزب ميركل المسيحى الديموقراطى وشريكه الاشتراكى مرشح للتحول لأزمة سياسية إذا ما ثبت إخفاء ميركل الحقيقة متعمدة. فقد انتقد رئيس الحزب الاشتراكى ونائب المستشارة زيجمار جابريل تعامل المستشارة مع الأزمة وجرها رغما عنها إلى دائرة الضوء وهى التى تتجنب الخوض فى تفاصيل مثل هذه القضايا وتنتهج دائما سياسة السلامة تاركة وزراءها يواجهون الطوفان. فقد كشف جابرييل للإعلام عن حديث داربينه وبين المستشارة وقال انها نفت له مرتين ان تكون المخابرات الألمانية قد ساعدت الامريكيين على التجسس الاقتصادى على الشركات الألمانية. ووجه جابرييل لميركل تحذيرا غير مباشرا بتأثير ذلك على الحكومة الحالية ،عندما وصف الفضيحة بأنها يمكن ان تتسبب فى زلزال كبير. اما سكرتير عام الحزب ياسمين فهيمي، فقد طالبت وزير الدخلية دى ميزيير بالاستقالة لكذبه على البرلمان ونفيه وجود اى مثل هذه الانشطة للمخابرات الألمانية. ومعروف ان دى ميزيير كان مديرا للمستشارية خلال فترة حكم ميركل الاولى من 2005 وحتى 2009 وكان بذلك مطلعا على كل انشطة المخابرات الالمانية التى تدخل تحت إشرافه. فكيف له ولميركل عدم معرفة ما تقوم به بالتعاون مع وكالة الأمن القومى الامريكية؟!
وامام هجوم السياسيين الاشتراكيين، رد قادة الحزب المسيحى الديمقراطي، وفى مقدمتهم نائب رئيس الحزب توماس شتروبل الذى ذكرهم انهم فى قارب واحد وان هجوم جابرييل على المستشارة سيطول حزبه ايضا لأن هذا التعاون الالمانى الأمريكى الاستخباراتى الوثيق تم إرساؤه فى فترة حكم المستشار السابق جيرهارد شرودر عام 2002! وكان مدير المستشارية أنذاك ومسئول ملف الاستخبارات هو وزير الخارجية الحالى فرانك فالتر شتاينماير!
والآن امتد الخلاف حتى إلى اعضاء الحزبين داخل لجنة التحقيق البرلمانية التى تم تشكيلها عام 2013 للتحقيق فى انشطة الاستخبارات الأمريكية فى المانيا. الاشتراكيون وحزبا المعارضة الخضر واليسار يطالبون باستجواب وزير الداخلية دى ميزيير والمستشارة ميركل ومدير المستشارية الحالى بيتر التماير. اما اعضاء الحزب المسيحى الديمقراطى فى اللجنة، فيرون ان هذا ليس ضروريا فى الوقت الحالى وانه إذاحدث ذلك فلابد من استجواب الوزير الاشتراكى شتانماير.ويطالبون اولا بان تطلعهم المخابرات لألمانية على القوائم التى تضم معايير البحث والكلمات التى كانت تقدمها وكالة الامن القومى الأمريكية للمخابرات الالمانية وتطلب البحث عنها. بيد ان هذه القوائم لا تستطيع الأجهزة الالمانية تقديمها بسهولة للبرلمان الألمانى دون إذن من واشنطن. وفى واشنطن هناك رفض تام وعدم تفهم للحساسية الالمانية المفرطة تجاه ملف التنصت فى وقت يعلم العالم كله ان التوسع فى انشطة التجسس ضررة ملحة لمكافحة لإرهاب!
أما على صعيد العلاقات مع فرنسا فقد زادت الفضيحة الطين بلة. وتوقع المراقبون هناالا يمر تجسس المخابرات الألمانية على قصر الإليزيه مرور الكرام وان تستغل باريس ذلك لتحسين وضعها امام برلين. خاصة وان الاستياء الفرنسى من تصريحات وزير المالية الالمانى شويبلة لم يهدأ بعد وهو الذى تهكم على رفض فرنسا الانصياع لسياسة التقشف المالى الألمانية. وقال شويبلة مؤخرا ان فرنسا يمكنها ان تفرح إذا ما تم إجبار برلمانها على إجراءات تقشف! مما دعا سياسيون فرنسيون لانتقاد ما وصفوه بالعجرفة الالمانية الجديدة واعتبروها جزءا من سلسلة تصريحات المانية معادية لفرنسا التى لا ترغب فى الانصياع تماما للهيمنة الالمانية على الاتحاد الأوروبي.


الاهرام

تعليقات

المشاركات الشائعة