يذبحون مزارعى الأرز بـ «سكين » المخالفة

في هذا التوقيت من كل عام تشتعل معركة بين اثنين من أعضاء الحكومة هما وزيرا الري والزراعة من جانب وبين مزارعي الأرز من جانب آخر حول ما يعرف بزراعات الأرز المخالفة والتي اقتربت هذا العام لمليون فدان .
يقول أعضاء الحكومة أن هذه المخالفات تؤدي إلي إهدار المياه وان الأرز يستهلك 7 أضعاف أي محصول آخر من المياه.
أما الخبراء فيؤكدون أن الحكومة تحارب زراعة الأرز بحجج غير حقيقية لتشجيع الاستيراد وان المزارعين والذين يطاردهم الفقر والجوع اضطروا لزراعة الأرز بعد أن رفعت الحكومة يدها من تسويق المحاصيل البديلة من ذرة وقطن .
إن كانت هذه القضية تبدو للبعض أنها مكررة ولن تأتي بجديد لأنها سيناريو متكرر سنويا إلا أن التابع للأوضاع يجد أن القضية هذا العام مختلفة لعدة أسباب منها :
حجم المخالفات، فبعد إن كانت لا تتجاوز 500 ألف فدان عام 2010 وصلت هذا العام لحوالي مليون فدان بما يوازي 90 % من المساحة المسموح بها والمقدرة بحوالي مليون و 100 ألف فدان. أزمة المياه التي تلاحق مصر بعد بناء سد النهضة والتي ستقلل حصة مصر من المياه من 55 مليارا و 500 مليون متر مكعب إلي قرابة 43 مليارا سنويا - حسب الخبراء - خاصة أن محصول الأرز يستهلك 7 أضعاف أي محصول أخر من المياه وان دراسات وزارة الري تؤكد أن زراعة مليون فدان ارز مخالف تستنزف 5 مليارات متر مكعب مياه أي أن إجمالي المنزرع من الأرز يستهلك قرابة 11 مليار متر مكعب من المياه بما يوازي 20 % من مياه مصر بالكامل بالإضافة إلي ضخامة الغرامات المقررة والتي قدرت من قبل مجلس الوزراء بـ 1800 جنيه علي الفدان الذي يروي دون محطات رفع مياه و2800 جنيه للفدان من الأراضي التي تروي باستخدام محطات الرفع بما يوازي 2 مليار جنيه تقريبا وأخيرا حالة الفقر الشديدة التي يعاني منها الفلاحون والتي اضطرتهم للمخالفة خوفا من الموت جوعا.
في شهر نوفمبر عام 2010 قرر المستشار عبد المجيد محمود النائب العام في ذلك الوقت وقف تحصيل الغرامات المقضي بها عن مخالفات زراعة الأرز استجابة للطلب الذي تقدم به وزير الموارد المائية والري إلا أن النائب العام اشترط لإعمال تلك الإجراءات الاستثنائية إن يقدم المتهم " المزارع المخالف "أو وكيله كتابا رسميا معتمدا صادرا من الإدارة العامة المختصة يفيد باستمرار التزامه بعدم زراعة الأرز بالمخالفة العام المقبل 2011 . أدي هذا الإجراء إلي قيام المزارعين بزيادة حجم المخالفات وفي هذا الصدد قال وزير الري الدكتور حسام مغاوري إن القانون إذا طبق بحزم ولو مرة واحدة علي جميع المخالفين دون استثناء سيردع كل من يسعي لتبديد المياه .
كل ما سبق وجهة النظر الرسمية وحججه ولكن لماذا يقوم المزارعون بهذه المخالفات رغم كل ما سبق ؟
يقول الدكتور عبد العظيم طنطاوي رئيس مركز البحوث الزراعية السابق انه لا يوجد حاليا تركيب محصولي واضح يلتزم به المزارعون و الحكومة وكان قديما يوجد تركيب محصولي تأشيري يحدد المساحات التي تجب زراعتها بكل محصول تبعا لاحتياجات البلاد والفجوة الغذائية التي تعاني منها في محصول معين .
إهمال حكومي
ويرجع الدكتور عبد العظيم السبب في زيادة المساحات المخالفة والمنزرعة أرز في المقام الأول لإهمال الحكومة للمزارعين و عدم وضعهم في عين الاعتبار أو الجدية في دراسة وحل مشاكلهم خاصة أن الأرز محصول استصلاح في أماكن معينة ولكن تكرار زراعة لأكثر من موسم في نفس الأرض يؤدي إلي خسائر ضخمة للفلاح من تدهور التربة وإجهاد للأرض وزيادة الآفات وانخفاض الإنتاجية وبعد أن أهملت الحكومة تسويق المحاصيل البديلة للأرز وهما : القطن و الذرة البيضاء اضطر الفلاح إلي زراعة الأرز بعد أن تكدس في بيته القطن و تراكمت عليه الديون بل أن احد الوزراء لغي تسويق الذرة التي تضاف إلي القمح في الدقيق المدعم والتي توفر أكثر من ملياري طن قمح والفلاح يعلم بالتجربة أن زراعة الأرز بعد الذرة الشامية يعطي إنتاجية مرتفعة .
أكد رئيس مركز البحوث الزراعية السابق أن الحكومة ممثلة في هيئة السلع التموينية تحقق استفادة كبيرة من وراء مزارعي الأرز فهي تشتريه منهم مقابل ثلاثة آلاف جنيه للطن في حين يصل سعره العالمي إلي عشرة ألاف جنيه وتمنع تصديره .

مافيا الاستيراد
وينهي الدكتور طنطاوي كلامه بان الوضع المتردي للفلاح اضطره إلي زراعة أي محصول يسهل تسويقه وبعائد يلبي احتياجاته كما يحدث حاليا من توجه عدد كبير من الفلاحين لزراعة لب البطيخ بعد أن وصل عائد الفدان إلي قرابة 15 ألف جنيه بديلا عن المحاصيل الأساسية .
خبير آخر هو الدكتور سعيد عثمان أستاذ الوراثة بكلية الزراعة جامعة الزقازيق ومستنبط الأرز الجاف أن الحكومة تحارب زراعة الأرز لتشجيع الاستيراد و هناك شواهد عديدة لذلك منها إنها تسمح فقط بزراعة مليون و 100 ألف فدان والاكتفاء الذاتي من الأرز يتطلب زراعة مليون و 600 ألف فدان أي أنها تريد فجوة لا تقل عن 500 ألف فدان لتستمر مصر مقلب لبواقي محاصيل العالم . والشاهد الثاني أنه إذا كان السبب إهدار المياه فهناك أصناف من الأرز تعرف مقاومة للجاف تستهلك فقط 50 % من الأصناف المزروعة حاليا و هي أصناف عرابي 1 و 2 و 3 و 4 وهذه الأصناف منزرعة في تسع محافظات علي مساحة 100 ألف فدان و هذه المساحات منزرعة ضد رغبة وزارة الزراعة التي تمنع زراعة هذه الأصناف بحجة أنها تصاب باللفحة "مرض فطري" وهذا غير حقيقي لان جميع أصناف الأرز المنزرعة حاليا تصاب باللفحة باستثناء صنف جيزة 177 وهو منزرع علي مساحة 200 ألف فدان فقط .
وعن حرب الحكومة لزراعة الأرز يقول الدكتور سعيد وصل إلي أن وزير التموين اصدر قرارا باستيراد الأرز من الفلبين لتوزيعه علي بطاقات التموين رغم انه سيئ الطعم و بجودة اقل من الأرز المصري بكثير، في الوقت الذي منعت فيه الحكومة تصديره وفقدنا الأسواق الخارجية .




المصدر الاهرام


تعليقات

المشاركات الشائعة