قرب انهيار داعش فى العراق

من الواضح أن الضجة التى صاحبت التفوق الذى حققه تنظيم داعش فى المعارك التى دارت فى العراق، هى ضجة مبالغ فيها وشاركت فى الترويج لها أجهزة إعلامية كانت تبالغ فى تصوير الانتصارات التى تحققت ضد جيش حكومة المالكى وكأنها إنجاز عسكرى لداعش،
إلى أن بدأت تظهر الحقيقة وأن داعش وحدها لم تكن تستطيع أن تحقق أى تقدم أو أى انتصار لو لم تتحالف معها قوى أخرى عديدة، وظهرت فجأة إنقسامات حادة وخطيرة بين هذه القوى وبين داعش تؤكد توقعات الخبراء والمحللين ومراكز البحوث عن قرب انهيار تنظيم داعش فى العراق.
ركز الخبراء ومراكز البحوث فى أمريكا وأوروبا خلال الأسابيع الأخيرة على متابعة وتحليل ظاهرة انتشار تنظيم داعش فى العراق، لكن عملية المتابعة والتحليل من جانبهم تحولت مؤخرا إلى ملاحظة أحداث جعلتهم يرون أنها البداية لانهيار تجربة داعش، وقرب اشتعال معارك دموية وعنف داخل التحالف الذى يجمع داعش مع قوى سياسية وقبلية عديدة، ساندت التنظيم من أجل إسقاط حكم المالكى.
وبسبب الاندفاع المتهور من داعش لإظهار أنه القوة الوحيدة المسيطرة على الأحداث الجارية فى العراق، وتبنيه أفكارا متطرفة وغير واقعية ومثيرة للفوضى والانقسامات ترفضها بقية القوى المتحالفة معه، فقد اشتدت الصراعات التى تشير إلى تخلى الجميع عن داعش لوضعه فى جحمه الحقيقى فى وقت ليس بالبعيد.
لاحظ الخبراء أن إحدى العلامات على التوترات الشديدة بين داعش والذين شاركوه القتال فى جبهة واحدة فى العراق، هى البيان الذى أصدرته جمعية "علماء الدين المسلمين"، وهى جمعية سنية تضم رجال الدين الذين كانوا قد أيدوا المقاومة العراقية ضد الإحتلال الأمريكى للعراق، وإعلان معارضتهم مؤخرا لحكومة المالكى فى بغداد. وأعلنوا فى بيانهم رفضهم للدعوة المتهورة من تنظيم داعش للعراقيين لإقتحام الأماكن الشيعية المقدسة فى النجف وكربلاء، بل ودعوا السنة للتضامن مع بقية العراقيين من الشيعة، وقال البيان إن كل الدعوات التى وجهت للثوار للتوجه إلى النجف وكربلاء هى دعوات مرفوضة وغير مقبولة وغير مسئولة.
وهذا البيان يوضح أن أهداف كل من داعش وبقية القوى المتحالفة معها ضد المالكى، لا تتفق على الإطلاق مع بعضها، فهذه القوى لها هدف محدد وهو إسقاط حكومة المالكى بسبب ممارساته السياسية، وليست لها اتجاهات عدائية ضد الشيعة، بينما تنظيم داعش له أهداف مختلفة، فهو معاد للشيعة وأيضا للمسيحيين فى العراق، بطريقة متطرفة للغاية، وله أهداف لا تحافظ على الحدود الوطنية للعراق، ويتبنى أفكارا خيالية عن إقامة ما سماه دولة الخلافة فى كل المنطقة العربية.
ويقول مايكل هانا خبير الشرق الأوسط فى مؤسسة القرن الأمريكى التابع لمركز البحوث الأمريكى فى واشنطن، إنه من الواضح أن التطورات الأخيرة فى العراق ستقود إلى العنف، وأضاف "لن أصاب بأى دهشة إذا رأيت أن التحالف الذى يشعل الحرب فى العراق قد انهار تماما"، وهو التحالف الذى يضم إلى جانب داعش البعثيين الذين كانوا فى حكومة صدام حسين، والقبائل اليائسة من سياسات المالكى، بالإضافة إلى ما يسمى بالجيش الإسلامى للعراق وجماعة أنصار السنة، وميليشيات تابعة لما يسمى بالحزب الإسلامى العراقى، وكل هؤلاء تختلف توجهاتهم وأفكارهم السياسية عن أفكار المتطرفين الإسلاميين.
وحول اختلاف تلك التوجهات والأفكار السياسية، يقول الخبير هانا، إن داعش والبعثيين لن يحدث يينهما توافق ويمكن أن نتوقع فى وقت قريب جدا نشوب قتال بين داعش وبين القوى الأخرى المشاركة فى هذا التحالف. وأن بذور الخلافات الموجودة أصلا فيما بينهم لا تجعل هذا التحالف الذى يجمعهم يستمر، لأن داعش كشفت عن تطرفها وعدوانيتها ودمويتها ضد مختلف المذاهب والطوائف فى العراق. وبالتالى فإنها لا يمكن أن تفكر بطريقة واقعية، بمعنى أن أفكارها المتطرفة تمثل عقيدة ثابتة لديها تمنعها من النظر إلى كيفية التعايش السلمى مع بقية أطراف المجتمع فى العراق.
وحسب تقريركتبه أوستن لونج، وهومستشارسابق للقوات الأمريكية فىالعراق، وكان مختصا بشئون الأمن والمخابرات، أن معظم العراقيين غير متعاطفين مع داعش وأفكارها على الرغم من مشاركتهم فى القتال إلى جانبهم فإن ذلك كان بهدف القتال ضد حكومة المالكى، وكان اعتقادهم أن التطور الذى سيحدث بعد دخول داعش فى هذه المعارك سيخلصهم من المالكى، ولكن ما أظهرته داعش من أنها لا تتبنى أو تهتم بالمصالح الوطنية للدولة العراقية، مثل إعلانهم دولة الخلافة فى العراق تحت اسم"الدولة الإسلامية فى العراق"، دون أى تنسيق مع بقية القوى المتحالفة معهم، أو انتظار المجهود المشترك بين كل هذه القوى ضد حكومة المالكى، كشف لهم أن داعش تتبنى سياسة انقسامات حادة فى العراق يمكن أن تؤدى إلى هدم الدولة وانهيارها وتقسيمها بسبب مواقفها العدائية المعلنة ضد مختلف المذاهب والطوائف فى العراق. بل أن أطماع داعش وصلت إلى حد معاداة منظمات أخرى كانت تتفق معها فى أفكارها، وتدخل معها فى معارك مثلما حدث من مواجهات مسلحة بينها وبين جبهة النصرة فى سوريا لكى تصبح هى القوة الوحيدة المسيطرة فى المنطقة. والاثنتان كانتا تابعتين لتنظيم القاعدة وتتفقان معا فى نفس الأفكار والسياسات.
وقد لوحظ أن هذه التصرفات من داعش لا تعبر عن تنظيم يحمل عقيدة أو فكرا واقعيا لأنها بدأت تصطدم بكل القوى الأخرى التى كانت متحالفة معها من قبل من منظمات أخرى تمارس الإرهاب، حتى أن هناك منظمات تابعة لتنظيم القاعدة أصدرت بيانات تتبرأ فيها من إعلان أبو بكر البغدادى زعيم تنظيم داعش نفسه خليفة للمسلمين، ووصفت هذا التصرف بأنه غير شرعى، ودعت أنصارها إلى عدم الإعتراف به، خاصة بعد أن كان قد وجه بيانا لأعضاء هذه المنظمات بمبايعته خليفة للمسلمين.
لقد حاول بعض الخبراء فى الغرب الوصول إلى معلومات عن الأعداد الحقيقية لكل جماعة من الجماعات التى دخلت فى التحالف مع تنظيم داعش، وقدرت أعداد أعضاء تنظيم داعش بأنهم لا يزيدون على ثلاثة آلاف مقاتل، وأن ما حققوه من تقدم فى المعارك التى دارت فى العراق كان من المستحيل أن تتحقق دون مشاركة الجماعات المسلحة الأخرى معهم فى القتال ضد الحكومة القائمة فى بغداد.
ويرى الخبراء أن مجموع أعداد الأعضاءالآخرين فى الجماعات التى دخلت فى التحالف مع داعش، أكبر بكثير من أعداد أعضاء تنظيم داعش، ولذلك فإنهم يتوقعون فى لحظة فاصلة أن تتمكن هذه الجماعات من القضاء على داعش التى أصبحت تقترب من لحظة الانهيار بعد تخلى جميع حلفائها عنهم.





المصدر الاهرام - شريف الغمرى



تعليقات

المشاركات الشائعة