الحلقة الثالثة لحكاية الجماعة مع الثورة.. قصة قيام الإخوان بنقض أول عهودها مع ثوار الميدان يوم 29 يناير 2011

رصدت "بوابة الأهرام"، خلال الجزءين الأول والثاني من حكاية جماعة الإخوان مع ثورة "25 يناير"، رفض الجماعة المشاركة في مظاهرات 25 يناير و28 يناير وتمرد بعض شباب الإخوان على تعليمات الجماعة وتحايلهم واستغلال بعضهم للقبض على القيادات وإصدار تعليمات بالمشاركة التي كانت محدودة وفقا لتقارير المكاتب الإدارية للجماعة. 

فبعد نجاح شباب ثورة "25 يناير"، في السيطرة على ميدان التحرير وعدد من الميادين الرئيسة بالمحافظات المختلفة ونزول القوات المسلحة بعد انهيار الشرطة تحت ضغوط المتظاهرين وتواليهم في الزحف على الميادين لإسقاط الدولة الأمنية، أعلنت جماعة الإخوان مشاركتها في الثورة. 

وسادت حالة من الفرح بين شباب المتظاهرين بميدان التحرير، وبدأ الشباب يتحدثون في ماذا بعد رحيل الرئيس الأسبق حسني مبارك، إلا أن الميدان لم يظل على وضعه حيث انخفض عدد المتواجدين وذلك بعد انسحاب مجموعات من شباب الإخوان تلك التي نزلت بعد بيان الجماعة فيما ظلت مجموعة القصاص ورفاقه والتي شاركت في ثورة "25 يناير"، متواجدة بالميدان وتعمل على التنسيق مع شباب الحركات الاحتجاجية الأخرى. 

وقامت قوات الأمن بهجمة ارتدادية على المتظاهرين وتصدى لهذه الهجمة شباب ألترس أهلاوي ووايتس نايتس زملكاوي بالتعاون مع باقي المجموعات الشبابية الاحتجاجية مثل حركات 6 أبريل وحركة شباب من أجل العدالة والحرية المنبسقة عن تيار التجديد الاشتراكي وحملة دعم البرادعي ورابطة دعم البرادعي وحركة حشد اليسارية إلى جانب مجموعة القصاص ورفاقه. 

وتشير بعض المعلومات والتحريات الأمنية إلى أن المجموعات الشبابية الإخوانية التي انسحبت بعد انهيار الشرطة والتي لم تشارك في الثورة من اللحظة الأولى والتي نزلت لميدان التحرير عقب بيان الجماعة هي التي قامت بمهاجمة أقسام الشرطة وحرقها بعد تعبئة المواطنين معناويا ضد أقسام الشرطة لما كان يمارس فيها من أعمال تعذيب ضد المواطنين. 

وبالعودة إلى روايات شباب الإخوان الذين شاركوا في الثورة من اللحظة الأولى والتي تعتمد عليها "بوابة الأهرام"، بشكل رئيسي في رصد حكاية الإخوان مع ثورة "25 يناير"، حيث تكشف هذه الروايات قيام الجماعة بإصدار بيان صبيحة يوم 29 يناير باسم جماعة "الإخوان المسلمين"، وهو الأمر الذي استفز المجموعات الشبابية المتواجدة بالميدان ومن بينها مجموعة القصاص ورفاقه. 

فكان الاتفاق الذي توافق عليه المجموعات الشبابية بميدان التحرير يتمثل في عدم قيام أي فصيل بإصدار بيان منفصل باسمه وأن تكون البيانات الصادرة عن المجموعات الشبابية المتواجدة بميدان التحرير باسم "ثوار 25 يناير"، وهو ما خالفته الجماعة. 

إلا أنه بحسب رواية شباب الإخوان، فإن كارثة بيان الجماعة لم تكن فقط في كونه صادر باسم الجماعة ويخالف الاتفاق بين المجموعات الثورية بميدان التحرير، ولكن الكارثة الأكبر في أن البيان نزل كثيرا بمطالب الثوار الذين كانوا يهتفون: "الشعب يريد إعدام السفاح"، في حين كان يطالب البيان بإلغاء حالة الطوارئ. 

وعقب حضور مجموعات من شباب الإخوان تحمل الآلاف من نسخ بيان الجماعة لتوزيعه على المتظاهرين بميدان التحرير، قام محمد القصاص باستقبال هذه المجموعات وهو في حالة من العصبية الشديدة حيث انتزع الأوراق التي جاءوا بها وقام بحرقها مخاطبا هذه المجموعات قائلاً: "البيان دى مش هيتوزع ولو على جثتي... أنتم أغبية ومن أرسل بكم أغبى". 

وفي هذه اللحظة حضر الدكتور أسامة ياسين والذي كلفته الجماعة بتشكيل لجنة للإعاشة بميدان التحرير، واستقبله عبد الرحمن هريدي بسيل من التوبيخ والاتهامات، قائلاً: "يعني رفضتم مشاركتنا في المظاهرات وربنا ستر وخلفنا تعليماتكم ونزلنا على مسئوليتنا والآن حضرتم لتفسدوا ما حققناه... أنتم من يفكر لكم؟... لو ضباط أمن الدولة بينصحوكم مش هينصحوكم بأنكم تأخذوا القرارت دى بهذا المستوى من الغباء". 

وبعد حرق القصاص جميع نسخ البيان توجه كل من أحمد نزيلي وهاني محمود لمقر الجماعة بالمنيل، والتقى نزيلي ومحمود بالدكتور محمود عزت نائب المرشد العام للجماعة في حضور كل من الدكتور عصام العريان والدكتور سعد الكتاتني بعد هروبهما من سجن وادي النطرون وكان الحوار الذي دار بين نزيلي ومحمود من جانب وعزت من جانب آخر حادا وعنيفا من جانب الشباب فيما امتنع العريان والكتاتني عن المشاركة في الحوار. 

خاطب نزيلي عزت نائب المرشد العام للإخوان بحدة محملا إياه المسئولية عن سخف خطاب الجماعة -بحسب تعبير نزيلي- وأنهم يحاولون نسف ما بناه شباب الإخوان بمشاركة شباب الحركات الاحتجاجية في إشعال شرارة الثورة. 

وحاول عزت امتصاص غضب نزيلي إلا أن نزيلي كان كالقطار فلم يعطه الفرصة وحذره من إصدار أي بيان باسم الجماعة لأن ذلك يشق وحدة الصف الثوري بميدان التحرير، ولكن عزت أكد له أن البيان الذي يرفضونه يحمل مطالب الإخوان على مدى الـ30 عاما الماضية. 

وهنا تدخل هاني محمود قائلاً: "دكتور عزت الشباب يهتفون الشعب يريد إعدام السفاح وأنتم تتحدثون عن إلغاء حالة الطوارئ وإلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية المزورة.. الناس يتحدثون عن رحيل مبارك وأنتم تدعون لإجراء انتخابات بإشراف قضائي كامل.. بأي معيار تتحدثون.. لماذا تنزلوا بصقف مطالب المتظاهرين". 

ولم يسفر الحوار بين الجانبين عن أي نتيجة سوى زيادة حنق غضب الشباب على قيادة الجماعة... إلا أن نزيلي قرر بشكل مفاجئ إنهاء الحوار العقيم الدائر حيث وجه خطابه للدكتور عصام العريان والدكتور سعد الكتاتني قائلاً: "لماذا لا تنزلوا للميدان وتلتحموا مع المتظاهرين لعل نظرة الجماعة للوضع تختلف من خلال وجودكم؟". 

ورد عليه العريان: "هل الميدان آمن يسمح بنزولنا؟.. فرد نزيلي الميدان أكثر مكان آمن بمصر". 

وبالفعل دخل العريان والكتاتني لميدان التحرير بصحبة هاني محمود وأحمد نزيلي وتم التقاط صورة للأربعة وهم متشابكو الأيدي كتب عليها: "لولا نزيلي ومحمود ما دخل العريان والكتاتني لميدان التحرير"، وتعتبر نصيحة نزيلي للعريان والكتاتني بالنزول لميدان التحرير النصيحة التي ندم عليها نزيلي لأنه صبغ العريان والكتاتني بالطبيعة الثورية التي لا يستحقونهما. 

وبدأت المفاوضات بين الإخوان من جهة ونظام مبارك من جهة أخرى والتي أشرف عليها اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية بنفسه وتم لقاءان بين الجانبين أحدهما تم الإعلان عنه والثاني لم يعلن عنه. 

كان اللقاء الأول قبل موقعة الجمل بمقر وزارة الداخلية بحضور عمر سليمان عن النظام ومحمد مرسي وسعد الكتاتني عن الإخوان واتفق فيه سليمان مع مرسي والكتاتني على تمكين الجماعة من إشهار جمعية أهلية وتكوين حزب سياسي والإفراج عن خيرت الشاطر وحسن مالك وباقي أعضاء الإخوان المقبوض عليهم، وإلغاء نتائج الانتخابات البرلمانية. 

إلا أن حركة الثورة بميدان التحرير كانت أسرع من مكيافلية الإخوان، حيث دعا المتظاهرون لتنظيم مليونية يوم الثلاثاء 1 فبراير بميدان التحرير وبالفعل احتشد المواطنين وعقب احتشادهم وجه الرئيس الأسبق حسني مبارك خطابه الشهير. 

وبدأ الميدان ينقسم على نفسه، إلا أن موقعة الجمل التي مازال مرتكبوها أحرارا حتى الآن، أعادت اللحمة للميدان مجددا. 

وصبيحة يوم الأربعاء 2 فبراير يوم موقعة الجمل اتخذت جماعة الإخوان قرارا بالانسحاب من ميدان التحرير، وبالفعل انسحب بعض المجموعات الشبابية للإخوان إلا أن مجموعة القصاص ورفاقه لم تنسحب من الميدان واصطدم إسلام لطفي بالدكتور محمود أبو زيد عندما أبلغهم بقرار الانسحاب بل قام لطفي بدعوة أبو زيد لترك الميدان في شكل أقرب لطرده. 

واتصل أحمد عبد الجواد حفيد المرشد العام الرابع للجماعة، مصطفى مشهور، بأخيه طارق أثناء قدومه للميدان وطالبه بالتوجه لمقر الجماعة بالمنيل ليعرف من وراء قرار الجماعة بالانسحاب من ميدان التحرير. 

وتوجه طارق للمنيل ووجد الدكتور محمود عزت بالمقر ودار بينهما حديث عنيف حيث اتهم طارق عزت بالخيانة وأن شباب الإخوان بالميدان لم يتركوا الميدان إلا على جثثهم. 

وخرج طارق من المقر في عصبية شديدة وكان خروج أي من مجموعة القصاص ورفاقه من الميدان صعبا حيث قام طارق بالاتصال بأخيه وهنا تدخل أحمد نزيلي مطالبا طارق بالدخول مجددا للدكتور محمود عزت ليعطيه الهاتف لكي يتحدث إليه بنفسه. 

وعاد طارق واتصل بنزيلي على هاتف أخيه أحمد وتحدث نزيلي إلى الدكتور محمود عزت ليسأله عن أسباب قرار الانسحاب فرد عليه عزت قائلاً: "يا أخ أحمد عندنا معلومات أنهم هيفضوا الميدان ودم الأخ عند الجماعة أغلى من الدنيا وما فيها". 

وقاطعه نزيلي قائلاً: "أنتم خونة بعتوا الدين والدنيا وإحنا مش هنخرج من الميدان إلا على جثثنا" وأغلق نزيلي الهاتف في وجه محمود عزت... إلا أنه في المساء وبعد صمود المتظاهرين أمام هجمة موقعة الجمل بدأت مجموعات نظامية من شباب الإخوان تتوافد على ميدان التحرير. 

وشرع شباب الثورة عقب موقعة الجمل في تشكيل كيان يعبر عن شباب الثوار وكان ائتلاف شباب الثورة الكيان الشبابي الأبرز الذي يلتف حوله الآلاف من الشباب وذلك لكونه كان يضم ممثلين عن حركة 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين وتيار التجديد الاشتراكي وشباب الإخوان وغيرهم من الشباب. 

وتوالت الصدامات بين شباب الإخوان وقيادة الجماعة خلال الثورة وبعدها حتى تم فصلهم إلا أن الصدام الأبرز خلال الـ18 يوما عمر ثورة 25 يناير، عندما دعا عمر سليمان بعض الشباب للحوار مع النظام وقررت الجماعة أن توفد عن شبابها محمد القصاص وإسلام لطفي وهو ما رفضه شباب الإخوان بعد رفض باقي المجموعات الشبابية الحوار مع سليمان. 

ودخل القصاص في صدام مع الدكتور محمد مرسي حيث اتهم مرسي القصاص بأنه أحرج الجماعة بعد رفضه المشاركة في الحوار.. وهنا رد عليه القصاص في حدة قائلاً: "أنتم متتكلموش بعد مواقفكم المخزية منذ بداية الثورة وأنا مش هشق صف وحدة شباب الميدان". 

وفشلت قيادة الجماعة في التأثير على قواعدها التنظيمية بعد ارتفاع سقف مطالب الميدان، إلا أن قيادة الجماعة ولاسيما المجموعة المعروفة باسم رجال الشاطر وعلى رأسها محمد مرسي أدركت خطورة استمرار مجموعة القصاص ورفاقه في التنظيم فراحت تشيطنه وبدأت تتصيد لهم وفصلتهم تباعا الشاب تلو الآخر. 




المصدر بوابة الاهرام

تعليقات

المشاركات الشائعة